حامد بن عبدالله العلي
ذكرنا في المقال السابق بعض الملحوظات على كتاب التاريخ الإسلامي الجديد لنظام المقررات ، تأليف مجموعة من الأساتذة بإشراف الأستاذ بنيان سعود تركي ، ونعيد التذكير بما مضى ، ثم نكمل النقد حتى يرتبط أول الموضوع بآخره:
أولا : عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم غالبا ما يتم تجاهل الصلاة عليه تماما بعد ذكر اسمه ، وأحيانا قليلة يكتب حرف ( ص) فقط إثر اسمه الشريف والواجب أن تكتب الصلاة عليه كاملة ، لاسيما والأمر متيسر جدا فالصلاة عليه كاملة تكتب بضربة واحدة فقط في الطابعات الكمبيوترية .
ثانيا : ورد في الكتاب ص 67 ( تختلف رؤية الباحثين والدارسين حول بواعث وأسباب تلك الحركة الرائعة المعروفة باسم الفتوحات الإسلامية ، فهناك من يعطي العامل الاقتصادي أهمية كبرى ، ويرى أنه المحرك الأساسي لها ، في حين أن هناك من يقول إن العامل السياسي هو الأكثر أهمية ، وفريق ثالث يرجح العامل الديني ، ويرى أنه لاباعث ولادافع غيره ، لكن الباحث أو المؤرخ المنصف لابد أن يقر أن هذه العوامل جميعها كانت السبب وراء هذه الحركة .. ونستطيع أن نقول إن عامل الحماسة الدينية هو أول هذه العوامل ) .
ولاريب أن هذا التحليل التاريخي الذي يشبه أن يكون قد أخذ من كلام المستشرقين خطأ وباطل ، فالفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن لها أي دافع سوى امتثال أمر الله تعالى بالجهاد لإظهار الدين ، وحتى العامل الاقتصادي كان يقصد منه الاستعانة به على إظهار الدين وإعلاء كلمة الله تعالى ، والكتب الإسلامية طافحة بهذه الحقيقة المعلومة بالاستفاضة ، وكان كلام الرسل الذين يبعثهم الخلفاء لملوك البلاد المفتوحة يدور حول هذه العبارة : ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ) ، إذن هي رسالة سامية تهدف إلى نشر الإسلام بتعاليمه المنقذة للبشرية من ضلالات الكفر وظلمات الشرك ، ولم يكن الخلفاء الراشدون تحركهم أطماع اقتصادية ، ولا أغراض سياسية ، وهم أزهد الناس بالدنيا ، وأتقاهم لله تعالى ، وأعفهم عن الأغراض الدنيوية ، وللحديث بقية نكمل فيه نقد الكتاب المذكور ، ولولا أنه مقرر لأبنائنا وسيدرسه مئات الآلاف منهم لما كان ثمة حاجة إلى نقده هنا في الصحافة.
ثالثا : ورد في الكتاب ص68 في سياق حديث عن الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين : ( نأتي بعد ذلك إلى العامل السياسي حيث رأى الخليفة أبو بكر الصديق ضرورة شغل القبائل العربية بمشروعات قومية كبرى تصرف أذهانهم عن التفكير في المسائل الداخلية والدينية والتي ربما لجأوا إليها نتيجة للفراغ فحركة الردة مازالت ماثلة في الأذهان ، كما أن الأنصار كانوا مستاءين مما حدث في اجتماع السقيفة واستئثار قريش بالخلافة ) .
وأما زعم الكتاب أن الخليفة الراشد أبا بكر الصديق رضي الله عنه أراد شغل المسلمين بمشروع قومي يصرف أذهانهم عن الردة ويصرف أذهان الأنصار عن استياءهم من أخذ قريش للخلافة ، فزعم غريب ، وقول عجيب ، وتحكم بلا دليل سوى محض الدعوى ، فالأنصار حصل منهم تردد ثم بايعوا الصديق رضي الله عنه لاسيما بعدما سمعوا الحديث الذي ينص على أن الأئمة من قريش ، واستقامت للصديق الأمة كلها وأجمعت على إمامته ، ولم يكن ثمة اعتراض على إمامته سوى شذوذ لا يكاد يذكر في التاريخ ، ولا ينكر إجماع الأنصار والمهاجرين على صحة إمامته إلا مكابر، وأوضح الأدلة على تأييد ودعم الأنصار الكاملين للخليفة الراشد أبي بكر الصديق أنهم كانوا جنوده البواسل في حروب الردة ، والحقيقة التي لاتخفى على ذي بصير أن الفتوح لم تكن في عهده الراشد إلا امتثالا منه رضي الله عنه لآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الآمرة بالجهاد في سبيل الله تعالى .
رابعا : كما أن في الكتاب المذكور ذكر الخليفة الراشد صهر النبي صلى الله عليه وسلم ، ذي النورين وصهر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين عثمان بن عفان رضي الله عنه بما لا يصح تاريخا ولا يليق بمكانته في الإسلام وذلك ص 80
خامسا : وعندما يذكر موت الصحابة يقول الكتاب ( مصرع عثمان ) ( مصرع الزبير بين العوام وطلحة بن عبيد الله ) وكأنما يتحدث عن تاريخ الصين ، وكان الأولى أن يقال استشهاد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه ، استشهاد الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه ونحو ذلك من عبارات تليق بأولئك الأخيار ، افضل البشر بعد الرسل الكرام عليهم السلام .
وبالجملة فكان الواجب أن يكتب تاريخ حقبة الخلفاء من قبل متخصصين يستقون من المصادر الإسلامية المعتمدة ، التي تدافع عن جناب رجال الإسلام الأوائل وتنفي عنهم الشبه الباطلة التي روجها المستشرقون ، وتذكرهم بعبارات لائقة بمقامهم العظيم في الدين ، فإنهم أبطال الإسلام ، وقدوة أجيال المسلمين ، ولا يجوز ذكرهم إلا بالجميل ، فقد أتم الله عليهم نعمته برضاه عنهم كما قال ( رضي الله عنهم ورضوا عنه)، ونشكر الأخ المدرس الذي أبدى ملحوظاته على الكتاب ، ونرجو منه ومن غيره من المدرسين أن يكتبوا للجهات المختصة لتصحيح ما يشتمل عليه الكتاب من أخطاء ، كما نهيب بالمسؤولين على تأليف الكتاب إعادة النظر فيما يحتويه ، ولاعيب من تصحيح خطأ ورد في كتاب ، فكل ابن آدم خطاء ، وأبى الله أن يتم إلا كتابه الكريم ، وهم مشكورون على الجهد الذي بذلوه في هذا التأليف والله المستعان .