حامد بن عبدالله العلي
عندما وجهنا نداء من هذه الزاوية وفي صحيفة الوطن الكويتية ، للساحة الكويتية لتقوم بدورها في الانتصار للانتفاضة ، لم نكن نتوقع أن تكون الاستجابة بدعوة أقطاب السلطة الفلسطينية التي هي ثالثة الأثافي في أزمة فلسطين ، فالزعامات العربية المتخاذلة ، ورعاية الولايات المتحدة للكيان الصهيوني ، والسلطة الفلسطينية ، هي الحجارة الثلاث التي تطبخ عليها المؤامرة على الانتفاضة في القدر الصهيوني !
إن السلطة نفسها هي التي بدأت المفاوضات السرية في أوسلو ، عندما كادت الانتفاضة الأولى تؤتي ثمارها ، ثم انتقلت إلى المفاوضات العلنية ، واستمرت في تلك المفاوضات إلى حفل التوقيع على اتفاق غزة أريحا في البيت الأبيض 13/9/1993م ، ذلك الاتفاق الذي كان بشروط صهيونية أمريكية ، وقد تبين اليوم مدى حجم تلك الحماقة التي قادت إلى الانخداع بذلك السراب الكاذب ، وكم كان تصريح رابين حينذاك بأن الفلسطينيين سوف يحصلون في نهاية المطاف على أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة ، كم كان تصريحه استغفالا مخزيا للمنخدعين بوعد يهودي خبيث مخادع .
كما أن السلطة نفسها هي التي امتلأت سجونها بالمجاهدين إرضاء للصهاينة ، وهي التي ملأت المناطق التي سيطرت عليها بالفساد ، حتى أقامت فيها أكبر ( كازينو) للقمار في الشرق الأوسط ، والسلطة نفسها هي التي رضيت أن تتعاون أمنيا مع الصهاينة لقمع من يطلقون عليهم الإرهابيين ، وهم يجاهدون العدو الصهيوني !!.
ولاتعجب من نسيان الناس للتاريخ ، فالناس إذا نسوا الله أنساهم حتى أنفسهم ، وعميت عليهم الأنباء ، حتى يلدغوا من نفس الجحر مائة مرة ، فلا يشعرون بشيء.
وهذا هو تاريخ ما مضى ، فقد انهزمت الناصرية في 6/1967م ، وبدأ الحلم الوحدوي يتبخر تدريجيا ، وبعد عشر سنين تقريبا وقعت مصر صلحا منفردا فخرجت من الصراع العربي الصهيوني ، وقرر مؤتمر الصمود والتصدي القيام بالواجب التاريخي ! فتحول بقدرة قادر إلى حرب في لبنان ، بين العرب والعرب ، وصار الصهاينة هناك يقاتلون العرب بالعرب ، لمدة 16عاما ، وبدل أن يبعث البعث الأمة العربية الخالدة ، صارع البعث البعث ، وانشغلت الأنظمة العربية ببعضها ، وبقمع شعوبها ، وقد زادت أزماتها السياسية الداخلية ، وانحدرت في التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للأجنبي ، إلى نهاية القعــر الأدنى ، عندمــا تورط النظام العراقي في حماقة مصيدة غزو الكويت .
وشعر الشعب الفلسطيني بالضياع وأنه يخدع ويتاجر بدمه وقضيته ومستقبله وأحلامه وأمانيه ، والتجار هم الزعماء السياسيون أنفسهم ، وبقي الفلسطينيون يترقبون وقد امتلأت قلوبهم بالخوف ، وتتردد مع أنفاسهم زفرات الحسرة ، وترى على وجوههم مسحة اليأس بسبب الخذلان المخزي الذي يقفه زعماء الدول العربية.
فقرر الشعب أن يجعل تلك الدمى المخادعة وراءه ظهريا ، وأن ينتفض فيقاتل بنفسه ليحصل على حقه ، يقاتل بما تطوله يده ، فأخذ الحجارة الصماء وقاتل بها ، وقدر الله تعالى أن ينطق الصخر فيزمجر بالحق زمجرة الرعد القاصف ، ليقذف الرعب في قلوب العدو ، ويزلزل الأرض من تحته ، فيكشف الجبن والذل اليهودي المتخفي وراء ستار هيبة مصطنعة ، ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية ، ويُسقط أقنعة الزعامات المتاجرة بحقوق شعوبها .
وأخذت الانتفاضة تنطلق في مداها المبارك ، تسقي بدماء الشهداء شجرة النصر المظفر ، وأخذت شجرة النصر تعلو في السماء ، وتكبر أوراقها لتفرش ظلها الوارف على أحلام الشعب بتحرير الوطن ، وتحنو عليه وتضع عليه كنف الأمل ، وتهمس : سيكون حلمك حقيقة عما قريب ، عما قريب ستنتصر ، فهذه الدماء ترويني كل يوم ، وكل يوم تقربني من النصر ، فآمن بالله تعالى ، وتيقن بوعده بنصر المؤمنين ، واصبر على الجهاد ، فإن النصر مع الصبر .
وجاء المتاجرون بالانتفاضة يقيمون سوق الخيانة ، وقد اتخذوا دماء الشهداء رأس مالهم ، ونادوا عليه بالفائدة ، فهل سيدع المتاجرون شجرة النصر لتؤتي أكلها بإذن ربها ، أم سيبيعونها بثمن بخس ، كما فعلوها أول مرة ؟ وهل سنتعلم من التاريخ هذه المرة أم سنبقى أربعين سنة أخرى نتيه في قضية فلسطين بين خيانة الزعماء وخداع اليهود ؟!
كلا فإني أرى بارقة أمل هذه المرة ، وستقود إلى نصر بإذن الله تعالى ، ولكن سيتحقق بغير الذين تلطخت أيديهم بالخيانة ، بغير الذين قالوا ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) … بل بالذين قالوا ( ادخلوا عليهم الباب ، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .