قال الإمام أبو بكر بن العربي : ( إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة , حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك , أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم . كذلك قال مالك وجميع العلماء , فإنا لله وإنا إليه راجعون , على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الأموال , وفضول الأحوال والقدرة والعدد والقوة والجلد ) أحكام القرآن .
فالواجب على كل مسلم أن يبذل ما في وسعه لنصر أسارى المسلمين بيد العدو في غوانتنامو أو سجونهم في العراق أو أفغانستان أو في فلسطين أوفي الهند وروسيا والفلبين وفي أي مكان ، يبذل المال ، والكلمة ، والجاه ، وجميع الوسائل المادية ، والمعنوية الممكنة .
ومنها استئجار المحامين حتى لو كانوا غير مسلمين ، فإنّ الشريعة لاتحرم استئجار غير المسلمين لرفع الظلم عن المسلمين ، ومعلومٌ أن كف يد الظالم ، وإقامة العدل ، وإرجاع الحقوق ، يوافق شريعة الله تعالى الكاملة العادلة ، فلا منافاة بين التحاكم إلى الشريعة في كل شيء ، وبين الطلب من غير المسلمين من المحامين أو غيرهم من ذوي الجاه أن يتدخلوا بشتى الوسائل لفكاك أسرى المسلمين ، فإن مطالبتهم بذلك وفق القوانين التي لاتعارض شريعة الله من جهة تخليص المظلوم ، ودرء مظلمتـه ، لا محذور فيه ، وقد قال يوسف عليه السلام لما كان أسيرا مظلوما لساقي الملك ( أذكرني عند ربك ) ، أي أذكر مظلمتي عند الملك ليخلصني من السجن .
وقد صح أن الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة قبل رأس ملك الروم ليخلص الأسرى كما ذكر ابن حجر في الإصابة في مناقب هذا الصحابي الجليل ن ما رواه البيهقي وابن عساكر مامعناه : أن طاغية الروم قال لعبدالله بن حذافة رضي الله عنه : هل لك أن تقبل راسي وأخلى عنك؟ فقال له عبد الله: وعن جميع اسارى المسلمين أيضًا؟ قال: وعن جميع اسارى المسلمين ايضًا. قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله، أقبل رأسه فيخلى عني وعن أسارى المسلمين جميعًا، لا ضير في ذلك علي. ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر ملك الروم أن يجمعوا له أسارى المسلمين وأن يدفعوهم إليه، فدفعوا له. قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخبره خبره؛ ففرح الفاروق أعظم الفرح بما صنع حذافة ، ثم قال للأسرى: حق كل مسلم أن يقبل راس عبد الله بن حذافة .. وأنا أولكم ... ثم قام وقبل راسه ...
وفي هذه القصة من الدلالة على جواز تخليص الكفار بالوسائل المعنوية ، التي قد يَظن الجاهل أن ظاهرها ممنوع ، غير أنـّه في الشريعة مشروع ،، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .