وقفات مع حادثة خطف وقتل المتضامِن الايطالي في غزة |
|
* جاء الرجل مِن بلدِه إلى غزةَ المحاصرة متضامنًا مساعدًا متعاونًا، يريدُ أنْ يقفَ مع أهلِ غزةَ وقفة إنسانية-هذا ظاهره والله أعلم بحقيقةِ أمره-، وعاش بين المسلمين مِن أهلِ غزة يرى ألمهم ومعاناتِهم، وكان مِن المفترض أنْ يردَ أهل غزة الجميل ويُكافِئوا الرجل، ولا شك أنَّ أعظم مكافأة له على معروفِه دعوتُه للإسلام، فالرجل كافر وقدّمَ للمسلمين في غزةَ معروفًا ووقف معهم في محنة، فلا بُد أنْ نُحبَ له الخير ونرجو له الهداية ليُؤجر على ما فعل وينجو يوم القيامة، ولكنْ-في حدود علمي-لم يدعه أحد للإسلام والهدى والنور والرحمة، ولا أُبالغ إنْ قلت: استحيا المسلمون مِن دعوةِ الكافر لدينهم، بل ربما لم يجد هذا الرجل عند المسلمين تمسكًا بدينهم أو شيئًا يتأثر به في واقعهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قصّر المسلمون في غزة بواجبِهم، ولم يُكافِئوا الرجل على ما قدّم، وبدلاً مِن أنْ يُستدرك هذا التقصير، وهكذا فجأة-وللأسف الشديد-يُخطف الرجل ثم يُقتل بطريقةٍ بشعة لا يقبلها ولا يرضاها المسلم الذي يعي دينه وشرع ربِّه.
* ولا شك أنَّ هذه الفعلة الشنيعة مخالفة لأحكام ديننا العظيم، فهذا الرجل الكافر دخل غزةَ مستأمنًا ويعيش فيها بأمان فلا يجوز الاعتداء عليه لا في نفسٍ ولا عرضٍ ولا مال باتفاق أهل العلم، قال الله سبحانه وتعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ))[التوبة:6]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"[البخاري في صحيحه]، وقال عليه الصلاة والسلام: "أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[صحيح سنن أبي داود]، حتى ولو فرضنا أنَّ الرجلَ نقض الأمان بأنْ كان عينًا على المسلمين أو بأي ناقض آخر فلا يجوز قتله بهذه الطريقة وهذا الشكل، بل لا بد مِن التأكد مِن نقضه ثم يُقدّم لمحكمة شرعية لتقضي وتحكم بشرع الله تعالى بما يستحقه، أما هكذا وبهذه الطريقة السيئة فلا يجوز.
* وأخطر ما في الحدث أنه لبس ثوب الدين، وفُعل باسم الإسلام، بل واسم السلفية أنقى وأصفى وأطهر منهج، كيف؟!! والإسلام يُحرِّم ويُجرِّم أمثال هذه الأفعال، فكيف يُفعل ما يُخالف الدين باسم الدين؟!! وكيف يُفعل ما حرّمه الإسلام باسم الإسلام؟! وكيف يُؤخذ الرجل ليُساوم عليه في قضية لا علاقة له بها ثم يُسمى هذا جهادًا ودينًا؟!! شيءٌ غريب يدع الحليم حيرانًا.
* وإنَّ مَن يجرأ على القيام بمثل هذه الأفعال إما أنْ يكونَ مأجورًا مدفوعًا مِن غيره ليُحقق مصلحة ما، أو جاهل لا يفهم أحكام دينه تدفعه عاطفته فيُسيء مِن حيث يُريد الإحسان وهكذا يفعل الجهل بأهلِه، وكل احتمال له علاجه الذي يليق به، فلا نتعجل فنعالج الخطأ بخطأ آخر أو أفدح.
* وفي الحقيقة لا أدري ما هدف زج اسم السلفية في أمثال هذه الحوادث؟!! فالسلفية منهجٌ طيبٌ مبارك، يُقيم الأوامر ويجتنب النواهي ويقف عند الحدود، ويحتكم للشرع، يتمسك بالكتاب والسُنة بفهم سلف الأمة الأطهار الأبرار، وليس كل مَن التصق بالسلفية كان مِن أهلِها، وليس كلما أخطأ أحد الأفراد خطأً يُلصق بالسلفية ويُتهم به هذا المنهج النقي الصافي.
وحقيقة الأمر أنَّ المنهج السلفي المبارك يُؤتى مِن جهتين: - الأولى: ثُلة مِن الجهلة الذين يهرفون بما لا يعرفون تدفعهم عواطفهم وهم أُميون لا يفقهون في دينهم شيء ولا يعرفون عنْ السلفية شيئًا، فينسبون أخطائهم لهذا المنهج البريء مِن تصرفاتِهم وتهوراتِهم، وإنْ كانوا يحملون في كثيرٍ مِن الأحيان صدقًا بين جنباتِهم، ولهؤلاء أقول: انشغلوا بتعلم أحكام دينكم فإنّما تُأتون مِن قِبل جهلكم، فارحموا أنفسكم وتعلموا شرع ربكم.
- الثانية: فئة الحزبيين الحاقدين الذين لا يرون إلا أنفسهم وهؤلاء يتعمدون تشويه صورة هذا المنهج الطيب المبارك تدفعهم حزبيتهم المقيتة وأحقادهم الدفينة حاسبهم الله، ولهؤلاء أقول: إنْ نجحتم في خداع بعض الناس بعض الوقت فلنْ تُفلحوا في خداع كل الناس كل الوقت بإشاعاتكم وأكاذيبكم فاتقوا الله ربكم، ولو عرفتم حقيقة المنهج السلفي بعد زوال غشاوة الكِبر عنْ أعينكم لما توقفتم عنْ النهل مِن معينه العذب الصافي أنتم والببغاوات الذين يرددون مِن ورائكم، هدانا الله والجميع للحق والخير والهدى.
* ثم وبعد إنكارنا الشديد لتلك الحادثة كما سبق القول، إلا أننا نرى أنَّ هذه الحادثة قد أخذت أكثر مِن حجمها الطبيعي، فهي حادثة قتل لمستأمن وقد وقعت في تاريخ الإسلام، وكل ما في الأمر أنْ يُعرف حكم الله ويُطبق على الفاعلين كما أراد الله وإرضاءً له لا لغيره، والأمر لا يحتاج هذه المبالغة وهذا التضخيم وهذه الضجة الإعلامية وإنْ كان الحدث مؤسف، فكم مِن مسلمٍ سُفك دمه بدمٍ بارد ولم نرَ مجرد تعليق رغم خطورة سفك دم المسلم، وفي بعض الأحيان كان يُسفك دم المسلم بطريقة بشعة جدًا ولم يحدث عشر معشار هذه الضجة، فلا نريد أنْ تنتكس الفطر فيصبح الكافر أغلى وأعز عند المسلمين مِن المسلم، أو يصبح هدفنا إرضاء الكفار لا رب العالمين وهذه انتكاسة ما بعدها انتكاسة، فلنضع كل شيء في نصابه الطبيعي، ونعطيه قدره الذي يستحقه ليوفقنا الله.
وفقنا الله والجميع لكلِّ خير، والله تعالى أعلم.