السائل: زائر التاريخ: 16/07/2010 عدد القراء: 10381 السؤال: الرد على إفتاء الأزهـر ؟!
جواب الشيخ: فضيلة الشيخ ما هو الرد على إفتاء الأزهر في فتواهم في مسألة والديْ النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، ولماذا يستشكل الناس هذه المسألة؟!
.
جواب الشيخ
.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
أستغفر الله العلي العظيم ، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك لانحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، اللهمّ صلّى وسلّم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين وخير خلقك أجمعين محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
سبب إستشكال أنّ والديـه _ بأبي هو وأمي _ ليسـا من أهل النجاة ، لأنّ إطلاق ذلك فيه شبهـة إيذاء له صلى الله عليه وآله وسلم ، ولهذا لايشرع أن يذكر ذلك في أي سياق يشعـر ولو من بعيد بمالايليق في حقّ مقامه العظيم الذي فُضّل على جميع الخلق أجمعيـن صلى الله عليه وآله وسلم .
غير أنّ هذه الشبهة بعيدة ومنتفية تمامـا ، فليس في ذكر حكم والديه في الآخـرة في سياق البيان المجـرد ، أي أذى له صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لـم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة مصيرهما بكونهما ماتا في الجاهلية فحسب ، بل قـد بيـّن حكمهما بنفسه كما سيأتي ، وإنما فعل ذلك عليه الصـلاة والسلام ليقرر مبدأ فرديّة التبعة في شأن العقيدة ، والحساب الإلهي ، وليؤكـد عقيدة الولاء والبـراء بالأسـوة ، وأنّ من كفـر لاتنفعه قرابته حتى لو كانت النبوّة ، بل أعلى منازلها ، وأرقى مراتبـها ، كما قال تعالى ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) ،
وكما قال : ( كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) .
قال الإمام ابن كثير : ( أي ليس لكم في ذلك أسوة أي في الاستغفار للمشركين هكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وغير واحد)
وكما قد بين الله تعالى ذلك في قصة نوح مع إبنه وغيرها في القـرآن .
وأبلـغ ردّ على ما ذكره المعتـرضون على عدم نجاة والديّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، هو ما في القرآن الكريم _ كما ذكرنا آنفا _ من قصة إبراهيـم عليه السلام مـع والده ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، هو أبو الأنبياء ، وخليل الله تعالى ، وإنـّما نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ، من ولـده ، ومع ذلك فقد نص القرآن على أن والد إبراهيـم عليه السلام ، قـد كان كافراً ، ومات كافراً .
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)
قال : ( والمعنى : لا حجة لكم أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم الخليل عليه السلام لأبيه فإنّ ذلك لم يكن إلاّ عن عـِدَة . وقال ابن عباس : كان أبو إبراهيم وعد إبراهيم الخليل أن يؤمن بالله ويخلع الأنداد فلما مات على الكفر علم أنه عدوّ الله فترك الدعاء له فالكناية في قوله : " إياه " ترجع إلى إبراهيم والواعد أبوه . وقيل : الواعد إبراهيم أي وعد إبراهيم أباه أن يستغفر له فلما مات مشركا تبرأ منه . ودل على هذا الوعـد قوله : " سأستغفر لك ربي " )
.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآيـة أيضـا : ( وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الخليل ، عن علي رضي الله عنه قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان ؟ فقال أولم يستغفر إبراهيم لأبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية . قال لما مات فلا أدري قاله سفيان ، أو قاله إسرائيل ، أو هو في الحديث ، لما مات " قلت " هذا ثابت عن مجاهد أنه قال : لما مات .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن في سفر ، فنزل بنا ، ونحن قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه ، وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب _ وفداه بالأب والأم _ وقال : يا رسول الله مالك ؟ قال " إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرا " ) أ.هـ.
وأما ما احتج به القائلون بأنهما مسلمان ، فقد رد علـى ذلك الإمام ابن كثيـر بقوله : ( وَأَغْرَب مِنْهُ وَأَشَدّ نَكَارَة مَا رَوَاهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَاب السَّابِق ، وَاللاّحِق بِسَنَدٍ مَجْهُول ، عَنْ عَائِشَة فِي حَدِيث فِيهِ قِصَّة أَنَّ اللَّه أَحْيَا أُمّه ، فَآمَنَتْ ، ثُمَّ عَادَتْ ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ السُّهَيْلِيّ فِي الرَّوْض بِسَنَدٍ فِيهِ جَمَاعَة مَجْهُولُونَ : إِنَّ اللَّه أَحْيَا لَهُ أَبَاهُ وَأُمّه فَآمَنَا بِهِ )
ويضاف إلى ضعف هذا الحديث أنه معارض لما ثبت من تحريم الله تعالى رجوع من مات إلى الدنيـا ويكسب فيها عملا ، كما في الترمذي أن الله تعالى قال لعبدالله بن حرام لما استشهد ( إنه قد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون )
.
هذا وقـد ورد في صحيح مسلم ما هو نص في موضع النزاع ، فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ . فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار .
(فَلَمَّا قَفَّى) أي انصرف .
قال الإمام النووي رحمه الله : ( فيه أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار , وَلا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الأَوْثَان فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار , وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة , فَإِنَّ هَؤُلاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلامه عَلَيْهِمْ ) اهـ .
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي .
وقال النووي رحمه الله : ( فيه النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ) اهـ .
هذا وينبغـى أن يعـلم أن هذه المسالة يجب أن يجري ذكرهـا بين مقدمة الأدب مع مقام النبوة ، وخاتـمة الإجلال لحضرة المصطفى على العالمين والله أعلم وصلى الله على نبيّنـا محمـّد وعلى آله وصحبـه وسلم تسليما كثيرا . |