كان وزير خارجية فرنسا أوبير فدرين الذي انتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بصراحة وبشكل مباشر، كما تناقلتها وكالات الأنباء الأربعاء الماضي ، ووصفها بأنها تخلط كل شيء بالإرهاب ، وبأنها تقدم تأييدا غير محدود للكيان الصهيوني رغم انتهاكاته الصارخة ، وبأنها أحادية لا تستشير أحدا ، كان أعمق فهما ـ مع أنهم الآن في خندق واحد في حربنا ــ من الوفد الكويتي الذي ذهب مطبلا للأمريكان دون أن يعي أن السياسة الأمريكية الخارجية لم تعد بحاجة إلى مطبلين ، وهي تقود العالم بطريقة هوجاء إلى حروب مجنونة ، بل هي بحاجة إلى من يوقفها عند حدود العقل والمنطق اللذين يقضيان بأن قيادة العالم يجب أن يتولاها من يفهم معنى العدل الدولي وأنه أبعد ما يكون من الكيل بمكيالين حسب المصالح الذاتية ، كما يؤمن أن حقوق الإنسان ليست مقتصرة على الإنسان الأمريكي ذي العيون الزرقاء ، ويهود الكيان الصهيوني ذوي الطاقية السوداء فحسب دون سائر البشر ، وأنه ليس من المعقول أن تمنح أمريكا لنفسها الحقوق الحصرية لامتلاك أسلحة الدمار الشامل ، وتملأ الفضاء من شبكات الصواريخ ، وتستعمل قنابل التدمير الضخمة الممنوعة دوليا ، كما تشاء ، وتوجه صواريخها النووية على من شاءت .
بينما تسمى كل من يسعى لمثل ما سعت هي إليه أنه محور الشر ، أو الدول المارقة ، أو الدول الحامية للإرهاب ، أو العالم غير المتحضر ، إنها بحاجة إلى من يذهب هناك ليقول لها : رويدا ، رويدا ، فالعالم ليس الهنود الحمر ، وهذا ليس عصر الكاوبوي ، إنها بحاجة الآن إلى هذا الخطاب العاقل ، وليس خطاب التطبيل .
لكن طالما قلنا ـ ومازالت الأيام تثبت صدق هذا القول ـ إن علمانيي وليبراليي العرب ، وليس الكويت فقط ، لا يملكون مشروعا ذاتيا ، وإنما هم وكلاء محليون مستوردون فقط ، والادهى والأمر أنهم مع ذلك لا يملكون حتى أدنى قدرة على نقد ما يستوردونه ، إنهم (كمبارس) يصفق وراء ما يأتي من الغرب ، ثقافتهم كالطعام الجاهز المغلف ، ويقتصر دورهم على أنهم يفتحونه ليلتهموا ما فيه ، ثم حتى لو وجدوه مر المذاق ، عسر التجرع ، قالوا ما أزكاه وما أحلاه ، فقد عميت عليهم الأنباء ، فهم في غيهم يعمهون .
ثم جاء أخيرا رئيس مكتبنا الإعلامي في أمريكا شفيق الغبرا ، فطم الوادي على القري ، مثيرا سؤالا غاية في الخطورة ، وهو : هل من يمثلنا في الخارج لا يشترط فيه أن يكون على وعي تام بثوابتنا ، أم أنه ليس عليه أن يبدي إلتزامه بها حتى لو كان على دراية بها ، أم أننا لم نعد نملك أصلا ثوابت وطنية تنطلق من انتماءنا الإسلامي والعربي ، وإنما نحن مجرد شركة كبيرة للبترول أنشئ حولها سوق عالمي ، فهو يغذي الغرب بما يحتاجه لاستمرار هيمنته على العالم فقط ؟؟ ترى أهكـــذا رآنـــــا شفيق الغبرا عندما جلس بين شخصيتين صهيونيتين بارزتين ، تتحدثان عن أحلام بني صهيوني التي بنيت على دماء الأبرياء من مسلمي فلسطين ، ألم يتذكر الغبرا ــ على الأقل ــ وهو جالس بين ذينك المجرمين ، تلك الجرائم العفنة لإخوة القردة والخنازير ، من دير ياسين إلى شاتيلا وصبرا ، بل في كل يوم على أرض المسرى ، والمسجد الأقصى ؟!!
هل الدكتور شفيق الغبرا يعي حقا مـــا ومن يمثل ، أم أن هذه الثوابت لم تعد ذات أهمية كبيرة عنده بعد 2/8 ، أم أنها لم يعد لها أهمية البتة بعد 11/9 يا للعجب ، ما للكويت ، أين ثوابتها ومبادئها ، بل أين رجالها أم :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم والمنكرون لكل أمر منكــــــر
وبقيت في قوم يزين بعضهـــم بعضا ليستر معور عن معور
كلا والله ما ذهبوا ، ولكن .... إنا لله وإنا إليه راجعون .