السقوط الأمريكي والعجـائب الخمــس!!
حامد بن عبدالله العلي
سألت صحيفة إزفيستا الروسية الخبير الروسي الإستراتيجي إيغور بانارين ، عن السر وراء توقعه المبكّر جداً ، بتفكّك الولايات المتحدة الأمريكية ، إثر إنهيار إقتصادي شامل سيصيبها بالشلل ، إذ كانت توقعاته تلك في عام 1998م ، فقال :
(لقد انعقد في عام 1998 بالنمسا مؤتمر دولي تحت عنوان (الحرب المعلوماتية). وحضر المؤتمر 400 مندوب ، وبينهم 150 ممثلاً عن الولايات المتحدة. وكنت قد ألقيت محاضرتي هناك ، ولما ذكرت أن الولايات المتحدة ستتفكك إلى أجزاء دويت في القاعة صيحة فظيعة ، فأتممت المحاضرة مقدما فيها براهين مقنعة تشيرإلى أن العامل المالي - الاقتصادي هو القوة المدمرة الرئيسية للولايات المتحدة ، بسبب أن الدولار غير مدعوم بشيء ، وأن الديون الخارجية كانت تتعاظم بشكل متوال ، في حين لم تكن موجودة في عام 1980 ، وعندما تنبأت بهذا الأمر عام 1998 كان الدين الخارجي آنذاك يزيد عن 2 تريليون دولار ، أما الآن فانه بلغ قيمة تزيد عن 11 تريليون دولار ، وهذا يشكل هرما سينهار حتما) .
وعند سؤاله عن الأدلة على إحتمال تفكك الولايات المتحدة الأمريكية :
قال بانارين: (ثمة أكثر من سبب : أولا ، ستتفاقم المشاكل الماليةفي الولايات المتحدة ، وقد ضاعت مدخرات الملايين من الناس ، فتزداد البطالة في البلاد ، وقد وصلت شركتا " جنرال موتورز" و"فورد" إلى حافة الانهيار، ويعني ذلك أن مدناً بكاملها قد تنزع منها فرص العمل ، أما محافظو الولايات فيطالبون المركزي الفيدرالي بشكل صارم بتزويدهم بالأموال ، ويتزايد عدم الرضا في أوساط المواطنين ، وكان من الممكن كبحه لحد الآن بسبب أن الاقتصاد الأمريكي تعلق بقشة الانتخابات الرئاسية آملاً بقيام اأوباما بمعجزةٍ تُنقذه ، لكن في الربيع المقبل سيتضح أن أوباما غيرُ قادرٍ على صنع المعجزات ، أما العامل الثاني الذي سيسهم بتفكك الولايات المتحدة فهو الهيكل السياسيُ الهشّ في البلاد ).
وايغور بانارين هو عميد كلية العلاقات الدولية في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية .
وكانت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية قد نشرت تقريرا لمسؤول أميركي هو المراقـب العام ديفيد وولكر ، يحذر فيه من انهيار أميركا كما حدث للإمبراطورية الرومانية بعد أن سرد أوجه التشابه بين الدولتين .
ورد في التقرير : ( حـذّر وولكر في هذا التقريـر من وجود "تشابه صاعق" بين الحالة الراهنة التي تمر بها الولايات المتحدة ، والعوامل التي أطاحت بروما بما فيها "انحدار مستوى القيم الأخلاقية والكياسة السياسية في الداخل، والمبالغة في الثقة بالنفس ، والمبالغة في التوسع العسكري في الأراضي الأجنبية، واللامبالاة المالية التي توليها الحكومة المركزية".
وأراء وولكر تحمل معان في غاية الأهمية ، لأنه شخصية غير حزبية مسؤولة عن مكتب المحاسبة الحكومية, وغالبا ما يوصف بالذراع المحقق في (التقدم الأميركي).
ويؤكد وولكر : ( إنني أحاول أن أدق جرس الإنذار وأطلق دعوة للصحوة ) .
وأضاف وولكر وهو مدير تنفيذي سابق في شركة بي دبليو سي (PwC) لتدقيق الحسابات أنه "مع تقاعد مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي بدأ يلوح في الأفق، وتصاعد تكاليف الرعاية الصحية، وانخفاض معدلات الإيداعات والاعتماد المتزايد على المقرضين من الخارج، أصبحنا نواجه مخاطر مالية غير مسبوقة".
وأضاف : "السياسة الأميركية الراهنة في التعليم والطاقة والبيئة والهجرة والعراق شكلت كلها طريقا من التحديات المستعصية". "ورخاؤنا يتطلب التركيز على بنيتنا التحتية. هناك حاجة إلى مليارات الدولارات لتحديث كل شيء بدءا بالطرق السريعة والمطارات وحتى المياه والصرف الصحي. انهيار الجسر الحالي في مينوبوليس كان جرس إنذار ونداء للصحوة ) انتهى الملخص من التقرير
وقد صدر تقرير عن المركز الأمريكي العلمي ، شارك في إعداده نحو 190 أكاديميا ومسؤولا أمريكيا سابقا .
جاء في هذا التقرير الخطير : ( في عهد الرئيس بوش زاد معدل الفساد الحكومي بمعدلات غير مسبوقة بلغت أكثر من 35% ، وانه في غضون الأشهر القليلة الماضية تم تحريك 2130 حالة إلى المحاكم ، وجهات التحقيق المختصة، لنظر معدلات الفساد الحكومي، وانه جرى التحقيق مع مسؤولي 64 شركة اقتصادية أمريكية، ومع أكثر من مائتي مسؤول مؤسسة حكومية أمريكية، حيث دارت التحقيقات حول الحصول على رشاوى ، وأموال ، وتيسير الحصول على بعض الخدمات في مقابل التنازل عن القوانين.
وأشار التقرير إلى انه قد ثبت إبان الأشهر الأخيرة أن تآكل الاقتصاد الداخلي ، بدأت تظهر آثاره المباشرة في تلك الانهيارات السريعة ، لمعدلات النمو للناتج القومي، وان هذه المعدلات بدأت تهبط من شهر إلى شهر بأكثر من 1% مما يعني أنها مرشحة للهبوط الحاد في معدلات نمو الناتج القومي إلى أكثر من 12% في العام الواحد، وانه إذا مااستمر هذا المعدل لمدة ثلاث سنوات فقط، فإن هذا سيؤدي إلى القضاء تماما على كل الآمال بانتعاش الاقتصاد الأمريكي، الذي سيدخل في دوامة الأزمة الفعلية التي تفضي إلى تآكله ، وتوقع التقرير حدوث الانهيار الأمريكي خلال السنوات العشر القادمة ) .
ولنتأمل هذه الإحصائيات المرعبة لما يجري للداخـل الأمريكي التي جعلت وولكر يشبه ما يحدث لأمريكا بسقوط روما : ( في خلال 30 سنة زادت نسبة الطلاق 250% ، وزادت نسبة الانتحار 250 % ، وزادت نسبة الأمراض الجنسية إلى 12 مليون حالة سنويا ، و نسبة المخدرات بين الطلبة 70% ،وزادت نسبة المدمنين و أصبحت نسبة الأولاد غير الشرعيين70% من المجتمع) !
من الواضح جداً ، أنـّه لم يعـد الحديث عن إنهيار الإمبراطورية الأمريكية هـو آمال المستضعفين ، والمكتوين بنارها في العالم ، بل قد أصبح حقيقة واضحة للعيان ، فالأزمة المالية التسوناميـّة التي خَسفت بها ، لم تنزل بها إلى الهاوية السحيقة بعـد ، وهي الآن في الهويِّ السريع ـ بالنسبة لمقاييس الأمم ـ ، آخـذةً معها في هُويِّها ، ذلك الوهج الهائل المزيـّف الذي بهـر العيـون من نمط الحياة الأمريكية ، الذي أطلق عليها جوزيف ناي : ( قوِّتنا الناعمة ) ، والتي أحرى أن تُسمَّى : ( رأسمالية رعاة البقر الفاشـلة ).
والعجيب في هذا المنعطف التاريخي الهائل الذي كتب علينا أن نشهـد طروقه الدهـر في حياتنا ، هذه العجائب الخمس :
أحدها : أن أذناب أمريكا في بلادنا ، الذين يسمُّون أنفسهم ليبراليين ، لازالوا يبشِّرون بزيفهـا ـ بمخازيه الثلاث عبادة المادة ، وتقديس اللذة الدنيوية ، والنفاق السياسي ـ وهي مُدبـرة هابطة ، وعن أعين البشر كلِّهم ساقطـة ، فكأنَّ هؤلاء الذين يسمُّون أنفسهم ( ليبراليين ) من هول الصدمة ، لايريدون أن يصدِّقوا أنَّ عجلهـم الذي كانوا يعبدون قد احترق ، ونُسف في اليمّ نسفا ، فهم في غيِّهـم سادرون ، وفي سكرتهم يعمـهون .
ثانيا : ذلك أنَّ هذا السقوط الخسفي ، قـد جرى سريعا جدا ، حتى كأنَّ الناس الذين خطف أبصارهـم التفرد الهيمنة الأمريكية على العالم إثر سقوط الإتحاد السوفيتي ، لم ترتدَّ إليهم أبصارهم ، حتى رأوا تلك الهيمـنة تهوي أيضا ، فسبحان الله : ( ثم أخذتهـا وإلـيَّ المصيـر ).
ثالثا : استمرار الخنوع ، وروح الهزيمة في كثير من ( الإسلاميين ) وغيرهـم ، وتقاعسهم عن دعم جهاد الأمة ، رغم شهودهم أنّ عدوّها يتهاوى ، وجبروته والهراء يتسـاوى ، فكأنَّ الخوف قـد سكن عظام هؤلاء الخانعـين بل صار نخاعا لها ، والإنبطاحُ أصبـح الدمَ الذي يجري في عروقهم ، والرقّ أضحى سجيَّتهـم ، فلايملكون عنـه إنفكاكـا !
ومن مظاهر هذا الداء العضال ، إستنكار بعض هؤلاء رمـي الحذاء على بوش (الضيف ) ونسوُا أنَّه محتـل باغ ، ولهذا لايأتي إلاّ كما تأتي اللصوص في جنح الليل متخفيا ، ولايأتي كالضيوف يطرقون الباب في وضح النهار ، وأما زعمهم أن المالكي وليَّ الأمر قد أعطاه أمانا ، فهذه والله التي تضحك الثكلى ، فالمالكي الذي تحرسه جيوشُ المحتل ، يعطي أماناً لآمر تلك الجيوش ، فاللهمّ لك الحمد على نعمة العـقل!
رابعا : إنمساخ الشعور ، وانعدام الإحساس ، لدى الزعماء السياسيين لديـنا ، فكأنهم ينظـرون كبالبُلَهاء ، لهذا التغيـُّر العالمي بالإنحدار التدريجي لأمريكا ، وقد استفادت كلُّ الدول منه ، وهرعـت تأخذ بالحيطة ، وتقطع حبالها المرتبطة بـ( التيتانيك ) التي تغرق ،
إلاّ هؤلاء الزعماء لديـنا ، فمازالوا في سُباتهم ، وهم يرون أعداءهم المتربصين ، يحدُّون السكاكين ، ليثبوا على تركة الإمبراطورية الأمريكية ، كما وثبت بريطانيا وفرنسا على تركة الإمبراطورية العثمانية ، فهل استمرأ هؤلاء الذلَّ والعبودية ، فهم لايحسـنون سوى انتظار سيَّدهم الجديد فحسب ، أم ماذا ؟!!
خامسا : استمرار التقاعس عن نصرة الجهاد الفلسطيني ، واستمراء التفرُّج على حصار غـزة إمبراطورية العـزّة .
وذلك رغم ظهور الضعف ، والخور الصهيوني ، الذي بلغ إلى حدّ هزيمتهـم النكراء في حرب الفرقان المباركة ، ذلك أنَّ الصهايـنة قد علموا ـ وقد أكلتهم الأزمة الإقتصادية أيضا ولكنَّهم صامتـون ـ أنَّ السقوط الأمريكي يعني سقوطهم تبعـا لامحالـه ، ولهذا فالوهن ينخر عزيمتهم ، والخـوف جاثـمٌ على نياط قلوبهم !
وختامـــا
فلنتذكر اليوم أبطالنا الذين واجهوا الطغيان الأمريكي وهو قابض على صولجانـه ، ومستو على عرش سلطانـه ، فلم يردُّهم بطشُه ، ولم يخافـوا قوتـّه في عنفوانـه ، ولم يتردَّدوا عن الوقوف مواقف الأبطال ، يبتغون وجه الله ، ويحتسبون عنده ثواب الدفاع عن الإسلام ، فأولئك والله هم الرجال ، ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظـر ،وما بدلوا تبديلا ) .
وأكثرهـم قـد لقي ربه ولا يعرفه إلا الله تعالى ، في أزقة غزة ، أو الضفة ، أو على جبال بلاد الأفغان ، أو في أحياء بغداد ، والفلوجة ، وغيرها من بلاد الإسلام .
أولئك الذين جعلوا نحورهم فداءً للإسلام ، وأجسادهـم جسورا لعبور النصر ، ودماءهم سُقيا شجرة العـزِّة الإسلامية.
فلنتذكـَّرهـم اليوم ، وكلَّ يوم ، فإليهـم اللهمّ وجِّـه سحائب الرحمـة ، وعليهم أتمم نعمـتك في الآخرة ، كما أنعمت عليهم في الدنيا ،وارفع درجتهم في المهديين ، واخلفهم في عقبهم في الغابرين ، وارزقنا مثل ما رزقتهـم من نصرة الدين ، والثبـات على ملِّة المسلمين الموحّدين ، حتى نلقـاك شهـداء ، وأنت راض عنا يارب العالمين ،وحسبنا الله ونعـم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصيـر الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 27/12/2008 عدد القراء: 9573
أضف تعليقك على الموضوع
|