والسّويـد أيضــا .. سوّد الله وجهها
،
حامد بن عبدالله العلي
،
لو كانت مقاطعة الدنمرك لم يفتّ في عضدها الوهن والاختلاف ، لكان ذلك درساً تعيه السويد جيـّدا ، قبل أن تتبجّح بحريـّة الصحافة لتغطـّي على جريمتها بالإساءة إلى صفوة الله تعالى من خلقه خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ، ولكن إلى الله المشتكي ، و إنا لله وإنا إليه راجعون ، وهل داؤنا في هذا الزمان إلاّ هذا الإختلاف الذي مكـّن الأعـداء منّـا ؟!
أرأيتـم كيف أنّ اليهـود يرصدون كلّ من يكتب أو يقول مالا يعجبهم ـ حتى في شأن تاريخهـم ـ فيحملون على من يزعجـهم موقفـه ، حملـــةَ رجـل واحـد ، حتى أجبروا الغرب المتبجح بالحريـّة ، أن يلقـي حريـته وراءه ظهريـّا ، فيلاحق كلّ من تسوّل لـه نفسه أن يمسّ أخوة القردة والخنازيـر في كلمة مقروءة أو مسموعـة بأذى !
ولك أن تعجـب كيف صدر بتاريخ 20 فبراير العام الماضي ، حكما بسجـن المؤرخ البريطاني اليميني ديفيد إرفينج 3 سنوات ، بعد أن وجدته المحكمـة مذنبا ، بتهمـة إنكارالمحرقة اليهوديـة ، على خلفية آراء عبر عنها قبل 17 عاما ! مع أنه في المحكمة أقر بتراجعه عن آرائه القديمـة هذه ، فلم يشـفع له ذلك .
ثـم أنظروا في أعجب من هـذه ، كيف سعـى هؤلاء الشرذمة القليلون عقـودا ، حتـى نجحـوا أخيـرا في صهينة النظام العربي ، رويدا رويدا ، حتى وصلوا إلى أن منعوا إيذاءهم باللفظ في الإعلام الرسمي في بلادنـا ، وجعلوهـا جريمـة عظيمـة ، فلا تتجـرّأ أي مؤسسة إعلامية رسمية أن تطلق على كيانهم ، الكيان الصهيوني ، بل تسمّيهم بأحب الأسماء إليهم !
مع أنّ هذا كله لم يرضهم ، فغايتهم العظمى صهينـة العقل المسلم نفسه بالتطبيع ، هذا هـو الحلم الصهيوني الذي تدق له الصلبان على السيـوف هذه الأيام بقيادة أمريكا ، وقـد انصاع لهـا أذنابهـا انصيـاع العبيـد لسيدهـم ، مصداقا لقول الحق سبحانه ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) .
وما يدريكم ـ ونسأل الله أن لايكون وهو غير كائن بإذن الله ـ أن يأتي اليوم الذي نلقى فـي غياهـب السجـون ، مثل ذلك المؤرخ البريطاني ، ليس على تلاوتنا آيات العداوة لليهود من القرآن فحسب ، بل على تشكيننا في الهولوكست !!
أما والله لو بقـيت الأمـّة على هذا النحـو من أمراضها التي تنخـر قوتها ، ليوشكنّ أن يصيبنا ذلك ، غير أن الأمـل بالله أولا ، ثـم برجال يستعملهم الله تعالى لنصـر دينه ، بسلاحهم في ميدانه ، وبلسانهم في ميدانه ، أن يبكـت عدونا ، ويعلي ديننا ، ويرفع رايتنـا .
هذا ومما يثيـر العجـب أنّ أكثـر الإساءات الصادرة على الأنبياء عليهم السلام ، في الغـرب ، ومن وسائل إعلامهم ، تكاد تنحصـر في نبيّنـا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم المسـيح عليه السلام ،
بينمـا لايُذكــر شيء من ذلك عن موسى عليه السلام ، ومع أنّ الإساءة إلى أيّ نبيّ من أنبياء الله تعالى هـي جريمـة الكفر والردّة ممـّن يدعي الإسلام ، وهـي أعظم جريمة من غيره ، غيـر أنّ هذه الملاحظة واضحة الدلالة على أنّ وراء تلك الأحقـاد اليهود أنفسهـم ، فهم وحدهـم الذين كفروا بالمصطفى والمسيح .
ثم إنّ حقدهـم على محمّد صلى الله عليه وسلم لايوصف مداه ، ولا يعرف منتهاه ، وكلّمــا ظهـر دينـُه ، وعلـت آياتـُه ، وسطعت براهين صدق رسالته ، امتلأت قلوبهم حقـدا عليه ، فبدت البغضاء من أفواههـم ، وما تخفـي صدروهم أكبـر.
ولاريب سنأتسـي بالقرآن الذي قال فيمن خاض في عرض النبيّ الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وزوجته الطاهـرة عائشة رضي الله عنها ( لاتحسبوه شرا لكم بل هو خيـر لكم ) ،
فنعتـبر بذلك ، متيقنيـن أنّ هذه الموجـة الحاقدة ، الآخذة في التصاعد مؤخـرا ، من التطاول على نبيّ الإسلام ، والتحريض على الإسـلام ، والتميـّز العنصـري البغيض في الغـرب ضد المسلمين ، كما هو مؤشّـر على حضور الإسلام العالمي المتسامـي وقـوّة إنتشاره ، هـو يكشف حقيقة عدوّنا ، ويفضـح باطنه ، ويجـلّي أمـره لأمتنا.
ثم إنّ هذه سنة ماضية مع كلّ نبيّ أرسله الله تعالى ، فما ضـرتهـم عداوة شياطين الإنس والجـن .
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ )
)) يقول تعالى: وكما جعلنا لك -يا محمد -أعداءً يخالفونك، ويعادونك ،جعلنا لكل نبيّ من قبلك أيضا أعداء فلا يَهِيدنَّك ذلك، كما قال تعالى: ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) ، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) ، وقال تعالى: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ )، وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ )).