أربعوا على حماس ، وارحموا الأنصار
حامد بن عبدالله العلي
أوغل في الخطأ من لايريد أن يتعامل مع ما وقع في غزَّة أنه فتنة يجب السعي لإصلاح ذات البين فيها ، والكفّ عن إهراق الدماء من الطرفين ، كما الكفّ عن نقـل الإتهامات المتبادلة ، وعن التحريش بين المؤمنين .
وأبعـد منه من يدعو إلى إستمرار إثارة الهرج ضد حكومة غزة ، منكراً الدعوة إلى إعذارها في اجتهادها السياسي ، والإداري ، وإلى التعاون معها ضدّ من يتربّص بغـزّة من عدوّ الله ، والإسلام .
فهل يريد هؤلاء أن تقتـحم بعد هذا الهـرج ، مدرّعات سلطة عباس التي أهداها لها دايتون ، تقتـحم على حطامِ هرجٍ أعمـى ، وليقول دعاتـه بعد أن يُسقط في أيديهم : كانت والله سياط حماس تلك ، أهون من جحيم عباس هــذا !
ورحم الله قتادة إذ قال : ( لو أنَّ الناس كانوا يعرفون منها ـ يعني الفتنة ـ إذ أقبلت ما عرفوا منها إذ أدبرت لعقل فيها جيلٌ من الناس كثير) .
لسنا هنا ننكر على من ينتقد حماس ، وقد أنكرنا عليها من قبل ـ وسنبقى ـ حتى أغلظنا ، فوجدناها رحبة الصدر ، مُلقية السمع ، إذْ كنـّا ننقد بلسان ، نعطي منه أكثر مما ننقد ، وكان في إطـار التناصح بين الحركات الإسلامية ، التي تبقى دائما بينها رابطة الأخوة الإسلامية إطـاراً يجمعهـا ، ولا يفرّقهـا .
ولكن المستنكر والله كلّ المنكر ، هذا التداعي إلى إعلان غـزّة الجريحة ، المحاصرة ، التي يعاني أهلها الجوع ، والفقر ، وكلَّ أنواع البلاء ، التداعي إلى إعلانها ساحة حرب جديـدة ، يتفـرَّج فيها الصهاينة على الضحايا يسقطون باليد الفلسطينية ، ليقولوا للناس : انظروا هؤلاء الذين أشفقتم عليهم من صواريخنـا ، إنهم لايستحقون غيرها .
وأما سلطة دايتون القابعة في غزة ، فسيتخذون ألسنة دعاة هذه الفتنة ، سيوفا يذبحون بها في غزة ، من عجـزوُا عن ذبحـه في سجون الضفة ، وسيجعلونها جسراً يعبرون عليه إلى حيث كانوا يتآمرون على فلسطين وأهلها .
ولا يستبعد أنّ ثمّـة مكـرٍ خفيِّ وراء ما جرى في رفـح ، ولم يكن هؤلاء الشباب فيه إلاّ وقـوداً له ، وهـم لايدرون من يقدح زنـاده وراءهــم ، كما يحدث في مواطـن أخـرى !
وأيها القوم إنَّ غـزَّة تختلف عن كلِّ ما سواها من مواطن الجهاد ، وإنَّ معادلة فلسطين أعقـد من أنْ يقودهـا ، أويُترك الرأي فيها ، لكلّ أحـد .
إنـّه مكر بني صهيون بكلِّ ما فيـه ، يمـدُّه الغرب بأسـره بكل ما يعطيـه ، وينفذه أزلام السلطة الخائنة ،
وقد تراكمت عنـد حركة المقاومة الإسلامية خبرة عظيمة في التعامل مع هذه المعادلـة ، وأثبتوا أنَّ قدرتهم على الصمود أقوى من الدول ، وعلى المواجهة المسلحة أشدُّ من الجيوش النظامية ، فهم أدرى بمكة وشعابها ، وأعرف بأرضها ، وضرابها.
والصهاينة بالإتفاق مع سلطة عباس دايتون ، يعدُّون لحرب قادمة لإجتياح غـزة ، بعدما فشلت الحرب الماضية ، فشلا ذريعا ، في أعادة دحلان وأزلامه الذين كانوا ينتظرون في رفح المصرية ليتسلَّموا غزة كلَّها من ( مسجد ابن تيمية ) إلى آخر مصلى فيها ، بعد قصف صهيوني جحيمي لايبقى ولايذر ، حتـَّى رماهم الله بالخزي ، فارتدُّوا على أعقابهـم خاسئين ، وأنزل الله نصـره .
وما استمرار الحصار إلاّ لأجل هذه الحرب القادمـة ، والصهاينة غير خافٍ عليهم أنَّ حماس إنما تريد أن تكسب الوقت بالتهدئة ، لتعيد تنظيم الصفوف في هـدوء ، بعيدا عن بهارج الإعـلام ، ولإدخال السلاح ، استعداداً لتلك الحرب ، حتى دخلت صواريخ تصل إلى تل أبيب ، وأنَّ هدف حماس من فك الحصار ، إثبـات قدرة المقاومة على حلِّ القضية الفلسطينية ، وفشل مسارات الوهم التي تُسمـَّى : السلام ،
فالمعادلة إنما تدور على هذه الفكـرة ، التي قادها الشيخ أحمد ياسين ، وهي :
(المقاومة هي الحـلّ الوحيـد إلى الحقوق ، غير أنها تواجه عدوَّا واسع التأييـد ، عظيم القدرات ، فهـي بحاجـة إلى مشروع متكامل ، شعبي ، إعلامي ، إداري ، سياسي ، عسكري ، معنوي ، مادّي ، ولـن تصل إلى هدفها إلاَّ عبـر مراحـل ، كما أنهـا تحتاج إلى صبـر ، وستضطـرّ إلى المناورة السياسية ، ما قد يبدو تنازلا وليس كذلك ، وفي قصة الحديبية قـدوة ، وفي سيـر السابقيـن أسـوة) .
وإنَّ الفوضى ، والإرتجالية ، والعشوائية ، والقفز على المراحل ، كما يحدث في بعض مواطن الجهـاد ، لـن تصنع شيئا في مقاومة الصهاينة في فلسطين ، إلاَّ القضاء على مشروع التحرير الفلسطيني ، ثـمَّ البكـاء عليه .
إنَّ حكومة غـزّة لم تُحاصر ، ولم يُستهدف قادتها ، ولـمْ يُزج بأنصارها في سجـون الضفـَّة ، حتـَّى صاروا بين قتيـلٍ ، وأسـير ، ومن هو تحت التعذيب ، ولم تتآمـر عليهم الأنظمة العربية الخائنة ، ولم يقـدِّم قادتها أنفسهم ، وأبناءهم ، وإخوانهم ، وأموالهم ، رخيصـةً دفاعا عن الأقصى ، لم يحـدث هذا كلُّه لهـم ، لأنهَّم خونـة ، يقاتلون في سبيل الدنيـا !!
لـم يحـدث هذا لهـم إلاّ لأنهّـم حركة إسلاميـّة ، تربـَّت في محاضن القرآن ، وتعلَّمت كتب الفكر الإسلامي ، ونشأت في بيوت الله ، فصامت ، وزكـَّت ، وصلَّت ، وحجَّبت نساءها ، وحفَّظت أولادها القرآن ، وجاهدت حتى قدمت آلاف الشهداء ، و الأسرى ، والجرحى .
هذه هي صورتها في أعين الأعداء ، وهذه هي حقيقتها ، ومنكر هذا كلَّه أعماه التعصّب ، وأغلق عليه الحسد رؤية الفضـل .
فلأيِّ شيء لعمري هذا التداعي إلى حربها سوى الدعوة إلى فتنة لن يجنـي منها إلاَّ الصهاينة ، وسلطـة الخبثاء الجواسيس في رام الله ، مالـم يجنوه بدباباتهم ، وجيوشهم ، وطائراتهم ، ومكرهم الليل ، والنهار ؟!
ثمَّ إنها رأت أنَّ من أهم أولوياتها رفع الحصار عن شعب يعانـي أشـدَّ المعاناة منه ، حتّى صار 40% من مواليد غزة مصابـين من فقـر الدم ، رفعـه مع الحفاظ على ثابت إستمرار المقاومة ـ وليت شعري ـ إنَّ هذا تحقيق هذا التوازن أشـقَّ من حمل الجبال الرواسي ، إذ كان هدف الحصار إنـّما هـو فـضّ الناس عن خيـار المقاومة أصلا ، حتَّى يركعوا للمشروع الصهيوني الذي لن ينتهي دون إهدار كلِّ الحقوق الفلسطينية وعلى ظهر سلطة دايتون في الضفة .
فكيف إذا أضيف إلى هذه المهمـّة الشاقّـة ـ وفي نفس الوقت ـ سعي حماس لصناعة مشروع التغيير الإسلامي الشامـل في غـزّة ، بحيث يبقى شعبها الجائع ، المحاصر ، محافظاً على المقاومة ، ومتقبـِّلا لمشروع الحكـم الإسلامي ؟!!
أفلاَ يسعهم ما وسع الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، كما نقل عن الذهبي في تاريخه ، عن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول : ( لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألاَّ تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ، فإن أنكرت قلوبهم هـذا ، سكنت إلى هذا ) تاريخ الذهبي 4/170
وفي البداية والنهاية ( وإني لأريد الأمر ، فما أنفذه إلاَّ مع طمع من الدنيا ، حتى تسكن قلوبهم ) 9/200
،
وإنّ هؤلاء المتعجّلين يريدون أن تقيم حماس في يوم ما يعجز عنه عمر بن عبدالعزيز في خمسين عاما !
،
ألا فدعوهم ـ ويحكم ـ وما تأوَّلوه فيما تحملـُّوه ، من النقلة بالناس شيئا فشيئا إلى سماحـة الإسلام ، وكفـُّوا عن القوم ماداموا في وجاهة أشـدّ الناس عداوةً للذين آمنـوا ، فوالله إنَّ الذين يرمون سهامهم على حماس ، لايقدرون على إنجاز عشر معشار ما أنجزوه حتى الآن ، في ظلِّ ظروفهـم .
فما أسهل أن تتكئ على أريكتك منتقداً قوما محاصريـن ، تكالب عليهم الأعداء من كلِّ حدب وصوب ، فأسراهم بالآلاف ، وقتلاهم مثلهم ، وكلَّ يوم يُزفّ عليهم نبأ شيخ قتيل تحت تعذيب أزلام دايتون ، أو أسير في يد الصهاينة ، أو غارة صهيونية عليهم ، ما أسهل أن تفعل هذا وتنسى ما هم فيه من البلاء العظيم !
أما جند أنصار الله ، فندعو حماس إلى القيام بواجب الراعـي المشفق على رعيّته ، لا العـدوّ الممعن العداوة ! ففي الحديث : ( شـرُّ الرّعاء الحطمة ) ، والله تعالى سيسأل عن دماءهم ، كما لا يصح البتـّة تشويه سمعتهـم ، فحتـَّى أهل الجاهلية كانوا يكفـُّون عن مثـل هذا ، فكيف ونحن ندعو إلى الخلـق الإسلامي !
وإذا ملكت فأسجـح ، والبغي من ذي السلطة أقبح ، فإن أراد به أن يحسَّن صورته ،فسينقلب عليه شينـاً في أعين الناس ، وتلك ـ والله ـ سنة الله ، لايعاجزها أحدٌ إلاّ هـوى .
كما يجـب عليها أن تأخذ المخالفين لها من السلفيين ، وجماعة الجهـاد ، وغيـرها بالرفق ، واللين ، والأخوة الإيمانية ، وتعامل الجماعات الأخرى بالحُسـنى ،
وأن تدع للناس مراحـا يستريحون فيه في دعوتهـم على إختلاف مشاربهم ، فإنـَّه ما ضيَّق أحـدٌ واسعـا إلاّ ضيّق الله عليه ، وما شقّ راعٍ على رعية إلاَّ شقَّ الله عليه .
وأن تراعي تعطش الشباب للجهـاد ، لاسيمـا في ظـلِّ ما يقع على الأمـّة من مصائب ، وأن تسلك معهم سبيل الحوار ، لإقناعهم بالإبتعاد عن الشذوذ ، والغلوّ ، الذي انتشر في بعض ساحات الجهاد الأخرى ، فإنَّ سبيل العنف في حـلّ هذه المعضلة سيزيدها أوار نارِهـا .
ولهذا أقـترح أن يتمَّ تشكل لجنة من العلماء من داخل فلسطين وخارجها ، في مساع حميـدة لطيّ صفحة ما جرى من الفتنة ، وإخراج كلِّ الشباب من السجون ، ومعالجة الجراح ، وأن يُودى القتلى ، ويُدعى لهم ، ليفضي الناس بعد نزغ الشيطان ، إلى رحابة الأخـوّة ، وبعد صورة الدماء ، إلى سلامة الصدور ، لتتحد البنادق كلُّها نحو العدوّ ، وليخسأ دعاة الفتـنة ، ويرتد كيدُهم في نحورهـم ، ويأوي الناس إلى جماعة ورحمة ، قبل أن تأخذهـم سيوف فتنة ، لا يفيقون بعدها إلاّ في أحضان بني صهـيون.
والله حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصيــر. الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 17/08/2009 عدد القراء: 22314
أضف تعليقك على الموضوع
|