والان فلنأخذ في قضية جديدة لهذا الأسبوع ، فقد جاءني شاب يعمل مدرسا للمرحلة الثانوية ، فأعطاني نسخة من الكتاب الجديد للتاريخ الإسلامي للمرحلة الثانوية نظام المقررات ، تأليف مجموعة من الأساتذة بإشراف الأستاذ بنيان سعود تركي ، وأبدى المدرس استياءه من معلومات مغلوطة في الكتاب ، بالإضافة إلى ضعف مادته العلمية ، وعدم تقيده بآداب البحث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاءه الراشدين ، ورغب إلي أن ألقي نظرة على الكتاب ، وأكتب فيه مقالا ناقدا لعل وعسى أن يكون ذلك سببا في إعادة النظر فما يحتويه من ملحوظات في الطبعات الجديدة ، ولما قرأته على عجل بدا لي فيه هذه الملحوظات التي أرجو أن يعاد النظر فيها عند إعادة طباعته :
أولا : عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم غالبا ما يتم تجاهل الصلاة عليه تماما بعد ذكر اسمه ، وأحيانا قليلة يكتب حرف ( ص) فقط إثر اسمه الشريف والواجب أن تكتب الصلاة عليه كاملة ، لاسيما والأمر متيسر جدا فالصلاة عليه كاملة تكتب بضربة واحدة فقط في الطابعات الكمبيوترية .
ثانيا : ورد في الكتاب ص 67 ( تختلف رؤية الباحثين والدارسين حول بواعث وأسباب تلك الحركة الرائعة المعروفة باسم الفتوحات الإسلامية ، فهناك من يعطي العامل الاقتصادي أهمية كبرى ، ويرى أنه المحرك الأساسي لها ، في حين أن هناك من يقول إن العامل السياسي هو الأكثر أهمية ، وفريق ثالث يرجح العامل الديني ، ويرى أنه لاباعث ولادافع غيره ، لكن الباحث أو المؤرخ المنصف لابد أن يقر أن هذه العوامل جميعها كانت السبب وراء هذه الحركة .. ونستطيع أن نقول إن عامل الحماسة الدينية هو أول هذه العوامل ) .
ولاريب أن هذا التحليل التاريخي الذي يشبه أن يكون قد أخذ من كلام المستشرقين خطأ وباطل ، فالفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن لها أي دافع سوى امتثال أمر الله تعالى بالجهاد لإظهار الدين ، وحتى العامل الاقتصادي كان يقصد منه الاستعانة به على إظهار الدين وإعلاء كلمة الله تعالى ، والكتب الإسلامية طافحة بهذه الحقيقة المعلومة بالاستفاضة ، وكان كلام الرسل الذين يبعثهم الخلفاء لملوك البلاد المفتوحة يدور حول هذه العبارة : ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ) ، إذن هي رسالة سامية تهدف إلى نشر الإسلام بتعاليمه المنقذة للبشرية من ضلالات الكفر وظلمات الشرك ، ولم يكن الخلفاء الراشدون تحركهم أطماع اقتصادية ، ولا أغراض سياسية ، وهم أزهد الناس بالدنيا ، وأتقاهم لله تعالى ، وأعفهم عن الأغراض الدنيوية ، وللحديث بقية نكمل فيه نقد الكتاب المذكور ، ولولا أنه مقرر لأبنائنا وسيدرسه مئات الآلاف منهم لما كان ثمة حاجة إلى نقده هنا في الصحافة.