السائل: زائر التاريخ: 27/09/2008 عدد القراء: 10653 السؤال: فضيلة الشيخ ماحكم صلاة الجمعة في بلاد تحت الإحتلال أو بلاد لاتحكم بالشرع حيث إن بعض الناس زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في مكة لأنها دار كفر وصلاها في المدينة لأنها دار إسلام نرجو التوضيح!
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فينبغي أن يعلم أنَّ تقسيم الدور إلى دار إسلام ، ودار حرب ، لايجـوز أن ينزل منزلة ما نطق به القرآن ، وجاءت به السنة من الأحكام ، فهـو تقسيم إصطلاحي ، وضعه الفقهاء ، ليدرجوا تحته أحكاما تتعلق بالجهاد ، والهجرة ، وغير ذلك من الأحكام كحكم اللقيط ، ومن وجد ميـتا ، ونحوها من الأحكام .
وهو مع ذلك مبنيُّ على تميّـز دار الإسلام التي لايحكم فيها إلاّ بأحكام الشريعة ، ويقيم فيها المسلمون دينهم ، عما سواها من البلاد التي لايكون فيها مسلمون ، أو لايمكَّـنون فيها من إقامة شيء من دينهم.
أما اليوم فعامـة البلاد الإسلامية فيها مما ذكره الفقهاء من أحكام دار الإسلام ، وفيها مما ذكروه من أحكام دار الكفر .
ولهذا فلا يحكم عليها بأحد القسمين دون الآخر ، وكذلك في البلاد غير الإسلامية ، بل ربما يكون في البلاد غير الإسلامـية ، من أحكام دار الإسلام أكثر مما يكون في بعض البلاد الإسلامية ، كما يمنع الحجاب على المسلمة في بعض بلاد المسلمين ، ويسمح به ويحمى في غيرها.
ولهذا فإنه من الخطأ البيـِّن ، إجراء هذا التقسيم على نفس الواقع الذي كان فيما مضى ، في زمن الفقهاء الذي وضعـوه ، بل القول بذلك اليـوم يسلتزم من التناقض ، واللوازم الباطلة ، مالا يتفطن له هذا القائل.
كم يترتـَّب عليه من الفساد في المسلمين ، والإخلال بالدين ، ما يتعارض مع مقاصد الشريعة ، وحكمها العليّـة الجليلة.
ومن ذلك زعم الزاعم أنَّ صلاة الجمعة لايصح أن تقام إلاّ في دار الإسلام على التقسيم الإصطلاحي المعروف في كتب المتقدمـين ، فيلزم من ذلك بطلان كلّ صلوات الجمعة في عامة البلاد الإسلامية ، وغيرها ، وفي ذلك ما فيـه من الجهـل ، والفساد ، والضلال المبين .
ولاريب أنَّ هذا المقالـة ، كالقول بترك جماعات المسـاجد ، في البلاد التي لاتحكم بالشريعة ، من البدع الشنيعة ، التي انتشرت في بعض أهـل الشـذوذ ، والغلوّ ، ولهذا لـم يفت بهـا أحد من العلماء المعتبرين ، ولا الأئمة المرضيين .
والحقَّ أن صلاة الجماعة تصحّ في أي موضع يتمكن فيه المسلمون من إقامتها ، آمنيـن على أنفسهـم ، ولا يشترط لها وجود الإمام الأعظـم ، ولا دار الإسلام التي هي فـرع على وجود هذا الإمام أصـلا .
وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر رضي الله عنه يسألونه عن الجمعة ، فقال جمعوا حيث كنتم .
أما عدم إقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها في مكَّـة .
فقد روى الدارقطني عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، قال : ( أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر ، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بمكة، ولا يبدي لهم ، فكتب إلى مصعب بن عمير : أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم فاجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين قال فأول من جمع : مصعب بن عمير ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فجمع عند الزوال من الظهر وأظهر ذلك)
وفي هذا الخبر أن مصعب بن عمير هو أول من صلاة الجمعة في الإسلام ، وثمـة قولٌ آخر ، وهو أنَّ أول من جمع بهم ، هو أبو أُمَامة أسعد بن زُرَارَة ، الذي نزل عليه مصعب بن عمير، فعـن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : كان أبي إذا توجَّه لصلاة الجمعة ، وسمع الأذان استغفر لأبي أُمَامة، ولمَّا سأله لماذا يستغفر له قال: كان أول من جمع بنا في المدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، في نقيع يُقال له نقيع الخضمات، وكانوا يومئذٍ أربعين رجلاً ، رواه أبو داود وابن حِبان وابن ماجه والبيهقي وصححه ، وقال ابن حجر: إسناده حسن
قال الحافظ : ويجمع بينه وبين الحديث قبله ، بأنَّ أسعد كان أميرا ، ومصعبا كان إماما.
وإنما لم يتمكـَّن النبي صلى الله عليه وسلم من إقامته في مكة بسبب ظلم الكفار للمسلمين ، ومنعهم من إقامة شعائر الله تعالى ، كما ذكر الإمام الشوكاني في نيل الأوطار.
وأيضا فإنَّ إقامتها في المدينة ، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان قبل أن يبسط الإسلام أحكامه على المدينـة ، بل كان الإسلام قد انتشر في الأنصار ، ولم يهيمـن بأحكامه على تلك الـدار بعــد ، وبهذا يكون الإستدلال بصلاة الجمعة في المدينة آنذاك ، على جواز صلاتها في غير دار الإسلام أقـرب ، وأوضـح.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه |