العيونُ ترمـُقُ الإمارات ، والآذانُ تسمع أنينا في السعوديّة
حامد بن عبدالله العلي
لن تجد أطيب من أهل الإمارات ، حتى لقـد خشيت لو اكتشف تجـّار العود طيبَ معدنهم ، أن ينبشوا قبورهم لاستخراج المسك ، والعنبر ، من بين رميمها !
غير أنَّ ثمة ما يجري ، من السلطات ، على مصلحين فيها ، لايحلُّ السكوت عليه ، ولا يصحّ التغاضي عنه ، أليسَ زينةُ كلِّ بلد صالحيها، وقرّةُ عينِها مصلحوُها ، فإذا تُعرِّضَ لهم بالأذى ، ومُنعوا من نشر الهدى ، فقد دنى أجل العقوبه ، واقترب زوال النعـم المصبوبه .
بدأت الحملة على الإصلاحيين ، بالإمارات منذ مدة طويلة ، لكنّها بدأت تتصاعد وتيرتها مع هبوب رياح الربيع العربي ، واستعرت نارُها مؤخرا بقرارات (هستيرية) غير مدروسة ، متشنّجة ، وتشتمل على مبالغة غير مفهومة في ردود الفعل على أنشطة سياسية (مفرطة) في السلميَّة !
ردود فعـل سلطوية تعكس غبشاً لدى الدولة في فهم التغيـُّر الهائل الذي يحدث في العالم العربي ، وتخبُّطا في استيعاب المتطلبات الجديدة للشعـوب العربية ،
وفي إدراك المعادلـة الجديدة التـي أفرزتها :
أمّا المتطلبـات ، فهـي :
الكرامـة ،
الحرية كاملة : من إبداء الرأي ونقد السلطة ، إلى المشاركة فيها ، مرورا بكلّ مؤسسات التغيير السياسي العلنيّة ، والمرخصّـة .
كامل الحقوق بلا منـَّة من طويل عمـر ، أو قصيره !
وهذه المتطلّبات قـد بلورتها ثلاثة مستجدات في مسار التاريخ البشـري ، هي سنن الله في الخليقة فحسـب ، ولا دخل لأيّ دولة محدَّدة ، أو قوة أرضية فيها :
1ـ التطوُّر المعرفي _ بوسائله سهلة المنال _ الذي أخرج الشعوب عن سيطرة الأنظمة التسلُّطية على وعيها.
2ـ والقدرة الأسطورية على التواصل السريع بينها الذي شلَّ قدرة تلك الأنظمة على التحكم بحراكها الجمْعي.
3ـ انكسار حاجز الخوف من الملاحقة ، والبطش ، توقـاً للحرية ، والكرامة ، والحياة الأفضـل.
وأما المعادلة الجديدة التي أفرزتها هذه المتطلبات بين السلطات والشعوب فهي :
أنّ العدوّ الحقيقي للأنظمة ، والذي سينتصر عليها في نهاية المطاف حتما ، هو هذا المثـلث :
مظالمها الإجتماعية ، وعلى رأسها مصادرة حقوق الناس السياسية .
الغباء المانع من إدراك ما يجري من تغيير في العالم ، والتاريخ ، والشعـوب.
العناد ، والإستكبار عن قبول هذا التغير بتواضع ، وتنازل للشعـوب .
هذا هو عدوُّكـم أيها الحكَّام ، وليس العدوُّ هـمُ الدعاة الإسلاميين ! حتى تسحبوا جنسيات المصلحين المشهود لهم بالخير ، والصلاح ، والغيرة على الوطـن ، شاهين الحوسني ، وحسين وحسن الجابري ، وأحمد السويدي ، وعلي الحمادي ، ومحمد الصدّيق ، وكلُّهم كفاءات ، ومبدعون ينبغي أن تفتخـر بهم الإمارات !!
نعم .. وليس العدوّ هـم العلمـاء الصادعـين بكلمة الحـقّ ، حتى تقيموا الدنيا ، وتستغيثـوا بـ(الإنتربول )! على الشيخ القرضاوي !! لأنه انتقد قرار طرد بسطاء سوريين تظاهروا سلميّا أمام سفارتهم بعد أن فُجعـوا بمذابح بأهليهم ، ومجازر بأولادهم ! فلم ترحمهم سلطات الإمارات ، ولم تقـدّر معاناتهم !!
وليس العـدوُّ هو الفيس بوك ، ولا ( التويتر ) حتى تلاحقوا المغرّدين ، وتسجنوا الداعية الفاضل صالح الظفير_ الأسبوع الماضي _ بسبب تغريده !
ثم تجيّشوا السلطات ليس لمكافحة (الدعارة ) ! بل لمكافحة تغريد عصافير الحرية بالتويـتر !!
لقد باتت العيون ترمق بقلق شديد ملاحقة المطالبين بالحقوق المشروعة في الإمارات ، وغـدا التاريخ يسجّل جنـون إنتهاكات السلطات ضد الحريّات !
كما أضحـت نبرة الشعوب العربية في ضوء الربيع العربي ، عالية مسموعة :
ماذا يجري في الإمارات ؟!!
ونحن إذ نفتح هذا الملف في هذا المقال :
لنحيِّي جهود عشّاق الحريـّة ، والدعاة الخيّرين بالإمارات ، ونُكبـِر المطالبين بنهضة إصلاحية فيها ، ونثمِّن تضحياتهم ، ونطمئنهم أن الشعوب العربية تدعمهم ، وتجـلُّ إنجازهم ، ولسوف يحققونها بإذن الله مهما طال الزمـن ، فليمضوا في طريق التغيير نحو الأفضل ، وليستمرُّوا في نهج الإصلاح السياسي المستنير السلمي ، وليبشروا بالثمار اليانعـة ، طال الدهـر ، أم قصـر.
كما نطالب كلّ الغيورين من العلماء ، والمفكرين ، والمثقفين ، والدعاة ، أن يوجّهوا للسلطات في الإمارات نداء التعقُّل ، وتغليب الحكمة ، لتتفهم التغيـُّر الذي يجري في شعوبنا ، نحو نهضة ستكون مفاتيح خير للأمـّة بأسرها ، وهي لاتنشد سوى الحقّ ، والعدل ، والكرامة .
هذا .. وأمـّا مستجدات الأخبار بالسعودية ، فقد ضجَّ فضاء التغريد التويتري بخبر (بوعزيزي) السعودية !
ذلك الشـاب الذي أقدم على حرق نفسه ، تحت ضغوط الظلم الإجتماعي الآخذ بالتصاعد !
وبهـذا بدء الأنيـن الشعبي المكتوم تحت ضغط مثلـث : ( القبضة الأمنية الغشومة ، والدين الرسمي المزيَّف ، و"طوطم" الحرام السياسي ، والإجتماعي المخترَع ) !
بـدء يُسمع ، ويعلـو صوتـُه !
أنيـنٌ يُعلـن بدءَ مشهدٍ جديد ، لمشروع حضاري عمـلاق ، قـد بدأ يتشكـَّل بالفعل ، وراء حُجُبٍ رقيقة _ فلا يراه الآن إلاَّ أهلُ البصيرة _ ، يتشكـَّل في هذه الجزيرة المترامية الأطراف ، ذات العراقة المهيبة ، والتنوُّع السلس الفريـد ، والجمـال الحضاري البكـر !
وأنـّى لك بمثـل تغيير يتدفـَّق من النبع الأصلي ، من بؤرة عينِ حضارتـِنا ، من تربتِها المشبعة بالخصوبـة ، من نبلِ فروسية الجزيرة العربية ، من عرقِ جذرِها الرطيـب ، المعجونِ بطهارة الإسلام ، الممتزجِ بروح الأبطال الأوَل الذين غيـَّروا مسار التاريخ ، المنحدر من أصلابهـم الشامخـة ؟!
إنـه أنيـنٌ سيتطوّر إلى حنينٍ (موجع) إلى الماضي في أوّل إبداعِ تفجُّـرِه ،
ثم إلى تناغم يعزف (سيمفونية) الثورة العربية الأصيلة ، عربية الوعاء ، إسلامية الأهداف.
لتجمع شواهين جبال تهامة ، وأسود الحجاز ، ونمور الشمال ، وعرانين نجد ، وأبطال الصحراء ، وأماجـد الشرق ، والغرب ، والجنـوب
في نشـيد نهضوي بديـع واحـد ،
هناك حول الحرميـن ، تحتضـنه تلك القبة المقدسة ، قبـّة حضارتنا العظمـى ، قبة العـالم .
ينشد النهضة الكبرى ، في صورتها العربية الأساس ، النقية من كلِّ شوب ، المفردة عن كلّ مثيل ، المنفـردة عن شبهة النظيـر !
المحطِّمة لعبودية الأنظمة ، المكسّرة لقيود الدين الزائف ، الممزِّقـة للأعراف السياسية الموروثة من عهود الذلّ ،
في جزيرة الفرسان ، فرسـان لم يعترفوا قـط إلاّ بالحـرية شعارا ، وبالإبـاء دثـارا !
نعـم .. بدأ يتشكَّل جنين المشروع ، وسيكون نموُّه سريعا جداً ، وسيشبُّ بأسرع مما نتصوَّر ، متجاوزاً سنّ المراهقة إلى النضج ،
ثم ليشـدّ بيمينه ثورات شرقِ هذه الأمّـة المجيـدة ، وبيـدِهِ الأخرى نهضات غربها ، حتى يربط نهضتها بالمنبع ،
ويبينها على العقيدة ،
ويحقنها بنبل ، وشهـامة الأجـداد .
وحتما ، لاريب فيه ، وليس ببعيد ، ولادة نظام سياسي جديد ، يقوم على :
إرادة الأمـّة التي تملك مقاليد السلطة ، فتمنحها الأمناءَ ، وتمنعـها من الخونـة.
وعلى تحرير الديـن من أغلال رقّه السياسي ، والإجتماعي .
وعلى تكريم الشعـب ، وإطلاق طاقته ، وتربيته على العزّة ، وتحمل المسؤولية العالمية.
لقد اقترب الوعـد الحـقّ ،
وأيم الله .. لو يعلم حكّام هذا الخليج ، وهذه الجزيرة المباركة ، ما يحمله المستقبل من المجـد ، والعـزّ ، والفخـار ، في اللحاق بالربيع العربي ، لخلعوا ما عليهم ، وتركوا ما في أيديهم ، ولنزلوا إلى ساحات (الإرادات الشعبية) ، ليلتحموا مع شعوبهم ، وليصنعوا معهم نهضـة الأمـة القادمـة .
ولكنَّ الله تعالى قد قال : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
.
فمن علم الله في صدره ، إرادة ما عند الله ، وحبّ هذه الأمة ، وأنه لايؤثر شيئا على عزتها ، ومجدها ، ورفعة دينها ، اختاره ، فاستعمله ، وإلاّ نبـذه مع المنبوذيـن.
،
والله المستعان ، وهو حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكّل المتوكـّلون .
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 11/03/2012 عدد القراء: 56113
أضف تعليقك على الموضوع
|