لنتذكَّـرْ قبل أن نخوضَ الجهاد في الأرضِ المقدّسَـة
حامد بن عبدالله العلي
نعم لنتذكـَّر ونحـن نرى هذه المشاهد الدمويّة التي تقطـِّع القلوب في سوريا الحبيبة ، على أرض المعجزات الإلهيّة ، وموطـن النبوّة الأولـى ، والأخيـرة ، ومعقـل الإسلام في نهايـة الزمان ، وحاضنـة انتصاره النهائـي .
حول الفرات ، في حمص ، وحماة ، وإدلب ، ودرعا ، والزبداني ، وجسر الشغـور ، وغيرها من مدن الأرض المقدسة ، أنّ الأسباب الإستراتيجية التي أدّت إلى ما حدث من كارثة على أهلنا في سوريـا
هي ما يلي :
1ـ تفرُّق الأمّة إلى حدود وضعها الأجنبيّ ، بعد سقوط الخلافة التي هي ظلُّ الشعوب الإسلامية الوارف الذي تأوي إليه ،
فآل الأمر إلى أن تسلـَّطَ على سوريا هذه الطائفة الخبيثة .
2ـ السّماح بتمدَّد المشروع المجوسيّ خاصة من أنظمة الخليج البلهاء الغارقة في ملذّاتـها ، وخلافاتها ، وتكميم أفواه شعوبها ، وإبقائها قطعانا سائمة تسير وراء ( ولي أمر ) الذي لاتهمُّـه سوى شهواته !
3ـ وهذا أدى إلى السّماح بإحتلال العراق فإخلال كارثيّ بالتوازن في المنطقة
4ـ تغيّيب دور شعوب المنطقة فلا رأي لها في مصيرها ، ولا إرادة
وهذا الأخير هو ينبوع كلّ المصائب ، فلو كانت الأمّة تملك أمرها ، وتمتلك إرادتها ، لاختارت الصُّعود في مراقي القوّة ، بالتفافها حول دينها ، وجهادها ، وباستقلالها عن الأجنبيّ ، وباتحادّها الذي يحمـي شعوبها ، ومقدراتها ، من أطماع حلفٍ مجوسيِّ حقود ، وتحالفٍ غربيّ على ( الصهيوصليبية) معقود ، ومن تنافسٍ بينهما !
إنّ مشهدَ دماء أهلنا الغالية التي تهُـراق في الشام ، وأشـلاء إخوتنا هناك التي تمُـزّق على أطهر بلاد الإسلام ،
إنَّ هذا المشهـد ينبغي أن يكتُبَ بالأحمر القاني في قلوبنـا ، أنه يجب أن يكون هذا الجهاد الشامي ،
هو آخر حلقة في سلسلة تحويل أمّتنا إلـى :
ساحة للصراع الدولي ،
أو مسرح لإشعال الأزمات ، أو استثمارها إن اشتعلت ، لتحريك خيوطها لأطماع الأجنبي ،
أو مكان لتصفية الحسابات ، أو المساومات ، بين القوى المتنافسة ، كما تفعل الآن الصين وروسيا مع الغرب في الملف السـوري !
ولا يستريب عاقل أنَّ كِفـْلا عظيما من دماء الشعب السوري يتحمّله كلُّ الأنظمة العربية ، والخليجيّة خاصّة ، التي سمحت لنفسها أن تكون بيد الغرب تستعمل في أعماله القذرة ، كمثل تلك العصا التي تُدَسّ في المجاري لتسلِّكها !
وهي تعلم أنّ الغرب لم يعمل قط لحـلّ المشاكل هنا ، بل إما لصنعها ، أو لإستثمارها ، كما قال تشومسكي في كتابه الرائـع _ وهو آخر كتبه _ (صنع المستقبل) : ( النخبة السياسية المهيمنة على دوائر صنع القرار بواشنطن تتعمّد تعقيـد المشاكل بالعالم بدلاً من حلّها ) .
ولا يخفى أنهم منذ أن ورثوا عن أوربا تقسيم الخارطة العربية ، والإسلامية ، إلى مناطق نفوذ تحوَّلت إلى دول ( الأحجـار) على رقعة شطرنجهـم ، فصنـع الكيان الصهيوني ، فالعبث بالمنطقة بأسرها ، من زرع أوَّل الطغاة ، إلى إسقاط مصدّق في إيران ، فالإتيان بالشاه ،
ثـمّ استثمار طائفة الخيانة التاريخية في الأمـّة _ ثورة الخميني _ لإشعال الفتن في بلاد المسلمين ، فحصار العراق ، فاحتلاله ، بعد إحتلال أفغانستان ،
كلُّ هذه الحقبة ، قـد بقيت المنطقة بأسرها ، إلى إنطـلاق الربيع العربي ، بقيت مسرحا لألاعيبهم القذرة ، وأطماعهـم العفنة .
فلو _ وليست لوْ التي تفتح عمل الشيطان بل تفتح مغلق الأذهـان _ لـم يسمح جيرانُ العراق لأمريكا أن يحتلُّوه ، ظلمـا ، وعدوانا ، ثم يدمـّروه ، لما توغـَّل الخنجر الإيراني في ضلوع الشعب السوري ، بعد أن باض وفرخ في العراق .
وقبل ذلك لو كانت أمّتنا واحدة ، لمـا كان على الشام هذا الصنبور المنبتّ عن الأمّة ، أعني هذه الطائفة النصيرية التي لاتمت إلى أمّتنا بصلة ، لا من جهة دينها ، ولا عروبـتها ، لتفسد في الشام ، وتهلك الحـرث ، والنسـل.
وقبل ذلك لو كانت شعوبنا حـرَّةً تمتلك إرادتها ، وتعبـّر عنها بحريـّة ، حتى باختيـار حكّامهـا ، لاختارت أن تكون واحدة ، يتولـَّى أمرها من يمثـّل أهداف حضارتها ، ويحمل آمالها ، ويشعـر بآلامها ،
ولما عبث مجلس الأمـن بدماءِ الشّعب السوري ، ولما صِـرنا نستجدي من روسيا التي هي أمّ الإجرام ، والصين بنت الحرام ، قرارا لإنقاذ شعب مسلم ، يُذبح كما تُذبح الشياه في مسالخها ، تحت بصـر العالم ، وسمعـه .
لقد تعلّمنا من مُصاب الشام بطغاته ، دروسا عظيـمة ، أهمـُّها درسان :
1ـ أنّ أمّتنا بأمسّ الحاجة اليوم إلى أن تستكمل ربيعـها ، لينتهي بأنظمة حكم نابعة من إرادة شعوبها ، لتحقق في النهاية وحدتها الشاملة ، وتعيد خلافتها ، حتـَّى لا يستطيع أحدٌ أن يستعبدها ، ولا يحوّل أرضها إلى منجمـا لاقتصاده ، وحديقة خلفيـة لسياساته !
2ـ وأنّ الجهاد الشامي يجب أن يوضع في هذا السياق ، لينتهي بفرض إرادة الشعب ، وسلطة الأمّة ، مستقلاً عن كلّ تدخـّل أجنبيّ ، أو طمع غربـيّ.
ونحن لانعنـي هنـا ألاّ تستفيـد حضارتنا العظيمة ، مثل كلّ حضارة راقية ، من تقاطع المصالح ، لاسيما في أوقـات الحـرج ، وتستثمر كلّ فرصة مناسبة لتحقيق أهدافها ، وتعترف بضرورة القبول بأخفّ الأضرار عند الإضطرار ، وتتحمّـل الأخطار الصغرى في سبيل إزالة الخطر الأكبـر على الأمّـة .
غير أنّ الحال التي كانت عليها شعوبنا حتى إنطلاق الربيع العربي ، ليس له بهذا الوصف علاقة ،
بل قـد كانت مرتعـاً لأطماع الأجنبيّ ، ليس لها قيمة إلاّ بقدر تحقيقها لهذه الأطمـاع ، وأما خيراتها فكانت مسخّرة لغيْرها ، موظّفـة لأهدافه.
وكان ذلك يجري مع تسلّط الطغاة ، بعملية خداع كبرى على الشعوب العربية ، اشترك فيها العمائم الدينية المزيفة ، ومثقفوالبلطجة الفكرية !
وإنـّه من أعظـم الجرائم التاريخية التي ترتكـب في حـقّ الأمم ، السماح ببقاء هذا الحال ، حيث ننتقل من حرب تخاض في أمّتنا ، إلى حرب ، نكون فيها مجـرّد محارقَ لصراعات قوى أخرى ، قـد امتلكت هي أسباب القوى التي أوصلتها إلى المنافسة ، بينما نحـن نبقى نعيش في ثقافة القطيع ، تحت إستبداد أنظمة ، لا هـمّ لها إلاّ البقاء على كراسيها ، وتوريثها في أصلابـها !
والخلاصة أنّ الجهاد الشامي المبارك الذي اشتعل أواره بإذن الله وحده ، وبتدبيره وحده ، ومن حيث لايحتسـب المحتسبـون ، يجـب _ وسيحدث ذلك بإذن الله _ أن يكون إنطـلاق المرحلة الثانية ، والأهـم من النهضة الكبرى للأمّـة ، التي انطلقـت من تونس ، فاستقرت في ليبيا .
أولا : لأنـّه قي أرضٍ ليست كغيرها من الأرضين ، كما قال ابن كثير رحمه الله تعليقا على حديث : ( إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين ، وإنّ آدم عليه السلام لمنجدلٌ في طينته ، وسأخبركم بأوّل ذلك : دعوة أبي ابراهيم ، وبشارة أخي عيسى ، ورؤيا أمّي التي رأت حين وضعتني ، أنه خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام ) رواه أحمد وغيره .
قال : ( وتخصيص الشام بظهور نوره صلّى الله عليه وآله وسلم ، إشارة إلى استقرار دينه ، وثبوته ببلاد الشام ، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام ، وأهله ، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ، إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية ، البيضاء منها ) .
وثانيا : لأنـّه يقف على أرضية انتفاضة الشعوب العربية بأسرها ، بعد أن كسرت قيودَها ، وتشبَّعت بثقافة الثورة على الطغيان .
وثالثا : لأنّ الشّـام عوّدنا أن يكسر كلّ الهجمات العظمى على أمّتنا ، كما كسر هجمة التتار ، وهجمـة الصليبيين .
فما اختاره الله تعالى ليواجه أشدّ موجة هجوم وحشيّ عرفته الأمّة ، أعني هجمة محور الشر الأكبر من طهران إلى جنوب لبنان ،
إلاّ لأنـّه أهل لتحقيق الإنجـاز الأكبـر لهذه الأمة ، وليطلـق صيحتها العظمـى نحـو الإستعلاء العالمـي الشامل بإذن الله تعالى .
فنهيب اليوم بكلّ الأمّة الإسلاميـّة أن تقف صفـّا واحداً وراء الجهاد الشامي ، وبكلّ ما أوتيت من قـوّة ، بالمال ، والرجال ، والسلاح ، والكلمة ، والدعاء ، وسائر أنواع الدعـم ، والتأييـد .
وإننا لمتفائلون بالنصـر القريب المؤزر بإذن الله تعالى ، وأن ما سيعقبه من خير على الأمّة سيفوق تصورنا ، ويتجاوز خيالنـا .
والله المستعان ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيـل ، نعم المولى ، ونعم النصيـر الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 11/02/2012 عدد القراء: 44345
أضف تعليقك على الموضوع
|