المملكة العربية السعودية: القبول بدور الدولة (الهامشية)..! |
|
المملكة العربية السعودية: القبول بدور الدولة (الهامشية)..!
2010-11-04
بقلم د. محمد الحضيف
تراجع الدور السعودي خارجيا، على المستوى الدعوي والإغاثي، استفادت منه اطراف (منافسة)، لم تكتف بإزاحة المملكة عن مناطق نفوذ لها، بل صارت تزحف باتجاه المملكة، حتى باتت تهدد حدودها الجنوبية والشرقية. ليس هذا فحسب، بل إن إيران، مستفيدة من تضخم دورها السياسي، الذي أسهم فيه توسعها وتمددها (الطائفي)، تسعى سعيا حثيثا لانتزاع الإشراف على الحرمين الشريفين، في لعبة ابتزاز لتقزيم دور المملكة، بوصفها قاعدة للمسلمين في العالم أجمع. من جانب آخر، عملت الإدارة الأمريكية، بواقع من إدراكها للدور الحيوي والمهم للجهود التطوعية والإغاثية، التي كانت تقوم بها المملكة رسميا وشعبيا، وهو ما أدى إلى تنامي دورها عالميا..سياسيا وثقافيا، وإلى تعريف العالم بأهمية المملكة ودورها الحضاري.. أكثر من أي شيء آخر..بما في ذلك (حملات العلاقات العامة)، التي يصرف عليها مئات الملايين (!!).. رغم أن المملكة هي من أكبر (الدول المقرضة) والمساعدة للدول الفقيرة.
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهناك سياسة ممنهجة..أستخدمت فيها كل وسائل (الترهيب)، لتحجيم دور المملكة ..رسميا وشعبيا، ولـ(تقليص) دورها.. بوصفها دولة مهمة وقائدة، على المستويين العربي والإسلامي.. إلى دولة (هامشية)، وذلك بدفعها للإنكفاء داخل حدودها (الجغرافية)، والتخلي عن (حدودها) ودورها الثقافي والحضاري.
لن أتحدث عن (نظرية مؤامرة)، لأن مسؤولية ما حدث من تراجع لدور المملكة إقليميا وعالميا، إنما هو مسؤولية صانع القرار، والسياسة الخارجية للمملكة تحديدا. كما سوق وروج لهذا الدور الهزيل.. لدولة بإمكانيات كبيرة، بعض الكتاب والاعلاميين والأكاديميين المحليين، المرتبطين بالمشروع الامريكي،أو المتساوقين والمتناغمين معه.. تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، وتجفيف منابع (التطرف).
تراجع الدور السعودي خارجيا، على المستوى الدعوي والإغاثي، استفادت منه اطراف (منافسة)، لم تكتف بإزاحة المملكة عن مناطق نفوذ لها، بل صارت تزحف باتجاه المملكة، حتى باتت تهدد حدودها الجنوبية والشرقية.
ليس هذا فحسب، بل إن إيران، مستفيدة من تضخم دورها السياسي، الذي أسهم فيه توسعها وتمددها (الطائفي)، تسعى سعيا حثيثا لانتزاع الإشراف على الحرمين الشريفين، في لعبة ابتزاز لتقزيم دور المملكة، بوصفها قاعدة للمسلمين في العالم أجمع.
من جانب آخر، عملت الإدارة الأمريكية، بواقع من إدراكها للدور الحيوي والمهم للجهود التطوعية والإغاثية، التي كانت تقوم بها المملكة رسميا وشعبيا، وهو ما أدى إلى تنامي دورها عالميا..سياسيا وثقافيا، وإلى تعريف العالم بأهمية المملكة ودورها الحضاري.. أكثر من أي شيء آخر..بما في ذلك (حملات العلاقات العامة)، التي يصرف عليها مئات الملايين (!!).. رغم أن المملكة هي من أكبر (الدول المقرضة) والمساعدة للدول الفقيرة.
الإدارة الأمريكية التي تتولى كبر إدارة الحرب ضد العمل الخيري الإسلامي وخنقه.. لم تتردد في إستخدام كل أساليب التخويف والابتزاز و الإرهاب، بما فيها إقامة (دعاوى) على كبار المسؤولين في الدولة، تحت غطاء الحرب على (الإرهاب)، إضافة إلى الحرب الإقتصادية، بتجميد حسابات مؤسسات العمل الخيري الإسلامي.
بل حتى عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية.. كما حدث لرجل الأعمال السعودي جمال خليفة أبوالبراء، الذي تمت تصفيته في مدغشقر..رحمه الله.
من نافل القول الحديث عن أهمية العمل الخيري للسياسة الخارجية، وعن دوره في ترسيخ دور قيادي للمملكة.
كما أن شعار الإنكفاء والإنعزالية:”السعودية للسعوديين”، الذي يسوق له وكلاء المشروع الأمريكي في الداخل، لا يصب إلا في مصلحة الصهيونية واليمين الامريكي المسيحي المتطرف. كما أنه يؤدي بالضرورة، إلى تحول المملكة إلى ما يشبه (جمهورية موز)، ليس لها دور.. إلا، أن تكون (قاعدة) إنطلاق لأطماع امبراطورية ( السيد الأبيض)، ولتصدير المواد الخام لمصانعه، وسوقا لاستهلاك بضائعه.
في الوقت الذي يتنامى فيه الدور الإقليمي والعالمي، لدول أقل من المملكة، في إمكاناتها الإقتصادية و(الجيوبوليتكية).. وفي المعطى التاريخي والحضاري لها، مثل إيران وتركيا.
المقال التالي للدكتور عصام العويد، مهم جدا في تسليط الضوء على جانب مهم وخطير، مما تمت الإشارة إليه، وفي إعطاء رؤية استراتيجية، تعزز الدور الإقليمي والمهمة الرسالية والحضارية للمملكة..بوصفها مهد الرسالة الخاتمة، وفي أهمية العمل الخيري والتطوعي الخارجي للأمن الوطني والقومي.
بسم الله الرحمن الرحيم
هل “للقلب” أن يقطع الدم عن “اليدين” ؟!
(السعودية والعمل الخارجي)
كنت أرقب ردود الفعل الرسمية والشعبية لبلادنا الغالية على الساحة الدولية مع الأحداث العالمية الأخيرة فخمَّنته بدْءاً ” انحناء أمام العاصفة ” لكنه طال فخِلتُه “ركوعاً تقتضيه المصلحة” ، لم يطف بخاطري أبداً .. أن يكون “حَدَباً “!!
من السنن الإلهية في الخلق أن دولاب الدول والأمم والأفراد لا يمكن أن يقف بل إما يتقدم أو يتقهقر (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ، لقد كانت هذه البلاد تنبض كقلب الشاب رحمة ودعوة وعطاءً للمسلمين بل والعالم في جهاته الأربع ، فما تكاد تضع عصا الترحال في بلد إلا وتجد أثارهم ماثلة للعيان ما بين مسجد ومشفى ومدرسة ومسكن ، بل لابد أن ترى داعيةَ توحيد وسنة درس في جامعاتها أو تتلمذ على مشايخها أو لزم إذاعتها أو قرأ شيئا من كتبها ، ولو لم يكن من ذلك إلا تأسيس تلك الجامعة المباركة “الجامعة الإسلامية” في المدينة المنورة عام 1381هـ والتي سار نورها مسير القمرين لكان حقيقاً بالذكر والشكر .
وفي نفس هذا العام المبارك 1381هـ أنشئت أيضاً رابطة العالم الإسلامي ، ثم تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1389 هـ ، وفي عام 1392هـ أنشئت الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، ثم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة ولإرشاد عام 1414 هـ ، وأسس بعد ذلك المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .
وكان لكل هذه القطاعات نشاط لافت ، وامتد هذا النشاط للمؤسسات الخيرية كهيئة الإغاثة والوقف الإسلامي ومؤسسة الأمير سلطان الخيرية ومؤسسة الملك خالد ومؤسسة البراهيم والحرمين ومكة المكرمة وإدارة المساجد والمشاريع الخيرية ومؤسسة الشيخ سليمان الراجحي الخيرية وغيرها من المؤسسات التي أنشئت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وتوسع الأمر بعد هذا إلى مؤسسات أخرى كثيرة كمؤسسة الدعوة والإعمار والسبيعي والجميح وغيرها .
وعلى سبيل المثال فقط ، بلغت الموازنة المقرة لمؤسسة أهلية واحدة لسنة واحدة (700.000.000 ريال) ، وبلغ ما أنفق على مشروع واحد وقفي كبير (600.000.000 ريال) تبرع به مجموعة من رجال الأعمال الشباب ، وفي إحصائية قديمة لجهة خيرية واحدة أن لجنة شئون المساجد قد بنت حتى عام 1422 هـ م (1050 مسجدا) خارج المملكة ، وكان عطاء الناس من الوجهاء والأغنياء والرجال والنساء نهراً فسيحاً يتدفق فيروي عطش الناس الظامئين إلى دعوة الحق أشد من ظمأ رضيعٍ ملقى في وهج السماء على صخرة سوداء ، كيف ومع دعوة الحق ـ أيضاً ـ إشباع جائع وإيواء شريد وعلاج مريض فلا ريب أن تهتز الأرض بعد هذا ريانة بوابل الكتاب والسنة (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) .
حتى يقول أحد أبرز مناوئيها في أمريكا وهو محمد هشام قباني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى (دي سي) في واشنطن في لقاء معه على صفحات (صندي إستريت تايمز) بتاريخ 12/12/2004م وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية ، يقول : إن هجومه على الوهابية ليس بسبب كرهه لها ولكنه قلق لأنها صارت تشكل إخطبوطا ، وأن نفوذها بات يمتد إلى كل مكان … ويقول : إنه قد صُدم عندما علم أن الوهابية يبشر بها في أمريكا ، فما من مسجد ذهبت إليه إلا وقد وجدت أثراً للوهابية .
لم يخلو هذا الزخم الهائل من عيون تترقب بحذر حاذر ، ولم تكن جمعيات وقوافل وفضائيات والميزانيات الفلكية للتنصير (ذكر الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي د. صالح الوهيبي أن دخل العمل الكنسي في العالم في عام 2001م بلغ 15 تريليونا و500 مليار دولار ، منها 300 مليار دولار تخصص لشؤون العمل التنصيري و17 مليار دولار للإرساليات الأجنبية) لم تكن هذه كافية لتجابه شيخاً ثقيلاً معه حقيبة كاملة لأدويته كـالطبيب د. عبد الرحمن السميط ، وشباباً عُزّل يجوبون مجاهل أفريقيا ويتنقلون بين جزر اندونيسيا ويصعدون جبال التبت في الصين وترتجف ضلوعهم من ثلوج روسيا ، يحملون بأيمانهم مصابيح كلمة التوحيد ؛ فكان ـ ولابد ـ من أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
“خمسة عشر” سعودياً من أصل “تسعة عشر” فجروا برجي مركز التجارة العالمي ، الهدف كان واضحاً (سعودياً) ، وسواء كان هذا العدد صحيحاً أو مختلقاً فلا فرق ، لأنه إن كان صحيحاً فهو من صُنع (القاعدة) وإن كان مفبركاً فهو من صنع (الصهاينة) وكلاهما يحملان على هذه البلاد حقدا دفيناً معلناً .
يقول الباحث الأردني علي حسين باكير عن تقرير أعدته مؤسسة (RAND) عنوانه (بناء شبكات مسلمة معتدلة) (Building Moderate Muslim Networks) نشر في تاريخ 27/03/2007م يقول الباحث : إنّ التقرير يحمل بشدّة كبيرة على المملكة العربية السعودية ويحرّض ضدّها بشكل واضح وصريح ، ويحمل أيضا على المنهج السلفي الذي يعده العدو الأول الذي يجب محاربته بشكل أساسي .
وقد ذهب التقرير بعيدا في حربه على السّلفية فصنّف كل أعدائها على أنهم حلفاء محتملون للولايات المتّحدة الأمريكية , بل يقول ما نصّه : إنّ التقليديين والصوفيين هم حلفاء طبيعيون للغرب لدرجة أننا نستطيع أن نجد العديد من القواعد المشتركة معهم .
وفي كتاب العالم الإسلامي بعد أحداث 11/9 [The Muslim World After 9/11] والذي هو في أصله دراسة مولتها القوات الجوية الأمريكية ، جاء فيه : الوهابية والسلفية هم أشد أعداء الصوفية والتقليدية في العالم الإسلامي ، ونتيجة لهذا العداء فالصوفية والتقليدية هم حلفاء طبيعيون للغرب في حربهم ضد الراديكالية .
ومن طالع كتاب د. محمد السلومي (القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب) والوثائق التي أثبتها وكان مطلعاً على مجرى الأحداث ومتابعاً لها أدرك بيقين أن أحد أكبر أهداف هذه الأحداث هو حصار الدعوة السلفية عن طريق قطع التواصل بين السعودية وبين الشعوب والدول الإسلامية .
لقد أضحت كل المؤسسات الرسمية والخيرية (السعودية) التي لها علاقة بالعمل الخيري والدعوي الخارجي بين ترنح وسقوط ، فكان أول ضحايا السقوط “مؤسسة الحرمين الخيرية”، وترنحت بقية القطاعات حتى الرسمية منها ، وطالبت وزارة الخارجية السعودية بإلغاء ما يسمى بـ “الملحق الديني” التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والاكتفاء بـ”الملحق الثقافي” لأسباب منها الصحيح والمفتعل ولجت في ذلك وألحت ولم تبلغ مرادها ، وطالبت وزارة الخارجية أيضاً بالتقليل من عدد المنح الخارجية الممنوحة للطلاب الراغبين في الدراسة في الجامعات السعودية واستمر ذلك زمناً حتى جاء القرار المبارك لمجلس الوزراء برقم (94) وتاريخ 29/3/1431 بإلزام كل جامعة بتخصيص 05% كحد أدنى من مقاعدها للمنح الخارجية .
وصدر القرار بإنشاء “الهيئة السعودية الأهلية للإغاثة في الخارج” في 6/1/1425هـ للقيام بجميع الأعمال الخيرية والإغاثية في الخارج ، وتم الإعلان بالاطلاع على نظامها وكيفية عملها فور الانتهاء من إجراءات تأسيسها على ألا يستغرق ذلك التنظيم الإداري سوى أسابيع ، لكنها وُئدت قبل أن تولد بضغوط خارجية .
وتوالت المؤتمرات إقليمياً وعالمياً مدعومة من ثالوث الفتنة (الحركات الصهيونية والرافضة الصفوية والصوفية القبورية) فتنادي بحصار الدعوة والعقيدة “السعودية” ففي هذا العام الميلادي فقط (2010) في أبريل عقد في القاهرة مؤتمر بعنوان (الوهابية خطر على العالم والإسلام) ، ثم في واشنطن بعد ثلاثة أشهر فقط عقد مؤتمر (خطوات لإضعاف التطرف الإسلامي من الجانب السعودي) وفي روسيا واندونيسيا والهند أمثالها ، وتتوالى التوصيات من أولئك المتآمرين لتتفق على هذه القضايا الأربع في حربها على دعوة التوحيد :
الأولى : تشويه سمعتهم برسم صورة قاتمة لهم بحيث لا يقبل الناس منهم قولا ولا فعلا ، ولذا يوحون للناس أنهم خلاف ما يظهرون وأن لهم علاقات واتصالات مشبوهة ، واستخدموا في ذلك وسائل إعلامية ضخمة ومؤثرة ، مستفيدين في ذلك من الأخطاء والهفوات الكبرى التي يقع فيها عدد من رموزهم ومن أشهر الأمثلة على ذلك قنوات (إم بي سي وروتانا) والتي أدت دورا بالغ الخطورة في إفساد عقائد وأخلاق الناس وهي تمول بأموال (سعودية) فكانت وما زالت مثالا صارخاً عند هؤلاء للدور الذي تلعبه السعودية في العالم الإسلامي ، ولذا أشاعوا عنا أن دولتنا صنيعة الاستخبارات البريطانية ، وعلماءنا عبدة السلطان ، ودعاتنا قتلة مجرمون ، وعامتنا شبابا وفتيات فسقة مكبوتون ، ويكفي أن تدخل كلمة “الوهابية” أو “وهابي” في مثل موقع (اليو تيوب أو الفيسبوك أو الياهو … ) لترى الآلة الضخمة التي تستهدف تشويه كل ما يمت للسعودية بصلة بَدْءاً بالحكام والعلماء ومرورا بالمسؤولين والدعاة وانتهاءً عند الأطفال والخدم .
وفي مقابل هذا ضعف شديد في الإعلام المضاد الناطق بالعربية أو بغيرها لمواجهة هذه الدعاية المضلة بسبب تخلي الدولة عن تبنيه أو دعمه أو على الأقل إعطاء الإشارة الصريحة من الدولة للقادرين بالرغبة في دعمه .
الثانية : تغذية عوامل الفرقة بينهم وضرب بعضهم ببعض وإثارة النعرات الحزبية بينهم باسم الدين والغيرة على المنهج المزعوم ، وقد تم وضع خطط محكمة وتجنيد طاقات هائلة وكوادر مدربة في هذا الجانب ، ويكفي الحصيف المتطهر من دنس هذه الحزبيات أن يطالع المنتديات والتهم الملقاة فيها وطريقة إدارتها بل وأساليب الحوار ونوع الألفاظ المستعملة أثناءها ليعلم أن وراء الأكمة ما وراءها ، فلا تمر ساعات إلا وفضيحة من مسؤول وسقطة من عالم وزلة من داعية وهكذا دواليك ، و”حمالة الحطب” مزهوة بازدياد أعضائها الموقدين لنارها .
ولو كان نقداً صحيحاً وإن لاذعاً لقلنا لا بأس ، ولكنه إقذاعٌ وجَدْعٌ وقِحَة وطعن وبصق وشتم بسيئ الألقاب من دون التفات لما في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق) ، ويقول عليه الصلاة والسلام كما في مسلم (إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ) وعند الترمذي مرفوعاً (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) والأرجح وقفه .
الثالثة : تجفيف منابعه المالية أو دعمه من أي جهة حكومية أو أهلية ، وهذا ما لا تستطيعه إلا أمريكا واللوبي الصهيوني التابع لها وقد نجحت وللأسف إلى حدٍ كبير .
والعتب هنا ينصب انصبابا شديدا على الجهات الرسمية وبالذات على وزارة الداخلية المعنية بهذا الموضوع ، وعتبنا عليها بقدر ما نؤمله منها وقد عودونا صنائع المعروف ، والناس وإن كانوا يجهلون كثيرا مما يجري داخل أروقة المسؤولين وما يواجهونه من ضغوط بل وتهديد ؛ لكن حسبهم من ذلك قصة الأعرابي مع بعيره وبعرته فالبعرة تدل على البعير ، وإننا ـ جميعاً فيما أحسب ـ على يقين أنه لا يجوز لنا أن نركع أمام اللوبي الصهيوني ولا إيران ولا أن نخلي مواقعنا لهما أو لغيرهما ، ولا أن تتخلى الدولة عن أبنائها العاملين في الميدان ، فهم يداها وهل يجوز للقلب ـ حتى لو عتب ـ أن يقطع الدم عن يديه ؟!
قادة هذه البلاد وعلماؤها لن يركعوا ولا يجوز أن يركعوا مهما كانت المبررات ، وإن كانت وزارة الداخلية أو الشؤون الإسلامية أو الإعلام لا تملك دعماً مباشراً فلا أقل من ورقة منهم إليها فيها تزكية صريحة وإذن بالدعم لهذه المشاريع التي درسوها من كل جوانبها فألفوها تخدم الدين والوطن ، فَنِعْمَ “هنا” ما قال أبو الطيب :
لا خيلَ عِندَكَ تُهدِيها ولا مالُ * فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إن لم يُسْعِدِ الحالُ
وقد كنت في لقاء مع أحد رجال الأعمال وحدثته في دعم مشروع “الإعلام الخارجي الناطق بغير العربية” والذي يستهدف أربعة (4) مليارات إنسان فقال : هذه (10) مليون ريال لكن هات لي إذن من الداخلية ولن أتردد لحظة واحدة .
ويدرك كل عاقل أن مثل هذا الرجل لا يطرق العَتَبُ بابَه أبداً ، وإنما العتب على من ترك الأمور تداخل بهذه الصورة حتى أصبحت كحَرَجَة الشوك من دخل فيها لم يخرج ومن خرج لم يدخل ، وما جرى لمؤسسة “الوقف الإسلامي” من تجميد الحسابات بين فترة وأخرى غير خاف على أحد ، وليس الإشكال في المحاسبة حين الخطأ ، بل في معرفة ماهية “الخطأ” حتى لا نقع فيه ، أي في الشفافية وتوضيح نوع الخطأ والتعامل معها بوجه الحاني لا الجافي ، والجميع يعلم أنه جزء من نظام الدولة الذي يلزمه أن يلتزم به طوعاً أو كرهاً .
وحين تقلب الأنظار من هنا وهناك فترى المنصرين والرافضة والقبوريين يمشون على مثل البساط الأحمر تفرشه لهم دولهم ومنظماتهم في كل أرض تتحرك نيتهم للتوجه إليها ؛ في مثل هذا الموقف يمر على غلاف قلبك غَينٌ وتبحث عن ماء لريقك .
الرابعة : تكميم أفواههم بكل الوسائل الممكنة ومهما كانت المبررات ، ويكفي في الدلالة على ذلك الحصار الخانق للقنوات السلفية الذي تم قبل أيام يسيرة ، فتمنع هذه القنوات في مصر (صفا ووصال والناس والحكمة والرحمة والحافظ …..) من البث على القمر المصري (النايلسات) بحجج منها نشر الطائفية والتحريض الطائفي .
والمفارقة البالغة الغرابة أن القنوات الشيعية على نفس القمر تمارس (الطائفية) الصريحة ضد السنة كـما في (الأنوار) ، و(كربلاء) ، و(الفيحاء) ، وفيها سب وشتم لما يسمونهم (الوهابية) ويُعرض في تلك القنوات الشيعية أهازيج دينية تُسمّى (لطميات)، كثير منها يتضمن كلاماً طائفياً صريحاَ ، ومع كل هذه الطائفية في برامجها بقيت من دون مجرّد توجيه لفت نظر لها بل زادت حتى بلغت أربعين قناة شيعية على قمر واحد (النايلسات) .
وأما قنوات العري والإغراء والانحلال فحدث ولا حرج .
فهل يُعقل أن تجد كل ساقطة في فضاء الإعلام لها راعية إلا يتيمة التوحيد ؟
أعز وأطهر وأزكى ما حملته الأقمار تتركهم دولة “السنة”
ليكونوا لقمة سائغة على موائد اللئام ما بين “يهودٍ” و “رافضةٍ” و “منافقةٍ”.
ومن المفارقات الأليمة أيضاً أن أحد المسؤولين اليمنيين كان له علاقات قوية داخل المملكة فقدم طلباً ـ قبل سنتين ـ لدراسة ابنه في إحدى جامعات المملكة فمضى على المعاملة سنة كاملة دون فائدة فقدم الابن أوراقه للسفارة الإيرانية فلم يمض شهر واحد حتى جاءته الموافقة مع تذاكر السفر ورقم هاتف المنسق .
وصدق الله إذ يقول سبحانه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف : 8 ، 9] .
والحل فيما أحسب ـ والعلم عند الله ـ يعود لأمور منها :
الأول : إنهاء حالة عدم الاستقرار في القرار من جهة الدولة ، فالجهات الحكومية (لم تدعم ، ولم تأذن ، ولم تمنع) ولها نوع عذرٍ في ذلك بعد الأحداث الدامية المؤلمة الني مرت بها بلادنا ـ حفظها الله ـ على أيدي تلك الشرذمة الآثمة الباغية ، لكن هذا الوضع القلق يجب أن ينتهي لأن العالم في سباق محموم نحو مراكز التأثير ومواطن القوة وبسط النفوذ ، بينما ما نحن فيه لا يهيئ أبداً لقيام مشاريع جبارة بشكل متين ومدروس وآمن ، فالحلقة المفقودة بين رجال الأعمال ووزارة الداخلية من المهم جداً أن تكتمل ، هناك تخوف له ما يبرره عند رجال الأعمال بخصوص دعم المشاريع الخيرية خصوصاً الخارجية منها ، فأخبار الموقفين منهم تملأ المجالس والأسماع ، وهذا التخوف لا يكفي لإزالته مقولة الداخلية : لم أمنع .
بل هم يريدون إذن الداخلية الصريح بالدعم ، خصوصاً في المشاريع الخارجية الكبار التي تكون في مواجهة التنصير أو إيران أو التكفير ونحوها.
وأذكر حين قام “ثلة” من طلاب العلم والإعلاميين في عام 1425 هـ ليسدوا ثغراً كبيراً وينشروا التوحيد والسنة من خلال مشروع ضخم وهو (الإعلام المرئي الناطق بغير العربية) وأثمر قناة (إسلام شنل) و (الهدى) و (بيس تي في ) الناطقات بالإنجليزية ، و(أصيل أرنا) بالكازخية والروسية ، و(نور) الفارسية ، كان الموقف وما زال دون المؤمل بمراحل ، لأن هذه المشاريع لابد فيها من وضوح رؤية الدولة تجاهها ، وما ترضاه وما تمنع منه حتى لا تصطدم هذه المشاريع بما كان يمكن أن تتفاداه لو تم التنسيق مسبقاً ، فعبارة : لم أمنع ولم آذن . متناقضة في مثل هذه الأوقات المضطربة ، فحقيقة عدم الإذن الصريح الآن هو المنع .
وإذا كانت الجهات الرسمية مشغولة عن مثل هذا فلا بد من تدخل أهل العلم والتأثير ممن لهم ثقل لدى الجهات الرسمية حتى نلغي حالة “التوتر المزمن” الذي يصحب هذه المشاريع الكبيرة .
الثاني : الاستغلال الأقصى لكل الموارد المتوفرة والإمكانات المتاحة وما أكثرها في هذه البلاد المباركة ، بل يوجد لدينا ما لا يوجد في أي بلد سواه :
1 ـ الحرمان الشريفان ومكة والمدينة لهما من التأثير على كل أصناف الناس ما لا يحده الوصف لو استفيد منهما في هذا الجانب الاستفادة الكاملة ، وأضرب ـ مثلاً ـ على دولة “كازاخستان” لكوني ممثلا لرابطة العالم الإسلامي هناك ، فرئيسها كان دائم الحديث عن رغبته في دخول الكعبة والمكث عندها ومما قاله : أن أجمل نصف ساعة في حياتي كانت وأنا محرم عند جدار الكعبة ، وعائلته تأثيرهم على المنطقة بكاملها ويفرحون بشكل لافت إذا دعوا للعمرة أو الحج فضلا أن يؤذن لهم بدخول الغرفة الشريفة والوقوف على قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، أما من دون هؤلاء من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال فالأمر بالنسبة لهم أعظم ، ففي حج عام 1430 هـ قمنا بتحجيج رجل أعمال ثري جدا جاء بطائرته الخاصة في مكان متوسط الخدمات لعدم توفر الإمكانات ، ومع هذا فرح بها فرحاً بالغاً واشترينا ولاءه بأيسر التكاليف .
فكيف لو كان للأمر ترتيبه الخاص لكان ولا شك له تأثيره الخاص أيضاً .
2 ـ المهرجانات والمؤتمرات والندوات وعموم المناسبات التي يدعى لها ضيوف من الخارج للمشاركة أو الحضور ينبغي الاستفادة القصوى منها بدعوة من هو أهل لها ، ويتم ترتيب جدول مناسب لضيوفها يتخلله لقاءات ومطارحات وزيارات تجمع بين الإيناس والفائدة ، سواء قام بذلك أصحاب الدعوة أو تبرع به غيرهم في غير أوقات ارتباطاتهم فيما جاءوا من أجله .
3 ـ المنشآت الحكومية والأهلية والتي ولله الحمد تئط منها مدن بلادنا الغالية فبالإمكان الاستفادة منها في إقامة البرامج النافعة للقادمين إلى بلادنا خصوصا للدراسة مع الزيادة الهائلة في أعدادهم في الفترة القادمة ، فالجامعات والمدارس الحكومية والأهلية والمراكز الاجتماعية ومكاتب الدعوة والشركات الكبرى وغيرها كثير فيها عدد من المرافق المهمة بالإمكان الاستفادة منها بالتنسيق مع إداراتها .
وعلى سبيل المثال : وافقت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مشكورة على تدريب المشاركين في الدورات الإعلامية من طلاب المنح على “كيفية التعامل مع وسائل الإعلام” ، ليرجع الطالب بعد دراسته إلى بلده مؤثرا قادرا على مخاطبة الناس من خلال شاشات التلفاز ، وسيتم ـ بإذن الله ـ التدريب في استوديوهات الجامعة ذات الإمكانات العالية جداً ، وهذا اختصر تكاليف كثيرة لو تم مع أي جهة تجارية أخرى .
الثالث : إقامة أوقاف ضخمة لكل منطقة وتشرف عليها جهات حكومية وشعبية ، فيكون هناك أوقاف خاصة بالصين وأخرى باندونيسيا وثالثة لروسيا وأفريقيا والهند وهكذا ، أو أوقاف بحسب طبيعة العمل : إعلامي أو تعليمي أو إغاثي ونحوها ، وهذه ضرورة في هذا العصر .
وفي مثل هذا يبرز دور العلماء والوجهاء والأغنياء لإيجاد أوقاف ضخمة مستقرة الريع ـ بإذن الله ـ تضمن الإمدادات الضرورية للدعوة ، فإذا كان (الخُمس) الرافضي يغذي عشرات الآلاف من الحوزات في إيران وخارجها ، فإن الزكاة المفروضة والصدقة المشروعة والتي ريعها (بعشرات المليارات) من الريالات لو تحرك في استثمارها أهل الثقة عند الناس لكان فيها من الكفاية شيء ليس بالقليل .
الرابع : إذا تقاعس أو قصر بعض أهل هذه البلاد عن القيام بواجبهم فليعلم الداعية أن الله لن يخذله وسيجد في الأرض مراغماً كثيرا وسعة ، وليصبر وليجاهد وليثبت على طريقه فسيصل بعون الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين) ، وقبل سنتين ـ تقريباً ـ كنت في بيت رجل أعمال كازخي مشهور هناك فما زالت عبارته تتردد في خاطري : “ماذا يظن هؤلاء ؟ أيظنون أن السعوديين لو تركوا دعوة الإسلام والتوحيد أننا سنتركها ، نعم تعلمناها منهم لكن لو تخلوا عنها لذهبنا إليهم في بلادهم ندعوهم إليها” .
وهناك أسماء كثيرة لعجم بذلوا وما زالوا يبذلون في نصرة دعوة التوحيد ولولا خشية الإطالة لذكرت لك من ذلك عجباً ، وآخرهم شاب صيني في الثلاثين من عمره يخدمنا كآحاد الخدم فما فَجَأَنا إلا وهو الذي تبرع بملايين الريالات لبناء كلية شرعية ضخمة هناك .
هذا دين الله لا يملك ملك أو وزير أو عالم أو رجل أعمال أو غيرهم أن يتخلى عنه أو يتناساه أو يتراجع عن دعمه أو حمايته أو العمل له مهما كانت التحديات لأنه إن تناساه هنا سيرمى في غياهب النسيان الأعظم هناك (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) ، وإن ترك سيترك وما أهونه على الله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) .
وهل سيغفر لنا التاريخ ساسةً وعلماء ووجهاء وعامة ..
أننا أخلينا مواقعاً طالما تمتعت وتمنعت بالسنة فأسلمناها بأيدي مرتعشة لعابد صليبٍ أو شاتمٍ لصاحب أو داعٍ لضريح ؟!
يا “نايف” الاسم والقدر ..
السنة وأهلها ومشروعاتها تحتاج أُماً رؤوماً وأرضاً حاضنة فيها نسبة كبيرة من الأمان الرسمي والمالي ، ولا يوجد أرض حامية للتوحيد والسنّة في هذا الزمن إلا “أنتم” فاتقوا الله فيها .. فعيونها في عيونكم وعين الله من فوقكم تنظر ما أنتم صانعون ؟
هي هبة الله لواحد من أهل الأرض يقوم مقام الأنبياء
من رفعها والله ليرفعنَّه ، ومن خفضها والله ليخفضنَّه
رفع الله بنا لواء التوحيد والسنة ورفعنا جميعاً بالكتاب والسنة ،،
*****
د.عصام بن صالح العويد
كلية أصول الدين بالرياض
وممثل رابطة العالم الإسلامي في كازاخستان
في 19/11/1431 هـ