قد ذكرت في مقال سابق أن الحملة الأمريكية على أفغانستان ، يزيد تعقدها كلما توغلت أمريكا في تلك المنطقة التي هي أشبه بالرمال المتحركة ، ولا آتي بجديد إذا قلت إن قدرة طالبان السريعة على جميع شتات الشعب الأفغاني منذ ظهورها فجأة إلى 11/9 ، قد كان أشبه بالمعجزة التي ألجأت كثيرا من المراقبين لتفسيرها وفق نظرية المؤامرة ، وأن طالبان صنعتها أمريكا لضرب الحركات الإسلامية هناك ، لكنها انقلبت أخيرا على أمريكا ، لان جمع الشعب الأفغاني تحت نظام واحد في ظل وجود الأحزاب المتناحرة ، سيكون حقا أشبه بالمعجزة .
ومما يؤكد هذا ، الخلاف القائم الآن بين التحالف الشمالي المؤيد للتدخل الأمريكي في أفغانستان ، وأمريكا من جهة ، وبين باكستان وأمريكا من جهة أخرى ، فأمريكا تريد حكومة بزعامة ظاهر شاه وتركبها تركيبا خاصا يكفل لأمريكا مصالحها هناك ، والتحالف الشمالي يريد عودة الحكومة السابقة في فترة انتقالية تعقبها انتخابات عامة ، وباكستان التي صرح وزير خارجيتها مؤخرا أن باكستان لاتصنف طالبان أنها حركة إرهابية ، مما يدل أنها تخاف من فقدان حليف استراتيجي ضد الهند ، تريد إرضاء أمريكا بشرط وجود حكومة أفغانية تتبنى دعم باكستان ضد عدوها التقليد الهند ، لاسيما في القضية الكشميرية التي تعد القضية القومية الأولى هناك .
وحل هذه العقد من الخلافات ليس أمرا سهلا ، لاسيما في مجتمع قبلي مثل المجتمع الأفغاني ، مجبول على عناد شرس ، ولايهاب الصراع حتى الموت في سبيل ما يتبناه من آراء ، وسيكون الصراع السياسي في أفغانستان ، وبين الهند وباكستان على ضوء التغيرات المتوقعة في أفغانستان ، مرهقا للإدارة الأمريكية المليئة بالمشكلات العالمية التي أثقلت كاهلها ، وستبدأ المعاناة الحقيقية بعد القضاء على تولي طالبان لمقاليد النظام هناك ، ولا أقول القضاء على طالبان ، لأنها حركة ينتمي إليها الملايين سواء بدافع ديني أو عرقي ، وستتشكل منها عصابات ، تضرب الخطوط الخلفية للقوات الأمريكية المتواجدة هناك ، أو الحليفة لها ، لمدة طويلة ، فتضيف إلى معاناة أمريكا السياسية ، في وسط سيشبه إلى حد كبير الصراع الذي وقع بين الأحزاب بعد طرد الاتحاد السوفيتي ، تضيف إرعاجا مرعبا طويل الأمد ، يشبه إزعاج المجاهدين الشيشان للقوات الروسية في الشيشان ، وإزعاج الانتفاضة القاسي على الكيان الصهيوني .
ويحق لنا أن نتذكر ثم نتساءل ، نتذكر أن تراجع الإمبراطورية البريطانية عن الهيمنة العالمية كان بسبب ما أصابها من الإرهاق الاقتصادي والسياسي ، فقد اتسع الخرق عليها مع تمددها الهائل في العالم .
ونتساءل أيضا في ضوء دخول الولايات المتحدة والتحالف الغربي في هذا النفق الذي لا يعلم منتهاه ، وفي ضوء الانهيارات الاقتصادية العالمية المتوقعة إثر الأحداث الأخيرة ، ما هو واجب زعماء العالم الإسلامي ، هل لديهم خطط مستقبلية ، تكفل لشعوبهم الأمن الخارجي و الداخلي ، والاستقرار الاقتصادي ، هل ثمة توجه جاد لبناء تحالف عسكري استراتيجي حقيقي وقوي بينها ، يكفل لهم الاعتماد على النفس بعد الله تعالى في توفير الأمن ، الأمن الذي يحمي الشعوب الإسلامية من الأطماع العالمية ، على خلفية تغيرات عالمية قد تنتج عن الوضع العالمي الراهن ، هل ثمة خطط اقتصادية بعيدة المدى ، لحماية الاقتصاد الإسلامي من التدهور ؟ هل ثمة توجه صادق لاعادة النظر في حقوق الشعوب لدينا ، وإعداد برامج تنموية شاملة لتأمين مستقبل المواطنين في بلادهم الإسلامية ، أم سنكتفي بالركض وراء شعار الحرب الدوليـــــة على الإرهاب ، وما تخفي وراءها من مطامع الهيمنة السياسية والبحث عن الثروات ، كمــا ركضنا قبل 1916م وراء الثورة العربية حتى صدمنا بسايكس بيكو ، فهل سنصدم هذه المرة كما صدمنا في كل مرة ، أم سنستفيد من عبر التاريخ هذه المرة ، لان رياح التغيير قد هبت لتطوي الماضي إلى الأبد وتبدأ مرحلة جديدة ؟!