بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ :يتناقل بعض الأفراد ،بأن الإيمان بخبر الآحاد لا يجوز شرعاً ،ومن ذلك الإيمان بعذاب القبر ، وشفاعة الرسول للمؤمنين يوم القيامة ، وورود الصراط ، ونزول عيسى عليه السلام ، وخروج الدجال ، وظهور المهدي ، وغير ذلك مما ثبت بخبر الآحاد . وأن المخالف لذلك يعتبر آثماً فما صحة هذا القول ؟ وجزاك الله خيراً
الحمد لله رب العالمين ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصل ِ اللهم وسلم على نبينا نبي الرحمة محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن أصحاب هذا القول يعتمدون بقولهم هذا على التفسير الخاطئ للظن ، إذ دليلهم مبني على حرمة إتباع الظن ،ويجعلون خبر الآحاد مندرجاً تحت هذا القول لذا فهم يحرمون الإيمان بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال خبر الواحد ،ومن ذلك ما ذكرت من عدم إيمانهم بعذاب القبر ،وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين يوم القيامة ، وورود الصراط ، ونزول عيسى عليه السلام ، وخروج الدجال ، وظهور المهدي ،وغير ذلك ، وهذا القول باطل من عدة وجوه :
أولاً : إن كلمة الظن في اللغة تدل على عدة معان يحددها السياق ، فقد يطلق لفظ الظن ويراد به اليقين كما في قوله تعالى : ( كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاق ) .ِ (29)القيامة والمعنى أي علم وتيقن قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة : يقول تعالى ذكره : وأيقن الذي قد نزل به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . قال قتادة : ( وظن أنه الفراق ) أي استيقن أنه الفراق أ هـ تفسير الطبري . قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : أي أيقن الإنسان أنه الفراق ، أي فراق الأهل والمال والولد ، وذلك حين عاين الملائكة . أ هـ القرطبي .
وقال سبحانه : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) . (46) البقرة قال القرطبي : الذين في موضع خفض على النعت للخاشعين ، ويجوز الرفع على القطع ، والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَه ) . تفسير القرطبي .
ويأتي الظن بمعنى الشك ،قال تعالى : (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَبا ) . الكهف ً (36) قال الطبري : القول في تأويل قوله تعالى : (وَدَخَلَ جَنَّته وَهُوَ ظَالِم لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنّ أَنْ تَبِيد هَذِهِ أَبَدًا ) . يقول تعالى ذكره : هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب دخل جنته وهي بستانه وهو ظالم لنفسه ، وظلمه نفسه : كفره بالبعث وشكه في قيام الساعة ، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى . أ هـ تفسير الطبري .
ويأتي الظن بمعنى الكذب كما في قوله تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) . الأنعام (116) قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال كما قال تعالى:(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلهمْ أَكْثَر الْأَوَّلِينَ ) . وقال تعالى : (وَمَا أَكْثَر النَّاس وَلَوْ حَرَصْت بِمُؤْمِنِين ) . وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل . تفسير ابن كثير .
وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله : :( إياكم والظن فإنه أكذب الحديث ) .البخاري ومسلم.
وكذلك يأتي الظن ويراد به غلبة الظن كما في قوله تعالى : ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) . البقرة (230)
قال الطبري : وأما قوله : (إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُود اللَّه ) فإن معناه : إن رجوا مطمعاً أن يقيما حدود الله – إلى أن قال - وقد وجه بعض أهل التأويل قوله : (إنْ ظَنَّا ) إلى أنه بمعنى أيقنا . وذلك لا وجه له ، لأن أحداً لا يعلم ما هو كائن إلا الله تعالى ذكره. تفسير الطبري بتصريف .
فهذه الآية واضحة الدلالة بأن المراد بالظن لا اليقين ولا الشك ، فعلم أن المقصود به غلبة الظن .
ومن خلال ما ذكرنا يتضح خطأ صاحب كتاب الاستدلال بالظني في العقيدة ص 19 وهذا نصه : (وإذا تتبعنا الكثير من النصوص التي وردت فيها كلمة الظن سواء كانت في القرآن ، أم في الأحاديث الشريفة ، أم في شعر العرب من الطبقة التي يستشهد بشعرها ، لوجدنا أن كلمة الظن لا تفيد إلا معنى واحداً ، وهو مدلولها اللغوي الوضعي حسبما أوردته المعاجم والقواميس اللغوية ، فهي ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر ، وذلك لتميزها عن كلمة الشك التي تفيد تساوي الاحتمالين من غير ترجيح . كما أنها ليست من الألفاظ المتعاضدة مثل كلمة القرء بمعنى الطهر والحيض ، وكذلك ليست من الألفاظ المشتركة مثل العين المبصرة ، والذهب والجاسوس ، ويخطئ من يقول بأن كلمة الظن من الأضداد أي إنها تفيد الظن ، وتفيد العلم سواء كان القائل من علماء اللغة أو غيرها . أهـ
ويظهر التناقض في هذا القول إذ يقول صاحبه : ويخطئ من يقول بأن كلمة الظن تفيد اليقين وإن كان القائل من علماء اللغة . ومفهوم هذا القول ، إن هنالك من العلماء من يقول بأن كلمة الظن تفيد اليقين كما أوردنا ذلك عن بعض أهل العلم آنفا ، فأصبح ما قاله اجتهاداً لا يقينا فانظر إلى هذا التناقض !
قال أبو العباس أحد علماء اللغة في مثل هذا الأمر : ( إنما جاز أن يقع الظن واليقين لأنه قول القلب فإذا صحت دلائل الحق وقامت أماراته كان يقيناً ، وإذا قامت دلائل الشك وبطلت دلائل اليقين كان كذباً ، وإذا اعتدلت دلائل اليقين والشك كان على بابه شكاً لا يقيناً ولا كذباً . الأضداد لمحمد بن القاسم الأنباري .
ومما يؤكد خطأ القول بأن الظن لا يفيد إلا الترجيح بين قولين أحدهما راجح ، والآخر مرجوحاً :
1 : ما جاءت به الآيات القرآنية إذ دل سياقها على التفريق بين معنى الظن في عدة مواضع كما أشرنا إلى ذلك ، فعلى سبيل المثال قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) . (46) البقرة فالظن هنا بمعنى اليقين ، إذ لا يجوز في هذا الموطن أن يكون الظن بمعنى الترجيح بين الاحتمالين ، وذلك أن الأمر متعلق بالإيمان باليوم الآخر ، وهذا لا يقوم إلا على يقين ، فلو كان المعنى ما ذهبوا إليه لكان جائزاً أن يدخل شيء من الريب فيما يتعلق بالمعتقد ، وهذا باطل بلا شك .
2 : إن الظن الذي ورد في الآية المباركة جاء في سياق المدح ، والظن الذي نهى الله سبحانه عن اتباعه جاء في سياق الذم ، وبين المدح والذم بون عظيم .
3 : إن الظن الوارد في الآية متعلق بالإيمان باليوم الآخر ،وهو مسألة في صميم العقيدة ، وهو مما طلب الإيمان به ، ومن المعلوم ضرورة أن الاعتقاد لا ينبني إلا على اليقين .
وإليك آية تبين الفرق بين معنى الظن بياناً واضحاً : قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ) . الإسراء (102) ولا ريب أن ظن موسى عليه السلام مبني على اليقين والثقة بالله سبحانه إذ وعد الله سبحانه الظالمين بالهلاك إذ قال وقوله الحق : ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) . الدخان (37) وأما ظن فرعون فهو قائم على الجهد والتكذيب قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) . النمل (14) والفرق بين الظنين واضح .
ولكن الذي حمل أصحاب هذا الرأي على القول بأن الظن لا يفيد إلا الترجيح بين الاحتمالين ، فرارهم من بناء أصلهم هذا على الظن الذي حذروا الناس من إتباعه ، فلو سلموا بأن الظن يحتمل عدة وجوه كما أسلفنا لأقروا بخطأ منهجهم وبعده عن الصراط القويم .
ثانياً : أ : إن من مستلزمات القول باشتراط تحقق التواتر لحصول اليقين فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في عقيدتهم ، وذلك لو أن صحابياً سمع حديثاً من الرسول صلى الله عليه وسلم لكان واجباً عليه الإيمان به ، على خلاف من سمع حديث الرسول من الصحابي نفسه لا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ يحرم عليه الإيمان بالحديث الذي نقله إليه ذلك الصحابي لعدم تحقق العدد المطلوب ، ومثل هذا الأمر لم يعرف في الصحابة رضي الله تعالى عنهم رغم كثرة وقوع هذه الصورة فيهم ، فقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم ينقل بعضهم عن بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون اختلاف بينهم في العقيدة أو المنهاج ، وما يجب أن يؤمن به المسلمون ، هو ما آمن به الصحابة رضي الله تعالى عنهم ،قال تعالى : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) . البقرة (137)
ب : ومن ناحية ثانية ، فإن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في إثبات أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق في الدين ، إذ يؤمن البعض في أحاديث لا يجوز للبعض الآخر أن يؤمن بها ، وهذه الصورة من أعظم الصور التي حذر منها القرآن وتوعد من خالفها قال تعالى : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) . الشورى (13)
ثالثاً : إن الآيات الكريمة نهت عن إتباع الظن ، لا الإيمان به فحسب ، والإتباع أعم من التصديق ، فهو يستلزم عدم العمل من باب أولى ، إذ الإتباع لا يكون إلا مع العمل ، والقول بتحريم إتباع الظن يشمل القول والعمل على حد سواء ، وتخصيص النهي عن إتباع الظن في مسائل العقيدة دون الأحكام الشرعية قول لا دليل عليه ، إذ لا يكون تخصيص العام إلا بدليل شرعي ، وبما أن المسألة مسألة عقدية أي تتعلق بالأصول دون الفروع ، فيجب أن يكون دليلها دليلاً قطعيا ، فأين دليلهم القطعي الذي يستندون إليه بتخصيص النهي عن إتباع الظن في الإيمان دون العمل ؟
رابعاً : اعلم يرحمك الله : أن الذين يروجون إلى هذا القول ، يعتبرون أدنى حد التواتر عدداً خمسة رواة في كل طبقة من طبقات الإسناد ، فإن قل العدد عن ذلك في أي طبقة من طبقات الإسناد لا يعتبر الحديث قطعياً وعليه لا يجوز الإيمان به ،وإليك قول تقي الدين النبهاني في هذه المسألة : ( فكل ما يصدق عليه من العدد من الجمع يعتبر متواتراً . ولكن لا يجوز أن يكون أقل من خمسة ، فلا يكفي أربعة ، لأن الأربعة يحتاجون إلى تزكية في حالة جهل حالهم إذا شهدوا بالزنا ) . كتاب الشخصية الإسلامية ص 266 الجزء الأول الطبعة الثانية تحت عنوان أقسام الحديث.
ويقول في موضع آخر من الكتاب نفسه ص 144 الجزء نفسه تحت عنوان الاستدلال بالسنة : (ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين في الأموال ، وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا ، وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع ، وهذا كله آحاد ) . وعليه فقد جعل تقي الدين النبهاني شهادة الاثنين والثلاثة والأربعة من خبر الواحد الذي لا يجوز الإيمان به ، وهذا قول لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة ، بل هو إتباع محض لبنيات الأفكار ، فعلى سبيل المثال : لو جاء حديث توفر في كل طبقة من طبقاته خمسة رواة كلهم ثقات إلا في الطبقة الأولى طبقة الصحابة رضي الله عنهم ، لم يرو الحديث إلا عن الخلفاء الراشدين الأربعة ، فهل يفيد الحديث العلم ويقطع بصحته أم لا ؟ فإن قالوا : نعم يقطع بصحته . قلنا : فتحديدكم للعدد غير صحيح . وإن قالوا : لا . قلنا :الحمد لله فقد كفى الله المؤمنين القتال .
فائدة لا يعرفونها : إن من مستلزمات القول بأن أدنى حد التواتر خمسة رواة ، يقضي بحرمة الإيمان بالقرآن الكريم ، إذ ثبت بالدليل القاطع أن القرآن جمع بأقل من ذلك كما يقرون بذلك هم أنفسهم ،فقد جاء بمجلتهم المعتمدة ( الوعي العدد 22 ص 13) تحت عنوان موقف الصحابة من خبر الآحاد في العقائد ما نصه : ( وهذا ما دل عليه فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماعهم يوم جمع أحد أركان العقيدة الإسلامية القرآن الكريم في المصحف الإمام زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد اشترطوا شروطاً وسلكوا طرقاً في جمعهم المصحف تبين بياناً واضحاً وقاطعاً بأن خبر الواحد والظن لا يمكن أن تقوم به عقيدة ، وهذه الشروط :
أولاً : اشترطوا عدداً معيناً يحصل القطع بنقلهم وهو ثلاثة ، زيد بن ثابت ، ورجلان آخران يشهدان ، وربما كان عمر مكان زيد أحياناً كما جاء في الروايات عنهم . أ هـ
ثم ساق روايات تدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اكتفوا بشهادة رجلين اثنين في تثبيت الآيات الكريمة في المصحف الشريف ، منها ما نقله عن خزيمة بن ثابت قال : جئت بهذه الآية:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) . التوبة (128) إلى عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، فقال زيد من يشهد معك . قلت : لا والله لا أدري فقال عمر : أنا أشهد معك على ذلك .
ويظهر التناقض في عقيدتهم مما يلي:
قوله بأن الصحابة اشترطوا عدداً معينا يحصل القطع بنقلهم وهو ثلاثة ، وهذا النقل يخالف ما يتبناه هو لمخالفة شيخه له ، فشيخه يجعل أدنى حد التواتر خمسة أشخاص ، وهذا ينقل إجماع الصحابة على أن القرآن جمع بأقل من ذلك ، أي بأن القرآن جمع بخبر الواحد فهو على قولهم ظني الثبوت لا يجوز الإيمان به ، إذ يعتبر تقي الدين النبهاني رواية الأربعة من خبر الآحاد كما جاء ذلك في قوله :(ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين في الأموال ، وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا ، وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع ، وهذا كله آحاد ) .المرجع نفسه
شبهة والرد عليها :
بعد أن بينت هذه القضية في كتابي ( الإيمان بخبر الآحاد سبيل الرشاد ) وقعوا في حيص بيص ، واخذوا يذودون عن هذا المعتقد الفاسد بشبهات لا تزيدهم إلا ضلالاً وإعراضاً عن الحق ومن هذه الشبهات :
أ: أن القرآن كان مكتوباً في صحائف كانت محفوظة عند الصحابة ، وما قام به أبو بكر هو جمع الصحائف التي قام اليقين على أنها من القرآن .
رد : 1 : هذا تعليل عليل ، وقول سقيم ،فإن المحفوظ عند الصحابة في الصحف ، بمثابة المحفوظ بالصدور ، فالصحابي الذي كتب ما سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة ثم احتفظ بها عنده ، تعتبر كتابة رجل واحد ، أي تقوم مقام شهادة واحدة لا شهادتين ،وعليه فهي بحاجة إلى أربعة شهداء آخرون م الكاتب: إبراهيم بن عبدالعزيز التاريخ: 01/01/2007 عدد القراء: 5336
أضف تعليقك على الموضوع
|