الكشف عن خطاب نتنياهـو إلى الغُمّة العربية !!
حامد بن عبدالله العلي
لاشيء أعجب من الغمم العربيّة ، زعماء يجتمعون وهم يعلمون أنـّه لامعنى لاجتماعهم ، ويفترقون على حال أتعس مما كانوا قبل أن يجتمعوا ، ويصدرون قرارات الحبـر نفسـه الذي كتبت فيه يستنكف أن تكتب به تلك المهانة ، يذهبون في خزيهم ، ويرجعون أخزى ، وقد ضُربت عليهم الذلّة ، والمسكنة ، وباؤوا بغضب شعوبهم ، ولعنتها .
والغريب في الأمر أنّها تُسمَّى القمم العربية ، لكن كلّ قمة تنحدر إلى قاع أسفل من سابقتها ، وأما هذه القمّة فهي في الدرك الأسفل ، ذلك أنها تأتي وكأنَّ الصهاينة قد بصقوا على وجوه القوم ، وعلى قراراتهم السابقة ، وعلى مبادرتهم المهينة ، وعلى جامعتهم العربية ، ثم بعد البصق هدَّدوهم بأنهم إذا مسحوا وجوههم من هذا البصـق ، فسيفضحونهم كما فضح (شبانه) عباساً وعصابته !!
ولنـا أن نطلق لمخيلتنا العنان ، ونتصور نتنياهو يلقي خطابا في القمّة فيقول :
أيها العرب ، تجتمعون اليوم في هذه القمة ، على أرض حرَّرها أجدادُكم الأبطال من رجس المستعمر ، عندما كانوا رجالا يعرفون معنى الكرامة ، ويقدّمون من أجلها أرواحهم ، ودماءهم ، وأبناءهم .
لكنكم ، وللأسف الشديد ـ أو لا أسف في الحقيقة ـ لستم مثلهم ، فقـد ضيَّعتم مجد أجدادكم ، وهدمتـم كلّ ما بنوه ، ورضيتم لأنفسكم بأذلّ منزلـة ، وأحقر مكانه ، وأنتم قادرين على نهج العـزَّة ، بل إنـّكم لم تكونوا قادرين يوما ما كما أنتم اليوم ، ولكنكم استمرأتم الهوان ، وأخلدتـم إليه ، حتى صار سجيَّـة لكم ، يشقُّ عليكم فراقها ، وتأنـف نفوسُهـم من التحوّل عنها !
وتعالوا أستعرض معكم يا أصحاب الفخامة ، والسعادة ، والسموّ ، والتفـوّ .. إلخ أستعرض لكـم الدليل على ما قلته : لقد غصبنا أرضكـم في فلسطين من القرن الماضي ، وأريناكم جميع خططنا ، لإستكمال إحتلالها ، إلى إبتلاع القدس ، ومنذ عقود ونحن نكرر معكم نفس خطط الخداع ، ونشتري منكم الخونة ، ونعيد الكرة بعد الكرة ، وتُلدغون من الجحر ذاته ألف مرة ، وأنتم في غيكم سادرون .
واليوم تجتمعون في هذه القمة _ بعد كلِّ قممكم الفاشلة _ والقدس يتم تهويدها ، والمستوطنات تُوسَّع ، والأراضي الفلسطينية في القدس تصادر كل اليوم ، والكُنُس تُبنى حول المسجد الأقصى ، ومع ذلك نحـن نهدّدكم أنكم إذا تحدثتم عن وقف المستوطنات فسوف تتوقف المفاوضات ، والتي هي في الحقيقة ليست مفاوضات ، بل استعراض لدُمـى نحن صنعناها ، فهي تستعرض بعض الحركات أمام الكاميرات ، ريثما ننتهي من كلّ خططنا .
وأنتم بأنفسـكم طلبتم هذه الإستعراضات ، وقلتم لنا : نخدر بها شعوبنا حتى تستكملوا صهينة كلّ فلسطين !
كما تأتي هذه القمة ، والمسجد الأقصى الذي هو من أعظم مقدساتكم ، ومن أهـم رموز حضارتكم ، نعمل على هدمه ، وإجتثاثه لإزالته من الوجود ، وبناء الهيكـل الصهيوني مكانه ، نفعل ذلك أمام أعينكم ، والكاميرات تصور كلّ شيء ، والذي يصد الفلسطينيين عن الدفاع عن الأقصى هم من بني جلدتكم ، من قوات السلطة الفلسطينية ، وذلك حتى لانهدر نحن قطرة دم يهودية واحدة في مشروع بناء الهيكـل مكان المسجـد الأقصـى.
وأيضا فإننا لم نعـد نحمـل همّ المقاومين لنـا في فلسطين ، بعدما كانوا هـُمْ همَّنا الأكبر ، فقد قمـتم أنتـم بمهمّـة حصار غزة ، أفضل بكثير مما كنا نقوم به ، وحاربتم أهلكم ، وبني جنسكم ، بسواعد أشدّ من سواعدنا ، وبسيف أحـدّ من سيفنا ، أما في الضفة فأجهزة أمن عباس ، تفنَّنت في وسائل إجهاض المقاومة ، وأبدعت في وسائل القضاء عليها ، بما أدهشـنا ، وأدهش الضابط الأمريكي الذي وكّلناه بمهمـة تدريب السلطة لتقوم بهذا الدور .
وأنـتم جميعا مؤيّدون لسلطة عباس ، فأنتم تعترفون بها ، وتشجّعونها ، وتضعون في أيديها كل ما يمكّنها من أداء هذه المهمة على أكمـل وجه .
ولا أنسى في هذا المقام أن أنـوّه بما قدمتوه لنا في إحتلال العراق من تسهيلات لم تخطر على بال ، ولم ترد في خيال ، لنقضي على ما كان يهدّدنا فيها ، فقد كنا نحمل هـم العراق العصيّ على الخضوع لنـا ، حتى أعنتمونا على تدميره ، أنتم مع الإيرانيين الخبراء في خيانة المسلمين عبر التاريخ ،
وكذلك ما فعلتموه قبل ذلك من تسهيلات عظيمة لإحتلالنا أفغانستـان .
وأما ما تفعلونه في إبقاء شعوبكم في دائرة القمع ، والتخلّف ، ووأد كلَّ محاولات النهوض ، وكلّ مشاريع التخلّص من التبعية للغرب المهيمن على مقدراتها ، فإنـّه غاية في الإتقان ، ويستحق منّا كلّ الشكر ، والتقدير ، لاسيما هذا الفن الذي تتميَّزون به ، في إلهاء الشعوب بين اللهث وراء لقمة العيش بسبب الفقـر ، واللهث وراء الشهوات ، أو التفاهات ، مثل (شاعر المليون ) ، و(ستار أكاديمي) ، وإحتفالات اللهو ، وعصبيات الكرة ، لكي تنسى شعوبكم أننا نهينها كلّ يـوم ، ونعبث بجميع مقدساتها كلّ حين .
وقد حققتم نجاحـاً باهراً في إحراز كلّ الأرقام القياسية في التخلُّف في بلادكم ، بينما العالم حولكم يتسارع في التطور التكنلوجي ، والمعرفي ، والسياسي، والإقتصادي ، والثقافي ..إلخ
ولا نُخفِي لكم إنبهارنـا بقدراتكم العجيبة على توظيف الخطاب الديني ، والفتوى الشرعية لصالحنا ، فقد خرَّجتم تحت شعار ( الوسطية ) و( الإعتدال ) جيـلاً مخنَّثـا فكريا ، يرى الجهاد إرهاباً ، وتطرفاً ، والغيرة على حرمات الأمـّة عيباً ، وعاراً ، ويرى الجيوش المحتـلَّة ، أو المهيمنة على بلاد الإسلام معاهدين ، ومستأمنين ، ويرى مجرد التفكير في إخراج الأمة من أغلال الرق للنظام الدولي مروقاً من الدين !
وكـم حاولنا بالسرّ عبـر المؤسسات الماسونية أن نخرج هذا الجيل من (المفتين) ، و(الدعـاة ) ففشلنا ، ولكنـّكم أنـتم حققتم نجاحـا عجيبا في هذه المهمة المستحيلة !
وكذلك لانخفي إعجابنا الشديـد بالتجسّس على النخب الثقافية ، والسياسية ، في بلادكـم ، لإستئصال كلّ محاولات التحرّر في مهدها .
ونحطيكم علما بأننا نستلم جميع التقارير المخابراتية بهذا الشأن أولاً بأول ، ونستفيد منها فائدة لاتقدر بثمن .
أما خدماتكم التي تقدمونها في حرب المجاهدين ، وقتلهم ، أو إعتقالهم ، وتعذيبهـم ، وملاحقة ثقافة المقاومة في بلادكم ، وإجتثاثها من ضمير أمّتكـم ، فهذه التي نعجز عن شكرها ، فإنـّه لاشيء يخيفنا مثل إنتشار هذه الثقافة في أمّتـكم التي كانت إذا التفـّت حول راية الجهـاد ، لايقف في وجهها شيء.
أيها الزعماء المؤتمرون في هذه القمة العربية ، أقولها لكم بكلِّ صراحة ، لو أننا نحن الصهاينة حكمنا بلادكم ، وتسلطنا على شعوبكم ، لم نصنع فيها من الإفسـاد ما صنعـتم أنتم فيها .
تصوّروا أنكم تقتلون أبناءكم بإطلاق النار على ظهورهم إذا همـُّوا بنجدة إخوانهم في غزة ، أو العـبور إلى حدودنا لإيذائنا ، فماذا بعد هذا ؟!!
بل قد تجاوزتم هذه إلى عقوبة من يجمع المـال لغزة ، أو حتـى يفكّر أو يخطّط في عبور الحدود لنجدة أهل فلسطين !
وهنا يبكي نتنياهو بتأثـر بالغ .. إهيء .. إهيء.. ويخرج المنديل لمسح دموعه ثم يتابع قائلا : ومـا عساني أن أقول ، وكيف أعبـّر عن شكري ، إهـيء .. إهـيء ..ليت شعري ما الذي قدمناه لكم لكي نحصل على كلِّ هذه الخدمات الجليلة ؟!!
ومرت لحظة مشحونـة بالشجـن ..والزعماء تغشَّتـهم رعشة عاطفية!!
وانتهى خطاب النتن ياهو ، في نتن القمـة!
وبعـد :
فإنَّ قمة سرت ، ستسري كما سرت كلُّ سابقاتها ، بما تحملَّته من عار ، وشنـار ، لايغسلهما ماء البحار ، والحمقى فحسب هم الذين يبنون آمالهم على النظام العربي الرسمي المكبل بأغلال الذلّ .
والمعوَّل بعد الله تعالى على الشعوب الإسلامية بعدما تتخلص من أزمة وعيها ، فتعي أزمتها ، وتخرج الأمة من ربقة النظام العربي الرسمي ، إلى نظام إسلامي يجعل أعظم أهدافه ( ولا تهنـوا ولا تحزنـوا وأنتم الأعـلون إن كنتـم مؤمنين ) .
والله حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتـوكل المتوكلـون
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 26/03/2010 عدد القراء: 28007
أضف تعليقك على الموضوع
|