يا أيهـــــا الإرهابيــــــّــــــون اتحــــــــــــــدوا
حامد بن عبدالله العلــــــــــي
تعالوا معي نرجع عبر التاريخ ، ولنتخيل أننا تحت تأثير آلــة ترجع بمن يركبها إلى الماضـــــــي ، فألقت بنا إلى لحظات مما مضى من تاريخنـــــا ، وأننا نعيش الآن في أوائل القرن الماضي ، نستنشق عبق أصالتــه في أزقة يافا ، فلها حضور أخـّـاذ ساحــــر على النفس والروح ، في شتاءها الجميل ، وقد ألقت الشمس بضوءها على أرضها الخضراء المباركة ، في رونق بديع ، يملأ العين بهجة ، والقلب روعـــــة .
لكــن هذا الحلم الجميل ، وهذه الروعة ، ما لبثت حتى انقلبت إرتياعا ، فقد أفضت بنا هذه الآلـــــــة إلى حدث غــــــــــريب :
المكان : يافـــــا
الزمان : 16 نوفمبر 1918م
الحدث : حفلة عيد احتلال الجيش البريطاني للمدينة
يقف الشيخ راغب أبو السعود الدجاني قاضي حيفا ، فيلقي خطابا يضمنه الشكر والثناء العاطر على دولة بريطانيا وجيشها المظفر منقذ البـــــــــــلاد !!
ثم يقف الشيخ يعقوب البخاري شيخ الزاوية النقشبندية في القدس ، ويهدي إلى قائد القوات البريطانية المحتلة " طبقا صينيا " ثمينا ، وينشد هذين البيتين :
إلى القائد الأعلى اللنبي بعثتها ** هدية حب وهي صحن من الصيني
بعثت بها ذكرى لآثاره الـتي ** يدونها التاريخ أحسـن تــدويني
ثم نقلتنا الآلة فجأة إلى قبل ذلك بعام في القدس :
المكان : القدس
الزمان : ديسمبر 1917م
الحدث : في هذه السنة تطلق بريطانيا وعد بلفور ، واللنبي يلقي خطابا في أهل القدس إثر احتلالها في ديسمبر 1917م ، فيخرج المفتي كامل الحسيني غاضبا قبل نهاية الحفل ، ويتبعه الكثيرون ، لأن اللنبي حدث في خطابه عـــن الحروب الصليبية في القرون الوسطى منهيا كلمته بقوله" "واليوم انتهت الحروب الصليبية " .
ثم إلى بعد ذلك وفي عام 1920م
المكان : القدس
الزمان : 4 ابريل 1920م
الحدث : الحاج أمين الحسيني وعدد من الزعماء الفلسطينيين يلهبون المشاعر في خطب حماسية في مؤتمــــر " موسم النبي موسى " ، ويقوم أحد اليهود بتلويث أحد الأعلام الإسلامية ، فيهاجمه المشاركون في المؤتمر ، وتنطلق أول انتفاضة فلسطينية .
ثم بعد ذلك بعام
المكان : القدس
الزمان : يونيو 1921م
الحدث : هربرت صموئيل المندوب السامي يرسل إلى وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل يحذره فيه أن مشايخ وعلماء المسلمين سيقدمون على أخذ زمام المبادرة والحلول محل السياسيين في قيادة التحريض والثورة ضد الحكومة ، إذا لم تتدخل بريطانيا ، لمنع أن يأخذ علماء الإسلام زمام المبادرة في قيادة الجماهير إلى الجهاد .
ثم ألقت بنا إلى العــــــــراق فشهدنا أثناء ذلك :
القوات البريطانية تحتل العراق منطلقة من الكويت والخليج .
المكان : الفلوجة
الزمان : 1920 م
الحدث : الشيخ ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع ووالد الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين ، يقتل القائد الإنجليزي .
ثم تشتعل الثورة على الإنجليـــــز.
ثم نفيق ونقفز إلى نحـــــو ثمانين عاما بعد هذه الأحداث ونرى واقعنا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشتعل الانتفاضة المباركة بعد تلويث شارون للحرم القدسي .
الرئيس الأمريكي يعلن الحرب الصليبية .
ويحتل العراق من الكويت والخليج .
يهلل مشايخ ومفتون لأمريكا المنقذة ، ويصفون من يجاهدها بالإرهاب.
يخرج الرئيس بوش فجـــأة فيتحدث في مؤتمره الصحافي بعد مباحثاته مع شارون ـ الذي وصفــه بوش بأنه رجل سلام وأنه يتعجب كيف لم يشكره العالم حتى الآن على إنجازاته العظيمة !! ـ عن إنكار حق العودة للاجئين وإنكار مرجعية حدود 67 كأساس للتسوية في الشرق الأوسط ، ومباركته إبقاء المستوطنات في الضفة الغربية .
ملقيا بذلك ، ليس فقط بخارطته هو شخصيا المسماة خارطة الطريق ، وليس فقط بحزمة من القرارات اليائسة ، للأمم المتحدة البائسة ، التي طالما شكلت أساسا للمفاوضات الكاذبة ، 242 ، 338 ، 194 ، 181 ، بل وبكل مؤتمرات وقرارات السلام المزعوم طيلة عقود من الزيف والخداع ، ويطلق المراقبون على ما قاله بوش بأنه وعد بلفور الثاني.
وتشتعل الفلوجة مرة أخرى ضد الإحتلال الأمريكي .
التاريخ يعيد نفســــــه ، حذو القذة بالقذة .
لكن ثمة فــــــرق واحــــــد هذه المرة .
نهوض الأمة في وجه الصهيوصليبية العالمية ، تقوده راية الجهاد العالمي هذه المرة ، راية محمد صلى الله عليه وسلم المظفرة المنصورة .
والشهداء يشيّدون بدماءهم تيجان المجد من نور العزة ، بشعار الله أكبر .
ومنذ سقوط الخلافة ، لم تنهض راية جهادية عالمية ، مستبصرة بنور الوحي ، منتشرة في العالم الإسلامي ، لا تبتغي سوى نصر هذا الدين ، مثل هذا الجهاد المبارك المنتشر في بلاد الإسلام .
ولهذا فإنّا مستبشرون بنصر الله تعالى لهذه الراية المباركة ، لأنها قامت لله تعالى، وبالله تعالى ، وعلى الله ، في وقت تكالبت عليها قوى الشـــــر كله ، يقودها اليهود الذين وعد الله تعالى أن يعود عليهم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا عادوا إلى العلو والفساد في الأرض ، وقد عادوا فعدنــــــــــــــــا ،
عدنا بهذه الراية الجهادية المباركة التي لا يضرها من خالفها ، ولا من خذلها ، بل هي ماضية يفتح الله تعالى عليها ، ويلقي في قلوب حملتها الصبر والثبات ، وفي قلوب أعداءها الرعب والخوف ، ولا يزيد أمرها إلا عزا ، ولا أمر عدو الإسلام المتربص بها إلا خذلانا وعمى والحمد لله .
فيا أخوتاه لنشكـــر لله تعالى على هذه النعمة التي فتح الله تعالى بهــا على أمة الإسلام ، أن مكنها من الجهاد ، وأذن لها به ، وألبسها لامته ، وأعزّها به ، ولنمرغ وجوهنا بالتراب متضرعين إلى الله تعالى أن يبقي هذه الراية خفاقة ، ويجعلنا في جنودها ، وأن يجعل عاقبتها النصر والفتح المبين ، لأنها راية الحق التي بها ينصر الدين ، لا من أجلنا ، فلسنا لذلك بأهل فنحن الخطاؤون المقصـّــــــــــرون .
ولنتذكر قصة الإمام المجاهد نور الدين زنكي ، عندما التقت قواته في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، فانفرد نور الدين رحمه الله تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: "يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط؟" .
يقول أبو شامة: "يشير نور الدين هنا إلى أنك يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر، و بلغني ـ يعني أبو شامة ـ أنه قال: اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود حتي ينصر؟"
وحكى أبو شامة قائلاً: "وبلغني أن إماماً لنور الدين رأى ليلة رحيل الفرنج عن دمياط في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة، فقال: يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال : قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت : يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟".
قال فبهت ونزلت إلى المسجد، وكان من عادة نور الدين أنه كان ينزل إليه بغلس، ولا يزال يتركع فيه حتى يصلي الصبح، قال فتعرضت له فسألني عن أمري، فأخبرته بالمنام وذكرت له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: أذكر العلامة كلها و ألح علي في ذلك، فقلتها، فبكى ـ رحمه الله ـ وصدق الرؤيا، فأرخت تلك الليلة، فجاء الخبر برحيل الفرنج بعد ذلك في تلك الليلة" مختصر كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة،140
ويا أيها الإرهابيّون بحقّ ، المجاهدون في سبيل الله ، اعتصموا بالله تعالى ، واصبروا على الدرب ، وا تحدوا تحت هذه الراية ، لاتختلفوا فتختلف قلوبكم ، وأرهبوا بهـــــــا كما أمركم الله تعالى أعداء الإسلام ، وافتحـــــوا عليهم بهــا نيران الغضب ، وبراكين العذاب : " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " .
وأبشروا يا أهل الجهاد ، فوالله لن تكون عاقبة هذا الجهاد إلا خيرا ورشدا على أمة الإسلام ، ووالله ما يحاربه إلاّ من أخلد إلى الأرض ، أو غره تقلب الذين كفرو في البلاد ، وقد قال تعالىعنهم : " وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ " .