السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 7425 السؤال: معالم الشخصية الإسلامية؟
جواب الشيخ: السؤال:
فضيلة الشيخ أطلب منك أنك تكتب لي منهجا يلخص معالم الشخصية الإسلامية لكي ادرسه للطلاب على أن يكون بأسلوب سهل أكاديمي لغير طلاب الشريعة ، ويكون شاملا تقريبا ، بحيث يمكن أن يلخص مقرر كامل عن الثقافة الإسلامية ، ولكن بدون تفصيل ، حتى لا أكلف عليكم ، والله يوفقكم ويرعاكم ،
***************
جواب الشيخ:
معالم الشخصية الإسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
1ـ أوّل معالم الشخصية الإسلامية ، هو الإيمان بالتوحيد ، فأوّل ما يميز المسلم عن بقية الناس ، أنـّه لايعبد إلا الله تعالى ، فهو لايصرف العبادة لغير الله ، ولا يتخذ سواه معبودا ،
على الله وحده يتوكل ، وإيـّاه يدعو ، له صلاته ، وركوعه ، وسجوده ، وسائر عباداته ، لايتخذ إلى الله في العبادة واسطةً من غيره ، لانبيّا مرسلا ، ولا ملكا مقربّا ، ولا وليّا صالحا ، كمــا قال تعالى ، ( قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ) ، وقــال : ( قل إن صلاتي ونسكي وممحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له ) .
فحقّ الله أن يعبد وحده لاشريك له ، وحقّ نبينا صلى الله عليه وسلم الإتباع والإئتساء ، وحقّ الأولياء ما للمؤمنين من الحقوق ، ومـن الزيادة ما تنبغي لزيادة منزلتهم ، فلا يجوز الخلط بين الحقوق .
والتوحيد ثلاثة أقسام :
أحدها : توحيد الربوبية وهو كالمقدمة لتوحيد الألوهية ، لأنّ معناه ، اعتقاد العبد أن الله تعالى متفرد بالخلق ، والتكوين ، والتقدير ، ، وبالتصريف ، والتدبير ، لاثاني له ولاشريك له ، ولامعين : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ) .
كما يدخل في هذا التوحيد ، إعتقاد العبد أن الله تعالى هو الحَكَم ، وإليه الحُكْم ، وهو ملك السموات والأرض الذي لايملك غيره حق التشريع لعباده ، ذلك أن الأمر والنهي من أهم خصائص المُلْك ، بل هو أعظم خصائص الملك ، فمن جعل التشريع لغير الله تعالى ، فقد كفر بأن الله تعالى ملك الملوك .
الثاني : توحيد الألوهية : وهو إفراد الله بالعبادة كما بيّنا ، فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد أشرك في عبادة الله ، وهو شرك أهل الجاهلية من كفار قريش ، فإنهم كانوا يقرّون بتوحيد الربوبية ، كما قال تعالى: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) .
غير أن هذا التوحيد لم ينفعهم ، كما لم ينفع إبليس معرفته بالله ، وإقراره بربوبيته ، وبكمال صفاته ، لأن الله تعالى أراد منهم أن يوحدوه توحيد العبادة ، ولا يجعلوا بينهم وبينه ـ سبحانه ـ واسطة تقربهم إليه ، كما قال تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .
ومن هذا التوحيد أن يخضع العبد لطاعة الله ، ولا يقدّم على هذه الطاعة طاعة أحد كائنا من كان ، فإنّ جعل طاعة غير الله ، كطاعة الله من شرك الأنداد ، ومن اتخاذ الشريك مع الله تعالى ، ولهذا قال تعالى : ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) .
بل إن إفراد الله بالعبادة ، إنما صار حقا لله تعالى ، بأمر الله وحُكْمه ، وامتثالا لطاعته ، كما قال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) .
وتوحيد الألوهية لـزم من توحيد الربوبية ، ولهذا يقول العلماء: توحيد الربوبية منحة ، وتوحيد الألوهية تكليف ،
فالله تعالى لأنـّه الربّ الذي ربّى عباده بنعمه ، ومنحهم الوجود ، وأمدهم بأسبابه ، أمرهم بعبادته ، وخلقهم ليعبدوه وحده لاشريك له ، كما قال ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ) .
ولكن لفظ ( الإله ) و( ا لرب ) إذا اجتمعا افترقا في الدلالة ، فكان الأوّل أخص بمعنى المعبود ، والثاني بمعنى الخالق المنعم ،
وأما إن افترقا ، فإنّ المعاني تتداخــل، كما ورد ( إلاّ أن يقولوا ربّنا الله ) أي معبودنا الله الذي خلقنا ، وفي حديث سؤال منكر ونكير ( من ربّك ) أي ما كنت تعبد في الدنيا .
والقسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات ، وهو أن يعتقد العبد أن الله تعالى واحد في ذاته وصفاته وأسماءه ، له في ذلك الكمال المطلق ، من كلّ وجه ، ولا يلحقه عيب ، ولانقص ، ولا يشبه شيئا من خلقه ، ولا يمكن إدراك كيفية صفاته ، فيجب إثبات جميع أسماء وصفاته الواردة في الوحي ، من غير تعطيل ، ولا تأويل ، ولا تمثيل أي تشبيه ، ولا خوض في الكيفية ، كما يقول العلماء : إثباتا من غير تمثيل ، وتنزيها من غير تعطيل .
ومن الإيمان بكمال أسماءه وصفاته سبحانه ، الإيمان بأنه سبحانه هـو الملك ، الحكم ، العدل ، الذي لامعقِّب لحكمه ، تمّت كلماته صدقا وعدلا ، صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأحكام ، فمن جعل التشريع لغير الله ، فإنه لم يحقق الإيمان بهذه الأسماء الحسنى ، والصفات العليا .
وقد ذكرت هذه الأقســام ، في قوله تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )
2ـ التمسك بالوحي الإلهي ، والانقياد للشرع ، فالمسلم لايقدم على كلام الله ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فإنقياده لله وحده ، واستسلامه لربه لاشريك له ، وهذا هو معنى الإسلام ، كما قال تعالى ( إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين ) ، وقال تعالى ( ثم جعلناك على شريعة من الأمــر فاتبعها ولاتتبع أهواء الذين لايعلمون ) .
وانطلاقا من هذه العقيدة ، يؤمن المسلم أنه لافصل بين الدين والحياة ، ولا بين الدين والدولة ، فالإسلام دين الحياة ، الدنيا والآخرة ، وهو الدين وهو الدولة ، ويعتقد المسلم أن العقيدة التي تفصل بين الدين والحياة ، أو بين الدين والسياسة ، أو بين الدين والدولة ، عقيدة مناقضة لعقيدة الإسلام ، ولمعناه ، ولعنوانه العام ، ولمقتضى الشهادتين ، وهي العلمانية اللادينية المنتشرة في هذا العصر .
كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا )
إلى أن قال : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ) .
فقد أقسم سبحانه أنه الإيمان لايتحقق حتى يجعل العبد حكم الرسول المبلغ عن الله تعالى ، محمد صلى الله عليه وسلم ، هو الفاصل في كل أمور الحياة .
3ـ محبّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فالمسلم يحبّ الله أعظم من كل محبوب ، ثم يحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، أعظم من حبه لنفسه ، وماله ، وولده ، كما في الحديث ( لايؤمن أحدكــم حتى أكون أحب إليه من ولده ، ووالده ، والناس أجمعين ) متفق عليه ، وورد أيضا ( من نفسه ) .
ومن محبّته صلى الله عليه وسلم ، محبّة أصحابه ، والترضّي عنهم ، ومنهم أهل بيته ولهـم حقان ، فإنّ أصحابه ، هـم وزراؤه ، وتلامذته ، وخاصته ، ونتاج تربيته المباشرة ، ولهذا كان الطعن فيهم طعنا فيه صلى الله عليه وسلم ، وإيذاءً مباشرة له صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال : ( فقال احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، رواه أحمد وغيره .
وقال ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء أقوام ، يسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ) متفق عليه .
غير أن محبّة النبي صلى الله عليه وسلم لاتعني الغلوّ فيه ، وإطراءه بما هو فوق منزلته ،فقـد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ومن الضلال ما يقوله أهل البدع ، من أنه صلى الله عليه وسلم ، قد خلق الكون من نوره ، أو أنّ من علومه علم اللوح والقلم ، أو أن تراب قبره أفضل من الكعبة ، وكذا التعشّق في وصفه ، بأبيات الشعر التي لاتليق بمقام النبوّة ، ونحو هذا من الأقوال المبتدعة ، والإطراء المخالف للشرع .
كما يحرم التمسح بجدران حجرته ، والتوسل بذاته ، وشدّ الرحال إلى قبره ، فكلّ ذلك ماتركه الصحابة إلاّ لأنه من البدع والمحدثات ، وقد يصل ببعض الجهلة إلى الشرك والعياذ بالله ، وذلك عندما يصرفون العبادة إليه ، مثـل دعاءه ، والتوكل عليه ، والاستغاثة به ، والطواف بقبره ، والسجود له .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
4ـ التحلّي بالأخلاق الحميدة ، فالمسلم ذو خلــق كريم ،يحبّ مكارم الاخلاق ، كالشجاعـة ، والجود ، والحلم ، وهـو لايظلم ، ولا يجهل ، ولا يعتدي ، فهو عفيف في جوارحه كلها : عفيف البصر ، لاينظر إلى المحرمات ، عفيف الفرج لايزني ، عفيف اللسان لايغتاب ، ولايؤذي المسلمين بلسانه ، ولا يخوض في عورات الناس ، عفيف اليد لايسفك دما حراما ، ولا يسرق ، كما في الحديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) رواه البخاري .
والمسلم يعامل الناس بالحسنى ، ويعرف لكلّ ذي حقّ حقّه ، فللوالدين أعظم الحقوق ، ثم للزوجة والأولاد ، وللأرحام ،ولسائر المسلميــن ، ثمّ لكـــلّ الناس ، وفي الحــديث : ( وخالق الناس بخلق حسن )رواه أحمد وأبوداود والترمذي وغيرهم ، وفيه : ( إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ) رواه الحاكم وغيره .
وقد أمر الإسلام بالإحسان إلى كلّ شيء ، حتى الحيوان ، لأنّه دين الرحمة والإحسان ، وقد ورد في الحديث أنّ امرأة دخلت النار في هرّة ، لأنهــا حبستها فماتت من الجوع ، وأخرى دخلت الجنة لسقيها كلبا ، كاد يَهلك من شدّة العطش .
5ـ المسلم ذو شخصية تحمل رسالة الإصلاح ، والعطاء ، والبناء : فالمسلم معطــاءٌ ، يحبَّ الخير للناس ، ويجود به ، ويسعى إلى نشره ، ويحارب الشــرّ ، والفساد ، كما قال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
والمسلم يحب البناء الخيـّر في كلّ شيء ،فهو يبني بالخيـر نفسه ، وأسرته ، ومجتمعه ، ويسعى في تنمية الجوانب المشرقة في كــلّ الحياة ، ويحرص دائباً على تطويرها إلى الأحسن ،
وقد كانت حياةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، كما في سيرته العطرة ، كلُّها في البناء والإصلاح ، فقد بنى أعظم أمّـة ، قدّمـت للبشريّة أروع بناءٍ حضاريّ ، في جميع جوانب الحيــاة .
6ـ الاعتزاز بدينه ، فالمسلم يعتزّ بدينه ، ويفخر به ، ويدعو إليه ، ويجاهد في سبيل رفعتــه ، ذلك أنـّه يعلم علم اليقين ، أن الإسلام هو الدين الحقّ ، الذي لايقبل الله سواه ،
قال تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) .
وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
7ـ القيام بحـقّ الأمانة ، فالمسلم يعلم أنـّه بدينه ، يحمل أمانةَ دعوة الرسل والأنبياء جميعا ، فهو بإسلامه عنوان لها ، فلهذا هــو حريصٌ على تمييزها عن كلّ باطلٍ من الأديان ، والأفكار ، والمناهج الأخرى ، فهو لايجامل في إيضاح الحقّ الذي يحمله مما دلّ عليه دينـُـه، وفي فصله عن الباطل الذي هــو غير دين الإسلام ، مــن كلّ الأديان والمناهج الأخرى ؟
بل هــو يقول بوضوح إنّ الناس جميعــا ، ينقسمون في موقفهم من الهـُـدى ، إلى قسمين لاثالث لهمــا :
إلى أهل الحقّ والنور وهم أتباع محمّد صلى الله عليه وسلم فحسب ، وإلى أهل الباطل والظلمـات ، وهم مــن لــمْ يدخل في دين الإسلام ، كما قال تعالى ( الله وليّ الذين آمنوا يخرجُهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ، يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
ومن حمـْــلِ المسلم لهذه الأمانة بحــقّ ، أنه يُشفق على الناس من غير المسلمين ، ويترفّق بهم في معاملتهم ، ويُحسن إليهم ـ في غير المقامات التي تتطلب غير الرفق ـ حتى يروا في سماحة الإسلام أُنموذجا لحضارته السمحة ، المشرقة بالخير ، فيكون ذلك سببا لدخولهم في دين الله .
8ـ المسلم ينظر إلى الحياة الدنيا على أنها فترة اختبار فحسب ، ستمضي بـه سريعا إلى الحياة الحقيقيـة ، التي يعـود فيهـا إلى الله تعالى ، حيث يجــد حساب أعماله ، ثم يصير إمّـا إلى الفوز المبين في الجنة ، أو إلى الخسران في نــار الجحيــم أعاذنا الله منها .
ولهذا فالمسلـمُ يــزنُ أعمالـَه ، على أساس أنه سيجدها أمامــه يوم القيامة حسناتٍ أو سيئات ، فهو لا تغرّّه الدنيا بملذاتها ، ولاتغريه الشهوات المحرمة ، كما قال تعالى ( يا أيها الناس إنّ وعــد الله حـق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ) .
9ـ المسلم يوازن بين حاجات الجـسد والروح ، ومتطلبات الدنيا ، والآخرة ، فهو لايظلم نفسه بمنعهــا مما أباح الله تعالى بغير إسراف ، في الأكل ، والشرب ، والنكاح ،وسائر المباحات ، مما فيه بهجة النفس ، وراحة الجسد ، فلا رهبانية في الإسلام .
وقــد قال تعالى ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) .
غيـر أنّ المسلم يتجنـّب أيضا ما يُشين النفس ، من المحرّمات ، ويُعطي روحَه حقـّها بالأعمال الصالحة والحسنـات ، فإنّها لاتزكوا إلا بالعمل الصالح.
10ـ والمسلمُ يحـــبّ معاني الجمال في كلّ شيء ، ويطلق حبّـه في هذا الميدان الرحب ، في حدود مرضاة الله ، ويسعى لتمثّل هذه المعانـي في نفسه ، وفيما حوله من جوانب الحيــاة ، ففي الحديث ، ( إنّ الله تعالى تعالى جميلٌ يُحــــبُّ الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ،ويبغض البؤس والتباؤس ) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
وفي الحديث : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أرسل به المرسلين فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } ، وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فانى يستجاب لذلك ) رواه مسلم .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، حريصا على تكميل شخصيّة المسلم ، في جميع الأمور حتى في بعدها الجمالــي ، من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لولا أنّ أشــقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة ) متفق عليه ، وكان يغيـّر حتى الأسماء غير الحسنة ، إلى أسماء حسنة تبعث في النفس التفاؤل ؟
كما حضّت شريعته ، ودلّت سيرته ، على استحباب التكميل الجمالي ، من لبس الحسن من الثياب ، وإكرام الشعر ، والعناية بحسن المظهر ، وكان إذا بعث سفيرا بعثه حسن الوجه ، والثياب ، كريم الخصال ، والخطاب ، كما كان يحبّ ويدعو إلى تحسين الصوت في قراءة القرآن ، وما ورد من أمره بالعناية بتنظيف البيوت ، وتطهير المساجد ، والاغتسال في المجامع العامة ، وكل ذلك يدل على عناية الإسلام بالبعد الجمالي في الحياة .
وبهذه الجوانب العشر تكتمل معالم الشخصية الإسلامية ، وماهي باكتمال معالمها ، سوى آية من آيـات روعـة هذا الدين ، ودليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم وعظمة مدرسته .
ذلك أنّ محور دعوته ، وقطب رحى رسالته ، إنما توجها إلى تقريب الإنسان إلى أقرب مدى من البناء الكامـل للشخصية الإنسانية ، ولهذا كان أصحابه رضي الله عنهم ، أقرب الناس إلى ذلك الكمال الذي نشدته كل مناهج الفكر والتربية البشرية ففشلت ، إلا الإسلام فقد نجح نجاحا باهرا ، وكلما اقترب الإنسان من التشبه بحياته صلى الله عليه وسلم ، وماكان عليه أصحابه ، صار أدنى إلى تمثل الشخصية الإسلامية الكاملة فيه .
فلا جرم ، كـان هو أكثر الأديان يدخل الناس فيه ، ويعتنقونه كلّ ساعة، بل كــلّ ثانية من الزمان ، والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . |