قصّـة منام (شين الفاجرين) قبل انطلاق الربيع العربي !!
حامد بن عبدالله العلي
ماذا لو أنّ شين الفاجرين الزعيم الهارب المتخفّي المطلوب للعدالة _ بعدما كان يطارد الصالحين والدعاة المصلحين والمعارضين النزيهين ! _ رأى فيما يرى النائم قبل 17 ديسمبر 2010م _ أي قبل حادثة البوعزيزي _ مناما عن الربيع العربي ؟!
تعالـوا لنتخيـّل الحكاية فـي روايـة :
بعدما قضى يوما مرهِقـا في إدارة عصابته ( دولته ) ، ونهب ما يمكن نهبه من ثروة تونس ، وإلقاء بقية فتات النهب على بقية أفراد العصابة ( الوزراء ، وزعماء البوليس ، وبقية المافيـا ) ،
ثـم آوى إلى عشّ إبليس ( قصره ) متلهفا أن يقرأ التقارير الأمنية قبل النوم ، لاسيما تلك التي تُرفع إليه عن ملاحقة الإسلاميين ، ومحاربة الدين ، خاصّة الحجاب !
فقد كان مشغوفاً إلى حدّ الجنون بطمس كـلّ ما يذكّرهُ برسالة القرآن ، وطاعة الرحمن ، ومعصية الشيطـان !
وكان لا يقرأها إلاّ وهو يعاقـر الخمر ، فتحمـرّ عيناه ، جاحظتين ، تدوران في محجريْهما كمن أصابه المسّ ، فيسْوَدُّ وجهُه ، وتعلوُه مسْحةٌ شيطانيّه ، حتى يُخيـّل للناظر إليه أنّه إبليس بعينه ، بذيله ، وقرنه !
حتى إذا هجم عليه النوم ، سقط يغـطّ غطيطاً كنهيق الحمار ، وكان في منامه كثيراً ما يرى ، فيما مضى ، ناراً تحيـط بـه ، فينجو منها ، لكنه رأى هذه المرة ، فيما يرى النائم رؤيا عظيـمةً عجيـبة !
رأى أنّ عربةً يجـرّها بائع خضار ، انقلبـت فاشتعلت نارا ، فتعاظمت تلك النار جدا ، حتى امتدت منها ألسنة عظيمة فاستطارت في أفق السماء !
أما أحدها فهبط مسرعا على قصره ، فأشعل فيه جحيـما هائـلا ، فلم يرعْـهُ إلاّ والجحيـمُ يحُيط بسريره ، حتى وجد حرّ النار من تحت إسته في فراشه ، لكنّه _ فجأة _ سقط في حفْرة قبل أن تحرقه النار ، فأخذته الأرضُ في بطنها ، ثم لفظته ، فإذا هو في بيتٍ في أرض بعيدة ، حوله جدرانٌ كالأطلال ، وأبوابٌ عليها أقفـال !
ثم أخذت تلك الألسن من النار تتساقط على بلاد أخرى ، فالتهمت فرعون مصر ، وابتلعت طاغية ليبيا ، وطار منها شرارةٌ إلى اليمن ، وقذفت بحممٍ عظيـمة إلى الشام تنقضّ نحو قصر بشّار انقضاض الشُّهـُب ،
ولازالت يتساقط منها ما يتساقط ما بين حمـَمٍ عظيمةٍ ، وشررٍ يتطايـر هنا ، وهناك ، فينتشر على طول الخارطة العربية ، تقع الشرارة الصغيرة فتكبر ، وتكبر !
حتى رأى الزعماء ، وليس فيهـم من زعيم إلاّ ويجد حرَّ تلك الشرارات تحت قدميه ، فيرفع قدما ، ويضع أخـرى !
وبينما هو كذلك يتقلَّب في سريره المذهَّـب من هول المنام ، إذ استيقـظَ فـزِعا ، والعـَرَقُ يتصبَّبُ من جسمِه ، كأنـّه خرج من ديماس !
فلم تكد تهـدأ أنفاسـُهُ ، إلاّ وهو يتصل بالخط السِّري الساخن الذي يصله بجميع الزعماء ، ليخبرهم بما رأى ، وليطلعهم على ما جرى .
فقرّروا بعد أن استشاروُا المعبـِّرين ، وسألوا المؤوّليـن ، أن يهرعوا لاجتماع عاجل تحت جنح الظلام ، عند صاحب الأحلام .
وعلى مائدة لم يشتهوا فيها الطعام ، اجتمع الزعماء اللئام ، فقصّ عليهم شين الفاجرين المنام .
وتشاورُوا في هذه الرؤيا العظيمة ، والملمّة الجسيمة ، وأنها تعني نهاية الطغاة ، وسقـوط عروش المفسدين البغـاة .
فقام أقربهم طريقة فـي لحظة تجـلّ للحقيـقة لايدري حتـّى هـو كيف نزلت عليه ! قام فيهم خطيـباً فقال :
تعلمون لقد بالغـنا بالطغيان على شعوبنا ، حتى جمعنـا فيما اقترفـنا جميـع السبع السياسية الموبقـات :
1ـ إهانة كرامة المواطنين ، فسلّطنا عليهم (البوليس السري) ، يستلب منهم كلّ شيء ، حتّى يهتك أعراضهم ! فصارت شعوبنا كالقطعان التي تعيـش تحت هاجـس الخوف من السوط ، أو السكين !
2ـ إفساد القضاء ، فلم يجدوا ملجأً ينصفهـم فضاقت عليهـم الأرضُ بما رحبت !
3ـ نهب الثروة حتى عرِيَ الناس ، وجاعوا ، ومرضوا ، وافتقروا ، وضاع الشباب ، وانتشرت الجريمة !.
4ـ نشر الفساد المالي ، والإداري ، حتى صارت الرشـوة جهارا نهارا فذهبت الحـقـوق ، واستولى على الشعب اليأس !
5ـ تزوير إرادة الشعب حتى ملّ الناس مسرحياتنا الهزليّة عن الانتخابات !
6ـ قمع الحريات حتى قتلنا الإبداع ، وهرب الملايين من خيرة أبناء أوطاننا بسبب ذلك !
7ـ الاستبداد السياسي إلى حدّ التوريـث ، حـتـّى يُـردّ أحدنا إلى أرذل العمر وهو ملصقٌ بكرسيِّ الحكـم التصاق العشيق بعروسه ليلة الزفاف !!
هذا في شؤوننا الداخلية ، أما الخارجية فضيَّعنا الأمة ، وجعلناها أرخص أمةً بين الأمم دماءً ، وأشدُّهـا تفرُّقـاً ، وأفشلها سياسةً ، وأعظمها تخـلُّفاً !
حتى طمع فيها المجوس فتوغّلوا فيها ، وعبثت بأرضها الصهاينة ، وتسلّطت عليها الصليبية ، وأصبحت بلادنا نهباً لكلّ ناهب ، ومرتعاً لكلّ لاعب !
ثـمّ وصلنـا بالطغيـان إلى حدّ التشبُّه بالألوهية ، فيخيـّل إلى أحدنا أنـه يملك العباد ، والبلاد ، وما فوق الأرض ، وما تحت الثرى ! فلا يرد قولُه ، يفعلُ ما يشاء ، ويقولُ ما يشاء ، ويقتلُ من يشاء ، ويعذِّبُ من يشاء ، ويعفو عمّن يشاء !
وكانوا جميعا وهو يلقي خطابه ، قد نكّستْ رؤوسُهـم ، وأطرقوا ، ومشاهد الرؤيا تملأ نفوسَهم رُعْبـا ، وتشحن صدورَهم رهَبـَا .
فقال قائل منهم : ما العمـل ؟!
فأجاب الخطيب : نطلق مشاريع الإصلاح ، التي تبدأ بإرجاع السلطة لشعوبنا لتختار الأمنـاء لإدارة البلاد ، في مجلس برلماني حقيقي له حقّ الرقابة ، و المساءلة ، ونزع الثقة ، فإنه مصيرهم ومن حقهم أن يختاروا من يحكـمهم ،
ولنردّ سائـر حقوق شعوبنا إليهم ، ولنحتـرم كرامتهم ، وحرياتهم ، ولنطـلق المعتقلين السياسيين ، ولنقـرِّب أهل النزاهة ، ولنبعـد المفسدين ، ولنفصل القضاء ، ولنحترم قراراته ،
ويجب أن نتنازل لتداول السلطة ، فإن كانت شعوبنا لاتريدنا فكيف نحكمها بالقهر ، والخوف ، والذل ، والإستعباد ؟!
وإلى متى نتصوّر أنّ هذا ممكن أن يسـتمر ، والعالم يتطوّر ، والشعوب تصبح أكثر وعياً ، وذكاءً ، وامتلاكاً للقدرات ،
أفلا تعقـلون ؟!!
ثم لنضع خُططا جـادّة لإخراج أمّتنا من ذلها ، ومشاريع لتقربها للوحدة ، وتبني لها قوة تحمي الشعوب من أطماع الأجنبي ، وعبثه بمقدرات أمتنا .
فانبرى أحد الزعماء قائلا : الشعوب هي سبب كلّ المشكلات وليس نحن ، وقد فعلنا ما بوسعنـا لتطويرها فلم نفلح ، فهي لايصلح لها إلاّ أسلوب قيادة القطيـع !
غير أنّ نظرة استهجان وإشعار بالسخافة من جميع المجتمعين أخْرسـته فلم يكمل !
وعاد أوسطهم طريقـةً ليقـول : ما رأيكم فيما ألقيت إليكم من حلول ؟!!
فنظر بعضهم إلى بعض ، لايدرون ماذا يقولون !
غير أنه دخل عليهم في هذه اللحظة الحاسمة ، إبليس في صورة المستشار الأول ، كما دخل في قصة الهجرة ، في نفس تلك (الصورة) ! التي دخل فيها على المؤتمرين من قريش لإطفاء نور الرسالة المحمدية !
فقال : على رِسْلكم .. على رِسْلـكم !
إنما هو منام لعله من حديث النفس ، أو أنّ أخانا شين الفاجرين أكثر البارحة من شرب الخمـر قاتله الله ، فلعب الشيطان في رأسه !
إنما هذا مُلْككُم ، وعزُّكـم ، وأموالكم ، وقصوركم ، وما ملكت أيديكـم ، بنيتموه بجهودكم ، وقضيتم فيه أعماركم ، أفتريدون أن تدعوه هكذا ، بسبب منام عابـر ، من هذا الطاغيـة الفاجـر !
ثم أنتم ولاة الأمر ، أم قـد نسيـتم أنكم ولاة الأمر الذين ذكرهم الله في القرآن ، فأوجب على الشعوب طاعتـكم ، وتعبدهم بموالاتكم !
فمهما فعلتم ، أوقترفـتم ، فخضوع الشعوب لكم هو الدين _ تعالى الله عما تقول الشياطين علوا كبيراً _ ورضاهم بكـم هو حكم رب العالمين !!
واسألوا إن شئتم مشايخكم ، والمفتين ، وعلماء الدين !
فألقى بعضهم إلى بعض نظرة استهزاء لهذه النقطة بعينـها ، وهمس أحدهم بإذن صاحبه بالجنب ، إنّما المفتون شركاؤنا ، صنعناهم ليغطُّوا جرائمنا ، ونطعمهـم من سحتنا !!
فأشار إليه صاحبُهُ بكفـِّه ، أن أخفض صوتك ، وقال هامسـا : دعك الآن من المفتـين ، فكلام هذا المستشار أعجبنـي ، فلنسـمع بقية حديثه .
فختم المستشار كلامه قائلا : لا عليـكم ، ارجعوا إلى بلادكم ، واستمروا في حكمكـم كما كنـتم ، ولا تخشوا من الشعوب فإنها كلّما جاعت تبعتكم، وكلّما خافت صارت طوع أيديكـم ، عبيد بلا أغـلال ، وقطعان قــد أثقلها السيـْر بالأحمال ، لايصلحها إلاّ هذا ، ولايستقرّ أمر الملك إلاّ بهـذا !
ولو كان فيهـم ما تخشون منه ، لثارت منذ أمد بعيد ، لقد ماتت يا زعماء ، لقد ماتت الشعـوب ، فأيُّ شيء تخشـون من شعوب ميـّتة ، ميّتة ، ميّتـة !!
ولم يكـد ينهي قوله ميّتة ، ميّتة ، ميّتة ، حتى جاء وزير الداخلية يركض فسقط سرواله من شدة الركض ! إلى شين الفاجرين ، صاحب المنام ، فهمس في إذنه بخـبر البوعزيزي ، وانتشار نار الغضب في شعب تونس حتى ملأ الشوارع ، وهو يقتـرب من قصـره ، ويطالـب بإسقاطه !!
فراع المجتمعون ما رأوْا من تقلِّب وجه شين الفاجرين حتى اصفرّ ، فازرقّ ، فاسودّ ، وهو يسمع همس وزيره في أذنـه ، ولم يكد يخبرهم بما جرى ، حتى كان كلُّ واحد منهم في طائرتهم الخاصة ، يهـرع إلى عرشه ليحميه من شعبه !
ولكن هيهات ، فقد تحققت الرؤيا ، وتتابعـت العروش تهوي ، والشعوب ترتقي مدارج التحـرّر من الطغيـان ، وفي كلّ أرجاء الوطـن العربي ، تساقطت الشهب التونسية لتتوقد بها مشاعل الحرية ،
وأخذت تتكاثـر تلك المشاعل ، ليحملها أفرادٌ من كلّ شعب ، فينضمّ الحاملون إلى بعضهم ، فيصطفّون صفوفا ، ليَعلُوا ضياؤُها ، وينتشر نورُها ، ويندحر الظلام عن خارطة الوطن العربي شيئا فشيئا ،
وتتصاعد الصيحات المباركة : الشّعب يريد إسقاط الطغيان !
الشّعب يريد الحريـّـة !
.
وتتسّع رقعة التغيير الثـوري حتـّى تضرب بأطنابها من الخليج إلى المحيـط .
وهكذا انتهت الحكاية ، ووصلت إلى آخـرها الروايـة .
وبإذن الله سنذكركم بها مـرّةً أخرى ، بعدما يكتمـل الربيع العربي ، ويقـر الله أعيننا بتحرر هذه الأمة لتعـود كما كانت أمـةً عزيزة بدينها ، معـتزّة بهويتها ، موحّدة بعقيدتها ، مفتخـرة بشعوبها الحرّة الحيـّة الكريمـة .
والله الموفق ، وهو حسبنا ، عليه توكّلنا ، و عليه فليتوكّل المتوكّـلون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 08/05/2012 عدد القراء: 57317
أضف تعليقك على الموضوع
|