المفاوسات بين نتنياهو وعباس!
حامد بن عبدالله العلي
لو كان غير هذا الشعب الفلسطيني العنيد والصلب في الأرض المقدسة ، لكانت مؤامرات اليهود قد طوت (ملفّ) هذه القضية الشائكة منذ أمد بعيد ، غير أنّ ربّنـا الذي وضع الميزان ، وضع بإزاء مكر اليهود ، صلابة شعب لايعرف الكلل .
ولو كانت غير الحركة الإسلامية هي التي تقف إلى جانب ثوابت هذه القضية ، لكانت كأمس الذاهب أيضا ، مع إعترافنا بوجود الشرفاء في كلِّ الفصائل الفلسطينية.
وليس أدلّ على هذه الحقيقة مما يجري هذه الأيام من مهزلة ( المفاوسات ) ، عندما اجتمع عباس _ الممثل الرسمي للخيانة العربية ، والمعتمد السامي لإبليس في المنطقة ، وأمين سر جوقة الخيانة العربية أعني الأنظمة العربية بأسرها _ مع بعض الرؤساء العرب وأطلقوا على القضية الفلسطينية الإذن بآخر (مفاوسة) للتوصل لحـلّ الدولتـين ، فإنطلـق ( النتن ) ياهـو ، في أجواء المنطقة ، وإلى واشنطن حيث استكمال بقية (المفاوسات) في بيـت (المفاوسات) الأكبر مع أوبامـا !
والمصيبة الكبرى أنّ الجميع يعلم أنَّ هدف المفاوضات هو إخراج الصهاينة من الورطة التي أوقعتهم فيها هزائمهـم المتتالية ، وأهمها ثلاث :
أولها : هزيمتهم النكراء في فشل خطة شارون بتكليف أمن عباس في غزة مسؤولية إنهـاء مشروع المقاومة .
تلك الهزيمـة التي تجـلَّت في عملية الحسم يونيو عام 2007م ، والتي كشفت حجم التآمر من سلطة عباس على كلِّ ما يمتُّ إلى المقاومة بل إلى الإسلام بصلة ، حتى وصل الحال _ قبل الحسـم _ أنَّ الحواجز الأمنية للسلطة ، كانت تطلب ممن يشتبهون فيه شتمَ الرب ! للتأكد أنـّه ليس من حماس أو غيرها ، وإنكشفت بعد ذلك أسرار مخيفة عن حجم التآمر الأمني مع الصهاينة ، أحدهـا إمتـلاك الأجهزة الأمنية المتصهينة التابع لسلطة عباس ، خرائط تفصيلية عن بيوت المجاهدين ، كانت تعطى للصهاينة ، لتسهل عمليات القصف الصهيونية للمجاهـدين في غـزة ! ،
وبإختصار كان قد أُوكِل إليهم أن يفعلوا في غزة ، ما فعلوه ويفعلونه في الضفّة من جرائم في حقّ المجاهدين ، لم يبلغ الصهاينة عشرَها !
والثانية : هزيمتهم النكراء في حرب الفرقان عام 2009 ، وإرتداد جرائمهم إلى نحورهم .
والثالثة : هزيمتهم المعنوية النكراء في مواجهة اسطول الحربية عام 2010م ، وظهورهم بأخزى صورة على مسمع ومرأى من العالم أجمـع.
وقد كان الطعم ( المـر ) الذي ابتلعوه فصار غصّـة في حلوقهـم ، و( مَرْمَرَهم ) _ عامية عراقية وخليجية بمعنى أذاقني المـرّ والعذاب _ هو حادث سفينة (مرمرة) ، فقد كان الحدث بمثابة لافتة مكتوبة على القمر في ليلة البدر : ( هذه هي حقيقة الصهاينة ) ، وهي تقطر دما ، ويراها كلُّ من يتنفّس الهواء على وجه المعمورة !
وأخطر تداعيات هذا الحدث هو أنـّه قلب الطاولة على الصهاينة ، وأذهب كلَّ جهودهم بإظهار المقاومة الفلسطينية على أنها : (إرهاب شعب متوحش ) أدراج الرياح ، وانقلب السحر على الساحر .
وكان آخر ما أصابهم جرّاء إبتلاعهم للطعم التركي ، صدور قرار دولي يوم أمس ، بإدانة الصهاينة ، وتحميلهم مسؤولية الجرائم التي ارتكبوها ،
وقـد نصَّ القرار على توفـّر : ( أدلة واضحة تسند فتح ملاحقات بحق " إسرائيل " لأنها مارست " القتل العمد" و" التعذيب " بحقّ ركاب سفينة مرمرة حينما هاجمتها قواتها البحرية )
كما زاد التقرير فقرة عن التنديد بحصار غـزة .
ومن الواضح أنَّ الصهاينة علموا أنَّ الأمور ستنقلب ضدهم ، وهم يعيشون حالة إكتئاب شديد من تنامي العداء لهم في أوربا ، وتراجع تأييد الرأي العام الغربي ، بشكل واسع ، ومن آخر مظاهر هذا التراجع ، صدور قـرار إتحاد النقابات العمالية في بريطانيا ، بمقاطعة بضائع صهيونية .
ولهذا السبب أراد الصهاينة أن يعيدوا تلميع صورتهم بمفاوضات عبثية جديدة ، تظهرهم في صورة دعاة السلام ، وتشتت الغيوم السوداء المتلبّدة على سمعتهم في العالـم .
والغريب في الأمر أنه بينما يجري في ظلّ الأنظمة العربية مخطَّط لمسح ممنهج من الذاكرة العربية للقضية الفلسطينية ، فلا يكاد يُذكـر شأنها في المناهج التعليمية ، ولا في السياسات الإعلامية ، فضلا عن فضح المخطط الصهيوني ، وتعبئة الشعوب ضدّه ، بل بالعكس من ذلك يقوم الإعلام الرسمي العربي _ في الغالب _ على تصوير خط المقاومة في فلسطين على أنه ظاهرة غيـر صحيـة ، ويفضّل أن يطلـق عليها بخبـث حالـة ( الإنقسام الفلسطيني ) ! .
وغالبا.. فالإعلام الرسمي لازال مشغولا بإرضاء الأمريكيين في إجراء عمليات إخصاء للفكر الثوري العربي الذي وحـْده يولـّد مشاريع المقاومة ، وربما تجري عمليات الإخصاء هـذه في أقسام تسمـى ( تعزيز الوسطية ! ) في (مستشفيـات) يطلق عليها ( مكافحة التطرف ) ! وهدفها تحويل الشعوب العربية إلى حالة لا تشعر معها بأنَّ هدم المسجد الأقصى شأنٌ ذو بال أصـلا ، وذلك بعد ( كورسات علاجية ) يتم فيها حقن الهوية العربية ، والإسلامية بحقن ملوثة بمادة مضادة للغيرة على الهوية ، والحقوق ، وإستقلال الإرادة الوطنية ..إلخ !!
بينما يجري ذلك هنـا ، يتـمَّ _ وياللعجب _ في كثير من الإعلام الغربي ، ومن عدد لابأس به من الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان لاسيما في أوربا ، تتبع جرائم الصهاينة في تجويع الشعب الفلسطيني ، بالحصار ، والاستيطان ، ومصادرة حقوقه ، وتدمير المزروعات ، ومصادرة البيوت ، وإقامة الحواجز ، فضلا عن القتل ، والتعذيب ... إلخ
وبناء على هذا الرصد والتتبع ، تم تحريك كثير من القضايا ضد الصهاينة ، مما اضطر الصهاينة إلى رصد أكثر من نصف مليار دولار ، لمكافحة هذا النشاط الحقوقي الغربي المتصاعد ضد جرائم الصهاينة ، بما في ذلك إنشاء مؤسسات لمراقبة مواقع الإنترنت ، والفيس بوك ، وملاحقة ما ينشر من فضائح الجرائم الصهيونية ، وتشويه صورة الناشطين الذين يعارضون السياسة الصهيونية ، خاصة أولئك الذين لهم تأثير كبير على الرأي العام الغربي .
وفي خضم هذا الزخم الذي بلغ أوجه إثـر مجزرة أسطول الحرية ، هرعت السلطة الفلسطينية ، لإنقاذ الصهاينة بما يسمى ( المفاوضات المباشرة ) .
وعلى أيـّة حال ماذا نتوقع من سلطة إنما هـم مجموعة (كمبارس مفاوضات ) ، لاحياة لهم إلاّ بها ، وإنما يقبضون رواتبهم ، ويحصلون على بطاقات VIP صهيونية من أجل القيام بأدوار (الكمبارس) هذه عند الحاجة إليهم .
وماذا نتوقع من سلطة قامت على فكرة ، تفتـَّق عنها دماغ شارون ، فهو الذي اخترع إنشاء سلطة شكلية تمول من قبل الصهاينة ، لتقوم بوظيفة ( مقاول أمني ) يكتم على أنفاس المقاومة في الضفة الغربية ، حتى يتمّ إستكمال المشروع الصهيوني.
ولهذا قال دايتون بعد حرب الفرقان واصفا نجاح مهمته في تأهيل قوات عباس لمنع الفلسطينيين من نصرة بعضهم أثناء تعرضهم للإبادة في غزة عام 2009 ، قال ( قبل الغزو البري ـ يقصد الصهيوني لغزة ـ حذر العديد من زملائي في الجيش الإسرائيلي ، من وقوع إضطرابات أمنية هائلة في الضفة ، بل توقّع البعض إندلاع إنتفاضة ثالثة ، وهو ما كان يرعب الإسرائيليين ..لكن في المحصلة لم يحدث أي من هذه التوقعات ، وثبت أنها لم تكن صحيحة ، فقد حدثت مظاهرات ، وبعض المسيرات الصاخبة ، لكن يوم الغضب الموعود الذي طالبت به حماس مراراً لم يقع أبدا ، وقد تحقّق هذا الأمر لسببين : الأوّل أنّ مهنيّة وكفاءة قوات الأمن الفلسطينية الجديدة ، ضمنت التعامل بشكل محسوب ،ومنظم في الإضطرابات الشعبية .. وهو ما ولـّد لدى جيش الدفاع الإسرائيلي الشعور بوجود الفلسطينيين ( الجدد ) وأنهم بإمكانهم الوثوق بهم ! )
هذا ..ومعلوم عند كافة العقلاء أن أي مفاوضات سياسية لاتنجح إلاَّ بأربعة شروط :
1ـ أن تنطلق من موقف صلب يتمسك بالثوابت ولايتنازل عنها .
2ـ أن تنطلق من منطلق قوة يحسب العدو حسابـها ، ولهذا فلا يمكن أن تنجح أي مفاوضات سياسية إلاّ إذا قادتها شخصيات قوية ، وإنما تكتسب الشخصيات قوّتها من دعم شعبي نالته بالتضحيات ، والصمود .
3ـ أن يكون المفاوض يملك تفويضا ممن يتفاوض بإسمهم ، وسلطة عباس لاتملك تفويضا حتى من فتح نفسها !! بينما هذه القضية هي القضية المركزية للعالم الإسلامي بأسره ، فحتى لو كان عباس قد فوضه الفلسطينيون جميعا ، فإنَّ ذلك لايكفي أيضا.
4ـ أن يكون ثمة بديل يخشاه الخصم ، يلوّح به المفاوض ليتنزع بهذا التلويح حقوقه كاملة ، أو حقوقا مرحلية .
ومعلوم أنَّ سلطة عباس لاتملك شيئا من هذه الشروط ، ولن تملكها حتى يلج الجمل في سم الخياط ، لأنهّـم مجموعة لصوص ، ونصابين ، تمكّنـوا بسبب حالة الضعف الذي تعيشه أمتنا لتسلط أنظمة العمالة عليها ، من وضع أسمائهم على ( ملف ) أهمّ قضية للأمة ، وأشدّها تعقيدا ، لمـّا علموا أنّ أسعار الخيانة فيها غالية جدا ، فباعوا أنفسهم ، لشياطين الصهاينة ، لعنة الله عليهم من سفلة .
وفي الختام فإنـّه لابديل في هذه المرحلة من إسقاط سلطة العمالة في رام الله ، وإنطلاق الإنتفاضـة الثالثـة ، وإشعال المناخ الإسلامي بأسره في ثورة جهادية ، تعيد الحياة إلى القضية الفلسطينية ،
وتسترجع صياغة معادلتها التي كانت بها تسير إلى طرق النصـر ،
تلك المعادلة التي وضعها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ،
والتي تُسلِّم ( ملف ) القضية للذين اكتسبوا بطولاتهم من ثبات المجاهدين ، وتشرفوا بتقديم التضحيات ،
والتي تسقط كلِّ خائن يتعاون مع العدو الصهيوني بأيِّ شكل من أشكال التعاون.
وهذا ما نتوقع حدوثه بإذن الله تعالى ، ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون )
وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصيـر الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 23/09/2010 عدد القراء: 25400
أضف تعليقك على الموضوع
|