هل الأمـّة معنيّة باغتيال مغنيـّــة؟!
حامد بن عبدالله العلي
لم يكن التصعيد الناري المفاجئ ضد الجبهة الإيراسورية وجيشهـا ـ حزب حسن نصر ـ في لبنان ، على لسان كلّ من جنبلاط ، والحريري مؤخّـرا ، وبعد مرجعهما من واشنطن ، ثـمّ إغتيال القائد العسـكري لحزب حسن نصـر عماد مغنيـّة في قعـر دمشق ومن بيـن براثـن أجهزتها الأمنية المعروفة بالإحكام والقسـوة !
وقبيل استعراض الجيش (الحريري) التابـع لأمريكا بمسيرة ضخـمة في لبنان ،
وقبل الغمّـة العربية في دمشق .
وبين يدي انعقاد المحكمة الدولية التي ـ بلا شـك ـ سيُدرج على قائمة المتهمين فيها رؤوس كبيرة في النظام السوري .
لم يكن ذلك كلُّه خبط عشــواء
بل كان مخططـا بصمـت قاتل ، وتخطيط مكتوم الأنفاس مميت ، وقـد جاء ضـربة موجعـة ضد إيران ، في سـياق الصراع بين المشروعين الإيراسوري ، والصهيوصليبي ، هذا الصراع الذي يزداد تعقّـدا ، وخطورة ، مع مرور الأيام ، وينبئ ببركان هائل سيجتاح المنطـقة في المستقبل الذي من المرجح أن يكون قريـبا .
ولاريب أن الـردّ الإيرانـي سيكون أيضا موجعا جداً ، فالإيرانيون لم يعرف عنهم قـطّ الكفّ عـن الإنتقام ، كما أنهّم لايعترفون بالعدل فيه ،
هذا مـع أنهـم سيحاولون ما استطاعـوا الحفاظ على مستـوى ، ودرجة المواجهة في المرحلة القادمة ، فليس ثمـّة شيء أكثر نفعا لهـم فيهـا ، من عامـل الزمـن ، وهم يتقدّمـون بخطا واسعة ، ومدهشـة ، على جميع دول المنطقة في جميع أسـباب القـوّة ، ورباط الخيـل ، وتوسيع الأحزاب السرية المواليـة ، داخل دول الخليج ، وغيرها من الدول العربية ، وشـحذ وتطويل أظافرهـا ، مستغلة ضعـف هذه الدول داخليـا ، وإنشغالهـا بمظاهر الترف ، وتكريس الإستبداد ، وتكميم الأفواه ، وقمع الحريات السياسية .
غير أنّ هذا ـ كما يبدو ـ ليس هو ما يخطط له العدوّ الآخـر ، بل الخطة التي يسـير عليها ، هي استفزاز الإيرانيين واستدراجهم إلى حرب شاملـة ، تُحرق فيها دول المنطقة ، وتدخلها من الخليج إلى لبنان ، في هذا الزلـزال المدمّـر ، الذي يحمـل معه ـ أيضـا ـ فتنة داخلية ، شيعية سنية ، تشـبه السيناريو العراقي ،
ممــا يريح الصهاينة من هاجس الخطر الخارجي الذي يأتيها من الشعوب العربية في الدول المجاورة ، لاسيما مع تنامي الصحوة ، ويجعل الكيان الصهيوني يتفـرغ تماما لتصفية كلّ شوكة بيد الفلسطينيين ، مما يمهّـد الطريـق إلى حلم التطبيع الشامل .
وهذه الحرب يراد لهــا أن يُقـدح زندها في لبنان ، ولكن يبدو أنّ الإيرانييـــن ـ وقد عرفوا بالدهاء ـ متفطّنـون لما يستدرجون له ، حذرون جدا في خطواتهم .
ولهذا فإنّ من المتوقـّع أنهـم سيجعلون رد الفعل الإنتقامي ضـد الأمريكيين ، يظهر بيــد غيرهـم في العـراق ، وسيـكون قويـّا و مؤثـّـرا جـداً ، وهاهـم قد بدؤوا بتعليق المحادثات التي كانت مقررة مع الأمريكيين في العــراق هذا الأسبوع .
سيفعـلون ذلك ، تاركين الساحة اللبنانية تسيـر حسب مخططهم المدروس ، تمر عبـر المراحـل السياسية ، لا العسكرية ، في ظاهـر الأمـر ـ مع استمرار الإغتيالات السرية ـ حـتّى عودة الهيمنة السورية الكاملـة على لبنـان ، وإلحاق الهزيمـة السياسية النهائية ، بخصمهم السياسي المدعوم أمريكيـّا.
هذا ومن الدروس المستفادة من هذا حادث الإغتيال ، ما أظهـره من أن المنطقة بأسرها تعيش حالة عالــم ســرّي ، حاكمه المطـلق السـيف ، ومحكمـته الدماء ، ووسائله مخططات الإغتيال ، وجرائم التصفيات ،
في صـراع محمـوم على ثروات المنطقة ، والنفوذ فيها ،
وهذا العالـم السري لاتحكمه شريعة الغاب ، فياليته كذلك ، فتلك الشريعة بأمر الله تحقق التوازن في الطبيعة خلق الله تعالى .
بل شريعة الشياطين ، التي لاتعتـرف إلاّ بالإرهاب بأقبـح معانيـه ، وأما الأبرياء من الشعوب المسكينة ، فهـي مجرد وقود يُحـرق ، وهم في هذه المعركة ، لايستحقون حتى أن تذرف عليهم الدموع الكاذبـة في وسائل الإعلام.
والقـدر الذي في هذا العالم السـري ، من أوحال القذارة ، والغدر ، والإجرام ، أضعـاف القـدر في الوجـه المعـلن منـه ، هذا الوجـه الذي تنشـر فيه أمريكا خطابات خداعة عن الحرية ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان .
وأولئك الساسـة ، الذين يظهرون بوجوههم البريئة ، وشفاههم المبتسمة ، وهندامهم الجميل ، يتحدثون بلهجة مهذّبـة عن أحلام الحريـّة ، ويعدون الشعوب بمستقبل مشرق ،
هم أنفسهـم الذين يشرفون في السراديب ، على جرائــم ذلك العالم السـرّي ، ويقتـاتون على دماءه، ويلطخـون وجوههم بقذارته .
كما أنَّ من الدروس المستفادة ما عكسه من حالة الضعـف الذي يعيشه الكيان الصهيوني ، ذو الجيـش المفكَّك المترهِّـل ، فقـد اقتصرت ردة فعله ، من خزيه الأعظم في حرب تموز 2006 ، على إغتيال خشي أن يعلن مسؤوليته عنه ، وسيدفع ثمنـه أضعافا مضاعفه ، فلن يسـترد بـه ، هيبته المصطنعة ، ولن يصنـع منه شيئا يُذكـر ، وإن كان قـد صنـع شيئا ، فهـو ما كشـفـه مـن الاختراق الأمني الفاضح في منظومـة الأمـن السوري !
وختامـا فإنّ الأمـّة الإسلامية غير معنيّـة ، بإغتيال مغنيـّة ، إلاّ بقدر ما تستفيد من الدروس التي تأخذها منه ، ومن الصراع بين المشروعين الخطرين عليها .
وأعـظم درس يجـب أن تعيـه ، أن تبتـعد بمسافة كافية من هذا الصراع ، تسمح لها بالإستفادة من دروسه ، وتبقيها بعيدة عـن فتـنته ، بحيث لاتحـترق فيه ، ولا تنـزلق إلى أحـد أطرافه .
هذا ما يجـب ، أما إذا سألت عن المتوقّع ، فإنه ليس أمامنا إلاّ فوضى ستحل بالمنطقـة ، تقتضيها الحتميـة التاريخية التي تقود إليها االمتناقضات بين الصراعات الدولية العظمى ، والنزعة النفسية الإجرامية للصهاينة ، والحـقد الإنتقامي اللاّمحدود للغرب الصليبي .
ولكن الله تعالى قال ، وقوله الحق ( إنْ في صدُورِهم إلاّ كبرٌ ما هُم ببالغيهِ ) .
والله أعلم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيـر.
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 14/02/2008 عدد القراء: 15222
أضف تعليقك على الموضوع
|