الربيع العربي كابوس المشروع الصفوي!!
حامد بن عبدالله العلي
يقتات النظام العنصري في طهران _ الآيل للسقوط قريبا _ في تهديده للأمّة الإسلامية ، لا على قوّته الذاتية ، بل على ثلاثة أمور :
أحدها : سياسة إدارة الأزمات المفضّـلة للغـرب في المنطقة ليبقيها في دوامة صراع ، إثر صراع ، يشغلها عن التحرُّر ، فالنهوض ، ولهذا كان الغرب دائما يريد إبقاء إيران بقـدْرٍ من القوّة _ بشرط أن لاتصل إلى النووي _ لكي تبقى جزءاً من تلك السياسة.
والثاني : غياب إرادة الأمـّة ، ذلك الغيـاب الذي أوهنها ، وأضاع مقدّراتها ، بسبب أنظمة الاستبداد ، والطغيان التي حوّلت أوطانها إلى ممتلكات خاصّة ، والشعوب إلى عبيد ، والإمكانات إلى سُخـرة لأطماع الأجنبيّ .
والثالث : تفرُّق الدول العربية ، واختلافها فيما بينها ، في مقابل وحدة المشروع الصفوي الإيراني ، وقد قيل : القوّة غير المنظّمة ضعف ، والضعف المنظّم قوّة ! فكيف إذا كان ضعفاً غير منظّم ؟!
ولنضرب على هذا مثالاً في غاية الوضوح فإنّه لولا هذا التفرّق العربي ، لم يمكن لإيران اغتنام الحماقة الأمريكية باحتلال العراق ، فتحويله إلى إيران الصغرى ، فحصلت إيران على هديّة مجانيّة لم تكن تحلم بها ! كادت أن تمـدَّ الهلال الصفوي إلى لبنان في أقلّ من عقد من الزمان !
ونحمد الله تعالى أنه لولاهُ سبحانه ، ثم الثورة السورية المباركة ، فقد أوشـك الهلال أن يـتمّ (بسوريا إيرانية) جديدة تُقطع الصلةُ بانتمائها الإسلامي مع مرور الزمن في برنامج تهجير ، وتطهير ، وتحويل ثقافي متدرّج يطمس الهوية !
لهذه الأسباب كلّها : وقف النظام الإيراني موقف الدهشة الممزوجة بالخوف ، بل الرعب ، منذ انطلاق الربيع العربي ، وقد تجلى هذا بتصريحات دمية إيران بالعراق المالكي يوم أمس وهو يثير الرعب من الربيع العربي ، محذرا من إستمراره ، كما يلاحظ كلُّ من يتابع القنوات السورية الرسمية الحرب الإعلاميّة على الربيع العربي بوضوح ، وأمّا إيران فتلعب بالوجهين كعادتهـا!
وقف موقف الدهشة و الرعب ، لأنـّه.. أولاً : نهوض الشعوب العربية ،سيخرجها عن ربقة السياسة الغربية ، وعبثها في منطقتها ، وعندما تحرّر من هذه السياسة ، فستدرك _ أيضا _ الخطر الذي يتهدّد هويتها الإسلامية ، والعروبيّة ، من هذا العدوّ الصفوي الحاقد على كلّ ما يمت إلى الإسلام والعروبة بصلـة .
وثانيا : يخشى الإيرانيون أن يعيد الربيع العربي معاقـد القوّة للأمّـة ، لاسيما في مصر ، والخليج ، والشام ، فيشكّل هذا الإتحاد العربي الكبيـر ، مع أخيـه التركي السنّي العثماني ، عملاقا ممتدّ القامة إلى عنان السماء ، يبدو المشـروع الإيراني أمامه كفأرٍ صغير أمام جُحرِهِ المتهالك !
ثم بسهولة يمكن لهذا العملاق الإسلامي العربي مع أخيه التركي ، أن يعيدَ العراق _ الذي يتعرّض الآن لمخطّط في غاية الخطورة لمسخ هويته الإسلاميّة ، والعربيّة _ أن يعيـدَهُ إلى حضن أمّته ، وأن يطفئ نار فتنة شيطان لبنان ، وحزبه .
وسيكون بعد ذلك مسألة وقت تحرير الشعب الإيراني نفسه من هذه الطغمة المجرمة التي تسلّطت عليه بالظلم ، والطغيان ، ثمّ على الأمة الإسلامية بالأذى ، والعدوان .
.
وأما تحرير فلسطين فسيكون قضية بيد أمـّةٍ أمينـةٍ عليها ، لا أوراق سياسية تلعب بها إيران ، لتمدّ نفوذها ، وتحقّق أطماعها ، وتحارب أمّتنا بها بمكر ، وخبث !
.
وثالثا : يخشى النظام الحاكم في إيران أن يضطلع العالم العربي _ في ظلّ ربيعه _ بمشروع نهضة سياسي ، وثقافي ، واجتماعي ، يحوّل أنظار شعوبه عن المشروع الصفوي المتباهي بأنّه الوحيد الذي يملك هذا المشروع ، وبقية الأنظمة تعيش لتسرق ، وتعبث بالملذّات !
إذ يطمس نورُ شمسِ الحضارة الإسلامية السنّية العربيّة الناهضة بكلّ ما في مخزونهـا من إرث إنجازات هذه الحضارة العالمية الإمبراطورية ، يطمس نار المجوس فتنضوي ، وتخمـد !
ولقد مضى وقتٌ حاول فيه نظام الطغيان في طهران _ مُلقيـاً بالعيب على من حوله من الأنظمة العربية المتخلفة ! _ أنّ يظهر بمظهر النظام الوحيد في المنطقة المتطوّر عنها ، والذي يمتلك نظاما سياسيا يُشرك الشعـب ، ويحاسب السلطة ، ويمنح المواطن حقوقه !
كما عاش حينـا يجيـد النفـاق بأنّه يحمل وحده على كاهله قضية الأمـّة المركزية في فلسطين ، صامـداً في مواجهة المخطّطات الإمبرياليّة والصهيونيّة ، داعما المقاومة ، أو ما يسمّيه الممانعة !
غير أنـّهُ لم يمضِ وقتٌ طويل ، حتى انكشفت سوأتـُه ، وبانت عورتـُه ، وانفضح حالُه ، بدأً من تبجّحه بتمكين ( الإمبرالية ) من احتلال أفغانستان ، ثم تآمره المكشوف معها على العراق ، حتى دخلت دبابات الإمبرالية بفتوى خمينيهِ الصغير في النجف : (السيستاني) ، وبدلالة جيوبه الإيرانية التي كانت تسير بين يدي جيش بوش تدلُّه على هدم العـراق ، كما دلّ أبو رغال أبرهة على هدم الكعبة !
وأيمُ الله لو كان الأمر بيدي ، وأدركت عراقنا المحـرّر ، لأجعلنّ قبراً يرمز إلى الخونة الذين جاؤوا مع المحتلّ ، فيُرمى ، كما رمت العربُ قبرَ أبي رغال ،
ثـمّ .. على حدّ قول ربيعة بن عامر :
ونرجمُ قبرَه في كلّ عامٍ ** كرجْمِ النّاس قبرَ أبي رِغالِ
هذا .. وأمـّا تعاونه مع الموساد الصهيوني لملاحقة عقول العراق ، فاغتيالها ، وتفكيك خبراته العلمية التي بناها عبر عقود ، فقد أزكمت رائحة هذه الفضيحة الأنوف !
وانتهاءً بما نراه كلّ يوم ، من إجرامه الذي لايوصف بشاعةً في الشعب السوري ، يسفك دماء الأبرياء ، ويذبح الأطفال ، والنسـاء ، ويهدم البيوت ، ويدمـّر المدن ، ويشرّد الملايين ، ويعيث في الأرض فسادا ، ولا يبالي لو أبـاد كلّ السوريين من أجل الحفاظ على احتلاله لسوريا !
نعم.. لقـد بان نفاقه ، وتهاوت شعاراته الزائفة ، وغـدا يمشي بين الناس عارياً ، لاتخفى منه خافية .
وتأمّلوا معي كيف أنّ الربيع العربي هو الذي أهدى هذه الثورة المباركة للشعب السوري ،
أهداها الثورة جذوةً متّقـدة ، فاشتعلت في الشام ناراً ، ثم ما لبثت حتى صارت إعصارا ،
ولاجَـرَم .. إذْ كلُّ شيءٍ يدخل الشام تتضاعف بركُتُه ، أضعافا مضاعفة ، كما قال تعالى عن قـراه : ( التي باركنا فيها ) .
فكان انكشاف نفاق المشروع الصفوي _ إذن _ ووضْع العصا في دولاب مخطّطِهِ الخبيث ، أوّل بركات هذا الربيع ، وباكورة ثماره اليانعة .
وأما دعوى النظام المجرم في طهران السبْقَ بنظامه السياسي ، فإنّ الربيع العربي الذي ضرب أروع الأمثلة في تجسيد سلطة الأمة واقعا حقيقيا لازائفا _ كما في طهران _ قد أظهر تلك الدعوى على حقيقتها ، وأزال المساحيق عن وجهها القبيح .
وذلك عندما قارنت الشعوب بين نظام يدّعي إشراك الشعب ، بينمـا هـو ينصـب على رأس هذا النظـام مرشدا لايُردُّ لـه قـول ! يزعم أنـّه يتلقى مباشرة من شخصية معصومة غائبة ، ديكتاتورا معمّما ! يحكم بإسـم الدين ، فمـن خالفـه ، فقد خان الله !!
ولهذا عندما خاف على سلطته المطلقة ، زوّر الإنتخابات ! فقامت ثورة الشعب الإيراني الخضراء عام 2009م ، فقُمعت قمعا لم تعرف حتـّى الأنظمة الوحشية مثله في البشاعـة !
بين هذا الواقع المزيف للنظام الإيراني في طهران ، وبين أنظمة الربيع العربي السياسية التي تسخـر من خرافة : (المرشد النائب عن المعصوم) ، ( الحاكم بأمر الله ) !
بل تحترم إرادة الشعب ، وتجعل كلمتها فوق الأشخاص مهما كان قدرهم !
والمقصـود أنّ الربيع العربي لن يكتمل _ بإذن الله _ حتى يعيد الأمة إلى مكانتها العالمية ، ورسالتها الحضارية ، وقوتها الدولية ، فلا يبقى لأيّ مشروع آخر مكانٌ هنا ، هذا لو كان مشروعا صديقا ، فكيف إذا كان عدوَّا ؟!
ولقد ذكرت مرّات عديدة أنْ كأنّ الله تعالى أبى إلاّ أن يجعل هذه النهضة التي بدأت بالربيع العربي تنتبـه لعدوِّها الأخطر في طهران ، فأظهر حقدَ هؤلاء الخونة فيما يقترفونه في الشعب السوي ، حتى رأت الأمـّة بأسرها مدى هذا الحـقد الأسـود المربادّ ، فأغناها ذلك عن كلّ درس !
ذلك أنه لن يُكتب لهذه الأمة نهوضٌ عالميُّ ، وهذه الزمرة المجوسيّة المجرمة الخائنة لهذه الحضارة الإسلامية تعدُّ خناجرها لتطعنَ الأمـّة في ظهرها في أحلك الأوقات ، كما كانت تفعل في ماضيها الأغبـر في دولتها الصفوية ، إذ أعملت معاول الخيانة في الخلافة الإسلامية العثمانية .
ولنختم هذا المقال بمثالٍ خليجيّ موضّحٌ لمقاصد الكلام ، ذلك أنّه لايختلف عاقلان لو كان لشعوب الخليج أنظمة سياسية متطوّرة تُشرك إرادة الشعوب ، مفعّلة لطاقاتها ، حافظة لثرواتها عن الفساد ، لاختارت الشعوب هنـا _ في ضمن مشروع ارتقاء شامل للشعوب يخلّصها من كلّ أمراض الأنظمة المستبدّة المتخلّفة _ أن يكون لديها إتحادٌ بجيشٍ يضاهي الجيش التركي بل يتفوّق عليه ، فلا تطمع بل لاتفكّـر إيران أن تتحرّش بهـا !
بلْ كانت سترفض أصلاً احتلال العراق ، كما رفض البرلمان التركي 2003 م عبور القوات الأمريكية من تركيا ! فترتاح من كلّ هذه التداعيات الكارثية التي تسبب بها وقوع العراق في براثن الغدر الإيراني !
ثـم سيحدث أبعـد من ذلك ، فسيكون الخليج القويّ المتحدّ الذي تتمثل فيه إرادة شعوبه ، عونا للشعب الإيراني لإطلاق ربيعِهِ ، ومأوىً لشرفاء إيـران للخلاص من نظامـه المجرم !
هذا .. ومهما ذكرنا من الأمثلة على البركات التي ستتنزّل لو صارت لشعوبنا إرادتها لتحقّق أحلامها ، فلن نحصيها ، ذلك أنّ هذه الأمة تحمل بين جنباتها ينابيع خير لاتنضب ،
كيف لا ؟! والله تعالى هو الذي زكّاها بوحيه المقدس قائلا : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) .
فما علينا سوى أن نرفع عنها كابوس الطغيان ، ونردّ الأمر إليها لتختار ، فستبهر العالـم حينئذ بأنـوار التألـّق الحضاري لاختياراتها العظيمـة ، وما سيتفجّـر من هذه الأمة المباركة الخالـدة ، من خيرٍ ، وبركات ، وإشعاع على الدنيـا بأسـرها.
والله حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكـّل المتوكـّلون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 28/09/2012 عدد القراء: 77304
أضف تعليقك على الموضوع
|