الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
هذا ملخص مجموع مما ذكره العلماء لاسيما شيخ الإسلام في قصة غدير خـم :
،
روى مسلم : ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ووعظ ،وذكر ،ثم قال : أما بعد : ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر ، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ).
،
وقد تُروى زيادات على هذا الحديث ، فلنذكرها ، ونبيّن درجتها :
،
فمن ذلك ما ورد في حديث غدير خم من لفظ ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، وفي ثبوتـه نزاع ، قال شيخ الإسلام : ( فقد رواه الترمذي وأحمد في مسنده ، وهو ليس في الصحاح ، وقـد تنازع الناس في صحته ، فنقل عن البخاري ، وإبراهيم الحربي ، وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه ، وضعَّفوه ، ونقل عن احمد بن حنبل ، أنـّه حسّنه كما حسنه الترمذي ، وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه).
غير أنَّ لهذه اللفظة عدة طرق تدل على ثبوتها .
وقال ابن حزم : ( الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، وقوله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل ، وعهده صلى الله عليه وسلم أن عليا لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ،وقد صح مثل هذا في الأنصار أنهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ، قال وأما من كنت مولاه فعلى مولاه ، فلا يصح من طريق الثقات أصلا) أ.هـ
وأما زيادة : (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه الخ ) فهذه الزيادة ، وردت عند النسائي والحاكم وأحمد وغيرهم وإسنادها لا بأس به ، وقد ضعَّفها بعض العلماء .
وهذا ثابت لكلِّ الصحابة ، فكلُّ من عاداهم عاداه الله ، أما من خالف عليَّا رضي الله عنه من الصحابة ، بسبب اجتهاد ، فلا يدخل في الدعاء ، لكن من عاداه وهو جاحدٌ لفضله ، قاصدٌ لظلمه ، فالله عدوُّه ، بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
،
وأما لفظ قوله : ( أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة ) فلايصـح في ذلك شيء.
،
وأما معنى قوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه) ، فقد قال شيخ الإسلام :
،
( ليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة ، و ذلك أن المولى كالمولى ،والله تعالى قال إنما وليكم الله ، و رسوله ،و الذين آمنوا ، وقال وإن تظاهرا عليه ،فان الله هو مولاه ، و جبريل ، و صالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير ، فبين أن الرسول ولي المؤمنين ، وأنهم مواليه أيضا ، كما بين أن الله ولي المؤمنين ، وأنهم أولياؤهم ،وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
،
فالموالاة ضد المعاداة ، و هي تثبت من الطرفين ، وإن كان أحد المتواليين ، اعظم قدرا ، و ولايته إحسان ، وتفضل ، وولاية الآخر طاعة ، وعبادة ، كما أن الله يحب المؤمنين ، و المؤمنون يحبونه ، فإن الموالاة ضد المعاداة ، و المحاربة ، و المخادعة ، و الكفار لا يحبون الله ، و رسوله ، و يحادون الله ، و رسوله ، و يعادونه.
،
و قد قال تعالى : ( لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء ) و هو يجازيهم على ذلك ن كما قال تعالى : ( فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله )
،
و هو ولي المؤمنين ، و هو مولاهم ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، و إذا كان كذلك، فمعنى كون الله ولي المؤمنين ، و مولاهم ، و كون الرسول وليهم ، و مولاهم ، و كون علي مولاهم ، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة
،
والمؤمنون يتولون الله ، و رسوله ، الموالاة المضادة للمعاداة ، و هذا حكم ثابت لكل مؤمن ، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين ، الذين يتولون المؤمنين ، و يتولونه
،
و في هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن ، و الشهادة له بأنه يستحق المولاة باطنا ، و ظاهرا ، و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج ، و النواصب ، لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره ، فكيف و رسول الله صلى الله عليه و سلم له موالي ؟! و هم صالحو المؤمنين ، فعلي أيضا له مولى بطريق الأولى ، والأحرى ، وهم المؤمنون الذين يتولونه) أ.هـ.
،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( أذكركم الله في أهل بيتي) ، وتذكيره الأمة بهم ، يقتضي أنْ يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم ، والامتناع من ظلمهم ، وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم
،
أما ما يرويه الرافضة أنه صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة ذلك اليوم ، فكلُّها أكاذيب ، وإفتراءات ، لم يروها المحدثون إلاَّّ لبيان كذبها.
،
والخلاصة :
ــــ
أن ما صح بإتفاق من حديث غدير خم ، هو الوصية النبوية بأهل بيته ، وهذا كثير من كلامه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك اليوم .
،
وأما ما سوى ذلك من الزيادات ، فقد اتفق العلمـاء على كذب لفظ ( أنت أولى بكلّ مؤمن ، ومؤمنـة )
،
كما اتفقوا على أنَّ كل ما ترويه الرافضة من وصيته صلى الله عليه وسلم بالخلافة لعلي بعده ، كلُّها أباطيل ، وإفتراءات ، لايصح منها شيء.
،
وتنازعوا في لفظتين ، أحدهما : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وليس فيها ما يدل على الخلافة بعده أصلا ،
،
والأخـرى : ( اللهم عاد من عاداه ، ووالي من والاه ) وفيها الدعاء على من عادى عليَّا رضي الله عنه ، وهو جاحدٌ لفضله ، قاصدٌ ظلمه ، أما ما وقع بين الصحابة في الفتن من الخلاف بتأويل وإجتهاد فلا يدخل في هذا ،
وهذا متفق عليه بين العلماء والله أعلم