حقوق الضعفاء أم مصالح الأقوياء ؟!
حامد بن عبدالله العلي
الأهداف المعلنة حتى الآن للحملة العسكرية الغربية على أفغانستان هي القضاء على النظام الحاكم فيها ، وتنظيم القاعدة اللاجئ هناك بقيادة أسامة بن لادن لانهما ـ وليس الكيان الصهيوني ـ قاعدة الإرهاب العالمي وفق التصور الغربي ، واستبداله بحكومة موالية للغرب ، أهم مافيها أنها ليس لديها أي تحفظ على زعامة أمريكا ومن وراءها دول حلف شمال الأطلسي للنظام العالمي الجديد ، ثم السماح بتغيرات جذرية سياسية وثقافية في الأمة الأفغانية ، تشمل إزالة نظام الشريعة الإسلامية ، وإطلاق الحريات والتي منها حرية المرأة الأفغانية وفق الرؤية الغربية ، والسماح بالتعددية الثقافية والسياسية ، والاقتصاد الحر ، وفق الديمقراطية الغربية ، والهدف البعيد هو الوصول إلى مكامن الطاقة الجديدة هناك ، حول منطقة بحر قزوين .
والسؤال الأكبر هنـــا والذي من حق شعوب الجنوب ـ وليس المسلمون فقط ـ أن تطرحه وهي ترى أساطيل الزعماء العالميين تجوب الأرض بحثا عن المتمردين عن النظام العالمي الذي تتزعمه ، هو : هل هذا النظام يقوم على مبدأ الحقوق ـ حتى لو كانت وفق التصور الغربي للحقوق ـ أم المصالح ، بمعنى هل استراتيجية هذا النظام في العالم قائمة على حفظ التوازن العالمي بمنح جميع الشعوب حقوقها ، وأخذ زعامة هذا النظام حقها أيضا ، ونعني بالحقوق حق الشعوب في الحرية ، الحرية الثقافية بما يشمل أخذ الدول الإسلامية بنظام الشريعة الإسلامية ، والحرية السياسية والاقتصادية ... الخ ، وحرية الاستئثار بثرواتها دون ضغوط أو حيل للتضييق عليها ، كما يفعل الغرب تحت شعار العولمة أو باختلاق الحروب وجعلها ذريعة للتدخل ، أم هي قائمة على ترجيح مصالح الزعماء الأقوياء في العالم ، على حساب حقوق الضعفاء ؟؟
المشكلة العويصة التي يواجهها النظام العالمي الآن ، هي أن أحدا غير زعامته لا يرى فيه إلا انه قائم على تحقيق مصالح الأقوياء ، ولو ذهبت حقوق الضعفاء في (ستين داهية ) وهذا هو مولد العنف الرئيسي في العالم ، مما يدل على أن المشكلة التي يسميها التحالف الغربي بالإرهاب ، هو الذي يصنعها بنفسه في العالم كله .
ولنضرب على هذا مثالا واضحا ، فسبب دعم باكستان لطالبان طيلة السنوات الماضية ، هي المشكلة الكشميرية ، فنزاع الهند وباكستان على كشمير المحتلة ، ألجأ باكستان إلى دعم حركة طالبان لتكون أفغانستان عمقا استراتيجيا يمدها بالدعم السياسي ويأمن لها توازنا مع الهند ، كما تمدها بالمجاهدين ، وقد اضطرت باكستان لذلك ، لأنها لم تجد أذنا صاغية من زعامة النظام العالمي المنحازة إلى الهند من أجل مصالحها وخوفا من تمدد باكستان المسلمة ، وهي الزعامة الغربية نفسها التي أوجدت المشكلة الكشميرية عندما كانت بريطانيا هي قلب النظام العالمي ، وأبقت هذه المشكلة مفتوحة لمصالح مستقبلية ، كما زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين ودعمته وأبقته مشكلة مفتوحة تولد العنف.
ومن جهة أخرى ـ ومن المنظور الغربي نفسه ـ فإن أصل المشكلة الأفغانية كان بسب بسبب الحرب الباردة بين قطبي النظام العالمي السابق ، فقد حاربت أمريكا الاتحاد السوفيتي هناك لتستأثر بزعامة النظام لوحدها ، وبذلك هي التي حولت أفغانستان إلى ساحة صراع بين زعامات العالم فتحول ذلك البلد إلى بركان من العنف لاينتهي ، وهي في ذلك نفس مشكلة فلسطين ، إنهما ليستا سوى آثار أخطاء ارتكبها زعماء النظام العالمي في صراعاته وأطماعه ، سواء العهد البريطاني الاستعماري ، والحرب الباردة و النظام الجديد ، هي نفايات الغرب السياسية في العالم ، أشبه بالنفايات النووية التي كانت الدول الغربية النووية تلقيها بعيدا في بحار جنوب الأرض إذ كانوا غافلين ،ثم بعد مدة من الزمان تعاني منها الشعوب المغلوب على أمرها ، وهي أشبه بما خلفته العولمة وراءها في ماليزيا من تدمير لاقتصادها بعدما دخل المنافسة الدولية على سبيل المثال ، إنهم هم الذين يخلفون وراءهم بسبب صراعاتهم السياسية ، وأطماعهم الاقتصادية ، يخلفون وراءهم الدمار والعنف والإرهاب وفق تعريفهم له ، إنهم هم الذين جعلوا العالم الإسلامي الضحية ، عندما تركوه ساحة تولد العنف ، ثم يوجهون له الاتهام ، وهم الآن يعيدون الكرة من جديد .
أو قل هي آثار بناء النظام العالمي على المصالح فقط لتحقيق تفوق زعماءه ، وحصولهم على حصة الأسد ، وليس على الحقوق ، هذه هي الحقيقة التي تختفي وراء شعار الحرية الدائمة ، فهل كان التحالف الغربي الذي استفرد بزعامة النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة إلى صفعة مهولة مثل التي حدثت 11/9 لكي يفيق ، فيبحث عن حقوق الضعفاء ، أم سيجعلوننا نتبع سرابا آخر يخدرنا مثل مدريد وأوسلو ، حتى يأتي فصل جديد من صراعاتهم ، أم هل ستهب رياح تغيير حقيقة هذه المرة ؟؟ .