أما نصيحتي لمن يشاهد هذا البرنامج فأقول وبالله التوفيــق :
قيمة كل إنسان ما تهتم به نفسه ، وكيف يستعمــل أعضــاءه في هذا الهم ّ، فمن كانت همّته في متابعــة أخبار الحثالة الذين لايملكون سوى صور وأجساد يدعون بها الناس إلى الفواحش ، فهمته أوضع الهمم ، وأخسها ، وأدناها ، ولهذا فهو يستعمل عينه وسمعه في أخس الأمور وقد صارت حظا للشيطان .
ومن كانت همته في تحصيل الحسنات ، واغتنام العمر في الصالحات ، استعدادا للموت وما بعده ، فهو في أحسن الهمم ، وأعلى القمم ، ويستعمل نعمة البصر ، والسمع في أفضل الاعمال فهنيئا له عقلــه ، وبشرى له بخير العاقبة في الدنيا والآخــرة .
والعجب كيف يختار العاقل لنفسه أن تنظـر عينه لمن لاوزن لهــم ، ولايستحقون حتى الطاقة التي يصرفها الجسد في تشغيل العين للنظر إلى صورهم ، وفي إعمال السمع في سماع أصواتهم ، فيلــوّث قلبه بتلك القمامة ، وقلبــه أغلى شيء لديه وأولى الأمور بالعناية بطهــارته ، ويفسد اطمئنان نفسه بالقاذروات التي تذهب سكينتها وراحتها .
فعلى المسلم العاقل أن يتذكر دائما أن الله تعالى وهبه نعمة السمع والبصر ليدخل بهما إلى قلبه ما يزيده إيمانا وصفاء وسكينة، ويحميهما من كل ما يدخــل إلى القلــب من الذنوب والمعاصي التي هي قاذروات تلوث صفاء القلب وتظلم نوره .
ولاريــب أن أكثر الأمراض النفسية ، والوساوس الشيطانية ، و عامة القلق ، وغالــب الاكتئاب والضيق النفسي ، سببها ما تدخلـه العين ويقذف به السمع إلى القلب من هذه القاذروات ، ولهذا كان الناس فيما مضى قبل هذه الآلات التي نشرت الفواحش في كل مكان فأشغلت عيون الناس وآذانهم بهذه الذنوب ، كانت نفوسهم أصح ، وعقولهم أجلى ، وقلوبهم أصفى ، وقلت فيهم الأمراض النفسية ، حتى صارت في هذا العصر من أكثر الامراض إنتشــارا وفتكا في الناس .
وقد قال الحق سبحانه ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) وذكر السمع والبصر قبل الفؤاد لأن ما في القلـب إنما يأتيه من هذين الطريقين السمع والبصر فمن حفظهما حفــظ قلبـــه ، ومن ضيعهما ضيع قلبــه .
ولهذا حرم الله تعالى النظر إلى النساء بشهوة ، والنظر إلى عوراتهن ، لأن في ذلك سكر الابصار ، وحــرم سماع المعازف لانه سكر الأسماع كما أن الخمــر سكــر العقول ، فكل هذه الثلاثــة ، تعكر على القلب صفاءه بالذكر ، وسكينته إلى ربه ، قل من ذلك أو كثــر .
وعلى المسلم أن يتفكر في نفسه ، هل هذه الصور والأجساد التي تبحث عن حطام الدنيا بعرض نفسها كسلعة ، تستحق أن أعيرها إهتمامي ، وأنقش صورها في قلبي الذي هو أغلى ما عندي ، وأشغل بها بصري الذي هو جوهرة روحي ، وأصغي لها سمعي الذي هو من أعظم نعم الله عنــدي ، فإن كانت تستحق فقد وضع متخذ هذا القرار نفسه والأنعام سواء ، بل هي أعلى درجة منه ، وإن كانت لاتستحق فلماذا يدس العاقــل سمعه وبصره وقلبه في القمامة وهو يعلم .