العلاقة بين قضية مسلمي الأيغور ، والمشروع الغربي لتقويض النهوض الصيني!
،
حامد بن عبدالله العلي
،
ليس بخاف علينا ، الخوف الأمريكي من عملاق الصين الناهـض ، وأنَّ أمريكا تقود الغرب اليوم في مشروع تقويض النهوض الصيني ، ومحاصرة الصين ، وأنها ـ كما فعلت في قضيتي البوسنة ، وكوسوفو على سبيل المثال ضدّ روسيا ـ لن تفوّت إستثمار فرصة التميّيز الصيني ضدّ الأقليات العرقية ، والدينية ، الصينية ، إستثمارها لذلك المشروع.
،
ذلك أنَّ العبث بمثل هذه القضايا الداخلية ، قد غـدا لعبة مفضّلة يستمتع بها الغرب ، لإزعاج القوى المنافسة له على المسرح الدولي .
،
وما عليك إلا أن تتجـوّل في لندن ، وواشنطن ، وباريس ..إلخ ، لترى (دكاكين ) لكلّ أشكال المعارضة ، السياسة ، والطائفية ، والعرقية ، للدول التي يتوقّـع الغرب أن يحتاج إلى إبتزازها ، أو مساومتها ، أو إزعاجها ، يوما ما ، من شيعة القطيف ، إلى معارضي شافيز !
،
ولاريب أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ، والدول الغربية ، لديها مثل هذه المشكلات ، وجعبتها مليئة بالتمييز ضد الأقليات ، وإضطهادهم ، ولكن ليس ثمّة قوى عالمية منافسة للغرب ، قادرة على أنْ تردّ صاعها هذا ، بصاعـين ، وذلك لأسباب كثيرة ، منها ما يملكه العالم الغربي ، من مقدرات لايملكها غيره ، وأقواها التنسيق التام بين مؤسساته العملاقة ، فهو عندما يتعامل مع الحضارات العالمية المنافسة ، يتعامل معها من منطلق أنَّه حضارة غربية واحدة ، تتحرك بنسـق واحد ، وهذا ـ قاتله الله ـ من أعظم أسباب قوته .
،
ونعلم أنَّ حـلم الغربيّين أن يفصلوا التبت ، وكذلك الأيغور من الصين ـ والأيغور خاصة لأن معظم الصواريخ البالستية الصينية في إقليمهم الغني بالثروات أيضا ـ ليكونا مثل جورجيا ، وما حولها ، بـإزاء روسيا ، ليس لمنحها إستقلالا حقيقيـّا، ولكن قواعد متقدِّمة ، ومخالب قطّ ، تحاصر التنين الصيني.
،
ولهذا فقد دعت ألمانيا كلَّ المعارضين الأيغـور ، الذين أتوْا إلى برلين من كلِّ فج عميق ، لإقامة مؤتمرهـم العام ، الأسبوع الماضي ، وتحدثوا عن إعادة إحياء إنفصـال تركستان الشرقية ، موطن الأيغور ، التي ضمتها الصين في أربعينات القرن الماضي.
،
كما أنّنا لم ننس حلم (الشرق الأوسط الكبير) ، وأنَّ هدفه هو تكوين هلال عملاق من دول تدور في الفلك الغربي ، تشمل أفغانسـتان ، وباكستان ، وإيران ـ بعد تغيير النظام فيها ـ وعراق ما بعد الإحتلال الأمريكي ، لتطويق الصين ، وروسيا ، يشبه ما كان يسمى ( حلف بغداد ) عام 1955م ، الذي كان يشمل تركيا ، والعراق والخليج الذي كان تحت بريطانيا ، وباكستان ، وإيران الشاه ، للتصدي للتوسع الشيوعي آنذاك .
،
وندري أنّ الغربيين يريدون اليوم أنّ يثيروا قضية مسلمي الأيغور ـ ولاحظوا غض النظر الغربي عن مجاهدي الأيغور ، والتغاضي عن إلحاقهم بما يسمى "الإرهاب" حتى تم استثناؤهم بمعاملة خاصة في غوانتنامو ! ـ لا حبّا في الإسلام والمسلمين ، ولا شفقة على حقوق الأقليات ، بل ـ إضافة إلى ما ذكرنا أوّل المقال ـ لإظهار الصين بصورة الدولة المعادية للعالم الإسلامي ، وذلك بعد أن نجحت الصين في منافسة الغرب ، في الحصول على عقود فلكية في بعض الدول الإسلاميِّة ، وأخذ التنين الصيني يستعرض قوَّته متجـوِّلا في مناطق غنيَّة بالثروات ، كان الغرب يراها حكراً عليه ، لاسيما في أفريقيا.
،
كما أنه ليس بعازب عنَّا ، أنَّ الصين منذ أن تأسست دولتها الحديثة ، ليس لها تاريخ إستعماري خارج حدودها ضد أمّتنا ، وحتىّ عندما دخلت شركاتها الكبرى في إفريقيا ، لم تحشر أنفها كما يحشره الأمريكيون بغطرستهم المعهودة في كلِّ شيء ، وقد ارتاح الإفريقيون لهذا الشريك المسالم الجديد .
،
ولم تفعل ما فعله الغرب فينا من الكوارث ، والمآسي ، بدأ من تأسيس الكيان الصهيوني وحمايته ، ومروراً بالإستعمار البغيض ، وإنتهاءً بما يفعله اليوم من محاربة الإسلام ، وإحتلال بلاده ، وتشويهه ، وملاحقته في العالم بأسره ، حتى ملاحقة مؤسساته الخيريّة ، وما تفعله من خدمات إنسانيّة حتى فريضة الزكاة!
،
غير أنَّ هذا كلَّه لايعني أنْ لانثير قضية الإضطهاد الصيني لمسلمي الأيغور ، وغيرهم من مسلمي الصـين ، ونحشد الطاقات الممكنة لردع الصين عن مصادرة حقوقهم .
،
فمسلمو الأيغـور في الصين ، قد أسهموا في صناعة ذروة أمجاد الإسلام ، ذلك أنـَّهم هم الجنس الذي تحدر منه السلاجقة ، الفاتحون العظام في تاريخنا ، وجاء منهم بنو عثمان ، الذين أسسوا أعظم إمبراطورية إسلامية ، بل أعظم إمبراطورية في التاريخ ، انضوى تحتها كلُّ العالم الإسلامي في إتحاد عالمي ، هيمن على المعمورة .
،
وقد استغلت الصين الأجواء التي دهمت العالم بعد 11/9 ، فأمعنت في ملاحقة الناشطين الأيغوريين ، بإلصاق تهمة العلاقات مع "الإرهاب" بهم .
،
ثم انطلقت عملية إضطهاد واسعة لمسلمي الأيغـور ، من إغلاق المساجد ، والمدارس الإسلامية ، والإعتقالات ، والتعذيب ، والمحاكمات غير عادلة ، وتدمير الممتلكات ، إلى الإعدامات.
،
كما وضعت السلطات خططا بعيدة المدى ، لإضعاف المسلمين ، وتقوية الأعراق الأخرى في إقليمهم .
،
ومن الأمثلة على ما في هذه الخطط ، من التمييز العنصري ، تطبيق قانون ( الطفل الواحد ) على الأيغور المسلمين بكلِّ قسوة ، والتساهل مع غيرهم ، حتى تغيَّر التوزيع السكاني في الإقليم ، وبعد أن كان المسلمون في تركستان الشرقية يشكِّلون أكثر من 90% سنة 1942م ارتفعت نسبة الصينيين بعد هذه الخطط ، إلى حوالي 40% !
،
هذا مع أنَّ المعلومات التي تخرج عن إضطهاد المسلمين في إقليم تركستان الشرقية ، الأيغـور ، ضئيلة جداً ، ولا تمثـِّل إلاَّ أقل القليل من الحقيقـة ، بسبب منع السلطات الصينية ، وسائل الإعلام ، والمنظمات الحقوقية ، من كشف الحقائق.
،
وبعد :
،
فكم هو الأسى يعصر القلب ، أن لايجد مسلمو الأيغور ، إلاّ الغرب المتآمر على حضارتنا ، ليعقدوا فيه مؤتمـرهـم ، في زمن صارت بضع قضايا المسلمين فيه ، مادة تحُرق في مشهد الصراع العالمي على الثروات ، والهيمنة .
،
وأمر آخر يثير الأسى ، والعجـب ، وهو تلك الألسن التي كانت صامتة ، عندما كان الغرب ـ الذي يتباكى اليوم على مسلمي الأيغور ـ يقف بكلِّ قوته مع الصهاينة ، وصواريخهـم تدكُّ مساجد ، ومستشفيات غزة ، دكّا دكّا ، وتقتل نساءهم ، وأطفالهم ، واليوم انطلقـت تلك الألسن ، (تلعلع) على قضية الأيغـور !
،
ما بالها لاتتحمَّس لقضية من قضايا المسلمين ، إلاَّ ما يتوافق مع الأطماع الغربية ؟!!
،
ولكن لاعجب فهي نفسها الألسنة التي كانت تصرخ بالجهاد ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانسـتان ، ثم لبقايا نفوذه في البوسنة ، ثم صار الجهاد عندها ضد المشروع الأمريكي ، فتنةً ، وإرهابـاً !!
،
وعلى أيـة حال ، فإنَّ واجبنا اليوم الوقوف مع محنة مسلمي الأيغور ضد القمع الصيني .
،
أولاً: لأنَّ هذا واجبنا مع كلِّ شعب مسلم ، واجب تفرضه عقيدة الولاء.
،
وثانيا : لتصل رسالة صارمة من أمِّتنا إلى الصين ، مفادها أنَّ إضطهادهم للمسلمين في الصين ، لن يكون إلاَّ في صالح الغرب الذي يستغلّ هذا التمييز العنصري ، لوضع الصين اليوم ، في صورة العداء مع الحضارة الإسلامية ، لتخلو الساحة العالمية للأطماع الغربية ، وصهاينتهم ، وبعدها لن يرقبوا ـ كما الغرب دائما ـ في مسلم إلاَّ ، ولا ذمـَّة .
،
فيا أيها الصين ، خيرٌ لك أنْ تسالمي هذه الأمة الإسلامية ، فهـي الأمَّة التي سيكون لها المستقبـل بإذن الله تعالى .
والله حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فلتوكّل المتوكّـلون الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 10/07/2009 عدد القراء: 24743
أضف تعليقك على الموضوع
|