"كنت حاملاً في الشهر الثاني، استقبلت في الفرع بضربة على البطن وصفعة على الوجه، ثم انهالوا علي بالضرب بالأيدي والأرجل، لم يكن ظاهراً عليّ الحمل بعد، لم يعرفوا بذلك!! وأنا مشدوهة من الرعب والخوف، بعد أيام بدأت بالنزيف، أخبرتهم بأنني على وشك الإجهاض، لكن لم يزرني أي طبيب، حتى أجهضت".
صبرية أيوب
هو أحد أنواع المساواة بين الرجل والمرأة، في انتهاك الحقوق واستباحة الكرامة. وهو إيمان "صادق" بأن للمرأة قدرة على الاحتمال كما الرجل
تماماً، لذلك يجب أن تخضع مثله للتعذيب، وتذوق ما يذوق من آلام الجسد ومعاناة الروح.
عوالم المرأة داخل فروع الأمن المختلفة تشابه إلى حد بعيد عوالم الرجل، إلا في بعض تفاصيلها التي تنطوي على مقدار أكبر من الإساءة والمهانة.
وفقاً لمشاهدات عدد من المعتقلين السابقين في الفروع الأمنية خلال السنتين الماضيتين، حجزت في هذه الفروع معتقلات من مختلف الأعمار والجنسيات، وفي أحيان كثيرة بصحبة أطفالهن. غالباً تستغرق عملية الاحتجاز أسابيع أو أشهر، في حالات قليلة أخرى تمتد لأكثر من سنة.
تشمل اعتقالات النساء بشكل أساسي: إما زوجات مطلوبين أو فارين خارج القطر، وهو ما ينطبق عليه وصف الرهائن بحيث يتم احتجاز المعتقلة إلى أن يسلّم زوجها نفسه أو يتم إلقاء القبض عليه، أو دخول القطر بطريقة غير مشروعة وهو ينطبق على نساء من جنسيات عربية وآسيوية مختلفة، أو العودة من المنفى، وهو ينطبق بشكل أساسي على العائدات من العراق عقب العدوان الأمريكي عليه. وقد سجلت منظمات حقوق الإنسان العديد من هذه الحالات خلال الأشهر الماضية. بالإضافة إلى حالات أخرى متفرقة، كالاعتقال بناء على تقرير مغفل أو بسبب الانتماء إلى تيار سلفي...
طبعاً تختلف طبيعة معاملة المعتقلات حسب كل حالة، ففي حين تقتصر بعضها على التحقيق وتوابعه من شتائم وإهانات، تشهد أخرى عنفاً وقسوة عبر التعذيب الجسدي بأنواعه المختلفة، هذا فضلاً عن سوء ظروف الاعتقال بحد ذاتها من حيث قذارة الزنازين أو المهاجع واكتظاظ هذه الأخيرة وتردي نوعية وكمية الطعام والافتقار إلى العناية الصحية اللازمة.
إحدى هؤلاء المعتقلات تقول: "تعايشنا في الفرع مع كائنات لا نشاهدها في الخارج، مثلاً تعرفنا على صراصير ناصعة البياض. فراشي كان يعج بمثل هذه الكائنات. وماذا أقول عن الطعام، ما يهوّن الأمر علينا قليلاً هو "الندوة"، وتعني أن باستطاعتنا – طبعاً بعد انتهاء فترة التحقيقات ونقلنا إلى المهجع في الفرع – شراء لوازمنا الأولية من الخارج، لكن المشكلة في نقودنا المودعة لدى الأمانات، والتي كانت تتبخر بقدرة قادر بين "ندوة" وأخرى وبما يفوق كثيراً مصاريف مشترياتنا.
معتقلة أخرى تقول: "كانت زنزانتي صغيرة كالقبر لا أستطيع أن أتنفس فيها، فكنت أضع أنفي على ثقب في الباب لكي أحصل على ذرة هواء، أما المهجع فقد وصفت لي أخت كانت معتقلة هناك، بأنه معد لاستقبال سبعة أو ثمانية أشخاص، ومع ذلك يحشر فيه أكثر من 25 امرأة مع أطفالهن.
كما أسلفت، اعتقال النساء غالباً يكون للضغط على الأزواج، والاحتفاظ بالأطفال، للضغط على الأمهات: "كان أكثر ما يعذبنا أولئك الأطفال، ينزوون في ركن قصي، لا يكفون عن البكاء، وإذا بدرت منهم حركة، أو علا صوتهم بطلب أو شكوى، جاءهم صوت السجان كالسوط ليعودوا إلى صمتهم من جديد".
هناك أيضاً أجنّة لم تر النور، لأن أمهاتهن أجهضن خلال فترة اعتقالهن "كنت حاملاً في الشهر الثاني، استقبلت في الفرع بضربة على البطن وصفعة على الوجه، ثم انهالوا علي بالضرب بالأيدي والأرجل، لم يكن ظاهراً عليّ الحمل بعد، لم يعرفوا بذلك!! وأنا مشدوهة من الرعب والخوف، بعد أيام بدأت بالنزيف، أخبرتهم بأنني على وشك الإجهاض، لكن لم يزرني أي طبيب، حتى أجهضت".
التعذيب الجسدي للنساء لا يخرج عن الأساليب المعتادة: "كنت أراقبهم من ثقب في الجدار، جاؤوا بامرأة "مجلببة" ألبسوها بنطالاً وطرحوها أرضاً على بطنها وبدؤا بضربها على الجزء الأسفل من جسدها".
ومع ذلك، أحياناً يكون التعذيب الجسدي بالنسبة للأنثى، أرحم من الانتهاك الجنسي الذي يترك إحساساً عميقاً بالمهانة. وإن كانت أكثر من معتقلة سابقة قد أكدت بأن الانتهاك الجنسي ليس سياسة رسمية كما هو الحال بالنسبة للضرب أو الشتم مثلاً، بل هي ممارسات فردية من بعض السجانين أو المحققين... أو الممرضين: "كان من يسمونه ممرضاً لا يفقه شيئاً من أمور التمريض أو التطبيب، لكنه يستغل حاجة المعتقلة للعلاج للتحرش بها، هناك أيضاً ما يسمونه "اختبار العذرية"، وهو وإن كان نادر الحدوث إلا أنه حصل مع بعض المعتقلات، وكان من أكثر ما تعرضن له مهانة وإذلالاً".
الحديث عن ممارسة التعذيب داخل الفروع الأمنية ليس جديداً، لكن هذا لا يعني أن القضية أصبحت أمراً مشروعاً كما بات يفكر فيها المواطن في وعيه أو لا وعيه، نتيجة الاعتياد على هذه الممارسات في الفروع واعتبارها تحصيل حاصل لعملية الاعتقال التعسفي، حتى أننا نجد هذه الفكرة مطروحة في بعض أعمالنا التلفزيونية كما شاهدنا في إحدى المسلسلات التي تعرض حالياً على شاشة التلفزيون السوري، وهو مسلسل "أحلام كبيرة"، مشهد قصير يظهر فيه الشاب حسن وهو يختطف من أمام منزله من قبل ثلاثة عناصر أمن في الفرع، يظهر حسن وهو متورم الوجه وآثار الضرب بادية عليه، المحقق يقول له، ليس لدينا شيء ضدك، كان مجرد "تقرير من مجهول" وعلينا أن نتأكد من بعض الأمور. "طبعاً المسلسل اجتماعي بحت ولا يحمل أي مدلولات سياسية، وقد تناول هذا المشهد باعتباره أمراً طبيعياً مر مرور الكرام، بدل التعامل معه أو إظهاره بشكل من الأشكال على أنه أمر مرفوض أو مخالف للقوانين. والرقابة التي سمحت بمرور هذا المشهد، تعترف ضمنياً بأن التعذيب هو من الممارسات الاعتيادية في فروعنا الأمنية، هذا على الرغم من أن مثل هكذا حديث قد يؤدي بصاحبه إلى تهمة "نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة"!!.
والحديث عن تعذيب النساء لا يخرج عن هذا الإطار، لكنه يتخذ خصوصية معينة نظراً للوضع الاجتماعي للمرأة من جهة، ولأن الانتهاك يطال في أحيان كثيرة أطفالها بشكل مباشر.
بعد توقيع اتفاقية مناهضة التعذيب أوائل تموز الماضي، وبعد أن كثر الحديث عن تحجيم دور الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلتها وكف يدها عن حقوق الناس وحرياتهم، تصبح هناك مشروعية أكبر لأحلام "وردية" بوقف هذه الممارسات اللاإنسانية داخل الفروع الأمنية المختلفة، وإخضاعها، وطبيعي أن هذه الأحلام تحتاج لتحقيقها إلى جهود مكثفة من المنظمات الحقوقية والنشطاء لتحسين ظروف الاعتقال ومنع الانتهاكات المرافقة له، إلى أن يأت الوقت الذي تتحقق فيه "المطالبات" بإغلاق هذا الملف والإفراج عن كافة المعتقلين والمعتقلات في السجون والفروع الأمنية، وإناطة أمر التوقيف والاعتقال بالأجهزة القضائية وحدها.
"خاص"
http://www.shrc.org/data/aspx/d6/1996.aspx
الكاتب: أبو المعالي الكويتي التاريخ: 13/05/2011 عدد القراء: 7778
أضف تعليقك على الموضوع
|