هل ستدعــم روسيا طالبان؟!
حامد بن عبدالله العلي
لم تكن الأجواء هادئة كما كانت تبدو بين روسيا الإتحادية ، والولايات المتحدة الأمريكية ، منذ أن بدأ الإقتصاد الروسي يتعافى ، وتسترجع روسيا قوتها العسكرية ، بل كانت إستخبارات الطرفين في سباق سرِّي محموم ، يحمل كلُّ منهما على عاتقه إرثا طويلا من العداء ، وتراكمات من المنافسة المشبَّعة برائحة اليورانيوم ، ووقود الصواريخ العابرة للقارات ، أيام الحرب الباردة .
ولم يكن عتاة الساسة الروس يجهـلون أن تضخيم أمريكا لما أسمته ( الإرهاب الإسلامي ) ، وذلك الضخّ الإعلامي الأمريكي المتكلَّف المبالغ فيه ، عن خطره على العالم ، سوى غطاء لتوسيع مساحة الهيمنة الأمريكية ، حتى تصل إلى حدود روسيا ، ثم تلتهـم كلَّ ما فيها ، وتحوّلها إلى أنقاض إمبراطورية تعبث فيها الشركات الأمريكية العملاقة ، وتصيرها كهوفـا يأوي إليها مصاصو الثروة الغربيون ، وأولئك الوحوش المختفـون وراء البزَّات الغريبة الأنيقة!
ولسان حال الروس يقول ، قد بلغت الغطرسة الأمريكية حداً لايطاق ، وإليكم الحقائق : أهلكت أمريكا 8 تريليونات دولار ـ نحو ضعف ما أهدر في الحرب العالمية الثانية ـ في حربين في العراق وأفغانسـتان ، سقط فيهما أكثر من مليون نسمة ، لمجرد الهيمنة على مكامن الطاقة ، أو طرق وصولها إليها .
ثم وضعت العالم في أتـون عدة أزمات خانقة ، أخطرها الأزمة الإيرانية ، وأما في القضية الفلسطينية فأفسدت أمريكا كلّ سبل الحـلّ ، وأرجعتها إلى الوراء عقودا ، ورفعت أسعار النفط ، وفاقمت التضخم العالمي ، وأغرقت العراق ، وباكستان ، وأفغانستان ، في مستنقع بائس ، في غير معلوم الخـلق متى ينتهي .
وقـد وضعت أثناء ذلك أطماعها فوق كلِّ إعتبار إنساني ، حتى شاعت ظواهر التعذيب ، والمعتقلات السريّة ، وتضاعفت انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم .
وحتى قسَّمت الدول : إلى محور معها ، وآخر إعترض على سياستهـا فأسمته محور الشر ، على أساس هذه الأطماع لاغير ، فأشاعات فكـــر ( التكفير السياسي العالمي ) و(السلوك العدواني الدولي ) و ( الكراهية بين الشعوب ) .
ثم وضعت قوائم لمن تريد القضاء عليهم ممن يتحرّكون ضد سياستها حتى على مستوى الرأي والفكر ، حتى بلغ عددهم مليون شخصيّة ، ومنظّمـة ، على القوائم السوداء ، بما فيهم المفكرون ، والسياسيّون ، والمناضلون لتحرير شعوبهم ، وغيرهم من المنظمات الخيرية والإنسانية المحضـة !
ثم جاءت إلى جورجيا ـ لايزال الحديث للسان حال روسيا ـ فحرَّضتها بكلِّ وقاحة على التحرُّش بنا ، ثـم ردَّت على دفاعنا عن مصالحنا على حدودنا ، بوقاحة أكبـر منها عندما وقَّعت مع بولندا ، والتشيك ، اتفاقيَّة لإنشاء منصات صواريخ تهدد وجودنا ، ثم جاءت تهددنا بتجميد العضوية في منظمة التجارة العالمية ، وفي تجمع الدول الصناعة .
والخلاصة : لقـد تفردت أمريكا بأنها القوة العظمى ، فأصبحنا والعلم بأسره جميعا ضحاياها ، وأمعنت في إذلال من ينافسها ، وفي الإستكبار على الضعفاء ، وقد آن الأوان لنتحرك ضد هذه الغطرسة. أ.هـ لسان حالهم.
ولاريب أنَّ هذه الأزمة العالمية الأخيرة التي اندلعت في جورجيا ، قـد تطورت إلى حـدِّ خطير ، نستطيع أن نقول معه بوضوح أنَّ معادلة جديدة قد ارتسمت معالمها على المشهد العالمي .
وقد كانت تلك التطورات سريعة إلى درجة أن الغرب إعترف بأنه تفاجأ ، ولم يقـدّر النتائج ، كما قال روبرت هنتر ـ وهو سفير أمريكي سابق لدى حلف شمال الأطلسي ويعمل حاليا مع منظمة راند ـ : ( اعتقدنا أنّ ساكاشفيلي سيكون ديمقراطيا فطنا دمثا ، ولم ندرس المؤشرات ، أقنعنا أنفسنا بذلك ) .
وهاهي روسيا قد اعترفت باستقلال أبخازيا ، وأوسيتيا ، في رد واضح على إعتراف الغرب بإستقلال كوسوفا ، وفي تحـد أشد وضوحا للغرب ، ثم قال الرئيس الروسي أن روسيا مستعدة لخطوات قد تصل إلى وقف التعاون مع النيتو .
ولا يبدو إلاَّ أنَّ التوتـر بين روسيا والغـرب ، آخذ في التصاعد ، إذ هو ليس وليد أزمة عابرة بسبب جورجيا ، بل نتاج تراكمات استمـرت سنوات، وكانت قبل ذلك قد استمـرت عقـودا.
ومن الواضح أن روسيا تعرف جيدا أنه ليس ثمة ظرف دولي أفضل لها من هذا الظرف ، حيث تلتف حول أمريكا حبال عدّة ملفات شائكة ، بسبب مغامرات بوش وعصابته المجنونة ، إضافة إلى تعاظم الصين الذي زاد على أمريكا الطين بلَّة .
ومن أكثر هذه الملفات خطورة بالنسبة للأمريكيين ، الإحتلال الأمريكي لأفغانستان ، فقد تردَّد سابقا أن ثمة دعم غير مباشر ، وخفيّ ، تتلقاه الحالة الجهادية في أفغانسـتان ، من روسيا ، والصين .
وهو أمر غير مستبعد في ضوء المستجدات ، ومعلوم أن ضـخَّ السلاح الروسي ـ غير المشروط سياسيا ـ إلى الساحة الأفغانية ، بغية إلحاق الهزيمة بالنيتو فحسـب ، يضيف إلى العوامل التي أدت إلى صعـود حركة طالبان المدهش (وهي خمسة عوامل : سمعة طالبان الحسنة ، الدعم الباكستاني للحركة ، طبيعة الشعب الفطرية الدينية العصية على الأجنبي ، جرائم النيتو في المدنيين ، فشل حكومة كرزاي ) حتى غدت تهديدا خطيرا لوجود النيتو في أفغانسـتان ، يضيف إلي هذه العوامل الخمس ، بعداً استراتيجيا هائلا ، سيغير المعادلة جذريا في أفغانسـتان ، وهذا ما يُتوقع جدا في المرحلة القادمة ، لاسيما مع مستجدات المشهد الباكستاني.
وفي فقه الحركة الجهادية أن الإستفادة من تقاطع الغايات في بعض مراحل الصراع ، مع قوى من غير المسلمين ، ضـدَّ غيرها ، إن ترجحت مصلحته ، غير ممنوع شرعاً ، ومستند إلى أصول شرعيَّة ثابتة.
ولئن وقع هذا ، وهُزم النيتو وطـُرد من أفغانستان بسلاح شرقي ، فإنَّ ذلك ـ لعمرو الله ـ من عجائب قدرة الله تعالى ، وحسن تدبيره في دفعه الناس بعضهم ببعض ، وخفي ألطافه في كيده لأهل الإسلام ، إذ سخَّر الغرب ضدّ الشرق ، ثم سخّـر هؤلاء ضدّ أولئك ، وحمى بيضة الإسلام بينهما ،
ذلك أنَّ الله غالب على أمره ، ولكن أكثـر الناس لايعلمون.
hamed_alali@yahoo.com