هذه الشبهة من تلبيس إبليس ، يريــد بهــا أن ينكر العبد قدر الله تعالى فيشكك في وجوده ويقوده ذلك إلى الحيرة فالكفر و الضلال .
والجواب في غاية السهولة وهو أن السائل : ـ
إما هو مقر بان الله تعالى خالق الكون بحكمة بالغة وقدرة باهرة وعلم لايحيط به أحد من خلقه ، وأن الإنسان وما فيه من صفة العلم والحكمة من جملة خلق الله تعالى ، أو أنه لايقـــر بذلك .
فإن كان لايقــر بخلق الله تعالى لكل شيء ، فهذا ملحد يجب أن يناقـش أولا في وجود الصــانع وسبب حدوث الكــون وليس هذا بحثنــا .
وإن كان مقــرا : ـ
فيقال له : ما أبعــد الذي يقر بأنه في غاية الجهــل بالنسبة لعلم خالقه وأن خالقــه أصلا الذي وهبه بعض العلم ، وأنــّه في منتهى الحيــرة بالنسبة لحكمة خالقــه تعالى الذي وهبه بعض الحكمة إن كان من أهلــها ، وأنه عاجز بالنسبة لقدرة الله تعالى .
ما أبعده إن كان مع ذلك يظن أنه اكتشف خللا في علم الله وحكمته وقدرته وكمال صفاته فظن أنه استدرك على ربه خطــا منطقي في هــدف إيجــاد الخلق ، وقانون المحاســبة ، ونظــام العــدالـــة الإلهـــية !!!
فإن قيل فقد حيرتنا فمــا هــو الجواب على السؤال :ـ
فالجــواب : ـ
لقد سبقت الملائكة فسألت قائلـــــة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك )
فكان الرد ( إني أعلــم ما لاتعلمــون )
فسكتت الملائكة لانها علمت بما وهبها الله من عقول كملت ، أن ما خفي عليها أعظم مما علمته ، وأن ما أوتيته من علم قليل لايؤهلها لتفهــم كلّ حكمة الله تعالى .
وقد علمــت أن الجاهل الحقيقي هــو الذي يفرض أن اللـّـه الذي وهبه العقل الذي عرف فيه أن العدالة حق مطلق ، والرحمة فضيلة ، والحكمة غاية نبيلة ، أن هذا الخالق الواهــب قد وقع في خطــأ جسيم وواضح ، في العدالة والحكمة والرحمة ، ثم اكتشفه المخلوق الضعــيف الجاهل !!
فحينــئذ سكتت الملائكــة
فما ظنّكــم بالإنسان ؟!
والخلاصة أن الله تعالى لما كملــت صفاته علم ما كان وما يكون وما سيكون في المستقــبــل ، غير أنه لما خلق العبد لم يظلمه ، بل أجرى عليه قانون العدالة المطلقة ، فوهبه فرصة ، وأعطاه قدرة ، وإرادة ، ومنحه حيــاة ،
ثم أخبره أن العبرة بخاتمة حياته ، مهما عمل السيئات ثم تاب محيت سيئاته ، وأنه إن حفظ على التوحيد حتى ينقضي عمره ، فلن يخلد في النار ، فحسنة التوحيد وحدهـا عاصمة من الخلــود في النار ، غير أن السيئات ـ لاسيما الكبائر ـ خطرٌ عليه ، فقد تثــمر ظلمــة القلب فيقع في الشرك قبل الممات ، فينبغي أن يبقى العبد خائفا على نفسـه ، وكثير من مدمني الكبائر الذي لايتوبون منها ، تقودهم ظلمة قلوبهم بسببها إلى الشك فالكفر فيموتون كفارا عافنا الله تعالى وإيــاكـــم.
ثم أخبره أنه لن يعذبه إن انتهى عمره وفرصته في الدنيا ولم تبلغ الحجة .
ثم إنه إن أصر على الكفر ، وأعرض عن الهدى ، وأدمن السيئات فلم يتب منه حتى مات ، فقد أفســد عليه فرصته بما جنت يداه ، ولايظلم ربك أحــدا ، ولهذا فإن الظالمين لأنفسهم يقولون يقوم القيامة ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) أي أن الله تعالى وهبنا الآدوات التي بها ننجو ، لكننا أفسدتنا فائدتها بأنفسنا فصرنا إلى عذاب الله تعالى .
والله أعلم