العلاقة بين الإتفاقية الأمنيّة في العراق
ومؤتمـر مكة
حامد بن عبدالله العلي
،
لم يأت التزامـن بين الضغـط الأمريكي لتمريـر الإتفاقية الأمنية التي تريد أمريكا توقيعها مع "حكومتها " فـي بغداد ، والحوار المسمّى (حوار الأديان) في مكّـة ، وهو كما ذكرنا سابقا ، ليس سوى واجهة ( ديكور ) لتمرير مشروع تنصيري ضخم ، وآخر تخريبي للهويـّة ، يخدمان المشروع الإستعماري الصهيوأمريكي ، لم يأت هذا التزامـن عبثـا ، ولا خبط عشواء.
كما لـم يكن تنديد رفسنجاني في ذلك المؤتمر ـ متزامنا مع صمت المنظومة الدينية الرسمية في البلد المستضيف عن قضايا الأمّة كالعادة ـ بالإتفاقية الأمنية الأمريكية ، وبالمخطط الصهيوأمريكي ، ومطالبته بفك الحصار عـن غــزة ، وإنقاذ العــراق ، لـم يكن ـ أيضا ـ عبثا ، ولا خبط عشواء ، كان مكْرا فارسيّا معهـودا ، يدّعي فيه ما هـو ليس أهـلا لـه.
أمّـا الحوار بين علماء الإسلام ، وأهل الأديان الباطلة ، فليس جديدا ، فلم يـزل قائما منذ بدء الخليقـة ، ونتائجه لم تزل في صالح الإسلام والحمد لله ، وعلماءُ الأمـة ما زالوا قائمين بواجبهم فيه ، منطلقين من هداية القرآن ، لا من توجيهـات الأمريكان !
أمـا الجديــد فهو أنَّـه في آخر هذه السنة الميلادية 31 ديسمبر 2008م ، سينتهي تفويض قرار دولي ينظـّم وجود الإحتلال الأمريكي في العراق ، وتريد أمريكا أن تبرم إتفاقية أمنية تبقــي قواتهــا بصورة دائمة في العراق ، منتشرة ضمـن 50 قاعدة عسكـرية ، في طول البلاد ، وعرضها ، وتمنحها الهيمنة الكاملة على الأجواء ، والبـر ، والبحـر ، كما تطلق يديهـا بإعتقال أيّ عراقي تراه يهدد أمن مشروعها ،وتحـصِّن الجنود الأمريكيين من الخضـوع للقانون المحلي في حالة إرتكابهم أي جرائم أو مخالفات جنائية في العراق، إضافـة إلى بنود أخرى كلها تجسّـد الهيمنة الإستعمارية في أجلى صورها .
ويتحـدّث المراقبون عن مبالغ طائلة عرضتها الإدارة الأمريكية لنواب في البرلمان العراقـي تصل إلى 300 مليون دولار ، لتمريـر هذه الإتفاقية الإستعمارية ، إضافة إلى إبتزاز سياسي بفضـح سرقات ضخمة تورط بها ساسة ونواب آخرون ، إذا ما عارضوهـا!
ولاريب أن الإدارة الأمريكية لم تكن قط في مأزق يماثل ما هي فيه ، مما يجعل هذه الإتفاقية الأمنية بالنسبة إليها مسألة بالغة الأهمية ، فهي تحدد ، كما تهدد ، مستقبل مشروعها ، والذي يهدف إلى إعادة رسم كـلَّ المنطقة ، بما فيها ثقافتها ، وهويتها ، وفـق المخطط الصهيوني ، إنـطلاقا من العـراق .
لاسيمـا ، وأنّ النظام الإيراني ، الذي غـدا المنافس الأخطر لها اليوم ، والحائـز على النصيب الأوفـر من المكاسب ، منذ إنطلاق ما يسمى بالحرب على الإرهاب ، قد توسَّع نفوذه في المنطـقة بمـا لـم يكن يحـلم بـه من قبل ، وسينـال بمجـرد خلـوّ العراق من النفوذ الأمريكي ، طفـرة إنتصارية تاريخية هائلـة ، ستجعل الأمر يبدو وكأنـّه إعادة لإنتصارات الإمبراطورية الفارسية على الرومان قبل ألفـي عام.
ولهذا لايخفى الإرتباط الواضح بين إرتفاع وتيرة التهديدات المتبادلة بين إيران ، وبين الكيان الصهيوني وواشنطن ، هذه الأيـام ، بينما أجـواء العراق ملبّدة بعاصفـة الإتفاقية ، حتى حملـت المالكي فألقته بين يدي حكَّام طهـران التي تضع كلَّ ثقلها لإفشـال الإتفاقيـة.
وهذا كلّـه يعني أن المنطـقة تمـرّ بمحـور تاريخي في غاية الخطـورة ، فالولايات المتحدة الأمريكية ، ستطوي فترة حكم رئيس حصد أكبـر قدر من السمعة السيئة لأمريكا ، كما جمـع أعظم رصيـد من الكوارث عليها ، فحصـل على أدنى مستوى من الشعـبية بلغها رئيس أمريكي سابق .
وسواء نجح الديمقراطيون ، أو الجمهوريون ، فالتركة المثقلـة بالأزمات التي خلفتـها إدارة بوش ، تظهـر في صورة وجبـة شهيـّـة لكل منافسي أمريكا على المشهد العالمـي ، وعلى رأسهم إيران ، والصين .
وقـد علم قادة الأمـم الحيـّة أن في التاريخ فـرصا لاتتكرر ، وأن اهتبالها قـد يأتي بطفرات ترقى بإمبراطوريات ، وتحـطّ بأخرى ، ولهذا وجـد النظام الإيراني نفسه أمام هذه الفرصة التاريخية ، فقـرر أن يطـرح نفسه بديلا حضاريا ، يجعل قضايا الأمّـة وقودا يحرقه في مشروعه الإمبراطوري الساساني.
فأخـذ يصنـع تاريخه التوسعي ، لينافس فيه صنـاعة الغرب تاريخـه الإستعماري الجديد ، وهو يرى ـ أعني النظام في إيران ـ أنـَّه إن عُدم الغنـيمة الكاملـة بهزيمة أمريكا ، لم يعـدم تقاسمه معها المكاسب على حساب أمّتـنا .
هذا هو المشهـد الماثـل لكلّ من يتراءَى مستقبل المنطقة ، قـد وقفت فيه أطراف الصراع ، مواقف تمليها عليه مسؤوليتها أمام شعوبها ، وإحترامها لرسالتها الحضارية ، فقبلت التحـدِّي العالمي .
وهاهـي قـد وقفت هذه الأيام وجهـا لوجه ، أمام هذه الإتفاقيـة الإستعمارية ، التي سيكون لها ما بعدها في تاريخ أمتـنا .
بينما اختـار السائرون وراء خدعـة "حوار الأديان " ، أخـس الحظوظ ، فاختاروا الإفلاس من أي مشروع حضاري منافس ، فضلا عن رسالـة أمّـة تأبـى إلاّ الإنتصار الماجـد ، ورضوا بمهمّة الببغاء التي تردد ما يريده ساسة المشروع الغربي ، يكرِّرون بذلك ، ما فعله أسلافهم إبـّان الإستعمـار الماضي ، ويقعون في نفس الشَـرَك !
ولاريب أنَّ لهـذه الإنتكاسـة الحضارية الذي تمـرّ بها الأمة رمـوزَ خِـزْيٍ تصنعهـا ، سيذكرها التاريخ بما يليق بها من السـوء ، ووصمة العار
كما سيذكر رموز ثقافة المقاومـة بما يليق بها من التمجيـد ، والإعـزاز ، والتشـريف.
كما أنَّ لهـا أسبابـا كثـيرة ، أهمُّـها فساد النظام السياسي ، وإنحطاط دور العلماء ، وهذا الثاني ثمـرة الأوَّل أيضـا ، ثم كان من ثمـرات فساد هذيـن ، الثقافـة الإنهزامية المنتشرة في الأمّـة ، والتي أوجـدت هذه الهياكل البشرية الخاوية ، المنتشـرة في مواضع الإقتداء ، فلم يكونوا لذلك أهـل ، إذْ تحولوا إلى جسـور للمشروع الصهيوأمريكي ، يزيّنـون للناس باطله ، ويزيـّفون على الأمـة رسالتها .
ومعلوم أن صلاح الناس بصلاح الأمراء ، والعلماء ، قادة الراية ، وقادة الرأي ، ولهذا قال تعالى ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) ، وقال ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .
وقال أئمة الدين : كما قال أبو بكر الصديق فيما رواه البخارى فى صحيحه للمرأة الاحمسية ، لما سألته فقالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح، قال : ما استقامت لكم أئمتكم ، وفى الأثر : صنفان إذا صلحوا صلح الناس العلماء ، والأمراء أهل الكتاب ، وأهل الحديد.
ولهــذا ، فلا يستـغرب أن تخلو الأمـَّة ، مع هذا الفساد في ركنيها ، من مؤتمرات العـزَّة التي تبحــث سبـل نهضـة الأمّـة ، ووسائل مواجهـة خطر المشاريع الإجنبية التي وصفها الله تعالى بقوله ( ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) ، وتقف مع قضايا الأمـة موقف البصيـر بمخططات أعداءها ، المؤازر لها في محنتهـا .
بدل المؤتـمرات الملحـقـة بالمشروع الغـربي.
هذا ونسأل الله تعالى أن يفشـل المشروع الأمريكي ، ويسقط هذه الإتفاقية الإستعمارية ، ويرد هؤلاء الشياطين على أعقابهم ينكصون ، وأن يعلي مجـد المجاهدين ، ويرفع رايـة معسـكر المقاومـة ، ويجعل العاقبـة للإسلام والمسلمين آمين. الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 07/06/2008 عدد القراء: 12242
أضف تعليقك على الموضوع
|