من 11 أيلول إلى اقتحام سفارة الكيان المرذول !!
حامد بن عبدالله العلي
لو قال قائــل يوم 11 أيلول 2001 ، أنَّ في 11 أيلول 2011 ستشرق صباح العالم الإسلامي على طرد السفير الصهيوني من أنقره ، في تركيا جديـدة تولـّي وجهها شطر إسلامها ، وتنصـر أمَّتها ، وعلى هروب السفير الصهيوني ومن معه من عشرات الجواسيس والمجرمين من القاهرة ، بعد إقتحام وكـر عصابته بالجيزة ، ووليهم الحميم فرعون مصر على نقّالـه وهـو يُحمل متَّهما _ معه هامان وجنوده إلى محكمة _ لرُمـيَ القائـل بالجنـون ، أو السخرية والمجـون !!
ووالذي بارك في ثورات أمـّتنا .. وأخـزى من يعارضها ، ويطعن في بركتـها ! ما عجـبتُ من شيءٍ ، كعجبي من الغباء الذي وصل إليه قادةُ الكيان الصهيوني ، في أنهم لم يهربـوا من مصر فور نجاح الثورة المصريـّة !
غير أنَّ هذا العجب يزول سريعا بتذكري أنَّ الصهاينة في حالة تراجع دراماتيكي على جميع المستويات منذ إستشهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله إلى اليوم ، وليس وجود نتنياهو الفاشل في السلطة _ بعد هـلاك المؤسّسين آخرهم شارون اللعيـن _ وتخبُّطـُه المثير للشفقـة في إدارة كيانهم المسخ ، وتهاوي رموزهم في فضائح تزكم الأنوف ، والسخط الشعبي الهائل على نظامهم حتى باتوا ولأوِّل مـرّة يتعلمون من شعوبنا شعار : ( الشعب يريد إسقاط النظام ) !
ليس ذلك كلُّه ، إلاّ أحـد مظاهر هذا التراجع الذي هو أحـد إرهاصـات إنهيار الكيان الصهيونـي بإذن الله قريبا.
ألم يفهم هؤلاء الأغبياء أنَّ الذي بات يقرر اليوم في بلادنا هم الشعوب ، وأنّ هذا يعني إنقلابـاً شاملاً لكلِّ ما كنا نعيشه منذ وعد بلفور ، فسقوط الخلافة ، فنصب دُمـَى النظام العالمي الثاني _ سايكس بيكو _ الذي تشكـّل إثر الحربين الأوربيّتين ،
منـذ ذلك الحيـن ، إلى ما قبـل يوم إنقـلاب عربة البوعزيزي ؟!
وأنَّ شعوبنا إذا ملكت قرارهـا فأوّل قرار ستتخذه ، هو تطهير بلادنا من العدوّ الأنجس الذي هو وراء _ أو شريكٌ مـا لمـن هـم وراء _ كلَّ ما عانيناه منذ أكثر من قرن من الزمان ، ليس في فلسطين الحبيبة وحدها ، بل في كلّ عاصمة ، وكلّ مدينة ، وكلّ شارع ، وكلّ ( زنقة ) على إمتـداد رقعة الوطن الإسلامي .
إنّ الذي جـرى لما يُسمَّى (سفارة ) الكيان الصهيونــي في مصر اليوم ، هـو أحـد صـور ( إنفجـار الإحباط ) ، فقد كانت شعوبنا تغلي طيلة عقود ، وهي في أشـدّ حالات البؤس ، إذ ترى أمام ناظريها كلَّ الواقـع الذي فرضته أنظمتها السياسية ، يتناقض تماما مع هويّتها ، وثقافتها ، وإنتمائها ، وأخلاقها ، وقيمِها الحضاريـّة ، وتاريخهـا !
وهــا قـد بدأت براكين الغضب في شعوبنا تتفجـّر ،
ولم يكن البركانُ المصـريُّ الذي قذف بحممِهِ ليلةَ البارحة ، على وكـر الكيد ، والتجسُّس ، والتآمر على الشعب المصري ، إلاّ أحد هذه الإنفجارات ، وسوف تتوالى البراكين في كـلّ عاصمة ، حتى تستقر بخارطة (جيوساسية) جديـدة ،
خارطة ستعيـد التوافق بين كلّ ما تنتمي إليه هذه الأمة العظيمة من قيـم ، وواقعها السياسي ، والثقافي ، والإجتمـاعي .
أي تعيد الأمـّة إلى ما كانت قبـل سقوط الخلافـة .
نعم .. وهذا كما أنـّه وعد الله لهذه الأمة ، هـو أيضا سنّة من سنن الله تعالى الكونية ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويـلا ، فمن المحال أن يستـمر الإنفصال إلى الأبـد ، بين واقع أمة ، وضميرها ، وبين حالتها السياسية ، وثقافتها ، وبين قيادتهـا ، وقيمـها .
ومن المستحيل أن يبقى بركان الإحباط ، والقهر ، بسبب حياة الخوف ، والذلّ ، وفقدان الكرامة الإنسانية _ والتي على رأسها أن يرى الإنسان قيـمَ حضارته تُداس بالأقدام في بلاده ، وتُمتهن في عقر داره ، وتُهان من نُظُمـه السياسية _ يبقـى خامـداً ولاينفجـر يومـاً من الأيام ليحـرق كـلّ ما كان يراه من حياة بائسـة ، فالأمـر أشبه شيء بقوانين الطبيعة : الضغط يولد الإنفجار ، ولكلّ فعل رد فعل .
وسبحان الله .. تأملوا كيف عادت أمّـتنا بعد كلّ ذلك المكـر الصهيوغربي منذ إسقاط الخلافة ، ذلك المكر الذي تمـدُّه دول عظمى تمتلك كلّ الأسباب الماديـّة لمسخ شعوب الأرض كلِّها ، وأنفـقت عليه من الترليونات ما لايُـــرى أمـدُه ، ولا يُعرف عـددُه ،
تأمّلـوا كيـف عادت فتيـّة ، أبيـّة ، قويـّة ، كأنها لم تتعـرّض لحـرب لم يعرف التاريخ أشـدّ منها ضراوةً ، ولا أعظـم منهـا جنـداً ، ولا أفـجر منها أخـلاقاً ، ولا أغـدر منها عهـداً .
أنها أروع خصائص هذه الأمـّة ، إنها تجـدَّد تجـدد الغيـث المنهمـر ، حتى ورد في ذلك حديث حسنوه ( مثل أمتي مثل المطر لايدري أوله خير أم آخره ) ، ولهذا جعلت هذه الأمـّة آخـرها نبـوّة كما أولها ، وفي الحديث ( لن يخزي الله أمـّة أنا أولها والمسيح آخرها ) .
والعجب أنّ هذه العودة المباركة قـد بـدأ بريق أنوارها البهية من حيث بدأ الكيـد الصهيوغربي على أمّتنـا ، من أرض الخلافة نفسها ، من تركيــا الجديدة ، فهاهي تعـود لأمّتـها ، بكلّ عـبقِ ماضيها المليء بذكريات العزّة ، والمجـد ، وبشعاع من ألـَقِ مستقبلها الواعـد بالنصـر ، والتمكـين .
وكان أوّلُ بشارات هذه العـودة ، إنحـلال عقد المكر الصهيوني ، بتدهور العلاقات التركية ـ الصهيونية ، حتى انتهى الأمـر إلى القطيعـة ، وطرد السفير الصهيوني من أنقـره.
وكأنَّ هذا القرار ( العثماني ) الشجاع قـد أوعـز إلى الشعب المصري ( الجدع ) ليقوم بالخطوة التاريخية الثانية ، فانفجـر بركان الغضب المصري على عش إبليس الذي يفـرّخ بيوض الحقـد ، والغـل ، والعداوة ، والتآمـر على أمّـتنا .
ولاعجـب ..فلا يُجمع المصريون على شيء كإجماعهم على أنّ حال مصـر وشعبها ، لم يزدد سوءاً إلاّ بعد كامب ديفيد ، حتى أُطـلق على هذه الإتفاقية الشيطانية النكبة الثانية بعد نكبـة 48 م ،
وأنّ الصهاينة _ كعادتهم في كلِّ تاريخ اليهود مع غيرهـم من الأمـم منـذ لعنهم الله على لسان أنبيائهم _ لم يكن يعنيهم إلاّ إذلال الشعب المصري ، لإعزاز الكيان الصهيوني ، وإفقار الشعب المصري لإغناء الكيان الصهيوني ، وتخلف مصر على جميع المستويات ، لتقـدم الصهاينة .
ولم تمكن مصر في عهد فرعونها حسني مبارك إلاّ محرقـة يحرق فيها الصهاينة ما يلزم ليستمر كيانهم عزيـزاً ، ومزبلة يلقي فيها اليهود قماماتهم لبقاء كيانهم نظيفا ، ومرتع لجواسيس الكيان ، ولكلّ أنشطته التدميرية من نشر الدعارة والمخدرات إلى بث فيروسات الأمراض الجنسية ، إلى تخريب التربة المصرية ، مروراً بتجنيد المخبرين ، وتحويل أرض مصر إلى منطلق إستخباراتها على بقية المنطقـة .
وقد يسأل الذكيُّ هنا ، كيف أمكن لهذه الإتفاقية إذن أن تصمد ثلاثة عقـود ، فالجواب فيما يخفـى على الكثيرين ! وهو أنّ الأمريكيين أثناء كامب ديفيـد ، قـد طلبوا من السادات تكوين طبقة مصرية ترتبط بالكيان الصهيوني ، إرتباط إستمـرار ، وإرتبـاط وجود ، ومصالح دائمـة ،
وهذه الطبقة من العائلات يجـب أن تستحوذ على الدولة المصرية ، وعلى مقدرات مصر بأسرها ، من الإعلام إلى الزراعة ، مـروراً بالأمن ، والثقافة ، والتجارة ، والبنـوك بحيث يدور كلِّ شيء في فلكها ، فتدافع عن كلِّ ما يرتبط بمصـر كامب ديفيد ، كما تدافع عن نفسها ، ووجودها !!
ومن أهم وظائفها التي انيطت بها ، إحداث تخريب شامل في المجتمع المصري ، في عقله ، وضميره ، ومنظومة قيمه ، وإنتمائه ، بل كيانه البشري ، ليتحـول إلى حديقة خلفية للكيان ، ومرمى نفاياته!!
نعـم .. إلى هذا وصـلت المؤامـرة الصهيوأمريكية بمصـر ، وإلى هذه الدرجة أريد لها أن تُدمـَّر !
ونعـم أيضا .. بهذا وحده يمكن تفسيـر ما جرى على المجتمع المصري من فساد شامل على جميع المستويات ألقينا عليه الضوء بالتفصيـل في مقال سابق .
وبهذا وحده يمكن تفسيـر الإنفجـار الكبير الذي حدث في ثورة 25 يناير ، إذ وصلت حمـمُ الإحباط إلى درجة لم يعد تحتملهـا قشرة النظام الهشة التي كانت تخفي تحتها شعباً نبيـلاً هو من أنبل شعوب الأرض ، وأقدمها حضارة ، وأروعها إنجازات عبر التاريخ .
إنّ في ضمير كلّ مصري _ كما هو في ضمير كلِّ عربي مسلم _ أنّ هذا المكـان بالجيزة ، أعنـي مركـز الخبث والخبائـث سفارة الكيان الصهيوني ، هو المسؤول الأوّل عن كلّ ما أصاب مصر وشعبهـا ، ثـمَ ما أصاب كلّ الأمـّة بسبب مصاب مصر ، مركز قـوّة الأمـّة ، وقطب رحى ثقافـتها ، وعاصمة تحدياتها الحضاريـّة .
ولهذا فإنَّ ثورة الشعب المصري البطل ، كانت تعلـم جيـداً ، أنها لا تستهـدف فرعون مصـر ، وزبانيته ،
ولا طبقة ( عائـلات كامب ديفيد) التي وصفناها للتو ، فحسـب !
بل تستهدف في الدرجة الأولى المكان الذي تدرَّب فيه كلُّ من فرعون ، وزبانيته ، وطبقة ( عائـلات كامب ديفيد ) على خيانة مصر ، وأمتنا .
إنَّ هؤلاء المصريين هم (عفاريت) الأمـم ، و( عتاوية ) الدهـاء ، وعباقرة التحديات الحضاريـة ، ومفاتيـح التغيـير الأكبـر دائما .
فلا جـرم نوَّه بهم وحيُ السَّمـاء ، ووصَّى بهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم .
وختاما :
فيا أيتها الأمـّة الإسلامية العظيـمة ، بما أنَّ حاجز الخوف قد كسـر ، وجيش الطغيان قد خـسر ، ووباء الذل والخضوع قد تقهقر واندحـر ،
وهتفت شعوبـنا : الشعب يريد ، والموت ولا المذلَّة ، ولن نركع إلاّ الله ..
فأبشـري فليس بعد اليوم إلاّ المستقبل الباهر ، والنصـر الظافـر ، والغـد الذي براية المجـد سائر .
ولن يمضي عقد بإذن الله _ يزيد أو ينقص _ إلاّ والأمـّة متخلّصة من الخنجر الذي في خاصرتها وهو الكيان الصهيوني ، ومرتفعة إلى مستوى الندية ، والمنافسة الحضارية لغيرها من الأمـم ، بلوغـا إلى التفوق الحضاري العالمي بإذن الله .
وليس علينا اليوم إلاّ أن ندفع بكلِّ قوانا مع رياح ثوراتنا المباركة على الطغيان ،
ولندعـم بكلّ إمكاناتـنا إحلال ثقافة الجهاد ، والعـزّة ، والحقـوق ، والإباء ، والحريـة ، محل ثقافة الخنوع ، والذل ، والإستسلام ، والخضوع ، والدياثة الثقافية ، والتخنث الفكري !
ولنؤيـد هذا التلاحم التركي المصري ضد الكيان الصهيوني ، ولندفـع بإتجـاه توسيع دائرته لطرد كل قمامات الصهاينة في بلادنا ، فلاتسامح اليوم مع أي علاقات علنية أوسريـّة مع عدوّ الأمّة الأخطـر .
ولنشجع هذا التناغم الشعبي ضد الطغيان ومصادرة إرادة الشعوب .
لنعيـد الأمـّة إلى عـُلاها :
نعيدُ علاهـا وأحلامَهـا ** نـردُّ حُـلاها وإجلالهَـا
نثورُ لتفنـى جميـعُ الطغاة ** ونكسرُ بالفأس أغلالهـَا
وحسبنا الله ، ونعم الوكيل نعم المولى ، ونعم النصير
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 10/09/2011 عدد القراء: 35479
أضف تعليقك على الموضوع
|