يقول الدكتور الأديب مصطفى محمود في كتاب "الغابة" في وصف المدينة :
"المدينة شيء خانق لزج..
البيوت الضيقة كالدكاكين..والناس المتزاحمون في طوابير يتهامسون في ريبة ويتبادلون الخوف ويتناقلون الأكاذيب ويتعاطون الأقراص المنومة ولا يعرفون للنوم طعما..الأشجار الحليقة..الوجوه التي غطتها المساحيق..الأظافر التي كساها الطلاء..الشفاه التي احتجبت خلف بسمات باردة تقليدية لا تدل على شيء..اللغة التي أصبحت رخيصة..مهلهلة مبتذلة لكثرة ما دخلها من النفاق والتظرف والصنعة..الصداقة التي أصبحت حرفة..العاطفة التي أصبحت طريقة للوصول..
نهازوا الفرص الذين انتشروا في كل مكان يطنون كالذباب ..البراءة التي ماتت.
المرض المزمن الذي أصبح له إلف اسم واسم..القرحة ..القولون ..الأملاح..السكر الضغط..الكبد..الذبحة..الأرق..القلق..
وهو مرض واحد اسمه الحقيقي....المدينة."
********
ليست المدينة فقط ،حتى الأرياف أصيبت بتلك العدوى ..
حقيقة الأمر .. أن العالم كله غدى يشتكي منها .
ولو أن نظاما عالميا يقوم على ما نحب وليس على ما نكره!..على تكوين المجتمعات وليس على تفريقها !..على ما يمكن أن نفعل وليس على ما يجب !..لوجدنا اختلافا كبيرا .. ولأصبح لدينا مكان لن نحتاج يوما للهرب منه إلى غيره.
إننا هنا نتحدث عن نظام إسلامي ومجتمعا إسلاميا..فشريعة الإسلام شريعة كونية قادرة على التكيف مع كل الأزمنة والأمكنة، وليس نظاما محليا محدود العلاقات مجتث الجذور ،مقطع الأواصر.....انه نظام الإنسانية بأسرها...حين يقبل الجانب الروحي من الإنسانية على منهل الإيمان ويرتوي منه.
من هنا أقف وقفة احترام وتبجيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ...
الذي استطاع أن يطبق هذا النظام في دولة مترامية الأطراف ..مختلفة العادات ..
مستحيلة الانصهار والتقولب ....
تلك الدولة لم تقم بنيتها التحتية على مال أو ذهب بل قامت على الفكر..
فكر المربي الأول المستلهم من التشريع الإلهي ... انه فكر محمد_صلى الله عليه وسلم_ الذي لا ينطق عن الهوى.
وحينما نتحدث عن عمر _وهو حديث يحتاج لمجلدات_ ،نعيش تلك المشاهد العمرية...التي هي أمثال تضرب لا حوادث تقع... لكأننا نرى عقيدة السماء تتمشى فوق أديم الأرض على قدمين ...فالأرض تسمو وتزدهر.. والسماء تدنو وتنهمر....وكلاهما على أمر قد قدر....وهو تحقيق التوافق العمري ....المستمد من النظام الإسلامي....
إن النظام الوسطي العادل الذي أقامه عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ كما يقول طه حسين في "الفتنة الكبرى" نظام مستقلا ...ولم يكن مستلهما من أمة أخرى....
" لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد نظام حكم مطلقا ولا نظاما ديمقراطيا على نحو ما عرف اليونان، ولا نظاما ملكيا أو جمهوريا أو قيصريا على نحو ما عرف الرومان،وإنما كان نظاما عربيا خالصا يبيٍن الإسلام له حدوده العامة من جهة،وحاول المسلمون أن يملئوا مابين هذه الحدود من جهة أخرى"
الكاتب: اليمانيات المسلولة التاريخ: 19/03/2009 عدد القراء: 4252
أضف تعليقك على الموضوع
|