محاضرة صوتية حكم الدستور الوضعي والمجالس النيابية
اسمعها من هنــا
http://www.mwaheb.net/free/alathary/dostor.rm
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلامضل له ، ومن يضلل فلاهادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه عبده ورسولــه ،، وبعــد :
فإنّ حديثنا الليلة عن قضية في الشأن المحلي ، وهو في الحقيقة أيضا شأن إسلامي عام ،فكل العالم الإسلامي ابتُلي بهذه الدساتير الوضعية ، كما ابتُلي بالدعوة إلى الديمقراطية الزائفة ـ مع أنهم طغاة مستبدون ـ حتى أمكن ويا للأسى لهذا الداء الخطير أن يتغلغل في الخطاب الإسلامي ، وذلك لاريب مما يدخل في تلبيس الحق بالباطل ، وهو كما ذكرنا مرارا وتكرارا ، شعار العصر ، فهو عصر التلبيس بحـــق ، وهي الفتن التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم : كقطــع الليل المظلم .
ومعلوم أيّهـا الأخوة الكرام أن المصيبة في الدين هي أعظم مصيبة ، وإن كان ثمة أمر أدهى وأمر فهو أن يجهل الإنسان أنـّه مصاب في دينه نسأل الله السلامة ،
وهذا الذي نراه في ساحتنا هو والله المصيبة في الدين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، واللهم لاتجعل مصيتنا في ديننا ، وإنّه لمن أشد الأمور خطورة أن ينظر الله تعالى في قلوب أهل قرية فيجد أكثرهم لايبالون بدينهم وما أصابه ، والله تعالى إنما يُعطي على ما في القلوب ويمنع ، ويخفض ويرفع ، كما قال ( فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ..الآية) ، ولم يزل أهل العلم والإيمان ينطقون بالحكمة : مصيبة في الأموال ولامصيبة في الأبدان ،ومصيبة في الأبدان ، ولامصيبة في الأديان
فالخطر كل الخطر أن تنقلب هذه ، فيصبح أهون شيء على الناس المصيبة في دينهم ، نسأل الله السلامة ، فانظر ما حولك من آثار تعطيل شريعة الله تعالى في المجتمع ، هان على الناس تعطيل الشريعة الإلهية حتى صار الداعي إليها منبوذا محتقرا ، وانتشر الربا والزنا ، والفواحش ، واستغلت المرأة أسوء إستغلال ، وأهينت في كل مكان ،
وخفّت عقول الناس حتى قلّما تجد في الناس حليما عاقلا أمينا ، وحتّى المنتسبين إلى الدعوة ، المدعين العلم ، فيهم من الطيش ، والجهل ،والتخبط ، والتناقضات ، والموافقة لأهل الباطل والزندقة ، ما أسقط أكثرهم من عيون الناس ، وتكالب الناس على حطام الدنيا ، وتنافسوا فيها ، إن أعطوا رضوا وإن منعوا سخطوا .
غير أنّ أسوء شيء وأشنعه ، ما يمس العقيدة ، ويقدح في أصول الدين ، وهذا هو ما يدور عليه المشهد السياسي الداخلي ، فالساحة كما نرى مشغولة بالانتخابات للمجلس النيابي المبنيّة على فكرة الديمقراطية الغربية ، في إطار الدستور الوضعي ، وذلك كلّه مناقض للتوحيد لو كانوا يعلمون ،ومع ذلك فالناس في غفلة ، ورؤوسهم في ضياع ،تائهون عن رؤية هذا الخطر المحدق ،والأمر الجلل والعياذ بالله تعالى ، وقلّ الناصح ، حتى يستنكره الناس ، وضعف صوت الحق ، وأصبح غريبا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومع أنّ الحقيقة الجليّة التي لاتخفى على أحد بأنـّه ـ حتى من الناحية السياسيــة المحضة ـ لايوجد ما يصح أن يطلق عليه عملية سياسية في المشهد السياسي ، بل هو أشبه بالعبث الذي محوره الأساس هو اللعبة المالية ، والمنافع الماديّة فحسب .
حتى إنّه يمكن ـ وللأسف الشديد نقول هذا ـ يمكن أن يطلق على مجتمعنا ، أنه بحق نموذج مثالي ـ إلا من رحم ربك وقليل ماهم ـ للصورة النهائية للمشروع الغربي الرأسمالي ،حتى أصبح هذا الثلاثي : المادة ، واللذة ، والمنفعة ، هو المسيطر على عقول الناس ، واستحوذ على قلوب الشعب، وصار بديلا عن أي هوية أخرى ، وتحولت ثقافة المجتمع إلى ما هو أشبه بالسوق ، كلّ شيء يتحرك بالمال ، وانتشر الطمع ، وأُلقي الشحّ ، وانتشرت الرشوة والفساد المالي ، وخيانة الأمانة .
وصار المعيار الأوحد الذي تقيـّم به الزعامات ، وأعيان الناس ، وقادة المجتمع ، هو ما يمكنهم أن يوفروه من المادّة ، والمنفعة ، واللذّة ، فتصير الدولة مقدّسة إن أعطت المادة ، ويكفرونها إن منعته ، وكذا أعضاء المجلس النيابي ، وشاع هذا الداء ،وذاع ، مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : يتقارب الزمان ، وينقص العمل ، ويُلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، قالوايا رسول الله أيمـا هو: قال القتل القتل ، رواه البخاري
فلا السلطة السياسية لديها خطاب سياسي ، ولا المعارضة ، وليس في الساحة مشروع سياسي كما ذكرنا ، فضلا أن يسمى مشروع إصلاح ، مع أنّ الإصلاح لايُسمى إصلاحا إلاإذا انطلق من شريعة الله تعالى كما سنبينه إن شاء الله تعالى .
وهذا كلّه ثمرة الحملة الإستعمارية الصليبية الجديدة، أو أحد ثمارها ، ومعلومٌ أنه في ظلّ المشاريع الإستعمارية الأجنبية ، ستكون وجهة الحركة السياسية في أيّ بلد ، تابعة ومغذّية لذلك المشروع شاءت أم أبت ، ولهذا كان إخلاء المنطقة من مشاريع الإستعمار ، يجب أن يكون مقدما على كل مشروع سياسي آخر .
لأنّ الإستعمار سيجعل حتى من الشعارات الزائفة عن الديمقراطية وغيرها ، ستارا يمرر من وراءه أهدافه ،وأطماعه كما نرى ذلك واضحا .
وعلى أية حال ، فأعظم مقصودنا اليوم هو بيان أولا مناقضة الدستور الوضعي للشريعة الإسلامية في أصلها الأعظم وهو التوحيد ، وبيان وجوب مقاطعة العمليّة السياسية المنبثقة من هذا الإطار ، وإيضاح الموقف الشرعي منها ، لاسيما وهي أيضا تجري في ظل مشروع القرن الأمريكي الذي هو حملة إمبريالية واضحة جلية ، تحمل أخبث أهداف ، وأخبث وسائل يمكن تصورها إضرارا بالإسلام وأهله ,
أما بيان مناقضة الدستور الوضعي للشريعة الإلهية ، فنقدم أولا بيانا لشناعة جرم التحاكم إلى غير شريعة الله تعالى
فقد سمّى الله تعالى ، الحاكمين بغير شريعته كافرين ، وظالمين ، وفاسقين ، ومرتدّين ، ومتحاكمين إلى الطاغوت ، ومؤمنين بــه ، ونفي نفيا مقرونا بالقسم بربويته الخاصة المضافة إلى من انزل عليه الشريعة ، نفى عنهم الإيمان ، وسماهم المبدّلين نعمة الله كفرا ، والمتّخذين أربابا من دون الله تعالى ، وجعل إيمان الذين يريدون ـ حتى لو لم يفعلوا ـ التحاكم إلى غير شريعة الله تعالى زعمـا محضــا ، وأنهّم المبتغون حكم الجاهلية ،والمشركون بالله تعالى في الحكم ، وسماهم المنافقين ، والمشاقّين للرسول ، والمتبعين غير سبيل المؤمنين .
فهذه خمسـة عشر وصفا ، هي أشدّ الأوصاف ذمّـا ، وأعظما جُرما، كلّها قد وُصـِم بها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى .
فليتأمل المؤمن برب الشريعة العلية المطهرة التي انزلها نورا على خير الناس ، هدى وشفاء للناس ، فليتأمل هذه الآيات الكريمات :
قال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَاأَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ، وقال ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَاأنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وقال (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَاأَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ) وقال : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، فسمى غير أحكام الله ، أحكام الجاهلية ، وسمى المعرضين عن تحكيم الشريعة مبتغين أحكام الجاهلية ، وإذا كان (أبغض الناس إلى الله تعالى مبتغ في الإسلام سنّة الجاهلية) ، خرجه البخاري من حديث ابن عباس ، فكيف بمن يحكم في الناس بحكم الجاهلية ؟!
وقال : ( أَلَمْ تَرَإِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَاأُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَاأُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُو اْإِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) ، فجعل الذين يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى ، غير كافرين بالطاغوت ، وهذا يعني أنهم مؤمنون بالطاغوت ، ولهذا جعل إيمانهم بما أنزل الله تعالى زعما ، ومعلوم أن الكفر بالطاغوت أحد ركني الشهادتين ، فالطاغوت كل مــا يتخذ من دون الله تعالى من أرباب ، أو آلهة ، أوأنداد ، وقد قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَافِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِاعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وقال (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَانفِصَامَ لَهَ اوَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .
وفي هذا بيان واضح أن مريد التحاكم إلى غير ما أنزل الله مؤمنٌ بالطاغوت ، كافرٌ بالله تعالى ، مجانبٌ لما جاءت بـه الرسل الكرام ، عليهم السلام ، ذلك أن ما أرسلوا بــه هو الحكم بالكتاب بالحق ، قال تعالى : ( فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) .
وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) . فقد وصفهم بالمنافقين
وقال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) . وأيّ مشاقّة للرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من الإعراض عن شريعته ؟! وأيّ تولِّ لغير سبيل المؤمنين ، أعظم من نبذ التحاكم إلى التنزيل الذي آمن به المؤمنون واتّبعوه ؟!
وقال تعالى : ( اتَّخَذُواْأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَاأُمِرُواْ إِلاَّلِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّإِلَـهَ إِلاَّهُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ،ومعلوم أنهم أطاعو الأحبار، والرهبان ، في تحليل ما حرم الله ، وتحريم ما أحل الله تعالى ، فكان ذلك اتخاذهم أحبارهم ، ورهبانهم ، أربابا من دون الله تعالى ، مع أنهم كانوا يفعلون ذلك تدينا ، وتعظيما لدينهم المحرّف ، ظانين أن للأحبار ، والرهبان ، ذلك الحقّ ، وليس تحقيرا للدين ، ولاإقصاءً لـه ، ثم سمّاهم الله تعالى متخذي الأرباب من دون الله تعالى ، فكيف يكون حكـم الذين يقصون الشريعة ، من المتحاكمين إلى القوانين الوضعية ؟!
ولهذا قال تعالى ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) ، فسمى المتخذ الطاغوت يتحاكم إليه ، مشركا بالله تعالى
وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَإِلَى الَّذِينَ بدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) ، وأعظم نعمة هي الشريعة المنزلة على خير النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَمُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌرَّحِيمٌ) ، وقد ذكر الله تعالى هذه الآية بعد أحكام الذّكاة ، وتحريم الميتة ، وقرن ذلك بشرك الذبح على الأنصاب ، والإستقسام بالأزلام ، وفيها بيان أنّ النعمة إنمّا تّمت على هذه الأمّة المرحومة ، بشريعتها الشاملة لكل مناحي الحياة ، حتى المآكل والمشارب ، فمن بدل شريعة الله بغيرها ، فقد بدل نعمة الله كفرا وأحل قومه دار البوار.
وقال تعالى : ( إِنَّالَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَانَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ) .
فهؤلاء قالوا للذين يكرهون ما نزل الله ، أنهم سيطيعونهم في بعض الأمر ، لاكله ، وقالوا ذلك سرا لا جهرا ، صارا مرتدين بذلك ، فكيف بالذين يطيعون الكارهين للشريعة من الكفار ، بتبديل الشريعة كلها ، ويفعلون ذلك جهرا لا سرا ، ويتبجحون بذلك زاعمين أن قوانينهم الوضعية عدل ، وصلاح ، وإصلاح للبلاد والعباد ؟!
وقال تعالى : ( فَلاَوَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَبَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) ، فقد أقسم الله تعالى بروبيته الخاصة على محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه الشريعة الحاكمة ، وشرفه بكونه المبلغ لها ، الحاكم بها ، الذي قوله حكمٌ ، وفعله حكمٌ ، وإقراره حكمٌ ، يتفـرّق الناس على أساس ما جاء بــه ، إلى الإيمان والكفر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل ، والسعيد والشقي ، أقسم عز وجــل ، أنّ أحداً لن ينال حقيقة الإيمان حتى يجعل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو الحُكمُ الفصلُ في كلّ شيء ، ثم لايجد في نفسه حرجا مسلِّما بذلك تسليما ، إذ كان هذا هو معنى الإسلام ، ولهذا ، وبهذا ، صار صلى الله عليه وسلم خير الأولين والآخرين ، ورحمة الله تعالى للناس أجمعين ،
ومعلوم أن دين الإسلام قائم على الإستسلام لأحكام الله تعالى ، والإنقياد التام لما أنزله سبحانه ، ولهذا عطف الله تعالى تفرده بالحكم على كلمة التوحيد ، (وَلاتَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاآخَرَ لاإِلَهَ إِلاَّ هُوَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّوَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، وعطف كلمة التوحيد على تفرده بالحكم وسماه الدين القيم : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّلِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّإِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ)، وهذا مثل قوله تعالى(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّتَعْبُدُو اْإِلاَّ إِيَّاهُ) أي لماكان هو الحكم وإليه الحكم ، حكم أن لايُعبد سواه ، ولهذا قال ( قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ) ، أي :كون الرب الخالق المدبر ، والملك الحاكم الآمر ، استحق العبادة وحكمَ أنْ تكون العبادةُ له وحده ،وأن من جعلها لغيره ،فهـو كافـرٌ به سبحانه
ولهذا كان أوّل أسباب الشقاء ، التي وقعت في الوجود ، الخروج عن حكمه سبحانه ، كما فعل إبليس لعنه الله ، فاستحق اللعنة الأبديّة ،
كمـا كان عنوان السعادة الأبدية طاعة أحكامه ، والخضوع لسلطانه ، وفي الحديث ( كلّ أمّتي يدخلون الجنة إلاّ من أبى ، قالوا : ومن يأبى يارسول الله ، قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) خرجه البخاري من حديث أبي هريرة
ولهذا قال تعالى( يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله ) ، أي لاتقولوا حتى يقول ، ولا تأمروا حتى يأمر ، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذين يحكم فيه ويُمضي .
وسبب هذه العناية العظيمة في القرآن بالحكم بما أنزل الله تعالى ، والتحذير العظيم من تعطيلها أن تعطيلها هو أعظم جريمة تقترف ،
ذلك أنها كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( فالشريعة عدل الله بن عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، أتم دلاله وأصدقها ، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون ، وهداه الذي به اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه في استقام على سواء السبيل ، فهي قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، فهي بها الحياة ، والغذاء ، والدواء ، والنور ، و الشفاء ، والعصمة ، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها ، وحاصل بها ، وكل نقص في الوجود ، فسببه من إضاعتها ، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم ، وهي العصمة للناس وقوام العالم ، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم ، رفع إليه ما بقي من رسومها ، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم ، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ) .
إذا تبيـّن هذا ، فليُعلم أنّ ما يُسمى ( الديمقراطية ) بمعناها الذي أراده مخترعوها ، والدعاة إليها ـ فقد يُراد بإطلاقهـا جهلا أنهـا ما يُضاد الإستبداد فحسب ـ هي أعظم مناقضٍ للشريعة ، والداعون إليها ، هم الدعاة إلى أبواب جهنم ، لأنهـم هم الداعون إلى رفض الحكم بما أنزل الله تعالى، المبتغون حكم الجاهلية ، المشركون بالله تعالى في حكمه ، الزاعمون الإيمان المنفيَّ عنهم ، الكافرون ، الظالمون ، الفاسقون ، المرتدون ، المتحاكمون إلى الطاغوت ، المؤمنون بــه ، المتخذون أربابا من دون الله ، المبدلون نعمة الله كفرا ، المنافقون ، المشاقون للرسول صلى الله عليه وسلم ، المتبعون غير سبيل المؤمنين .
ذلك أن الديمقراطية تعني إتخاذ أحكام البشر بإعتبار أصوات غالب ممثليهم ،شريعة بديلة عن شريعة الله تعالى ، مهيمنة بأحكامها على الأقوال ، والأفعال ،والأفكار ، وجميع السلوك الإنساني ، والعلاقات الدولية الداخلية ، والخارجية ، لها أنْ تحلّ ما حرّم الله ، وتحرّم ما أحلّ الله تعالى .
فهي أمّ القوانين التي تخلقها إفكا ، وهي منبـع الطواغيت التي تحدثها باطلا ، وهي مصنع الجاهلية المعاصرة التي تصدّ عن سبيل الله تعالى ، وتحارب شريعته .
ومعلوم أن سدنة هذا الدين الجديد ، يقولون إنّه لايُحكـم على السلوك الإنساني منفردا أومجتمعا في صورة دولة ، بأنه صواب أو خطأ ، فيكون جريمة ، أم سلوكا مباحا ، إلاّ بقانون ، ولابد للقانون من مشرِّع يشرّعه ، ومصدر يُحدثه ،ويُنشئـه :
فإمّا إن يكون مصدره من غير البشر ، وهو الله تعالى ، عند أتباع الرسل.
وإما أن يكون من البشر ، وهذا الأخير لايخلو :
إمّا أن يكون من حاكم مستبد ، يفصل في الأمور برأيه ، ويقضي فيها بحكمه وهذه هي الدكتاتورية التي ثارت عليها الشعوب في القرن الماضي ، حتى ساد المذهب الثالث.
وهو أن يكون مصدر التشريع هو حكم الأغلبيّة بحسب العـدّ المحض ، الذي يعدّ الرؤوس ولا يزنها ، فيجعل العاقل الحكيم المصلح ، مساويا للجاهل الأحمق المفسد ، والمؤمن الصالح الأمين ، مكافئا للكافر الفاسق الخائن ، وسيد القوم الشريف سديد الرأي ، معادلا للمرأة التي ربما تكون عاهرة تسعى بفرجها !
فكلهم سواء في ميزان هذا الدين الجديد ، فتُعدّ أصواتهم عدّا فحسـب ، ثم يُعرف بأكثر العدّ ، الشــرعُ الذي يجب أن يسيروا عليه ، والنهج الذي يهديهم سواء السبيل !
ولئن قال قائل إن هذا الحمق ،والجهل ، والضلال المبين ، لايمكن أن يتواطأ عليه العقلاء ، لأنه يعرف بالبداهة فساده ، ويتبين بمنطق الأمور مناقضته للعقل الصريح .
فالجوب أنهم علموا أنـّه لافرق ـ في الحقيقة ـ بين هذا الدين الجديد ، وما قبله ، لأنّ فئة قليلة قادرة على التأثير على الغالب بالترغيب والترهيب ، ستسيطر على عدد الأصوات ، فيصير التشريع بأيديهم ،علموا ذلك ، غير أنهم وجدوا أنّ إبقاء اللعبة التي تُسمّى الديمقراطية ، في ظاهرها تخدع الشعوب ، وتخدّرهم يوم التصويـت، أنفع لهم من المجاهرة بأنهم مستبدون ، يبتغون الإستيلاء والهيمنة بشعارات خداعة .
وهذا يُشبه ـ من وجه ـ ما يسمى الشركات المساهمة، حيث يظنّ المساهمون أنهم تّجار بما يملكون من أسهم في الشركات ، بينما يتحكم في الشركات الكبار الذين يخدرونهم بتلك الخدعة ، حتى يملكوا أموالهم ، كما ملكت تلك الخدعة المسماة الديمقراطية عقولهم وإرادتهم ، ولهذا قال احد المفكّرين الغربيين : إنّ أكبر كذبتين في التاريخ هما الديمقراطية ، والشركات المساهمة !
ولهذا كان ما فيهما من الفساد العام ، ومحق البركة من المجتمعات ما فيهما .
والمقصود أنّ سدنة هذا الصنم قالوا : إنّ التشريعات التي تنتج عن حكم الأغلبيّة ، مقدمة على كلّ حكم آخر حتى شريعة الله تعالى ، وأنهــا ملزمة للشعوب ، فهي شريعة كاملة ، وأحكام نافذة ، والخارج عليها مجرم ، والمتمرد عليها خائن ، والساعي في تعطليها مرتد يحكم عليه أحيانا بالإعدام ، أو الحبس المؤبد ، أوالنكال الشديد ، ثم جعلوا لهذا الدين خبـــراء يطوّرونـه ، أطلقوا عليهم إسم ( فقهاء القانون ) كما أطلقوا على آراءهم ( الفتوى ) ، إمعانا في المضادة لشريعة الله تعالى واستبدالها بغيرها .
وبهذا يتبين أن هذه القوانين الوضعية ، ترجع إلى أصل عقدي ، هو دين الديمقراطية ، تنبثق منها على أساس إعتقاد أنّ الحكم بين الناس ، والتشريع لهــم ، لايرجع فيه إلى الله تعالى خالق البشر بل إلى البشر أنفسهم .
وهذا هو السبب الذي جعل واضع الدستور ، يؤكد على انه منبثق من دين الديمقراطية ، وليس دين الإسلام .
وفيما يلي بيان مفصل لما تضمنه الدستور من مناقضة لدين الله تعالى ، ومشاقة واضحة لشريعة الإسلام ، وإن تضمن في مواد أخرى موافقة للإسلام ، فهو ليس من باب الخضوع لأحكامه ، وإنما من باب مراعاة أعراف المجتمع فحسب
أولا : من مقدمة الدستور :
من الواضح من مقدمة الدستور ، أن واضعه ، كان حريصا كل الحرص ، أن يجعل أحكامه غير مبنية على شريعة الله تعالى ، بل بناها على كل شيء سوى الإسلام :
فقال واضع الدستور الكويتي : (رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز ، وإيمانا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية ،وخدمة السلام العالمي والحضارة الإنسانية ، وسعيا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ، ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية ، والمساواة ، والعدالة الاجتماعية ، ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد ، وحرص على صالح المجموع وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره ، وبـعد الاطلاع على القانون رقم 1 لسنة 1962الخاص بالنظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال ، وبناء على ما قرره المجلس التأسيسي ، صدقنــا على هذا الدستور وأصدرناه ) .
ومن الواضح هنا ، التصريح بأن دين الدستور الذي يستمد منه هو الحكم الديمقراطي ، ولهذا لم يقل مثلا : رغبةً في امتثال شريعة الله تعالى ، أو استكمالا لنظام الحكم الإسلامي ، أو إيماننا بحث الإسلام على كذا وكذا .. ، بل جعل كلّ منطلقات الدستور مجانبة لأيّ شيء يمت إلى الإسلام بصلة .
ثانيا : من المادة الثانية ، مما ذكره كاتب الدستور قاتله الله ،، وهي أصرح مادة في الشرك ومناقضة العقيدة الإسلامية
قال واضع الدستور في المادة الثانية ( دين الدولة الإسلام ، والشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع ) .
ثم قال في شرح هذه المادة في المذكرة التفسيرية :
لم تقف هذه المادة عند حد النص على أن ( دين الدولة الإسلام) بل نصت كذلك على أن الشريعة الإسلامية - بمعنى الفقه الإسلامي- مصدر رئيسي للتشريع, وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها, أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شانها تمشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمان, بل أن في النص ما يسمح مثلا بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الإسلامية, وكل ذالك ما كان ليستقيم لو قيل ( والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع), إذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ عن مصدر أخر في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور وبخاصة في مثل نظم الشركات, والتأمين, والبنوك, والقروض, والحدود, وما إليها.
كما يلاحظ في هذا الخصوص أن النص الوارد بالدستور- وقد قــرر أن ( الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع) – إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك, ويدعوه إلى هذا النهج دعوه صريحة واضحة, و من ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ, عاجلا أو آجلا, بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور, إذا رأى المشرع ذلك ) انتهى ما في المذكرة التفسيرية .
ومع أنّ هذه المادة متناقضة مع بعضها ، إذ معنى أنّ دين الدولة الإسلام ، أي أنها خاضعة لشريعة الإسلام في كلّ شيء ، لانّ هذا هو معنى الدين ، وهو الخضوع ، بينما الشطر الثاني قد جعل الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا فقط ، أي يجوز أن يجعل مع شريعة الله ، مصدرا آخر للتشريع مستقلاّ ، بديلا عن شريعة الله تعالى في بعض الأمور ،أو كلها ، مع هذا التناقض ، غير أنه أيضا في قوله في المذكرة التفسيرية (توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها, أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شانها تمشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمان, بل أن في النص ما يسمح مثلا بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الإسلامية).
فيه عدة أمور تناقض أصل الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم :
1ـ في قوله ( دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى.. إلى قوله الأخذ بالقوانين الجزائية مع وجود الحدود في الشريعة الإسلامية ) ومعلوم أن هذا هو شرك الأنداد بعينه لايعدوه قيد أنملة ، ويشملُه قوله تعالى (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، وهو شرك الأرباب بعينه ، الذي يشملُه قوله تعالى ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) ، هو الشرك واضحا جليا ، لاغيره ، كما قال تعالى (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
وغيرهـا من الآيات التي تبين أن من اعتقد جواز استحداث أحكام تخالف الشريعة الإسلامية من مصدر مــا ، فهو مشرك بالله تعالى ، متخذ ذلك المصدر شريكا مع الله تعالى ، وندا لله تعالى ، وربا مع الله ، كما اتخذت النصارى الأحبار والرهبان أربابا من دون الله ، بنص القرآن ، وذلك لما أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، وجعلوا آراءهم مصدرا تستقى منه الأحكام المخالفة لأحكام الله تعالى ، هذا مع أن طاعتهم لأولئك الأحبار والرهبان كانت طاعة دينية ، يظنون فيها أنهم معظمون لدينهم ، ومع ذلك جعل الله تعالى طاعتهم تلك اتخاذا للأرباب مع الله ، فكيف بمن يفعل مثل فعلهم ولكن في القوانين الوضعية !!!
2ـ في قوله وكل ذلك ما كان ليستقيم لو قيل ( والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع), إذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ عن مصدر أخر في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ إذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الأمور وبخاصة في مثل نظم الشركات, والتأمين, والبنوك, والقروض, والحدود, وما إليها ) .
وهذه نص في أن واضع الدستور أراد عمدا أن يجعل لله نداً في التشريع ، وأن يجعل معه ربّا مطاعاً في الحكم ، وذلك عندما نصّ على أنّه تجنب عمدا أن يجعل الشريعة هي مصدر التشريع ، حتى يتمكن الحاكم من أن يتحاكم إلى غير الله تعالى ، في بعض الأحكام ، ومثل لذلك بقوله ( نظم الشركات ، والتأمين ، والبنوك ، والقروض ، والحدود ، وما إليها .. ) .
فكأنـّه يقول في هذا النصّ ، أنّ الدستور هو الذي يمكّن الحاكم بغير ما أنزل الله ، من أن يحكم بغير ما أنزل الله ، لأنـّه ـ أي الدستور ـ بتجنّبه إلزام الحاكم بالشريعة ، فتح له المجال ليتحاكم إلى غيرها ، فكأنـّه يقول : إنّ الدستور هـو الذي جعل مع الله آلهة أخرى ، ومنع أن تكون الآلهة إلهاً واحداً ، في مضاهاة بينـه لما قاله كفــار قريش (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَــيْءٌ عُجَابٌ).
3ـ في قوله (لا يمنع النص المذكور من الأخذ, عاجلا أو آجلا, بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور, إذا رأى المشرع ذلك ) .
وهذا تصريح جلـي لاخفاء فيه ، أنّ الدستور يسمح بالحكم بغير ما أنزل الله ، لأنـّه عندما يقول ( لا يمنع بالأخذ بأحكام الشريعة ) فهذا مفهومه ، أنـّه إن أريد ذلك فلا مانع منه ، بمعنى أنه لك أن تفعله ، ولك أن لا تفعله ، ثم فيه أيضا الطامّة الكبرى ، وهي أنه كأنه يجعل الأصل هو عدم التحاكم إلى كل الشريعة ، عندما يقول لامانع من الأخذ بأحكام الشريعة كلّها ، فجعل الشرك بالله في التشريع هو الأصل ، وأما التوحيد فلامانع منه !! تعالى الله عم الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 07/12/2006 عدد القراء: 8313
أضف تعليقك على الموضوع
|