حقيقة ما يجري على السـودان
حامد بن عبدالله العلي
(إن الدور الإسرائيلي في السودان ، لا يجب أن يتوقف ما لم يتحقق لحركة التمرد في الجنوب السوداني ما تحقق للأكراد في شمال العراق؛ إذ يجب أن يحصل الجنوبيون على الاستقلال ولو بقوة السلاح، ومن بعدها يتم استقلال مختلف الأقاليم السودانية، وعلى رأسها إقليم دارفور). شاؤول موفاز وزير الدفاع سابقا في الكيان الصهيوني.
( حرصت "إسرائيل" على إيفاد أنشط الدبلوماسيين والخبراء والمستشارين إلى إفريقيا، على غرار "إيهود أحزبائيل" و"أشير بن ناتان" رجل المهمات الصعبة في الموساد، حتى تجد موطئ قدم لها في جنوب السودان، من خلال إثيوبيا والكونغو ثم أوغندا وكينيا. وقد لعب " أهرون زعير": أحد كبار رجال الموساد والمسئول السابق في جهاز الدفاع خطة الاحتواء، من خلال إيفاد أكثر من خمسة آلاف خبير ومستشار، في الزراعة والبناء ، والتشييد، بالإضافة إلى المستشارين العسكريين، من أجل تنظيم وتدريب وتسليح جيوش تلك الدول المجاورة للسودان ) عن كتاب( إسرائيل وحركة تحرير السودان ) لموسى فرجي العميد المتقاعد من الموساد السابق.
( دور إسرائيل بعد انفصال الجنوب وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا، ويكاد يكون تكوينه ، وتدريبه ، وإعداده ، صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين، وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتى الخرطوم، ولن يكون قاصراً على مناطق الجنوب، بل سيمتد إلى كافة أرجائه ليتحقق الحلم الإستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر، ونزع مصادر الخطر المستقبلي المحتمل ضدنا ) المصدر السابق
ليس من قبيل محض الصدفة أن تنشط ـ بإعتراف الصهاينة أنفسهم ـ في دارفـور 20 منظمة يهودية عاملة في أميركا، من بين منظمات أمريكية ، وجماعات تمثل الطوائف الدينية المختلفة في أميركا، وأخرى ناشطة في مجال الحقوق المدنية ، ولا هو أيضا من قبيل العفوية أن يعلن المتسلّلون من دارفور عبر مصر! إلى الكيان الصهيوني دون سواه ! (بأنهم فوجئوا بأنَّ الإسرائيليين الذين قابلوهم كانوا أناسا طيبين، قدموا المساعدة لهم ).
ولم يكن خافيا قط أن العلاقات بين السودان ، والكيان الصهيوني ، كانت تتأرجح إلى أن وصلت جبهة الإنقاذ ذات التوجهات الإسلامية للحكم في السودان عام 1989م ؛ فوضعت حداً للعلاقات مع الصهاينة ، ثـمَّ بقي الكيان الصهيوني يسعى لإسقاط نظام الجبهة بوسائل شتّى ، أهمّها توفير الدعم للمتمردين في الجنوب.
ومعلوم أنَّ الصهاينة يلعبون منذ منتصف القرن الماضي على استراتيجية التحالف مع الأقليات ، وذلك لفصلها عن البلاد العربية والإسلامية ، التي يرى الصهاينة في بقاءها موحدةً خطراً عليهم *
كما أنَّ الصهاينة مازالوا يسعون للحصول على تسهيلات في دول منابع النيل ، لاستخدام قواعد عسكرية ، على غرار القواعد السرية في جزيرة حنيش ، وهلك ، بأثيوبيا ، تعمل إضافة إلى أنشطتها العسكرية ، بأنشطة استخباراتية ، وبيع منتجات الصناعة العسكرية الصهيونية ، وشراء الولاءات العسكرية الإفريقية لصالح الصهاينة.
وقد نشرت وكالة استوشيتد برس بتاريخ 17 فبراير 2009م الخبر التالي : ( قال مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية لوكالة «أسوشييتد برس» إن عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المسلحة في دارفور اجتمع سراً مع مسؤولين كبار في المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في وقت سابق من هذا الشهر. ورفض المسؤول، حسب الوكالة، الكشف عن المحادثات بين نور ومسؤولين في «الموساد» على هامش مؤتمر للأمن حضره نور).
وذكرت صحيفة «هاآرتس» الصهيونية على موقعها الإلكتروني أن عبد الواحد محمد نور التقى أثناء زيارته للكيان الصهيوني ، برئيس مكتب الأمن السياسي في وزارة الدفاع الصهيونية عاموس جلعاد ، إلا أنه لم يلتق مسؤولين من وزارة الخارجية لأن زيارته ليست رسمية.
وأشارت الصحيفة إلى أن عبد الواحد وصل إلى الكيان الصهيوني ، في وقت سابق من الشهر الجاري بناء على مبادرة شخصيّة منه للمشاركة في مؤتمر هرتزليا ، وحضر عبد الواحد مع مجموعة من اليهود الأوروبيين، معظمهم فرنسيون مهتمون بقضية دارفور.
وقالت الصحيفة : ولم يتحدث عبد الواحد في أي من جلسات المؤتمر إلا أنه حضر العديد منها ، وأثناء المؤتمر تم تقديم عبد الواحد إلى جلعاد ، ورتب الاثنان للقاء عُقد بعدها بأيام قليلة في وزارة الدفاع ، ونقلت الصحيفة عن وزارة الدفاع الصهيونية ،قولها : إنه لمصلحة الأمن القومي فقد عُقدت عدة اجتماعات، وليس من عادتنا التعقيب على مثل الاجتماعات )أ.هـ. من الصحيفة
وكان هذا الخبيث قد صرح سابقا : (إن الحركة إذا وصلت إلى السلطة في السودان فإنها ستفتح سفارة لإسرائيل في الخرطوم، وقنصلية في إقليم دارفور ).
ولعل هذا هو الحل الذي قصدته ليفني عندما صرحت في 24 /5/2006م أن حكومتها ستساعد في إيجاد حل للأزمة في إقليم دارفور السوداني،وذلك خلال لقاء جمعها مع عدد من السفراء الأفارقة في تل أبيب!
ولقد كان العنف المتصاعد في دارفور ، التي مساحتها مثل مساحة فرنسا ، فرصة لا تعوّض ، للتحالف الصهيوصليبي ، للإنقضاض على السودان من غربه ، وذلك بتدويل الأزمة الدارفوريّة ، تحت شعار حقوق الإنسان المنتهكة ، فنشطت العشرين منظمة التي ذكرناها آنفا ، بتشكيل تحالف أطلقت عليه (تحالف إنقاذ دارفور) عام 2004م ، ثم أطلق هذا التحالف مناشدة لبوش للتدخل في دارفور لإنقاذ ضحايا (الهولوكوست)!
وقد دخل هذا أيضا في ضمـن استراتيجية أمريكية في الإستيلاء النفط السوداني ، منذ الإعلان عن اكتشاف نفط قدرت احتياطاته بـ 3 مليارات برميل ، في وسط السودان ، وجنوبه ، وقد قطعت أمريكا شوطا في إقحام شركات النفط الأمريكية إلى جنوب السودان ، بعد أن وضعت ما يفتح لها الباب واسعا لذلك في اتفاقية السلام.
ثم انطلقت لعبة تسخير المنظمات الدولية التي هي أدوات الإستعمار الجديد ، فركبت أمريكا حمارها المفضـَّل ، مجلس الأمن ، لتحقيق أهداف الصهاينة في السودان ، فلاعجب أن صدر في قضية دارفور وحدهـا 21 قرارا من مجلس الأمن الذي لم يصدر في شأن السودان أي قرار منذ 50 عاما !
والمفارقة المثيرة للسخرية أنَّ قرار مجلس الذي قرر إحالة الملف إلى ما يُسمّى بالجنائية الدوليّة ، يستثني مثول أميركيين ممن قد يتَّهمون في السودان ، في إطار بعثة الأمم المتحدة أو الاتحادالإفريقي أمام المحكمة الجنائية الدولية!
كما المفارقة المثيرة للعحب أنَّ ثلاثة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ، لم توقّع على إتفاقية هذه المحكمة المهزلة ، وأنَّ السودان نفسه لم يوقـّع عليها.
ومع ذلك فالنظام العربي الخانع الذي هو أعظم أسباب ما يجري للسودان ، وما جرى للعراق ، وفلسطين ، وكلّ مصائب الأم ، غير قادر أن يقف موقفا ينسف هذه المهزلة التي تُسمَّى محكمة الجنائية الدولية ، ليحـوِّل هذه المسرحية الصهيوأمريكية إلى نكتة سمجة ، تتندر بها وسائل الإعلام ، مع أنهم جميعا يعلمون أنه قد يأتي اليوم الذي تضرب فيه ظهورهم بهذا السوط نفسه الذي يُلوَّح به الآن للسودان !
بل يتعامل النظام الرسمي العربي مع القرار السخيف ، لأوكامبو المجرم ، كأنَّه تهديد حقيقي لدولة عربية هي بمثابة قارة حجمــا، وقدرات ، وهذه الدولة علاقاتها حسنة مع بقية جوقة النظام العربي البائس ، فكيف لو كانت عدائيّة !
ومن الواضح أن هدف هذا القرار تقوية المعارضة المخترقة أمريكيا ، وصهيونيا ، على حساب السلطة السودانية ، في مخطط يستهدف تغيير جذري في الحالة السياسية في السودان ، يبـدأ بإسقاط الحالة الراهنة ، وينتهي بتقسيم السودان .
ولم تحصـل هذه المهانة التي وصل إليها النظام العربي ، بحيث أصبح كلَّ رئيس فيه ، معرض لضرب السياط على ظهره ، والبقية ينظرون كالخراف البائسة ، تنتظر دورهـا ، إلاَّ بثلاثة أسـباب :
أحدها : تركهم عزَّتهم بدينهم ، وشريعتهـم ، ورضاهم وضع رقابهم في أغلال ما يُسمَّى بالمنظمات الدولية ، وإنما هي أغلال بيد الغرب الإمبريالي ، وأدوات للهيمنة ، لا خير فيها ،
ولاريب أنَّ الرضا بحكمها ، والتحاكم إليها ، قبول بسبيل الكافرين على المسلمين ، وهو مناقض لأصل العقيدة الإسلامية ، لايجهل هذا إلاَّ مغموص القلب ، مطموس البصيرة ، نعوذ بالله من الضلالة.
أولـم يـر هؤلاء التائهون ، كيف تستهزئ هذه المؤسسات بكلِّ قيم العدالة ، فتغضّ طرفها عن جرائم الصهاينة التي شهدهـا العالم كلَّه في غـزَّة ، جهاراً ، نهاراً ، وتظاهر ضدَّهــا ، ثـمَّ ودماء أهل غزة ما زالت تنـزف ، هـي لاترى إلاّ ذنـب عمــر البشير !
ووالله الذي لا إله إلاّ هو ، ما رُمي الإسلام بسهم أوهى لجلَدَه ، وأوهن لعضده ، وأدمى لكبده ، من هذا السهم الذي يطلق عليه زوراً ، مؤسسات المجتمع الدولي ، وإنما هـي أوكار عصابة الإستبداد الغربي التي هي فرعون العصر ، أمريكا ، والإتحاد الأوربي.
والثاني : تركهم الجهاد في سبيل الله ، وهو عـزُّهم ، ومجدهـم ، ثـمَّ ياليتهم تركوه وشأنه ، بل حاربوه ، وحاربوا أهله ، ولاحقوهم ، فأهل هذه الفريضة الإسلامية العظيمة ، وذرة سنام الإسلام ، بين قتيل ، وسجين ، وهارب ، ومتّهـم !
مع أنَّهم خير الناس ، وأعلاهم منزلة في الإسلام ، وهم ملاحقـون في بلادهـم ، أشـدّ مما يلاحقهم الغرب نفسه، حتى إنَّ من العجائب التي تبكي ، وتضحك ، أنَّ بعض المفرج عنهم من غوانتنامو فضَّلوا البقاء فيه ، على تسليمهم لبعض دول النظام العربي البائس !
الثالث : تفرقُّهم فيما يسمونه أوطانا ، وتصييرهم لهـا أوثانا تعبد من دون الله ، يقدِّمونها على وحدة الأمَّة الإسلاميـة ، وأهداف رسالتها ، وقوّة جانبها ، ورفعة مكانتها ، ثم اختزلوا هذه الكذبة ، في أنظمة سياسية مُتْخمة بالفساد ، إنما هي أجهزة استخبارات ، يسمونها دولا ، ثم اختصروها في الزعيم وأسرته ، التـي تتحكم في كلِّ شيء ، حتى تتوارث البلاد ، والعباد ، كما يُتوارث القطيع ، والناس مستعبدون لهـم بكذبة الوطنيَّة ، مع أنـّه لا يسرق الوطن ، ويعبث بمقدراته ، ويعيث فيه فسادا إلاّ هـم ، قاتلهم الله ، أنى يؤفكـون.
ووالله الذي لا إله إلا هو ، ما بلغ أعداء الإسلام ، أشدّ ما كانوا به ائتمارا ، وأعدى ما كانوا عليه عدوانا ، وأصدق ما كانوا رغبة في الكيد له ، والنكاية به ، ما بلغ هؤلاء المجرمون من الطعن في الإسلام ، وإضعافه .
ولن يخرج هذا النظام العربي من بؤسه ، إلاَّ إذا أزال هذه الأسباب ، أو هـو في ذله ما بقـي ، تساق فيه الرؤوس ليطأ عليها فرعون في محكمته التي رضي النظام العربي البائس بحكمها ، وسجد على عتباتهـا!
قال الحق سبحانه : ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
والله حسبنا عليه توكّلنا وعليه فلتوكّل المتوكّلـون
______
*وهذا يجري أيضا على التحالف السري ـ وراء تلك الهتافات الشيعية "التجارية" ضد إسرائيل ـ مع الأقليات الشيعية في دول الخليج ، بترحيب خفي من إيران التي تتقاسم أيضا العمل الإستخباراتي السرّي مع الموساد في العراق لتدميره وتقسيمه ، بتكتّم شديد .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 11/03/2009 عدد القراء: 16757
أضف تعليقك على الموضوع
|