السائل: زائر التاريخ: 01/12/2010 عدد القراء: 12161 السؤال: فضيلة الشيخ كثرت الضجة على تسريبات موقع الويكي ، ولكن هناك إشكال وهو كيف نعتمد ما يقوله الكفار ؟! ولعلهم هم الذين سربوها ، والهدف أنه في مرحلة لاحقة ينشرون أشياء تثير الشبه على نفس المشاريع الإسلامية مثلا أو الحركات ، فما هو الموقف الشرعي من هذا الحدث الهائل العجيب الذي أشغل العالم كله ، كأنه فضيحة الفضائح ؟!!
جواب الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
موقع الويكيليكس دوره يقتصر على نشر هذه الوثائق ، فهي مسربة من عاملين داخل الدوائر الأمريكية سواء السياسية أو العسكرية أو الإستخباراتية ، وقد يكون مسربها شخصا واحدا ، أو أشخاصا محدودين ، والإدارة الأمريكية توعدت بملاحقتهم ، وهذا لاغرابة أن يحدث ، فكل دولة تتوسع كل هذا الوسع في الهيمنة العالمية لابد أن تتعرض لفقدان السيطرة أحيانـا ، فتُمنى بالكوارث.
ونحن هنا لا نأخذ ما فيه على أنه القول الفصل ، والحكم الذي ليس بالهزل ، ولايصـح أن نجعل الفائدة من تلك الوثاتـق إعتماد ما فيها لإتهام من عرفت عدالته ، في المشاريع الإسلامية أو الجهادية مثـلا ، فالمتقرر شرعا أن من عرفت عدالته لايؤثر فيه حتى قول المسلم مجهول الحال أصلا ، فضلا عن الكافر ، بل قد تقرر أن الطاعن في مشهور العدالة إن كان من أقرانه لايؤخذ قوله فيه ، فكيف بغير المسلم إن طعن فيه ؟!
ومعلوم أن هذه التسريبات كثير منها هي برقيات يصف فيها مرسلوها ما جرى في إجتماعات ، أو لقاءات أمريكية ، أو وجهات نظر السفارات الأمريكية ، أو ذوي الشأن في مختلف الإختصاصات ، فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية بالعالم العربي وغيره .
ثم للمطلع عليها أن ينظر في هذا التوصيف فيحلله ، فما كان معضدا بالقرائن ، موافقا للواقع ، مدعما بالأدلة ، فحينئذ تكون الوثيقة دليلا ماديا مؤكدا ، وإلا فتبقى قيمتها منوطة بتقييم الجهة المرسلة ، وبمحتوى الوثيقة نفسها ، ومدى صدقيتها من جهة حيثياتها ,
وهي فضلا عن كونها لم تأت بجديد بالنسبة لوصفها الزعماء العرب ، و المشهد العربي ، بل وافقت ما عرف عنهم تماما ، فإن فيها فوائد كثيرة جدا :
منها أن المطلع عليها يقرأ ما يجري داخل أروقة الهيئات الأمريكية المختلفة ، من حيث أسلوب التفكير ، وطريقة التحليل السياسي ، وغيره ، ومنهج التعامل السياسي مع العالم ، أي يطلع على خفايا العقيدة السياسية والعسكرية ، والإستخباراتيه الأمريكية ، وهذا في حد ذاته كنز إستخباراتي لايقدر بثمـن ، ولهذا فإن وصف التسريب بأنه أكبر كارثة سياسية على أمريكا وصف مطابق للواقع تماما
ومنها أن التسريب كإنفجار داخل قلب الدبلوماسية الأمريكية دمر جهود عقود من بناء الثقة ، وإرساء خلفيات العمل المشترك مع كثير من الدول ، وهذه كارثة عظمى أيضا
ومنها أن الوثائق تحتوي على معلومات هائلة ، عـن شخصيات ، وارقام ، وتواريخ ، وسياسات ، وتقييمات ... إلخ عما يستحيل الوصول إليه مما هو وراء الستر الحديدية ، فكأن تسريبها أهدى للعواصم المنافسة لأمريكا هدية لم تكن تحلم بها ، ولو أنفقت عليها المليارات وعقود من الزمن لما استطاعت أن تصل إلى عشر معشارها ، فتأمل هذه الضربة الموجعة التي تعرضت لها أمريكا ، وهذه بعض عقوبة ظلمها وبغيها واستكبارها في الأرض
وعلى آية حال فالموقف الصحيح منها هو وسط بين المبالغة في نظرية المؤامرة إذ كان تفسير هذه التسريبات وفقها سذاجة مثيرة للشفقة ، وبين أعتماد كل شيء فيها على أنه لاريب فيه !
وعلينا في المشروع الإسلامي أن ندرس هذه الوثائق ، ونحللها ، ونستفيد منها ، لبناء مشروعنا الذي نخطط لبلوغه أهدافه العليا .
.
أما القعـود في حفـرة نظرية المؤامرة ، وأن الكفار إنما يعبثون بعقولنـا في كل حدث يجري ، وأن علينا الإعراض عن ذلك كله ، منتظرين الفرج من السماء دون السعي في إستكمال أسباب القوة
فهو حد وصف الشاعر :
إلاّ الحماقة أعيـت من يداويهـا
والله أعلم |