حصاد الأنـام في الخروج على الحكّام
حامد بن عبدالله العلي
أوَّل حصاد الثورات المباركة ، وهـو أعظمها بركة على الأمـّة ، أنَّ خدعـة مصطلح ( الحرب على الإرهاب ) ، ذلك السيف الذي دُقَّ عليه الصليب ! وكان مسلَّطا على رقاب المسلمين ، قـد اختفى فجـأة !
لقـد تاه وسط هذا البركان المتفجـّر من غضب الشعوب على الطغـاة ، فلم يعـُد له ذكـرٌ بنهـي ، ولا أمـرٍِ ، وانفضح أمـرُ مخترعي ذلك المصطلح الزائف الذي أخفـى وراءه الحرب على أمـّة الإسلام ، بتعبيدها لأنظمة الطغيان المتحالفة مع قوى الشـرّ العالمية .
لقد كان هذا المصطلح سوطـاً يُجلـد بـه ظهـرُ الأمّـة ، كما يجُـلد العبيد ، وقيـداً ضُرب بـه على رقبتها الذلة ، والمسكنـة ،
وقد سار وراءَ سـراب وجهِهِ القبيح المزيـَّف ، قطعـانٌ عظيـمة من المخدوعين ، حتـى أُلّفـَت فيه الكتب ، ونُظّمت فيه المؤتمرات ، وأُسِّست فيه اللجان ، ووُظّفـت له هيئات الفتوى ، وتكبكب فيه من تكبكب بغيـر علم ، ولاهدى ، ولا كتاب منير،
يلوكون بألسنتهم ما يريـده الطغـاة المؤتمرون بأمر كبيـرة الطغاة أمريكا ، ويردّدون صَدى ما يُقرر في دوائـر وزارة الخارجية الأمريكية ، فوزارات الداخلية العرب الذين ها نحـن نرى مع كلِّ ثورة جرائمهم (الإرهابية) في شعوبهم !
والعجب أنَّ الشعوب العُـزَّل التي كانت تُرهَـب بهذا السَّوط ، هي التي سلطها الله فأرهبـت من كان يرهبها بأنْ سيلحقها بقوانين ( مكافحة الإرهاب ) !
فسبحان الذي جعل عاليها سافلهـا ، بين عشية وضحـاها ، وهم عن مكر الله بهـم غافلـون ، فقلبـت الشعوب المعادلة ، وكشـفت أنَّ الزعماء الطغاة الذين كان يجتمع وزراء داخليتهم كلَّ عام عند ( شين الفاجريـن ) المارق الهارب مـن العدالـة ! هم (الإرهابيون ) حقَّـا !
ثـمَّ أنزلتهم الشعوب من أبراجهم المشيـَّدة ، إلى سجون يُحاكمون فيها تحت طائلة جريمة (إرهاب) الشعوب !
( قد مكر الذين من قبلهم ، فأتى الله بنيانهم من القواعد ، فخر عليهـم السقف من فوقهـم ، وأتاهم العذاب من حيث لايشعـرون )
وكما فضحت الثورات ماوراء توظيف هذا المصطلح لحرب أمـّة الإسلام ، لاسيما حرب مجاهديها ، ودعاتها ، ومؤسساتها الخيريـة ، فضحت النفاق الغربي الذي كان يوظف هذا المصطلـح ، فبرز ذلك النفـاق عاريَ السوءة ، لاتستره حتى ورقة التوت ،
إذ تبيـَّن حجم الدعم الذي كان يقدمه الغرب المنافق لأنظمة الطغيان العربي _ على رأسها النظام المصري _ لإبقائهـا تستعبد الشعوب في مقابل أن تسمـح بتمريـر تحت خدعة ( الحرب على الإرهاب ) كـلَّ ما يقوِّض الإسلام ، ويعبـِّد أمتـه للأجنبـيّ !
فسبحان الذي بيده الأمر كلُّه ، وإليه يرجع الأمر كلُّه ، علانيته وسرُّه ، لقـد سقط كلُّ هذا المكـر من حيث لم يحتـسب أحـد ، وخرج من سجون مصر _ على سبيل المثال _ كبـار العتاة على الطغيـان ، ممن كان النظام المصري يتقرب إلى أمريكا بظلمهم !
وصار حبيب العدلي وعصابـته ، حبيب أمريكا المكافـح لـ(الإرهاب) ! الذي ضيع عمـره يعمـل لحسابها ، ويتزلف إليهـا ، صـار رهين نفس الحبس الذي سجن فيـه الدعاة ( الإرهابيين ) ليسترضي أمريكا ، ليس له من دون الله من وليِّ ولا نصـير ، ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ، بل ضلُّوا عنهم ، وذلك إفكهم ، وما كانوا يفترون ) .
أما زعيم (الإرهاب) في مصر فرعونها اللعين حسني مبارك ، الذي كان يخطـب فيما مضى متبجّحا متقرّبـا لسادته في أمريكا أنه نجح بمكافحة الإرهاب ! فقـد تبيّن للعالم أجمـع أنـه أكبر ( إرهابي) في مصـر ، وقد ألقاه الله تعالى في شـرِّ أعماله ، وتردَّى في نفس شَـرَكـِه ، فهـو يُحاكم بقانونـه ، يُدان به ، كما كان يتَّهـم الأبريـاء بـه !
ولسوف تستمر الثورات العربية ، بإذن الله ، حتى يُطـلق بهـا كلُّ المظلومين الذين زُجَّ بهم في السجون ، إرضـاءً لزعيمة الإجرام العالمـي أمريكا ومن والاها ، طيلة العقد الذي مضى ، عقد خديعة ( الحرب على الإرهـاب ) !
وثاني حصاد هذه الثورات المباركة ، هـو ممـا في الأمـر الأوّل من العبرة ، وهي كيف أنَّ شعوبنا عندما نهضت باذلـةً أرواحها للخلاص من الظلم ، كان الهجوم على الطغيان خيـرَ وسيلة للدفـاع ،
ولو أنها بقيت رهينة الإنهــزام النفسي ، واستمر المكر الغربي عليها ، يحاربها حتى في مناهج التعليـم ! تحت حجة مكافحة (الإرهاب )، لنـُزع عنها كلُّ ما ألبسها الله تعالى من لباس العـزّ بين الأمم ، ولما حققت ما حققته من الإنتصـار العظيـم ، فأصبحت بإنتصـارها اليوم لاتجرؤ أمريكا أن تملي عليها شعاراتها الزائفة !
وهذا من بركات الجهاد في سبيل الله ، كما قال تعالى عن تركـه : ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، وصدق من قال : من طلب الموت وُهبت له الحياة .
والثالـث : إندحـار فكر الإنبطاح ، وثقافـة الخنـوع ، وسقوط رموز هذه الفرقة المرجئـة الضالـّة التي انتشرت ديدانهُـا _ التي تقتات من مستنقع فكر الهزيمة _ في العقد الماضي مع إنتشـار مكاتب ألـ (سي آي إيه) في بلادنـا !
فقـد خَـرِأت عليها الشعـوب العربية ، وهي في طريقها إلى التغييـر ، ولما رجعـت الشعوب من إنتصارها على الطغـاة ، وجدتـها ولمـَّا تـزلْ في حفـرة خرائها فأكمـلت عليهـا تارة أخـرى ، حتى لايخرج هذا الفكر من هذا المستنقع أبـد الدهـر ، فهذا هو مكانه الطبيعي أصـلا ، ما كان ليغادره .
وإنما كـان قـد تصدَّر هذا الفكـر المريض بقوة السلطة الطاغية ، وبأمـر إستخباراتها الباغيـة ، فهنـاك كانت تُبلَّل وتُزيـَّن لحاهـُم النتنة في مراكز البوليس ، وتعيـَّن مناصبهم الدينية بالتنسيق بين المكاتب الأمنيّة وإبليس !
لا بقدرته على الإقنـاع بالحـجج ، ولا بما يشتمله الخطاب من قـوة المنطـق في وضوح البَلـَج.
لقد باتت الأمـَّة اليوم من شرقها إلى غربها ، لاترى ولاتسمع إلاّ عناوين العـزة : التحرُّر ، والتغيير ، والتضحية ، والشهداء ، والكرامـة ، وتحقيق العدالة ، وإسقاط الطغاة ، ومحاربة الظلم ، وعبـارات : يسقط الطـغاة ، إرحـل أيها الطاغيـة ، الشعب يريد إسقاط النظام ...إلخ
وقد ارتبطت هذه العناوين الآلقـة المشرقة بالخيـر بيوم الجمعة المبارك عيد الإسلام ، وصارت أسماءَ هذا اليوم العظيـم : جمعة التحرير ، جمعة الإصرار ، جمعة الثبات ، جمعة الشهداء ، جمعة الدماء ، جمعة الرحيل ..إلخ
لقد باتت أنشودة الشعوب العربية هي : إذا الشعب يوما أراد الحيـاة .
وليس الهتاف بحياة الزعيـم الأبـدي !
وداس الناس بأقدامهم عناوين الذلّ ، والتلبيس التي يسوِّق لها حشرات الفكر الإرجائـي : اخنعوا للسلطة وإن بغـت ! إياكم والخروج وإن استُعبدتـم ! الخروج عما ألفتموه من الذلّ للطواغيـت هو الإجرام وليس طغيانهـم ! أطيعوا ولاة أموركم مهما أجرموا بكـم ! من عصى الطاغيـة فقد عصى الله !! والمظاهرات محرمة ، والمسيرات مجرَّمـة ، والمتمرُّد على سوط الطاغية أعظم جرما من الطاغية إلـخ
وولـَّى هذا الفكـر وعناوينه البائسة ، أمـام أمواج التغييـر ، ولـَّى وله ضـراطٌ ، كما يفعل الشيطان عندما يسمع الأذان .
والرابـع : تأملوا الفرق بين مجيء الغرب الصهيوصليبي عندما جاء يزعم نشر الحرية ، وتحرير الشعوب ، واتخذ من العراق مثالا ، كيف دمـَّر البلاد ، والعباد ، وأهلك الحرث والنسـل ، ونشر الخوف ، والفقـر ، وجاء بفساد أضعاف مضاعفـة مما كان ، وصنع من الكوارث أشد بكثيـر مما في الحسبـان !
وبين قيام الشعوب العربية بالثورة ، كيف أحدثت التغيير إلى الصلاح ، وأثمـرت كلَّ النجـاح ، مع الحفاظ على الوطن ، ورعايـة ما يحتاجه الناس من الأمن ، حتى أكمـلت مشروع التغيير ، والناس جميعا تحمـد ما فعلوا ، وتشكر ما صنعـوا.
لقد أراد الله تعالى أن يدافع عن الذين آمنوا ، أعني أمـّة محمـّد صلى الله عليه وسلم ، فبعدمـا بذل الغـرب مالا يُحصى من المال ليشوِّه صورة المسلمين ، بإظهارهم في صورة الأمـّة المتوحّشـة المتخلفـّة !!
جاءت ثوراتـُنا لتثبـت للعالم أننـا نحن الأمـّة المتحضرة ، وأننـا نحـن في الحقيقة هنـا العالم الحـرّ ، كما أثبت الغرب في أفغانستان والعراق ، وبدعمه لجرائم الصهاينة في فلسطين أنـّه العالم المتخـلّف المتوحّش المجرم .
وصدق الحق سبحانه : ( إنّ الذيـن كفـروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ، ثـمّ يغلبـون ، والذين كفروا إلى جهنـم يحشـرون ) .
والخامس : أنَّ الشعوب العربية قـد نضج اليوم وعيُهـا أنه لايمكن أن يصلح حالها في ظل هذه الأنظمـة المتعفّنـة ، فلا حلّ إلاّ أن ترحـل ، وأصبحت قناعة الشعـوب لايخالجها شكّ ، أنّ كلّ خطوة تعـدّ بهـا هذه الأنظمة للإصلاح ، ما هي إلاّ حلقة من سلسلة الدجـل ، والكذب الذي لايحسنون سواه .
وقـد تيقّنـت الشعوب العربية أنَّ إجهاض نهضتهـا يبـدأ إذا صدقت الشعـوب أنَّ هذه الأنظمة التي حكمت طيلة عقود بالنفاق ، والكذب ، و الظلم ، والفساد ، صادقة في عزمها التغيير ، والإصلاح !
لقد أيقنـت الشعوب العربية أن لا حـلّ لهذه الأنظمـة ، إلاّ أن تُخـلع وتحُاكـم على جرائمها ، وإلاَّ فلـن يُشـرق على الأمـّة فجـرٌ جديد بكلّ ما تحمله كلمة جديد من معنـى .
ألا ترون هذه الشعوب الثائرة قـد حزمـت أمرهـا ، وأكـَّدت عزمها ، أن لا تنازل عـن : ( الشعب يريد إسقاط النظـام ) ، وهي تعلم علم اليقين أنهـا إذا تراجعت وهي في طريق الثورة ، وركنت ولو قليلا إلى الذين ظلموا ، فسوف تُسحق سحقا لاتكون لهم بعدها قائمـة أبـداً .
والسادس : تأملوا كيف أنّ من بركات ترك الجـدل ، وبدء الجهاد والعمـل أنه يثمر الوصول إلى الهدف بأيسر الطـرق ، ذلك أنّ الله تعالى في عون الكادح يطلب الحـقّ ، والخلاص من الظلـم ، لايتخلّى عنـه ، ويبغض أهل الجـدل الذين غاية طلب أحدهم الإنتصار على خصمه ليرضي غروره !!
فلو بقيت الشعوب الثائرة تجادل في ( حكم الخروج ) ! ( وفائدة المظاهرات ) ..إلخ ، لبقيـت في ذلهـّا إلى يوم الدين ، لكنها عملت بقوله تعالى ( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنـكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتـم مؤمنين ) ، ففُتِحت لها أبواب لم تكن في حسبانـها ، وما خطرت على بالهـا.
كما قال الحق سبحانه ( إنّ الله لايغيـّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهـم ) !
والسابع : تأملوا كيف أنّ الشعوب العربية رغم كـلّ محاولات الفصل بينها ، وزرع العداوات ، ورغم هذه الحدود السياسية المصطنعة التي وضعها المستعمر ليمـزّق الأمّـة إلى دويلات متناحـرة ، لازال وجدانها الشعوري ينبض بإتحادهـا ، وشعورها يهتف بوحـدة مصيرهـا ، وأنها أمـّة و احـدة ، فهم في توادّهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، مثل الجسد الواحـد ، ولهذا ترى أهل كلِّ قطر يمدون أيديهـم لغيرهـم من الثـَّوار ، يشاطرونهم فرحة الثورة ، وينبئونهـم بما يحتاجونه من أدوات المعرفة ، والتنظيـم ، لينجحــوا !
إنهم رائعة هذه الأمـّة العظيـمة ، يبقون يشعرون أنهم يعيشون همـّا واحداً ، ويتطلّعون إلى غاية واحدة ، وتجمعهـم هويّة واحـدة ، وكيف لا ؟! ودينهم واحـد ، وكتابهم واحـد ، وقائدهـم واحد هو قائد البشرية كلّها .
والثامن : تأملوا كيف جعل الله تعالى هذه الثورات التي تنشد قيم الإسلام العليا : تحرير الشعوب من الطغاة ، وإستعادة الكرامة ، والإطاحة بكلّ صور الظلم وإغتصاب حقوق الشعـوب ، جعلها الله باسم الأمـّة ، ليس لأحد أن يدّعيها زورا ، ولا أن يتسلـّق عليها ليزعمها له من دون الناس ، لينكسر هذا الغرور الذي ملأ أرجاء الأحزاب ، والحركات _ حتى الإسلامية منها _ إذ تضخَّمت ( الأنا الكبرى ) في كلّ حركة فلا ترى إلاّ شعارهـا شعاراً ، ولا تبصر إلاّ إنجازهـا إنجـازاً ، واستحوذ على كلِّ حزب حبُّ الإستئثار بثمرة متوهَّمـة _ لازال بينهم وبينها أمـدٌ بعيد _ لمشروع تزاحموا على بعض مكاسبه العاجلة ، بالشحِّ الذي أهلك من قبلهم ، فضربوا للناس _ في أحايين كثيرة _ أسوء مثل لمشروعهـم !
وتباغضوا حتى جار بعضُهم على بعضهـم وبغـوْا ، وتحاسدوا حتى تقاتلـوا ، وقد أمرهم الله أن يكونوا متراحميـن ، أذلـةً علـى المؤمنيـن ، أعـزةً على الكافرين ، ( فنسوا حظـَّا مما ذكـروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ) ، ونزع الله البركة من آثار كثيـرٍ منهـم _ إلاّ من رحم الله _ وردَّها إلى أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّـم ، التي فيها الخيـر إلى يوم القيامة .
التاسع : فليبصر كلَّ عاقل ما في هذه الثورات من درس عظيم فيما يحدثه حسن التنظيم من الإنجازات الحضارية ،
تنظيم الفكـر على : مستوى الأهداف الغائية والمرحلية ، والصياغة الملائمة للخطاب بحسب المقام ، وحسن إختيار العناوين والشعارات وفق معادلة المشهد المتغيـِّر .
وتنظيم الوسائل والآلات : على مستوى الإعلام ، وعلى مستوى الحراك الشعبي ، وعلى مستـوى توظيف الطاقات وعدم إهمال أيِّ منها .
وتحت كلِّ جانب من هذه الجوانب ، تفصيلٌ طويـل يضيق عنه المقام ، غير أنَّ الذكي تكفيه الإشاره ، كما تُذكي النار الشراره .
وقد صـدق من قال : الضعف المنظَّم قـوَّة ، والقـوَّة غير المنظمة ضعـف !
فليتعلم حملة المشروع الإسلامي من هذه الثورات هذه الدرس الأهـمّ ، وليدعوا الفوضى التي جعلتهـم في تيه يشبه تيه بني إسرائيل !!
والعاشر : أنّ هذه الثورات الشعبية نجحت لأنها أدارت الصراع مع الطغاة بكفاءة عالية : فاستعملت السلاح المناسب ، ونصبت الفخ المناسب ، ورفعت الشعار المناسب ،
أما السلاح المناسب فهو قـوَّة إرادة الجماهيـر في مقابل قوة العسكر ، إذ الإرادة الصادقـة إذا تكاثـرت بالجماهيـر الصامدة فهي غالبة لامحالة ، لاسيما إذا كان (مفهوم) العسكر يتداخل مع (مفهوم) الجماهير ، ولم يأخـذ إلاَّ القذافي حـذره من هذا التداخل بإستعماله المرتزقة ، ولهذا تأخرت ثمار الثورة عليه !
وأما الفـخّ فهو إستعمال السلطة للعنف ضد المظاهـرات السلميّة ، فإنـَّها إن فعلت ذلك وقعت فـي المصيـدة ، كما تقع الفريسة في الشباك ، لايزيدها حراكُها إلى تورُّطـا فيما هـي فيه !
وكلَّما زاد النظام الطاغية من مواجهة المظاهرات السلمية بسفك الدماء ، زادها إصرارا على طريقها ، لأنه أعطاها اليقين أن طريق التراجع أشد دمويـة ، من المضيِّ قُدُماً .!
فهو إن تركها تتظاهر مجتمعةً عليه ، زحفت عليه فخلعته ، وإنْ واجهها بالعنف زادت إصرارا وعزمـا !!
ولعمري .. إنه بأس الله تعالى الذي لايردُّ عن القوم الظالمـين .
وفي حالة الثورة السورية ، قـد حدثني من رأى فيما يرى النائم قبل ليلة الجمعة أمس ، أنَّ الطاغيـة بشـار تحيـط بها أعداد هائلة من الناس من كلِّ جانب ، وقد أصابه الفزع ، واستولت عليه الحيـرة ، فهـو لايدري مايصنع ، غيـر أنَّ تلك الجماهيـر كانت كالقوس حوله ، لا كالدائرة ، وأمامه في الجانب الذي ليس فيه أحد سـد عظيم ليس فيه منفذ ، والناس يتقدمون إليه ، فما يزيده ذلك إلاّ فزعـا.
وما أرى الثورة السورية إلاّ ستطبـِق على النظام ، وتطيح به بإذن الله ، غير أنَّ صبغتها بالدماء ستكون أكثـر قُنـوَّا ، لتكون بعدها أعظـم بركة ، إذ اختصت دون غيرها بإنتصارين ، أعنـي إنتصـار على خطرين : طغيان النظام ، وتآمـر وليّه الحميـم في إيران الذي يتآمر مع النظام السوري على أمـّة الإسلام .
وأما رفع الثوارت العربيـة الشعار المناسب ، فهـو : حقـُّنا في الحريـّة من الإستبداد ، وأنَّ حظر التظاهر السلمي لتحقيق ذلك جريمة مجمع عليها ، لا يحظرها نظام إلاّ قامت عليه الدنيا .
فبـهذا بهُتـَتْ الأنظمة العربية ، إذ كانت أوضح عوارتها كونها تحكم بالتسلُّط على رقاب العباد ، وتدير السلطة بالفسـاد ،
وحـقُّ الشعوب في أن تختار من يحكمها ، وتراقب السلطة لتضمن نزاهتها ، هو شعارٌ حـقُّ ، كالشمس في ضحى النهار ، لامراء فيه ، ولا عـوار ، ولا يختلف عليه إثنان ، ولا يتناطح فيه عنـزان !
وسبحان الله !!.. تأمّلـوا كيف جمعت هذه الخطـَّة بين العفويـّة والقـوّة ، وبين السهولة في الأداء والتغيير الهائل الذي تحدثـه ، وبين بساطة الشعارات وعظـم وقعها على الطغـاة !!
إنها إرادة الله تعالى التي يرينـا بها عجائب قدرته الشاملـة ، وقدرته التي يكشف بها آيـاته في إرادتـه النافـذة .
وختامـا فإنّ ما تصنعـه الأمـَّة في هذه المشهد المهيب لنهضتها عبـر الإنقلابات الشعبية على الأنظمة ناشـدةً كرامتها ، وعدالتها ، ووحقوقها ، إنـما هـو انجـاز عظيـم تستحق به وسام الفخـر ، لا النَّهـر والزجـر ، مع التوجيـه والتنبيـه ، ومن أزرى بإنجازها فقد أزرى بنفسه ، ومن وبخها فهـو أحـقِّ بالتوبيـخ ، وأحمق الناس في هذا المشهد من لايزال في تخلُّف نظرية المؤامرة ، يهدي إنجاز الأمة لأعدائها ، ويأبي عقله أن يفهـم أنَّ التاريـخ يتغيـَّر ، والأمم تتطـوَّر ، فهذه بداية لنهوض الأمـّة ، وتزحـزح الغـرب عن المركـز المسيطـر ، وما بعد ذلك إلاّ الخير بإذن الله تعالى لأمـّة الخيـر .
وهذا ونسأل الله تعالى أن يبارك للأمة في خروجها على من طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفسـاد ، ويجعل عاقبة ذلك خيرا لها ، وبه فلتستعن على جهادها ، وهو سبحانه حسبنا عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكّـل المتوكـّلون . الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 23/04/2011 عدد القراء: 41559
أضف تعليقك على الموضوع
|