السائل: زائر التاريخ: 05/03/2009 عدد القراء: 8645 السؤال: تطورات الأوضاع في الصومال ؟!
جواب الشيخ: فضيلة الشيخ ما رأيك في تطورات الأوضاع في الصومال وما يسمى بالمصالحة وما هي حقيقة الموقف ، وماهو الحل ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وبعد :
قال الحق سبحانه : (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وقال (فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
المعضلة في الصومال ليست هي خلاف بين حملة مشروع إسلامي واحد ، حتى يكون مدخل الحلِّ هو إطلاق مشاريع المصالحة .
بل في مواجهة بين مشروع أمريكي يمثِّله حكومة شريف ـ شرماركي ، بعد أن قبلت أن تكون شكلاً إسلاميا يختفي وراءه هذا المشروع الخطير ، ومعها نفس الدمى التي كانت مع عبدالله يوسف ، ونفس الوجوه المأجورة ، التي تنفـّذ المشروع الأمريكي ، لكنَّ شريف أضاف إليها ـ مستفيداً من ماضيه الإسلامي ـ شخصيات إسلاميَّة ، إمَّا هـي لاتعلم حقيقته ، أو شريكه له ، أو تخادع نفسها أنها ستجد حلولا إسلامية من داخل إطار المشروع الأمريكي، في مسايرة للهوى ، قاتل الله الهوى ، كما تفعل بعض الأحزاب الإسلامية المغرَّر بها ، في بعض البلاد الإسلامية.
بين هذا المشروع ، وحالة إسلامية عامَّة يقودهـا الذين دحروا الإحتلال الأثيوبي من الأبطال المجاهدين ، ومن معهم من عامة الشعب الصومالي الحـرِّ ، من المخلصين الذين يريدون عودة المحاكم الإسلامية كما كانت حاكمة بالشريعة ، ومستقلَّة عن التدخل الأجنبي ، وحاملة للمشروع الإسلامي الذي تحمله الأمَّة في كلِّ مكان .
ومن الواضح أنَّ الحكومة الجديدة بقيادة رجل أمريكا شارماركي ، الذي تعلَّم هناك ، وحامل الجنسية الكندية ، والذي تقلَّد عدة مناصب في الأمم المتحدة في دارفور ، وسيراليون، وسبق أن كان سفير عبدالله يوسف في واشنطن ، لايمكنها أن تتحرك خطوة واحـدة إلاَّ وفق الأجندة الأمريكية .
وهذا يفسِّر عدم استطاعة شيخ شريف ، أن يلبِّي الحد الأدنى مما طلبه المجاهدون في الصومال ، من المطالب لإنهاء حالة المواجهة ، وهو حلّ واضح ، ومباشر ، وسهل ، يغني عن الألاعيب السياسية تحت شعارات المصالحة !
وهــو :
1ـ عودة المحاكم للعمل بأحكام الشريعة كما كانت قبل دخول الجيش الأثيوبي.
2ـ خروج كلّ القوات الأجنبية من الصومال ، فهي إضافة إلى كونها قوات إحتلال ، والشريعة الإسلامية تحرم تحريما قطعيَّا ، متعلِّق بأصول العقيدة الإسلامية ، وجود أيِّ سلاح أجنبيّ ، تابع ليد أجنبيّة ، على أرض الإسلام ، فضلا عن قواعد ، أوقوات.
إضافة إلى هذا ، هي أيضـا ـ أعني قوات الإتحاد الإفريقي التي تحرس قصر شريف شريف كما يحرس الناتو قصر كرزاي ـ مجرد أذرعة لنفس العدوّ الذي أدخل القوات الأثيوبية إلى الصومال ، وهو العدوّ الأمريكيّ الحاقد الذي يتحرّك في كلِّ مكان لإجهاض أي مشروع إسلاميّ ، بغض النظر عن علاقة هذا المشروع بمـا يسميه ( الإرهاب الدولي ) ، فحتّى لو كان هذا المشروع مشروع مقاومة محلية لاعلاقة لها بالخارج ـ كما في حالة حماس على سبيل المثال ـ فإنَّ العداء الأمريكي إنما هو عداء للإسلام ، ولكلِّ نهضة تعطي الأمة الإسلامية أملاً في التخلص من الإمبريالية الصهيوأمريكية.
هذا ومما يجهله الكثيرون أن شريف نفسه ، هو الذي أعطى الأوامر للإنسحاب من مقديشو ـ أوَّل الإحتلال الأثيوبي ـ بعد أن كانت المحاكم قد أعدَّت خطة عسكرية محكمة للإجهاض على الجيش الأثيوبي داخل مقديشو ، وكان قراراً قـد سبَّبَ اندهاش واستغراب قيادات المحاكم العسكرية ، ولازالوا يضعون أمامه علامات إستفهام كبيرة جدا !!
وأما الدعـوة إلى منح مهلة ـ سيُقترح تمديدهـا بلا ريب ما لم يجهض الإسلاميون المشروع الأجنبي ـ لخروج القوات الأجنبية ، وللعمل بأحكام الشريعة ، فهي محاولة لشراء الوقت ، بغية الإلتفاف على المشروع الإسلامي ، ريثما يتمّ عزل الحالة الجهادية عن الشعب الصومالي ، وترتيب الوضع السياسي بصورة ترضي المشروع الأمريكي ، وتضمن تحقق أهداف الإفريكوم في الصومال ، فسائر القرن الإفريقي ، كما بيَّنت ذلك في مقال سابق.
وسوف تقوم القوات الأجنبية المحتلة ، مع حكومة شارماركي ، بإيقاع أكبر عدد من الضحايا المدنيين في العاصمة ، كلَّما تعرضت لهجوم ، وإلصاق التبعة بالمجاهدين ، بهدف توجيـه الشعب الصومالي لرفض المشروع الإسلامي ، والقبول بالأمر الواقع وهو الحكومة الجديدة ، كما ستحرص حكومة شارماركي على توجيه وسائل الإعلام نحو هذا الهدف ،وحشد أكبر عدد من الصوت الإسلامي المدرج تحتها ، لتحسين صورة الحكومة الجديدة ، لفرض هذا الأمر الواقع الجديد.
حتى إذا انتهت اللعبة ، سيجد الجميع أنَّ القوات الأجنبية التابعة للمشروع الأمريكي ، وجميع المؤسسات التي تعمل لصالح (الإفريكوم) ، تحت غطاء مؤسسات دولية ، أو ثقافية أجنبية ، أو غيرها ، قد أخذت شرعيتها في الصومال الجديد ـ لتعمل بحرية وبحماية الصوماليين أنفسهم ـ من وضع سياسي ملحق بالأجندية الأمريكية ، وتحت غطاء إسلامي ! ولا بأس أن يكون على غلافه صورة لحية سوداء مهذبة !
أما الفتاوى الإبليسية التي (تشرعن) المشاريع الإمريكية ، والقواعد الأجنبية في البلاد الإسلامية، فهي جاهزة دائما ، في أرخص سوق للفتوى مرَّ على تاريخ الأمة , فإنّا لله وإنّا إليه راجعـون.
هذا ومن المعلوم أنّ المحاكم الإسلامية كانت أصلا تعمل بأحكام الشريعة ، في مجتمع ليس فيه أي تعقيدات حياتيـّه ، وكانت تجربتها الحيّة ، والمذهلة ، ناجحة بإمتياز ، فالدعوة إلى إمهال الحكومة للتدرُّج في العمل بأحكام الشريعة ، لامعنى لها ، وهـي خدعة مكشوفة ، وهو أمر محرِّم لايجوز إقراره قطعا في مثل الحالة الصومالية.
وكذلك المهلة لخروج القوات الأجنبية ، فالمحاكم الإسلامية والمجاهدون الذين دحروا القوات الأثيوبية صاغرة ، قادرون على أن يحفظوا أمن البلاد ، وعلى إدارتها في لحظات ، بل هم الآن مسيطرون على عامة الأراضي الصومالية ، ويعملون فيها بأحكام الشريعة الإسلامية بحمد الله تعالى .
فلامعنى لإمهال القوات الأجنبية للخروج ، سوى الإنقياد للفخّ الأمريكي .
وأما النصيحة فهي أن يبقى الشعب الصومالي ملتفاً وراء المخلصين الذين دحروا الإحتلال الأثيوبي ، وأن يحــرص المجاهدون علـى كسب الشعـب إلى صفِّهـم ، وإلـى ـ إضافة إلى إبقاء السلاح شاهراً في وجه كلِّ من يحاول العبث بمكتسبات الجهاد الصومالي ـ إجهـاض المشروع الأمريكي سياسيا أيضا ، بتبصير الشعب الصومالي ، بأهدافهم ، وتطمينهم بأنهم ليسوا سوى المحاكم الإسلامية نفسها التي كانت تحكمهم برشد ،وحكمة ، وصلاح ، حتى استطاعت أن تحلّ جميع مشكلات الصومال في مدة يسيرة جداً .
وأوصيهم بالتوكّل على الله تعالى ، وبالثبات على مبادئهم ثبات الجبال الرواسي ، والصبر على الجهاد في سبيله ، وأن يحذروا من الخلاف بينهم ، ومن المندسّين الذين يبثون الفرقة في الصفوف .
وأن يتذكَّروا أنهم يحملون مشروع الأمة ، كما يحمله أهل فلسطين ، وأفغانستـان ، والمجاهدون في العراق ، وفي كلِّ مكان ، فليتقوا الله في أمة الإسلام ، وليستشيروا أهل العلم ، وليحذروا من العجلة ، ومن التوثّب على المراحل بغير رويّة ، وأن يكونوا حذرين من الألاعيب السياسية ، فهـم بحاجة إلى الإلتفاف عليها ، خطوة بخطوة.
القوة في موضعها ، والحراك السياسي الراشد في موضعه.
بحكمة العلماء ، وحلم النبلاء ، مع ثبات الأنقيـاء الأتقياء ، ومن يتوكل على الله تعالى فهو حسبه ، ومن يستهدي الله يجعل له من كلِّ ضيق مخرجا ، ومن كلِّ هم فرجا
هذا والله أعلم وهو حسبنا عليه توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون. |