قصـــــة : عشـــــرة مقترحات للقضــــــــاء على " الإرهاب " !!
حامد بن عبدالله العـلي
المشهد العام مضطرب يموج موج البحار ، والأنظمة بلغ به الإرهاق غايته في محاولة ترقيع الخرق الذي اتسع على الراقع ، والشعوب ثائرة موتورة ، والأمة غاضبة كنار مسعورة ، والملأ الحاكمون مصرون على أن كل الثائرين على الظلم والطغيان " إرهابيون " ، وحولهم طلاّب الصيد ، اللاهثون على فتات دنيا الملأ لهث القُريــد ، يزينون لهم ما هو فيه ، ولا يقولون لهم : أجناؤها أبناؤها ، وكل جان جنايته إلى فيه ! وكأن حالهم ينطق من فيه :
فلا موت إلاّ من سنانك يُتّقى ** ولا رزق إلاّ من يمينك يُقســــــم !
غير أنه لما اشتدّ الخطب ، وحمي الوطيس ، وبلغ السكين العظم ، وبقعت البواقع ، وصقعت الصواقع .
قال ناصح لم يسمعوا لـــه من قبل : يا أيها الملأ قلت لكم : إيتـونا بخصيم ماكر مجادل ، نبعثه إلى هؤلاء " الإرهابيين " ، فنفاوضهم لعلنا ننهي هذه المحنة بالحكم العادل .
فدعوا بأبلغهم لسانا ، وأثبتهم جنانا ، وقالوا : انطلق إلى هؤلاء الساخطين علينا ، فانظر ماذا يريدون ، ولاتعدهم بشيء في هذه الجولة ، ولكن اسمع دعواهم ، وأظهر لهم شدة الصولة .
فقال : كلا .. دعوني أجتهد لكم ناصحا ، وفوّضوني آتيكم بالأمر إن شاء الله راشدا صالحــــا .
فانطلق حتى أتى " الإرهابيين " ، مستأمنا ، فأجلسوه معززا مكرما ، فقال : إيه .. أيها الغاضبون .. ما الذي أمسيتـــم عليه ناقمــــون ؟
قالوا : أو ينفعكم إن سمعتم ؟
قال : تسمع آذاننا ، وتعقل قلوبنـــــا .
قالوا : إليكم ما نريده بأوجز عبارة ، عشرة أمور نرسلها من هذه المغارة :
أولا : أن تنسجم ثقافة الأمة مع واقعها تشريعيا إعلاميا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا ، وثقافتها هي الإسلام ، فثقافة الأمة هي كما قال المفكر محمد أسد : "لا أقول الإسلام دين ودولة ، بل الإسلام هو الدولة ، والدولة هي الإسلام " لا القومية العربية العلمانية ، ولا الليبرالية الغربية اللادينية ، ولا مزيج من هذه الضلالات ، ولا أي ثقافة مستوردة أخرى من القمامات ، لأنها كلها ثقافات أجنبية تثمر إن زرعت في الأمة ، تناقضا كبيرا بين ضمير الأمة وثقافتها وهويتها وتاريخها وحضارتها ، وبين واقعها الحياتي مما يشوه شخصيتها، ويظهر ذلك في صورة العنف والإضطرابات .
ثانيا : أن يقوم زعماء النظام بدورهم في أخذ زمام المبادرة في كل قضايا الأمة والتصدي للهجوم الثقافي والسياسي والعسكري ضدها فيســـــدّوا الطرق أمام من يطلقون عليهـــــم " الإرهابيين " !
ثالثا : أن يتحدوا فيما بينهم على الأقل في القضايا المصيرية التي تهدد الأمة ويتبنوا مواقف مشرفة ، ولا يعجزوا حتى عن عقد قمة ! وأن يسعوا في توحيد الأمة تحت عباءة الأخوّة الإسلاميّة ، ويكفوا عن تمزيقها بهذه العقائد الوطنية المحدثة التي ما أنزل الله به من سلطان ، و التي مزقت أمتنا وأضعفتها أمام أعداءها .
رابعا : أن يشركوا شعوبهم في اتخاذ القرار حقا وصدقا ، وليس عبر تمثيليات مكشوفة ، وأن يجعلوا الشعوب جزءا لايتجزء من الدولة نفسها ، بل هم الدولة ، فحينئذ لايمكن لأحد أن يصطدم بخيارات اتخذتها الشعوب المسلمة التي تدين بالإسلام ، ولا أن يدّعي أن القيادات تسير في اتجاه يخالف مصالح شعوبها .
خامسا : أن يكفوا عن سياسة " جوع كلبك يتبعك " ، بحجة الشعوب إذا جاعت بقيت خاضعة للنظام ! وعن سياسة إلهاء الشعوب باللهو والشهوات .
سادسا : أن يحفظوا كرامة الأمة في مقدساتها فإن انتهاكها في كل بقاع العالم يعني انفجار في نفس كل مسلم غيور ، فليس من المعقول ـ مثلا ـ أن يتخطف أعداء الأمة قادتها ورجال الجهاد في كل مكان ، وتُحتل بلاد الإسلام ، وتُهـــراق دماء أهله ، ويقف النظام موقف المتفرج أو الظهير ، ويتأمل مع ذلك أن تبقى الشعوب مخدرة ، فإن هذا من تكليف مالا يطـــــــاق .
سابعا : نريد الكفّ عن استعمال الفتوى الدينية عندما تخدم سياساتهم ، الإلقاء بها وراء ظهورهم عندما تخالفها ، فيهينوا مكانة الدين ، ويظهروا النظام بمظهر الساخر من مكانة العلماء والفتوى الشرعية .
ثامنا : نريد أن تُسخّر وسائل الإعلام لدعم قضايا الأمة وتعبئتها لنهضتها ، وتسليط الضوء على محنتها ، لا أن تتحول إلى صدى لإعلام أجنبي عن أمتنا وهمومها ، ولا أن تتحول إلى بوق مديح للزعماء والمحسوبين عليهم ، ووسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية ، ولا أن تتحول إلى دغدعة للغرائز الجنسية والملذات البهيمية !!
وأن يتذكروا دائما أننا في عصر ثورة المعلومات والإعلام ، فلايمكن حجب الحقيقة عن الناس ، فخير لهم أن يجعلوا إعلام النظام يعكس الحقيقة من أن يظهروه بمظهر الإعلام الزائف فتسخــر الشعوب منه ، وتستقي من مصادر أخرى توجهها حسب وجهاتها .
تاسعا : أن يعلموا أن عدم توجه غضب رجال الأمة وشبابها ، للدفاع عن دماء الأمة التي تجري كالأنهار ، والانتهاكات المهولة التي تصيب الشعوب الإسلامية المضطهدة ، وتمزيق كل حقوقها المشروعة ، على المشهد العالمي المتدهور ، عدم توجيهه الوجهة الصحيحة للدفاع عن أمتنا المسلوبة الحقوق ، بل كتمه وملاحقته في السجون والمعتقلات وتكميم الأفواه سيحدث انفجارا هائلا داخليا لا تحمد عقباه ، وهذا ليس تسويغا شرعيا ، بقدر ما هو توضيح لسنة كونية وقانون من قوانين الحياة التي لا تتخلف .
عاشرا : أن يعلموا أن قضايا أمتنا العظيمة في بؤبؤ عينها ، وسويداء قلبها ، فشعوبها مضطهدة مظلومة منذ عقود ، تنتقل من بؤس إلى بؤس ، وقد بلغ السيل الزبى ، وطفح الكيل ، وجاوز الحزام الطبيين ، وأما المسجد الأقصى ، مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومهاجر الأنبياء ، فلا يزال تحت احتلال اليهود أعظم المفسدين في الأرض ، وأهل الأقصى في محنة عظيمة ، ومجاهدوه في كربة جسيمة ، وهذا كله ينعكس على الأمة في صورة الغضب الذي لا يهدأ إلا بعقد ألوية الجهاد المباركة .
قال المفاوض : لقد قلتم قولا بليغا صدقا ، لا أرى فيه إلا حقا ، وسأنقله إلى الملأ كما سمعت لا أنقص ولا أزيد ، وأنا على ذلك شهيد .
ولما انقلب إلى الملأ وقصّ عليهم القصص .
قال كبيرهم : ويحك أتدري ما الذي أتيتنا به ؟
قال المفاوض : بخطة رشد والله تفضي بنا إلى كل الخيرات .
قال : بل بدعوتنا أن نكون " إرهابيين " مثلهم !
قال المفاوض : أفّ لكــــــــم ! إن كان الأمر كذلك فأنا إذاً إرهابي ، وكل مسلم إرهابي .. أفلا تعقلــــون !!
فضجّ المجلس ونخُروا وصاحُوا : دعوهم .. فوالله لا ندع ما ألفينا عليه آباءنا ، إنّا وجدنا إباءنا على أمّة ، وإنا على آثارهم مهتدون .
فتلا عليهم قوله تعالى :
"أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " .