خطبة عيد الضحى لعام 1426هـ
الله اكبر الله اكبر الله أكبر ، الله أكبر الله اكبر الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر
حامد بن عبدالله العلي
والحمد لله ،،
الحمد لله ذي العزة والجلال ، المتفرد بصفات الكمال ، القوي الكبير المتعال ، الذي أعزّنا بالإسلام، فأنجانا بــه مــن الضلال ،ورفع عنها به الإصر والأغلال ،
أشهد أن لا إله إلاّ هـو ، له الملك وله الحمد ، الحمد لله الذي جعل الحمد له سبحانه أول ما يُبدء به ، وأخر ما يُختم به ، وجعل الحمد أوّل أعظم سور القرآن ، وجعل الحمد أوّل ما نطق به آدم ، وجعل الحمد آخر دعوة أهل الجنة ، والحمـد أحقّ ما قاله العبد ، ( وله الحمد في الأولى والآخـرة وله الحكم وإليه ترجعون ) ..
وأشهد أن محمداً ، المحمود في الأرض والسماء ، الممصطفى المختار المفضّل على جميع الأخيار ، المبعوث بالهدى والأنوار ، المنصور حقـاً بالآيات ، المؤيـّد بالأنصار ، أحمد ، الماحي، الحاشر ،المقفَّي ، نبي التوبة ، نبي الرحمة ، نبي الملحمة ، الضحوك القتّال ، ،الفاتح ، الأمين ، العاقـب ، المعقـّب دينه بالظهور ، ما تعاقب الليل والنهار ،
أشهد أنـه عبد الله ، رسولـه ، عليه الصلاة والسلام ، وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار ، .
أدى الأمانة ، وأمرنا بأداءها ، وحمّلنا أمانة نشـر رسالته ،والجهاد في سبيلهـا :
وبعـــــد :
أيها المسلمون الذين حججتم البيت العتيق ، وسلكتم إليه كلّ طريق ، يحدوكم إليه الشوق الحريق ،
وأيها المصلّون الذين اجتمعتم لصلاة العيد ، تكبرون الله تكبيرا ، وتحمدونه كثيرا ، وتوقرون دينه توقيرا ،،
تدبـّروا ما قاله الله تعالى في محكم التنزيــل :
(إِنَّاعَرَضْنَاالأَمَانَةَعَلَىالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِوَالْجِبَالِفَأَبَيْنَأَنيَحْمِلْنَهَاوَأَشْفَقْنَمِنْهَاوَحَمَلَهَا الإِنسَانُإِنَّهُكَانَظَلُومًاجَهُولاً * لِيُعَذِّبَاللَّهُالْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِوَالْمُشْرِكِينَوَالْمُشْرِكَاتِوَيَتُوبَاللَّهُ عَلَىالْمُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِوَكَانَاللَّهُغَفُورًارَّحِيمًا )
وقولـه سبحانه :
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْأَنتُؤدُّواْالأَمَانَاتِإِلَىأَهْلِهَاوَإِذَاحَكَمْتُمبَيْنَ النَّاسِأَنتَحْكُمُواْبِالْعَدْلِإِنَّاللَّهَ نِعِمَّايَعِظُكُمبِهِإِنَّاللَّهَ كَانَسَمِيعًا بَصِيرًا )
وقولــه سبحانه :
( يَاأَيُّهَاالَّذِينَآمَنُواْ لاَتَخُونُواْاللَّهَ وَالرَّسُولَوَتَخُونُواْأَمَانَاتِكُمْوَأَنتُمْتَعْلَمُونَ* وَاعْلَمُواْأَنَّمَاأَمْوَالُكُمْوَأَوْلاَدُكُمْفِتْنَةٌوَأَنَّاللَّهَ عِندَهُأَجْرٌعَظِيمٌ )
تدبـروا ـ رحمكم الله ـ آيات القرآن ، لتمتثلــوا نداء الإيمان :
فالأمانة هي كلّ ما عهد الله إلى ابن آدم من أمره ونهيه في شريعته ،
قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
( يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان ، من حقوق الله عز وجل على عباده ، من الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والكفارات ، والنذور ، وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ، لا يطلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد ، بعضهم على بعض ، كالودائع ، وغير ذلك ، مما يؤتمنون به ، من غير اطلاع بينة على ذلك ، فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا ، أخذ منه ذلك يوم القيامة ) .
فالعبد ما يزال بخير ما تعاهد أمانة الله تعالى ، فحفظها ، وقام بها ، كمـا أمر الله أن يقام بها ،
ومـا كان على حذر ،من كل فتنة ، تحول بينه وبين حفظ الأمانة، من فتنة النساء ، والأموال ، والأولاد ، وسائر الشهوات .
حتى يأتي يوم القيامة ، فيعرضها على الله تعالى ، محفوظة لم ينقص منها شيئا ،
أما أمانة الشهادتين ، فيحفظها بأن يقيم قلبه وجوارحه على أساسها ، ويجعل حياته كلها دائرة تحت أسّها ، وأقواسها ،
كما قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ للْدّيِنِ حَنِيفاَ) وقال ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلْدّينِ القَيّمْ ) ، وقال (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) وقال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، وقال (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .
وأداء هذه الأمانة ، وهي: إقامة ،وتوجيه ، وإسلام الوجه ( أي جهة العبادة لله تعالى وحده ) ،، هو قطب رحى الإسلام ، وأصل أصوله ،
وغاية معناها ، وجميع مغزاها ، أن لا يُعبد سواه ، إذعانا لربويته ، وذلاّ لإلوهيته ،
فلا يُدعى غيره دعاء العبادة ، ولا يُتوكّل على سواه ، ولا يُصلى ،ولا يُسجد ، ولا يـُركع ، ولا يـُذبح ، ولا يُنذر ، إلا لـه ، ولايُطاف إلاّ ببيته ،ولا يُتاب إلاّ إليه ، ولا تُوجّـه عباده لغيره ،
القلب معمورٌ بحبه ، ورجائه ، وخشيته ، وتقواه ، والجوارح مشغولة بطلب رضاه ، تزلفـا إليه ، وتقربا بين يديـه .
لايُعبد سواه ذلاّ له وحـده، ولا يُتحاكم إلى غيره ، خضوعا لأحكامه المحكمة العليّة ، وطاعة لشريعتــه المطهرة السنيّة .
فمن صرف العبادة لغير مستحقِّها ربّ العالمين ، أو نصب غير شريعته حُكْما بين الناس ـ وكلاهما سواء ـ فقـد خرج من ربقة هذا الدين ، وشاقّ دين المسلمين .
ولهذا قرن الله تعالى بين إفراده بالعبادة ، وإفراده بالحكم والتشريع ، فقال :
( إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ، أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
(وَهُوَ اللَّهُ لاإِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) ، والروح هوا لوحي الحاكم على الخلق ،
كماقال تعالى عن إبراهيم : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ) وهي النبوّة الحاكمة بالكتاب المنزل كما قال تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) .
وأما أمانة الصلاة ، فيؤديها بإقامتها بشروطها ، وطهورها ، وحضور القلب فيها ، فالصلاة هي عمود الأمر الذي هو الإسلام ، وهي الحدّ الفاصل بين الإيمان والكفر ، وفي الحديث ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.
وأمّا أمانة الزكاة فيؤديها بإخراجها إلى الفقراء في وقتها ، من طيب ماله .
وأمّا أمانة الصوم فيؤديها بمراعاة حدود هذا الركن العظيم .
وأمّا أمانة الحــج فيؤديها بأداء الحج كما أداه النبي صلى الله عليه وسلم ، يقتفي أثره ،ويهتدي بهديه ، متحريا النفقة الحلال ، مجتنبا الرفث ، والفسوق ، والجدال .
وأما أمانة العلم عند العالم بشريعة الله ، فهي أعظم أمانة ، وأداؤها بأن يبلغ دين الله كما أنزل ، لايشتري بآيات الله ثمنا ، ولا يخاف في الله لومة لائم .
وكذا الجهاد أمانة عند أهله ، أن يجاهدوا في الله حق جهاده ، حتى يكفوا شر الكفار عن أهل الإسلام ، أو يبلغوا دين الله إلى أقاصي الأرض ، فإما الإسلام أو الجزية .
وأما أمانة الحقوق بين العباد ، فهي من اعظم الأمانات، فالأب مؤتمن على أولاده ، والأمّ كذلك ، والزوج على حقوق زوجته ، والزوجة على حقوق زوجها ، وحقوق المؤمنين على بعضهم امانة عند كل مؤمن عليه أن يؤديها إلى أخيه ، والعقود والعهود ، أمانة بيد أهلها ،
وأعظم هذه الأمانات ، أمانة ولاية أمر المسلمين ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن تضييع الأمانة ، إيذان بقرب الساعة ، تنويها بخطرها ،
وفسّر ذلك بأن يُوسد الأمـرُ إلى غير أهله ، فقال : ( إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : كيف إضاعتها يا رسولالله ، قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله ،فانتظر الساعة ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الحديث دلالة على أنّ من أعظم خيانة الأمانة ، أن يُوسد أمـر الأمّة إلى من ليس أهلا لذلك ، فيوليّ عليهم من ليس أهلا أيضا ، وذلك أعظـم خيانـة لأمـّة الإسلام في دينها ، ويسخّـر ثرواتها لأعدائها ، ويعين الأعداء على المسلمين ، ..
وهذا من أعظم ما ابتليت به الأمّة في عصرنا هذا ،
ولهذا كان واجبا على الأمّة ن أن تجعل ولايتها فيمن هو أهلٌ لهـا ، وتحاسبه على إنحرافه إن خان هذه الأمانة العظيمة ، ولهذا جعل الله تعالى أمرهم شورى بينهم ، لئلا تضيع هذه الأمانة ،وهي ولاية أمر المسلمين ، فيضيع دينهم بضياعها ، ويتسلّط عليهم أعداؤهم .
وأمانة سائر الجوارح ، فيؤديها بإقامتها وفق الشريعة في أحكامها ، وبحفظها عن الذنوب ، وصونها عن المعاصي ،
كما قال ابن القيم رحمه الله ، مبينا كيف تتوزع العبودية ، على جميع حياة الإنسان ، فأمانتها عليه شاملة ، لاتدع جارحة إلا وهي بها عاملـة ، فقـال :
( وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب ، اللسان ، والجوارح ، وعلى كلّ منها عبوديـّة تخصّه.
والأحكام التي للعبودية خمسة :
واجب ، ومستحب ، وحرام ، ومكروه ، ومباح ، وهي لكلّ واحد من القلب ، واللسان ، والجوارح.
فواجب القلب : منه متفق على وجوبه ، كالإخلاص ، والتوكل، والمحبة ، والصبر والإنابة ، والخوف ، والرجاء ، والتصديق الجازم ، والنية في العبادة .
وكذلك الصدق ، والفرق بينه ، وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا ، وطلبا ، فالإخلاص توحيد مطلوبه ، والصدق توحيد طلبه.
فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسما ، والصدق أن لا يكون الطلب منقسما .
واتفقت الأمّـة على وجوب هذه الأعمال على القلب ، من حيث الجملة
، وكذلك النصح في العبودية ،
ومدار الدين عليه وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للرب المرضي له .
وأصل هذا واجب ، وكماله مرتبة المقربين .
وكذلك كل واحد من هذه الواجبات القلبية : له طرفان :
واجب مستحق ، وهو مرتبة أصحاب اليمين.
وكمال مستحب وهو مرتبة المقربين.
وكذلك الصبر ، واجب بإتفاق الأمّة ، قال الإمام أحمد : ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن ، أو بضعا وتسعين .
ثم قال : وأما المحرمات التي عليه فالكبر ، والرياء ، والعجب ،والحسد ، والغفلة ،والنفاق ،وهي نوعان : كفر ، ومعصية ،
فالكفر :كالشك ، والنفاق ، والشرك ، وتوابعها ،
والمعصية نوعان : كبائر ، وصغائر ،
فالكبائر كالرياء ،والعجب ،والكبر، والفخر ،والخيلاء ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ،
والفرح والسرور بأذى المسلمين ، والشماتة بمصيبتهم ،
ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم ، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله ،وتمنى زوال ذلك عنهم ،
وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريما من الزنا ، وشرب الخمر ، وغيرهما من الكبائر الظاهرة .
ولا صلاح للقلب ، ولا للجسد إلا باجتنابها ، والتوبة منها ، وإلا فهو قلب فاسد ، وإذا فسد القلب فسد البدن.
وهذه الآفات إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب ، وترك القيام بها
فوظيفة (إياك نعبد) على القلب ، قبل الجوارح ، فإذا جهلها ، وترك القيام بها ، امتلأ بأضدادها ، ولا بد ، وبحسب قيامه بها يتخلص من أضدادها .
وهذه الأمور ونحوها قد تكون صغائر في حقه ،وقد تكون كبائر بحسب قوتها ، وغلظها وخفتها ، ودقتها .
ثم قال : فصل وأما عبوديات اللسان الخمس :
فواجبها النطق بالشهادتين ، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن ، وهو ما تتوقف صحة صلاته عليه ، وتلفظه بالأذكار الواجبة في الصلاة ، التي أمر الله بها ورسوله ، كما أمر بالتسبيح في الركوع ، والسجود ، وأمر بقول ربنا ولك الحمد بعد الاعتدال ، وأمر بالتشهد ، وأمر بالتكبير،
ومن واجبه رد السلام.
ثم قال :ومن واجبه الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتعليم الجاهل ، وإرشاد الضال ،وأداء الشهادة المتعينة ، وصدق الحديث .
وأما مستحبه : فتلاوة القرآن ، ودوام ذكر الله ، والمذاكرة في العلم النافع ، وتوابع ذلك .
وأما محرمه : فهو النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله ، كالنطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله ، والدعاء إليها، وتحسينها ، وتقويتها ، وكالقذف ، وسب المسلم ، وأذاه بكل قول ، والكذب ، وشهادة الزور ، والقول على الله بلا علم ، وهو أشدها تحريما ، ومكروهة التكلم بما تركه خير من الكلام به ، مع عدم العقوبة عليه.
ثم قال :
فصل وأما العبوديات الخمس على الجوارح فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضا :
إذ الحواس خمسة ، وعلى كل حاسة خمس عبوديات ،
فعلى السمع :
وجوب الإنصات ، والإستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه مناستماع الإسلام ، والإيمان ،وفروضهما ، وكذلك استماع القراءة في الصلاة ، إذا جهر بها الإمام ، واستماع الخطبة للجمعة
ويحرم عليه استماع الكفر ، والبدع إلا حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة من رده ، أو الشهادة على قائله ، أو زيادة قوة الإيمان ، والسنة ، بمعرفة ضدهما من الكفر ، والبدعة ،
ونحو ذلك وكإستماع أسرار من يهرب عنك بسره ، ولا يحب أن يطلعك عليه ، ما لم يكن متضمنا لحق لله يجب القيام به ، أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه.
وكذلك استماع أصوات النساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهن ، إذا لم تدع إليه
حاجة من شهادة ، أو معاملة ، أو استفتاء ، أو محاكمة ، أو مداواة ، ونحوها.
وكذلك استماع المعازف ، وآلات الطرب ، واللهو ، كالعود ، والطنبور ، واليراع ونحوها .
والمكروه عكسه ، وهو استماع كل ما يكره ، ولا يعاقب عليه ، والمباح ظاهر.
وأما النظر الواجب :
فالنظر في المصحف ، وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها ، والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الأعيان التي يأكلها ، أو ينفقها ، أو يستمتع بها ، والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ، ليميز بينها ونحو ذلك
والنظر الحرام ، النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا ، وبغيرها إلا لحاجة كنظر الخاطب والمستام ، والمعامل ، والشاهد ، والحاكم ، والطبيب ، وذي المحرم .
والمستحب النظر في كتب العلم ، والدين ، التي يزداد بها الرجل إيمانا ، وعلما ،
والنظر في المصحف ، ووجوه العلماء الصالحين ، والوالدين ، والنظر في آيات الله المشهودة ، ليستدل بها على توحيده ، ومعرفته ، وحكمته .
والمكروه فضول النظر الذي لا مصلحة فيه ، فإن له فضولا ، كما للسان فضولا ، وكم قاد فضولها إلى فضول عز التلخص منها ، وأعيى دواؤها ، وقال بعض السلف كانوا يكرهون فضول النظر ، كما يكرهون فضول الكلام.
والمباح النظر الذي لا مضرة فيه ، في العاجل ، والآجل ، ولا منفعة .
ومن النظر الحرام النظر إلى العورات
وأما الذوق الواجب :
فتناول الطعام والشراب ، عند الاضطرار إليه ، وخوف الموت فإن تركه حتى مات مات عاصيا قاتلا لنفسه ، قال الإمام أحمد وطاووس من اضطر إلى أكل الميتة ، فلم يأكل ، حتى مات ، دخل النار.
والذوق الحرام كذوق الخمر والسموم القاتلة .
وأما المكروه : فكذوق المشتبهات ، والأكل فوق الحاجة ، وكأكل أطعمة المرائين في الولائم ، والدعوات ونحوها .
والذوق المستحب أكل ما يعينك على طاعة الله عز وجل ، مما أذن الله فيه ، والأكل مع الضيف ليطيب له الأكل فينال منه غرضه ، والأكل من طعام صاحب الدعوة الواجب إجابتها ، أو المستحب .
وأما تعلق العبوديات الخمس بحاسة الشم : فالشم الواجب كل شم تعين طريقا للتمييز بين الحلال والحرام ، كالشم الذي تعلم به هذه العين هل هي خبيثة ، أمطيبة ،وهل هي سم قاتل ، أو لا مضرة فيه ، أو يميز به بين ما يملك الانتفاع به ، وما لا يملك.
وأما الشم الحرام فالتعمد لشم الطيب في الإحرام ،وشم الطيب المغصوب ، والمسروق وتعمد شم الطيب من النساء الأجنبيات ، خشية الإفتتان بما وراءه.
وأما الشم المستحب فشم ما يعينك على طاعة الله ، ويقوي الحواس ، ويبسط النفس للعلم والعمل ، ومن هذا هدية الطيب ، والريحان ، إذا أهديت لك ففي صحيح مسلم عن النبي من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح ، خفيف المحمل .
والمكروه كشم طيب الظلمة ، وأصحاب الشبهات ونحو ذلك .
والمباح مالا منع فيه من الله ،ولا تبعة ، ولا فيه مصلحة دينية ، ولا تعلق له بالشرع.
وأما تعلق هذه الخمسة بحاسة اللمس ،
فاللمس الواجب ، كلمس الزوجة حين يجب جماعها .
والحرام لمس ما لا يحلّ من الأجنبيات .
والمستحب إذا كان فيه غض بصره ، وكف نفسه عن الحرام ، وإعفاف أهله ، والمكروه لمس الزوجة في الصيام إذا لم يأمن على نفسه.
والمباح مالم يكن فيه مفسدة ولا مصلحة دينية.
وهذه المراتب أيضا مرتبة على البطش باليد والمشي بالرجل وأمثلتها لا تخفى ) انتهى بإختصار من مدارج السالكين .
فتأمل كيف شملت شرائع الإسلام ، وضع الأمانة على جميع حركات الإنسان، فإذا راقب الله فيها كلّها ، وألبس قلبه ، ولسانه ، وجوارحه ، لباس التقوى ، فقد أدى الأمانة ،
وعلى قدر ما يؤديها ، يكمُل حاله ، ويُرفع قدره ، ويُعلى ذكره ، ويُبارك في عمره ، وجسده ، وماله ، وتُكتب له العاقبة الحسنة في الدنيا ، والآخرة .
وعلى قدر ما يفرّط فيه ، فإنّه ينقص عليه من ذلك ، على قدر ما فرّط .
هذا ،
ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإخواننا المسلمين ، على حفظ ما حملنا الله تعالى من أمانته ، ويلهمنا رشدنا برحمته ، ويشملنا بعفوه ومغفرتــه .
****
الله اكبر الله اكبر الله أكبر ، الله أكبر الله اكبر الله أكبر ، الله أكبر والحمد لله
الحمد لله الذي شرع لنا شرائع الإسلام ، وفضلنا بها على سائر الأنام ، وأقام لنا هذا الدين العظيم ، صادق الأخبار ، محكم الأحكام ،
الحمد لله الذي شرع الحج فجعله من أفضل القربات ،
فقد ورد في الأحاديث :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ! نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد ؟ قال " لكنَّ أفضل الجهاد وأجمله ، حج مبرور رواه البخاري
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " البخاري ومسلم .
وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " متفق عليه .
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم " أي الأعمال أفضل ؟ قال " إيمان بالله ورسوله . قيل ثم ماذا ؟ قال " الجهاد في سبيل الله . قيل ثم ماذا ؟ قال الحج المبرور " متفق عليه
وفي الحديث القدسـي : إذا أصححت لعبدي جسمه ، ووسعت عليه في المعيشة فأتت عليه خمسة أعوام لم يفد إلي لمحروم رواه ابن حبان
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا " صحيح الترمذي
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه كان كعتق رقبة " صحيح الترمذي . وقال " لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتبت له بها حسنة .. " صحيح الترمذي ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود والركن اليماني : " إن مسحهما كفارة للخطايا " صحيح الترمذي
وقال رسول الله " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول " ما أراد هؤلاء ؟ " رواه مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحجاج والعمار وفد الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم روه البزار
هذا وفي الحــج ، حكـمٌ عظيمة :
ثلاث منها تعود إلى العبــــــد ،
وثلاث تعود إلى الأمــّــــة .
أما التي تعود إلى العبد :
1ـ فتحقيق غاية التوحيد، بجمع تصديق القلب وعمله ، وجميع الجوارح ، والمال ، على التذلل في منازل العبودية ، ولا يجتمع ذلك كلّه في غير الحج .
2ـ وضرب المثل الحـيّ ، للاعتبار في أمر الدنيا والآخرة ، بما يشعر به حال الإحرام ، والتنقل في المشاعر وصولاً إلى اليبت العتيق ، من الذكرى العظيمة لمن يعقلها .
3ـ وإظهار كمال الإئتساء بإبراهيم عليه السلام ، وصاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وسلم في كلّ حركات البدن ، حتى وضع الفم أو اليد في الموضع الذي وضع فيه صلى الله عليه وسلم ، وهو الحجر الأسود ، وهو الموضع الوحيد المعلوم وضعه صلى الله عليه وسله شفتيه الشرفيتين عليه ، ويده الشريفه ، فنضع حيث وضع ، إشعارا بالتزام طاعة الرسول في بيعة المرسل سبحانه عند بيته المعظم ، طلبا للجنّة ، فتكتمل أركان البيعة ،وقد روي وصح موقوفا عن ابن عباس رضي الله عنهما ( الحجر الأسود يمين الله الله في الأرض ) ، وصح أن ( الحجر الأسود من الجنة) روه أحمد وغيره .
وأمّـا التي تعود على الأمة :
1ـ فإظهار أن جامعها هو الإسلام ، فكل ما يفرّقهــا ، أويفرُق بينها وبين الإسلام ، فهـو من أمر الجاهلية.
2ـ وتمييزها عن غيرها من الأمم ، بشعار التوحيد ، وتمايزها عنهم بأحقيتها ببيت الله الذي بناه إبراهيم عليه السلام ، أبو الأنبياء، فآله ميراثه إليهـا .
3ـ أنها لن تحقق الغاية من بعثها ، إلا بالوحدة والتضحيات ، بالنفس والمال ، ولهذا شبّه النبي صلى الله عليه وسلم الحج بالجهاد ، لأنّ فيه اجتماع المسلمين على إعلاء كلمة الله تعالى ، وبذل المال والجسد ، لتحقيق هذه الغاية العظمى من بعثه هذه الأمة .
الله اكبر الله اكبر الله اكبر ، الله اكبر الله اكبر الله اكبر ، الله أكبـر
أيها المسلمون : أول شيء يفعل اليوم بعد صلاة العيــد ، ذبح الأضاحي ، اقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، انقيادا لأمر الله تعالى ، واستسلاما لشريعة الله تعالى ، لما أمره بذبح ولده فقال أسلمت لرب العالمين ، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد "ضحى بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر " متفق عليه .
وأقل ما يجزىء من الضان ماله نصف سنة ، ومن المعز ما له سنة ، ومن البقر ما له سنتان ، ومن الإبل ما له خمس سنين ، ولاتجزىء بينة المرض ، ولا الهزيلة العجفاء ، ولا العرجاء ، ولا العوراء ، ولا التي ذهب أكثر إذنها ، فإن كان ما ذهب من إذنها أقل من النصف أجزأ ، ويسن أن يقول بعد التسمية عند الذبح ، اللهم هذا منك ولك ، وأول الذبــح بعد أسبق صلاة عيد بالبلد ، وآخره غروب شمس آخر أيام التشريق ، ليلا ونهارا ، ويسن الأكل من الأضحية ، ويجب أن يتصدق بأقل ما يصدق عليه اسم اللحم ، ويحرم بيع شيء منها حتى من شعرها وجلدها ولا يعطي الجازر بأجرته منها شيئا ، إلا أن يعطيه صدقة أو هدية
اللهم! إنا أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد،و موجبات رحمتك، وعزائممغفرتك، وشكرنعمتك، وحسن عبادتك، وقلوبــا سليمة ، وألسنة صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم،ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا و بين معاصيك،و من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، و من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهممتعنا بأسماعنا، و أبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، و اجعلهالوارثمنا، و اجعل ثأرنا على من ظلمنا، و انصرنا على منعادانا، و لا تجعل مصيبتنا فى ديننا، و لا تجعل الدنيا أكبر همنا، و لا مبلغ علمنا،و لا تسلط علينا من لا يرحمنا
اللهم انصر أمتنا ، وردها إلى دينها ، ووحّدها أمة واحدة ، خلافتهــا فيمن خافك واتقاك وطلب رضاك .
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ، والعراق ، وأفغانستان ، وفي كل مكان .
اللهم كن لهم ولاتكن عليهــم ، وانصرهم ولا تنصر عليهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، اللهم خذ عنهم العيون ، واملأ قلوبهم رضا بك وبدينك ونبيك ، واشرح صدورهم للجهاد ، وثبت أقدامهم ، اللهم كن لهم عونا ونصيرا ، واجمع كلمتهم ، وألف قلوبهم ، وسدد رميهم ، واجعل عاقبة جهادهم خيرا ورشدا ، اللهم اجعلنا من جنودك ، وارزقنا الشهادة في سبيلك ، واختم لنا بها حياة الصالحين ، اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، آمين .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 07/12/2006 عدد القراء: 6864
أضف تعليقك على الموضوع
|