دعـاة الثورات ، والفتن هداهم الله !!
حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ( إن أريد إلاّ الإصلاحَ ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله ، عليه توكّلت ، وإليه أنيـب ).
إن كان لسقوط الطغـاة أسبابٌ عدة ، فإنَّ سببَ الأسباب _ بعد الطغيان نفسه _ هو تخلُّف السلطة عن مواكبة تطوّر الشعوب في وعيها ، وفي قدرتها على التغيّير والتأثيـر في الأحداث ، في عصـرٍ أصبحت فيه المعرفة هي أسهل وأسرع متنقـل من البشـر ، وغدا التغيـُّر فيه كلمح البصر ، أو هو أقـرب !
ولهذا تجد الأنظمة المتخلّفـة ، لازالـت تستعمل نفس الوسائل الأمنية التي عفـا عليها الدهـر ، مما كـان قبـل (النيوميديا) ، في قمع المناديـن بالإصلاح ، والحريـّات ، ومطالب الشعوب العادلة !
وهـي :
أولا : تشويه سمعتهم ، برميهم بأنهم دعاة ( ثورات الفتن ) ، و(الخوارج) ، و (المخربون) ، و( المستوردون للأفكار الهدّامة من الخارج ) لتدمير الوطن ! ولنشر الضلال ، والفسـاد !!
وثانيا : بعزلهم بالاعتقال ، أو غيره ، لئلا تسمع الآذان ، ولئلا يدخل العقول ، غير صوت السلطة ، وأبواقهـا التي تقلب لها الحقَّ باطلا ، والباطل حقّـا !
وثالثا : بإبقاء الشعوب تحت مخدّر خطاب التخويف الديني المزيـّف من مجرد التفكير بالمطالبة بالعدالة ، والحقوق ، وبالتطوير السياسي النافـع !
وأنَّ ذلك كلَّه ليس سوى الفتنة ، والخراب ، والدمار ، والضلال ، وأفكار الخوارج , واتباع سبيل الكفرة !!
وقالوا إنّ البرلمانات ، والإنتخابات ، والنقابات ، ووسائل الإحتجاج السلمي ، وفصل السلطات ، ومراقبة ، ومحاسبة السلطة ، ووضع الشعب لدستور يضمن حقوقه ، ويكفل له دوره ، أنّ ذلك كلّه جاء من الكفّار ، وهو من البدع المضـلّة !!
فعجبا !! كيف عميت عيونهم عن كلّ المصائب المنهدرة كالسيول من الفساد ، والإفساد ، الذي تأتي من بلاد الكفار ، فلم يرفعوا بها رأسها !
ولما جاءت الوسائل النافعـة التي تحقّق الخير للناس ، وشريعتنا تدخلها في المصالح المرسلـة ، صارت من سبيل الكفار ؟!!
أغفلـوا عـن أنَّ الشعوب أصبحت أذكى من أن تنطلي عليها هذه (الهرطقات) البالية ، وأنها قفزت إلى مستويات من الإدراك تفوق بكثيـر مستوى الإستبداد ، وعقول من يوظفهم لشرعنـته ؟!
فيما يلي حصيلة نقاشات عدّة جـرت بيني ، وبين شريحة عريضة ، هم في مرحلة الشباب ، وما بعدهـا إلى العقد الخامس من العمر ، ممن لايحملون أفكارا مسبقة موجَّهـة من أيّ طرف ؟ وهذا هو الأهم !
وقد أعطتني فكرة عن فهمهم لما يجري في المشهد المدوِّي ، والعنوان الأكثر حضورا في عالمنا العربي ، أعني رياح الربيع العـربي ،
ويمكن تلخيص تلك الحصيلة بهذه النقـاط :
1ـ فتيل الثورات ومشعلها هو : المظالم الإجتماعية ، وانتهاك الكرامة ، ومصادرة الحقوق ، وإذلال الشعب ، وتهميشه ، وملء المعتقلات بالمعارضين السياسيين ، وإهانتهم لأنهم أرادوا كلمة الإصلاح !
وأنَّ هذه هي الفتنة بعينها ، ومن لايريد إصلاحها هم دعاة الفتـنة لاغيرهم.
2ـ العقلاء ، وأهل الحكمة ، والإصلاح ، هم الذين ينادون بربيع إصلاحي سلمي يجذّر الإصلاحات ، والعدالة ، قبل فوات الآن ، وهؤلاء ليسوا هم دعاة الفتنة ، ولا مؤجّجي الثورات ، ولاهم يحزنـون ، بل هم دعاة الإنقـاذ .
ووحدهُ الإصلاح الشامل الذي يفعّل دور الشعوب لاسيما السياسي ، ويعزّز مكانتها ، ويجعل السلطة مراقبة منها ، وينشر الشفافية ، هو الذي يقوي الجبهة الداخلية ، ويؤسس القوة العسكرية التي تحمينا من أعداء الخارج ، ويحقق الإستقـرار .
3ـ لتتنازل السلطات بروح التواضع ، مستمعـة لشعوبها بصدر رحب ، ولتُبعد المنافقين الذين لايريدون سوى بقاء الفساد على ما هو عليه !!
فهذه الطريقة هي أقـرب وسيلة لإصلاح شامل تسعد به الشعـوب.
4ـ لتجتمع السلطات مع النخب الإصلاحية ، لوضع دساتير جديدة عادلة ، وملزمة ، وحقيقية ، تشرك الشعوب سياسيا ، وتحفظ للمواطن كلَّ حقوقه ، وتمنع النهب ، وتعزّز الهوية في مجتماعنا ، فإننا نشعر بالضياع بغير ضمانات تطمئننا عل مستقبلنا ، ومستقبـل أولادنا .
5ـ قد حان الوقت لترك الوسائل الأمنية الباليـة لعزل ، وتشويه سمعة من يطالب بالإصلاح ، بأنهم أهـل فتن ، وفساد ، وخوارج .. إلـخ ، ثـمّ سوقهم للمعتقلات ، ثم تكميم أفواه كل مطالب بالإصلاح والعدالة ، فقد أصبحت الشعوب واعية لهذه الأساليب المفضوحة.
6 ـ تسمية هذه المطالب السلمية الحقّة ، والعادلة ، والفكر المستنير الإصلاحي دعوة لثورات الفتن ، هـو ضرب من الجهالة ، والتخلّف ، والعمى عن التدهور للهاوية .
7ـ قبـول مطالب الشعـوب العادلة وتحويلها إلى واقـع تعيشـه ، بتطوير الحياة السياسية لتصبح كفيلة بإكرام المواطن ، ومنحه كلّ حقوقه ، من غير منّة أحد ، أو إذلال ، ليس عيبا ، ولا نقصا ، ولا هزيمة ، بل هو عين العقل ، والحكمة .
والبلاء كلّ البلاء ، و الفتنة كلّ الفتنة ، فيمن يرفضها ، فهؤلاء لايريدون الخير بنا ، ولا بمجتمعاتنا ، ولابأوطاننـا ، وإنما هدفهم إرضاء شهواتهم الخاصة ، وتحصيل أطماعهـم الشخصية على حساب حقوق الناس العادلة ، ومصلحة الأمة .
8 ـ وأما الخطر الإيراني ، فوالله ما قوي وهددننا ، وابتلع العراق ، و سوريا ، ولبنان ، وانتشر عبر الخليج ، واليمن ، إلاّ بسبب انتشار الفساد السياسي ، و المالي ، والإداري ، وضعف دولنـا ، وعجزها ، وإهدار الثروة ، وتهميش دور الشعـوب ، بل إلغاؤه !
فاتخاذه ذريعةً لبقاء الحالة المتدهورة على ما هي عليه ، ماهو إلاّ استغفال لعقولنا !
انتهـى
ولاريب أنّ هذا الذي يقوله هؤلاء بفطرتهم السليمة ، وبمنطق عقولهم المستقيمة ، هو دلالة شريعتنا السمحة ، وهداية ديننا الحنيـف .
فليعلم هؤلاء الذين جنَّدوا أنفسهم للدفاع عن بقاء واقعنا البئيس كما هو ، ولبثَّ خطاب التخلّف ، والتسبيح بحمد الاستبداد ، ومحاربة الإصلاح ، والمصلحين ، حتى ينفجـر البركان على من فيه ،
أنهـم والله هـم رؤوس الفتنة ، ودعاتها ، ومحشُّوا نارها ، أراح الله المسلمين من شـرّ فتنهـم ، وسوء صنيعهـم في الأمّـة آمين
وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيـر . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 19/06/2012 عدد القراء: 31411
أضف تعليقك على الموضوع
|