الإبتلاع الإيراني للكويت
وأثره الكارثي على عمقـها العربي والإسلامي
حامد بن عبدالله العلي
لم يعـد _ في ظل المؤامرة الإيرانية المكشوفة على الخليج والإحتلال الإيراني للعراق _ الحديث عن أيِّ دولة من دول الخليج شأنا داخليا ، هذا بصورة عامة ، أمَّا الكويت خاصـة فإنَّ ما يحـدث فيها تجاوز كلَّ حدود ودرجـات الإنذار بالخطر ، إلى درجـة أنَّنـا نقـول : لـو تركت الأمور تجري وشأنها ، فذلك يعني كارثة وشيكـة وماحقـة للأمـِّة .
ولم يكن ما ذكره السفير الكويتي السابق في واشنطن أنَّ سياسة الكويت تجاه الخطر الإيراني ساذجة ، وخطرة ، سوى تعبيـر مخـفّف عن تلك الحقيقة ، التي سنبسطها بعض الشيء في هذا المقـال.
كما لم يكن ما ذكره السفير الكويتي في طهران من عدم مبالاته لو سُّمي الخليج بالخليج الفارسي ! إلاَّ مظهراً واحداً عابراً من مظاهر ذلك الخطـر الذي تحدث عنه السفير السابق في واشنـطن.
والحقيقة أنَّ وصف التعامل السياسي ، والأمني ، الكويتي مع الخطر الإيراني المستفحل بأنـَّه ساذج ، بعيد أيضا عن الوصف المناسب ، فهو تعامل بلغ من الحمق ، إلى درجة إثارة الظنون أنـَّه تواطـؤ متعمَّـد لبيع البلـد برمتها إلى إيران ، بل إهداؤها مجانا بغير ثمـن !
ومع أنَّ هذا الظن بلاريب مُستبعد ، غير أنَّ مـن يتابع مجريات الأمور ، لايلام أن ينساق وراءه ، فالحديث في الكويت _ حيث لايخفى سـر _ يجري على جميع الأصعدة عن تمكين الجيوب ( الإيرانية ـ الكويتية ) من أخطر مفاصل الدولة بلا أدنى مبالاة من السلطة السياسية ، بل بإزالة المعوقات ، وفتح الأبواب الموصدة !!
كما يجري الحديـث الشعبي ، وفي الوسط النخبـوي ، عن فسح المجال للنشاط الإستخباراتي الإيراني ، وللتابع له من محور التحالف العربي الإيراني ، لتحويل الكويت إلى ساحة مثالية ، ومريحـة جداً _ حيث يُستقدمون وعوائلهم ! _ لتهيئة البلاد للإحتلال الإيراني غيـر المباشـر ، كما كانت تحكم سوريا لبنان ، وتكاد تعـود ، إن لم تكـن عادت ، ثم إلى إحتلال مباشـر .
وتتحـدَّث مصادر مطّلعـة أنَّ أعداد تلك العناصر الثورية ، والإستخباراتية ، والحزبية ، التابعة لإيران ، وللمحور العربي الدائر في فلكها ، تضاعف أكثر من ثلاث مرات في السنوات الأربـع الأخيرة ، وأمـّا ما نُشـر في بعض الصحف المحلية من أنَّ عدد الحرس الثوري الإيراني المتخفـِّي في الكويت 3 آلاف عنصر ، فما هو إلاَّ عدد ضئيل جداً ، تبـعاً لما نقلته تلك المصادر المطلعة .
والمتابع للمخطط الإيراني لإبتلاع الكويت يرى بوضوح أنـَّه يعمل من خلال الجيوب الموالية له من الكويتيين ، ومنذ مدة طويلة على سبعـة محـاور :
أحدهـا : تشجيـع كلّ خطـاب في الكويت يفصلهـا عن إنتماءها العربي ، من الدعوة المشبوهـة إلى ترك نشيد المدارس ( تحيا الأمة العربية ) إلى شتم العروبة ، وتهجين الإنتماء إلى هويتها ! لاسيما بعدما وجدت الأرضية لذلك بسبب حرب الخليج عام 90م ،
وكذلك بثّ كلِّ ما من شأنه أن يفصـم الكويت عن هذا العمـق ، تمهيداً لتحويلها إلى حديقة خلفية لإيران ، ثـم ما يلـي ذلك من مراحـل تنتهي بإبتلاعها .
وكان ، ولازال الناشطون الشيعة الموالون لإيران في الوسط الإعلامي الرسمي ، وغير الرسمي ، يعزفون على هذه النغمـة ، بمنهجيـّة ملحوظة ، وقد بلغت بهم الجرأة إلى حذف تصريح رسمي لولي العهد الكويتي يؤكد وقوفه على جانب المملكة العربية السعودية ضد التمرد الحوثي ، حذفه من وكالة الأنباء الكويتية كونـا !!
وقـد استغلوا الضعف المنتشر في الإنتماء للهوية في الشعب ، وإنشغاله بملهيات الحيـاة ، في ظـلِّ طفرة الثـراء ، للتغلغـل في الثقافة العربية ، والإسلامية للمجتمع الكويتي ، وتشويهها من الداخل .
ومن الواضح أنه من النتائج الخطيرة لهذا المحور عدم مبالاة السفير الكويتي في طهران بتسمية الخليج العربي بالفارسي !
المحور الثاني : إلهاء الوسط الاجتماعي الكويتي _ لاسيما بعد إحتلال العراق _ بأنَّ الخطـر على الكويت هـو من أبناء السنة فقط ، بإستغلال ما يسمى ( الحرب العالمية على الإرهاب ) .
وذلك لصرف الأنظـار بهذا الإلهـاء عن الخطر الحقيقي ، وهـو الإنتشار السريع والمذهل للبنية التحتيّة التنظيمية للجيوب الإيرانية الكويتية المجنـَّدة لمشروع التوسُّع الإيراني ، ولهـذا السـبب كانت تُضخـَّم الأخبار المتعلقة بـ ( الإرهاب ) في الكويت ، مركـزة على أنـَّه الخطر الوحيد ، وأنـَّه لا يأتي إلاّ من الوسط السني !
لقد كانت ، وزالت ، تُقام مخيمات _ فضـلا عـن الكوادر الحزبية الكويتية الثورية التي تتلقى التدريب في إيران ، وغيـرها من الدول العربية ، بما فيها الإعداد العسكري _ تدريبية للجيوب الإيرانية الكويتية في الكويت ، ويجري داخلها إعداد كوادر عالية الكفاءة على جميع ما يلزم لقلـب كلِّ شيء في الكويت رأسها على عقـب ، لصالح المشروع التوسعي إلإيراني ، وكان يتم التكتـُّم على هذه المعلومات الخطيرة ، و حجبها عن وسائـل الإعـلام ، بغموض مثير للدهشة ! بينـما يُطـار بأيِّ خبر عن أيِّ شاب كويتي ذهب لأفغانسـتان أو عـاد منها كأنَّ الساعة قد قامـت !!
ومما تسـرَّب أخيـراً في هذا الإطار ، صـورٌ لمخيم لجيب إيراني كويتي ، كان يقام فيه طيلة 16 عامـا ، طقوسُ الإحتفاء بمـن فجـَّروا في الحرم المكيّ أواخـر الثمانينــات _ وقد نُشرت إعترافاتهم آنذاك في التلفزيون السعودي أنَّ الذي كلَّفهم بالمهمة هـو المرجع الديني الأعلى للكويتييـن المواليـن لإيران فـي الكـويت بأمر من السلطات الإيرانية !! _ بوضع قبور وهميـّة لهم ، عليها صور الخميني ، والخامئنـي ! في منتزه صحراوي كويتي .
المحور الثالث : إشغـال الكتلة السنيـّة في الكويت بتعصـُّبات داخليـّة ، والتحريش بينها لإضعـافهـا ، وتشتيتهـا ، وهذا ذكرنـاه بالتفصيـل في مقال سابق بعنـوان ( الكويت : صراعات هابطة في ظل أخطـار محدقـة ) هنـا
المحور الرابع : تقوية العلاقات الكويتية برموز الإحتلال الإيراني للعراق على أنها الصديق للكويت في العراق الجديد ، الذي سيضمن مصالح الكويت ، ويكفيها الشرور ، في الوقت الذي تعمل فيه هذه الرموز بما تحت يدها من إمكانات هائلة بعد إحتلال العراق ، لتمديد هذا الإحتلال ليشمل الكويت.
المحور الخامس : نشر كذبة أنَّ الشيعة في الكويت هم 40% من السكان ، وإعادة نشرها ، وتكرار ذلك ، لكي تستقر في الوعي الجماعي ، ثـم يتم بناء المكاسب السياسية ، والإجتماعية عليها ، بينمـا كلُّ الدلائل الواضحة تشير أن نسبتهـم لاتتعدى 10% فقط ، ولهذا السبب يستغل الجيب الإيراني الكويتي ، دعم هذه الكذبة ، بإبراز رمزيـَّات شيعية لاتعكس سوى محاولات إثبات وجود وهمي أكبـر من الواقع الفعلي ، مثل بناء مساجد ضخمة على الخطوط السريعة ، وتكثير الحسينيات ، والمبالغة في إظهـار المآتـم الحسينية ..إلخ
وجدير بالذكر هنا أنَّ ملف التجنيس في الكويت ، يحمل في طيه عشرات آلاف من الشيعة الموالين للمشروع التوسُّعي الإيراني ، ويستفيد الجيب الإيراني الكويتي من التركيز على هذا الملف ، في رفع كذبة ألـ 40% إلى 50% !! ، ولهذا يسعى الناشطون السياسيون الموالون لإيران في الكويت للإستفادة من هذا الملف .
المحور السادس : التركيـز في المنابـر الإعلامية التابعـة للجيب الإيراني الكويتي على إظهـار رموز المشروع الإيراني على أنها رموز الأمـّة ، مثل قادة النظام في إيران ، وحسن نصر ، ومغنية ..إلخ ، بل حتى الحوثـي !
والغريب في الأمر أنَّ هذه الرموز الإيرانية التي تمجدُّها المنابر الاعلامية الكويتية الموالية لإيران ، تعادي أمريكا في الظاهـر ، ومـع ذلك يتـم التعامـل أمنيـا مع تمجيدها بكلِّ هدوء !
وحتـَّى ما أثـير على تمجيد الجيب الإيراني الكويتي لمغنية الذي قام بكلِّ صور الإرهاب المحرَّم ضد الكويت ، تحـوَّل إلى منافع هائلة للجيب الإيراني الكويتي ، وفشلت المؤسَّستان السياسية ، والأمنيـّة ، فشـلا ذريعا ، في ردع المحتفين بمغنية ، بل كافأتهم مكافآت لم يكونوا يحلـمون بها !
بينما الرموز السنيـّة المقاومة للمشروع الصهيوأمريكي ، مثل المقاومة العراقية ، والأفغانية ، والفلسطينية ، وغيـرها ، تلقى من المحاربة ، وتشويه الصورة ، ما يثير الريبة ، وكأنَّ ثمة أيدي خفية تخطط لكي لايبقى في الشعور الكويتي أيّ رمزية في الأمـّة إلاّ لمن يسيـر في ركـب المشروع الإيراني التوسعي فقط !!
المحور السابع وهو الأخطـر : تخريب المنظومة الإجتماعية ، والسياسية ، والأمنية الكويتية الحالية ، وإعادة ترتيبـها لصالح المشروع الإيراني ، وشـلِّ قدرة الدولة على صنع جهاز أمني مركزي قوي يمكنـه الحفاظ على المنظـومة السياسية ، والأمنية الكويتية من الإختراق الإيراني .
إنَّ المهـمة الرئيسـة للآلاف من العناصر الإيرانية والعربية الموالية لها ، الموجودة في الكويت ، والمدربة تدريبـا عاليا _ إلى جانب دورها التخريبي فيما لو نشبت حرب ضد إيران _ هي تأهيـل العناصر الكويتية الموالية لإيران ، لوضع مشروع يعيـد ترتيـب تلك المنظومة السياسية كلَّها بالسلطتين التشريعية والتنفيذية _ بما فيها وزارة الخارجية والسفارات _ والأمنية الكويتية _ بما فيها جهاز أمن الدولة _ لكي تخرج عن السيطرة الكويتـية _ وتقع كما وقعت لبنان تحت المخلب السوري _ في حضـن النظام الإيراني إلى غير رجعـة .
،
ومن الفوائد التي يجنيها النظام الإيراني بينما يجري هذا المخطط إلى نهايته ، وفي أثناء ذلك ، أن يثبت للغربيين نفوذه في الكويت ، وقدرته على التأثير فيها ، فيشكل ذلك ورقة يستعملها في المفاوضات ، أو مساومة يعقد عليها بعض الصفقات ، كما يستفيد من نفوذه على المقاومة الفلسطينية ، ولا أستبعد أن يكون إغتيال المبحوح كان تسريبا إيرانيا ، مقابل تسليم ريغي ، حتى لو كانت حماس لاتدري .
،
وبعد هذا العرض يتبيـَّن أنَّ الكويت واقعـة فعـلاً ، الآن ، وإلـى لحظة كتابة هذا المقال ، تحـت عملية جراحية إيرانية ضخمة ، وشاملة ، تجري عليها ، وهي في غرفة الإنعاش ، كأنـها غائبة عن وعيـها تماما !!
وتجري هذه العمليـة لإجراء عملية تحويل جنسي ، تحـوِّل الكويت من دولة عربية إسلامية ، إلى كيان مخَـرَّب الهوية والإنتمـاء ، ثم إلى حديقة خلفية لإيران وجنوب العراق ، ثم إلى إبتـلاع إيراني كامل لها .
وتنعقد بصورة دوريـة إجتماعات غرف العمليات التنظيمية الكويتية للمجموعات الموالية لإيران ، ولغيرها من العناصر المستقدمة إلى الكويت ، لمتابعة عملية التحـوُّل هذه إلى إستكمال نجاحهـا ،
يشرف عليها كلُّهـا جهاز مرتبط بالحرس الثوري الإيـراني ، مسؤول عن تصدير الثورة ، كما تدار كلُّ المنظمات الثورية الأممية .
والغامض في الأمر كلِّه ، أنَّ هذه المعلومات كلُّها ليست خافية على الأمريكيين الذي يجري هذا كلُّه حول أكبر قواعدهم العسكرية في الخليج ، كما يجـري أضعافـه في العراق !
وختاما نقول إنه ما لـم يتـمّ تدخل سريع لـوقف هذا الإبتلاع الخطيـر ، فإن (لبلنة ) الكويت ، في طريـق إنتزاعها من عمقـها الخليج ، والعربي ، والإسلامي ، ثم وقوعها تحت الإحتلال الفارسي ، سيكون نتيجة حتمية في ظـلِّ إدارة حكـم أصبحت مضرب المثل في ( سذاجتها ) وضعفها ، وتخبطـِّها ، وضياعـها .
ثم بعد ذلك ستقـع الكارثة العظمـى على الأمَّـة بأسـرها .
نقـول هذا محذِّرين ، مع أننا بحمد الله متفائلون بأن المخطط التوسعي الإيراني سيفشل ، ويتهاوى ، وسيكون ذلك أسـرع _ بإذن الله تعالى _ من المتوقـَّع ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلـمون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 26/02/2010 عدد القراء: 9735
أضف تعليقك على الموضوع
|