شرح حديث في تحريم الخلوة بالأجنبية

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد

فهذا شرح مختصر لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في تحريم الخلوة بالأجنبية ، قمت بشرحه أثناء دراستي لمقرر ( حديث تحليلي ) و قد حاولت جاهدة تطبيق المنهج التحليلي في الشرح .
و هي تجربة أولى بالنسبة لي ، لذا فقد يكون غير مكتمل الجوانب و العناصر .

أما عناصر الحديث التحليلي فأجملها فيما يأتي :
1. ذكر المناسبة بين الحديث و الباب الذي ذكر فيه .
2. تخريج الحديث و جمع ألفاظه و طرقه من المتابعات و الشواهد .
3. دراسة إسناد الحديث ، و استخراج لطائفه ، و ترجمة رواته .
4. بيان غريب الباب ، و التراكيب اللغوية و البلاغية ، و الإعراب .
5. بيان المسألة التي عليها مدار الحديث ، و الخلافات الواردة فيها مع الترجيح .
6. استنباط الفوائد و الحكم المستفادة من الحديث .

أسأل الله تعالى أن يفيد في هذا الشرح ..


نص الحديث كما ورد في صحيح مسلم

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى :
كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية و الدخول عليها

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو . ح وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ ، فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ " ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : " لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ " . (1)

أولا : مناسبـة الحديث للبـاب

أورد الإمام مسلم هذا الحديث في كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية و الدخول عليها
و في هذه الباب جمع الإمام مسلم بين ترجمتين :
الأولى (تحريم الخلوة بالأجنبية) و أورد الحديث الذي يدل على معناه .
و الثانية (الدخول عليها) - أي الأجنبية - و ساق حديث عبد الله بن عمرو .

و تبدو المناسبة واضحة بين الترجمة و نص الحديث ، إذ ترجم للحديث بما يدل عليه معناه بلفظ مباشر .

و لما كانت الخلوة بالأجنبية محرمة بالأصل ، أعقبها بما يستثنى من ذلك - مع توافر الشروط – و هو دخول الرجلين أو الثلاثة على الأجنبية - حتى تنتفي الخلوة - و لذلك جمع بين الحديثين في باب واحد .. و الله أعلم

ثانيا : إسنـاد الحديث

أ ) تَميّزَ الإمام مسلم بالصنعة الإسنادية ، و ذلك متمثل في جمعه لطرق الحديث الواحد و سوقها في موضع واحد. و هذا بلا شك يسهل للباحث النظر في الأسانيد و الطرق والألفاظ المختلفة التي ورد بها الحديث . و كثيرا ما يستخدم الإمام مسلم الرمز (ح) و يعني التحويل في الإسناد ، كما في هذا الحديث ، إذ ورد من طريقين ، و هما قول الإمام مسلم :
1- حدثنا هارون بن معروف . حدثنا عبد الله بن وهب . أخبرني عمرو ... الخ
2- و حدثني أبو الطاهر . أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ... الخ

إلا أن مسلما لم يجمع بين شيخيه بواو العطف ، لتغاير لفظ الأداء ، و معلوم من منهج الإمام مسلم التمييز بين التحديث و الإخبار .

و لأجل هذا النسق و الترتيب و العناية بالألفاظ ، فضل بعض العلماء من المغاربة صحيح مسلم على البخاري (2) . يقول الحافظ العراقي في ألفيته :

أول مـن صنـف فـي الصحيـح محمـــد و خـص بالترجيــح
و مسلم بعد و بعض الغرب مع أبـي علـي فضلوا ذا لـو نفـع

على أن هذا التفضيل لم يكن لأجل هذا الاعتبار فحسب بل لأجل غيره من الاعتبارات ، و لكن " لو نفع هذا القول لقبل من قائله ، لكنه لم ينفع لضعفه و مخالفة الجمهور " (3) .


ب) رجال الإسناد : جميع رواة هذا الحديث ثقات ، و لا يتكلف في البحث عن عدالتهم ، لأن صاحب الصحيح قد اشترط عدالة و تمام ضبط الرواة ، و التزم إيراد ما صح على وفق قواعد أهل هذا الفن . و فيما يلي ترجمة مختصرة لكل راو ، أنقلها من كتاب "تقريب التهذيب" لابن حجر (4) :

1- أبو الطاهر المصري بن السرح هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح ، ثقة من العاشرة ، مات سنة خمسين . (ص/53)

2- هارون بن معروف المروزي أبو علي الخزاز الضرير ، نزيل بغداد ، ثقة من العاشرة ، مات سنة إحدى و ثلاثين ، و له أربع و سبعون . (ص/636 )

3- عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد . من التاسعة ، مات سنة سبع و تسعين ، و له اثنتان و سبعون سنة . (ص/348)

4- عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري ، مولاهم ، المصري أبو أيوب ، ثقة فقيه حافظ من السابعة ، مات قديما قبل الخمسين و مائة . (ص/461)

5- بكر بن سوادة بن ثمامة الجذامي أبو ثمامة المصري،ثقة فقيه من الثالثة،مات سنة بضع وعشرين (ص/101)

6- عبد الرحمن بن جبير المصري ، المؤذن العامري ثقة عارف بالفرائض من الثالثة ، مات سنة سبع و تسعين وقيل بعدها . (ص/359)


ج) ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو " عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبو محمد . كان اسمه العاص ، فغيره النبي صلى الله عليه و سلم . روى عن النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا و عن عمر و أبي الدرداء و والده عمرو ، و حدث عنه من الصحابة ابن عمر و غيره و عدد كثير من التابعين .

- و في الصحيحين قصة عبد الله بن عمرو مع النبي صلى الله عليه و سلم في نهيه عن مواظبة قيام الليل و صيام النهار ، و أمره بصيام يوم بعد يوم ، و بقراءة القرآن في كل ثلاث و هو مشهور ، و في بعض طرقه أنه لما كبر كان يقول : يا ليتني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه و سلم .


- و عن عبد الله بن عمرو أنه قال : رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى يدي عسلا ، و في الأخرى سمنا و أنا ألعقهما ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : تقرأ الكتابين التوراة و القرآن ،و كان يقرؤهما .

- و عن أبي هريرة أنه قال : ما أجد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب .
قال الواقدي : مات بالشام سنة خمس وستين و هو يومئذ ابن اثنتين و سبعين . " انتهى ملخصا (5)

د) لطائف الإسناد :
• جميع رجال هذا الإسناد مصريون إلا هارون، و أما عبد الله بن عمرو فقد دخل مصر و توفي فيها .
• هذا الحديث مما انفرد الإمام مسلم بإخراجه من بين الأئمة الستة .
• جمع هذا الحديث أربعا من صيغ الأداء و التحمل و هي : حدثنا و أخبرنا و عن و أن .
• أبو الطاهر ذكر بكنيته لاشتهاره بذلك . و قد ذكره ابن منجويه في من اشتهر بالكنى و له اسم (6)
• من أهم مباحث علم المصطلح المتعلقة بالإسناد : معرفة الألقاب و الأنساب ، و في ترجمة هارون بن معروف المَرْوَزي ذكر بأنه :
المَرْوَزي نسبة إلى موطنه مرو الشاهجان ، و هي مرو العظمى أشهر مدن خراسان . (7)
الخزّاز نسبة إلى صنعته ، و هو صنع الخزّ و بيعه.و الخزّ في اللغة : ما ينسج من صوف و إبريسيم (8)
الضرير ، و هو لقب له ، و في سبب ذهاب بصره يقول هارون : رأيت في المنام قيل لي : من آثر الحديث على القرآن عذب . قال : فظننت أن ذهاب بصري من ذلك . (9)

ثالثـا : تخريج الحديث

أخرج هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو :
1- أحمد و مسلم و النسائي و البيهقي و ابن حبان عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث .
2- و أحمد و النسائي و الطبراني و البيهقي عن الليث بن سعد عن جعفر .
3- و أحمد عن الحسن عن ابن لهيعة .
ثلاثتهم عن بكر بن سوادة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو به .

- و بعض هذه الطرق صحيح و بعضها ضعيف و لكنه منجبر بمتابعة غيره له ، كحديث ابن لهيعة .

* و في هذا الرابط تشجيرا لطرق حديث عبد الله بن عمرو :

http://www.islamup.com/download.php?id=85004

رابعا : شواهد الحديث

تابع عبد الله بن عمرو على هذا الحديث أربعة من الصحابة و هم : والده عمرو بن العاص و جابر بن عبد الله و عقبة بن عامر و عبد الله عباس .

أما لفظ عمرو بن العاص فهو : عن مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص أرسله إلى علي يستأذنه على أسماء بنت عميس ، فأذن له حتى إذا فرغ من حاجته ، سأل المولى عمرو بن العاص عن ذلك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهانا – أو نهى - أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن .

أخرجه أحمد (10) و الترمذي (11) و الطبراني (12) و غيرهم .

تنبيـه :
• في هذا الحديث ، أرسل عمرو بن العاص مولاه ليستأذن على أسماء ، و قد ورد من رواية أخرى أن عمرو بن العاص هو الذي استأذن على أسماء .
• وردت رواية أن التي استأذن عليها عمرو بن العاص هي فاطمة .
• حدثت هذه القصة لأسماء في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم كما رواه مسلم عن عبد الله عن عمرو ، و تكررت بعد وفاة أبي بكر ، حين تزوجها علي ، كما في الحديث السابق عن عمرو بن العاص .


و أما لفظ جابر فهو : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا تلجوا على المغيبات ، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم " قلنا : و منك ؟ قال " و مني ، و لكن الله أعانني عليه فأسلم "

أخرجه أحمد (13) و الترمذي (14) و الدارمي (15) و غيرهم .


لفظ عقبة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إياكم و الدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ! أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت "

أخرجه البخاري (16) و مسلم (17) و أحمد (18) و غيرهم .

لفظ ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا يخلون رجل بامرأة و لا تسافر امرأة إلا و معها ذو محرم "

أخرجه البخاري (19) و مسلم (20) و أحمد و غيرهم .


خامسا : غريب الحديث

1- نفرا : رهط الإنسان و عشيرته و هو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة و لا واحد له من لفظه . (21)
2- المغيبة : قال اللحياني امرأة مغيبة و مغيب ، إذا غاب زوجها (22)
3- وجد في نفسه : غضب (23)
4- لا تلجوا : لا تدخلوا (24)
5- بأس : أصله بؤس أي شر و شدة (52)
سادسا : مسائل الحديث

من خلال دراسة حديث عبد الله بن عمرو و متابعاته و شواهده – باختلاف ألفاظها - يتبين أن المعنى و الحكم الذي أراد الرسول صلى الله عليه و سلم أن يبينه و يحذر منه هو : تحريم الخلوة بالأجنبية ، و هذه مسألة مهمة عليها مدار الحديث .
لذا حرص الإسلام على سلامة المجتمع المسلم من الآفات الخُـلقية و الاجتماعية و شرع لذلك الأحكام و القوانين
التي تضبط النفوس و تعلي القيم و تحفظ الأرواح و الأعراض و الأموال .

و " كانت المرأة قبل الإسلام عند العرب تخالط الرجال الأجانب و تجالسهم ، فجاء الإسلام فعظم من جريمة الزنا و أغلق الطرق الموصلة للوقوع فيه – إذ الوقاية خير من العلاج – و لما كان دخول الرجال على النساء من أخطر مقدمات الزنا و من بواعثه نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن دخول الرجال الأجانب على النساء في غيبة أزواجهن " . (26)

و قد وقعت حادثة لأبي بكر الصديق و زوجته أسماء بنت عميس ، حين دخل هؤلاء النفر على أسماء و
أبو بكر غائب عن منزله ، إلا أنه كان في البلد – أي حاضرا – و لم يكن مسافرا ، قال القاضي عياض : " و دليله هذا الحديث الذي في الكتاب وأن القصة التي قال فيها عليه السلام إنما كان أبو بكرغائبا عن منزله لا في سفر " . (27)


و أما الحال التي كان عليها هؤلاء النفر فكما قال القرطبي : " على وجه ما يعرف من أهل الصلاح و الخير ، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة و الريب كما قدمناه . و لعل هذا كان قبل نزول الحجاب " (28)
و تعقبه محمود شاكر بقوله : " أما كون هذه القصة قبل نزول الحجاب فلا يصح ، لأن أسماء بنت عميس إنما تزوجها أبو بكر رضي الله عنه يوم حنين و ذلك بعد نزول الحجاب يقينا . فالظاهر أنهم دخلوا عليها بمراعاة أحكام الحجاب ، و لكن أبا بكر إنما كره ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية مع التصريح بأنه لم ير إلا خيرا " . (29)

و على هذا فإن أبا بكر لم يغضب لكونه شك في أمرهم أو رأى منهم ما يستنكر بل هم أبعد من ذلك بلا شك ، و كذلك الصديق رضي الله عنه بعيد عن الظن بهم لأنه لم يعهد من أصحاب رسول الله إلا خيرا . و لذلك قال " لم أر إلا خيرا " أي لا أتهمها و لا أتهمهم ، فما رأيت في هذا اللقاء إلا خيرا (30). و قال القرطبي : - لم أر إلا خيرا - يعني على الفريقين ، فإنه علم أعيان الجميع ، لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم . (31)

لكن أبا بكر كره ذلك بمقتضى الغيرة الجبليّة ، و حينها توجه إلى رسول الله يبوح له بما قد لف صدره من الهم و الحزن - و هو خليله و رفيقه في حله و ترحاله - ليسمع منه ما يطيب خاطره و راجيا منه إرشاد الناس و نصحهم .

بادر الرسول صلى الله عليه و سلم بطمأنة أبي بكر ، و بتخصيص أسماء بالشهادة بقوله : " إن الله قد برأها من ذلك " أي : من الشر و الفساد ، أي بسبب شهادتك و انطباعك ، أو قال ذلك بوحي نزل عليه . (32)
و فيه منقبة و فضيلة عظيمة لأسماء بنت عميس رضي الله عنها ، و هذه نبذة يسيرة من سيرتها العطرة :
كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب . روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و روى عنها ابنها عبد الله بن جعفر و حفيدها القاسم و غيرهما . و كان عمر يسألها عن تفسير المنام . و في الصحيح عن أسماء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها : " لكم هجرتان و للناس هجرة واحدة " . تزوجت من خليفتين هما أبو بكر ، ثم بعد وفاته تزوجت من علي رضي الله عنهما .
قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس فتفاخر ابناها محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أنا أكرم منك و أبي خير من أبيك ، فقال لها علي : اقضي بينهما ، فقالت : ما رأيت شابا خيرا من جعفر ، و لا كهلا خيرا من أبي بكر ، فقال لها علي : فما أبقيت لنا . (33)

و مع تخصيص أسماء بالشهادة و الذكر ، " لم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جمع الناس و صعد المنبر ، فنهاهم عن ذلك و علمهم ما يجوز منه ، فقال : " لا يدخلن رجل على مغيبة إلا و معه رجل أو اثنان " (34)
معنى قوله عليه الصلاة و السلام : " بعد يومي هذا " أي بعد لحظتي هذه . و ليس المراد إباحة الدخول بقية اليوم . (35)
اشترط النبي عليه الصلاة والسلام لدخول الرجل على المغيبة أن يصحبه رجل آخر معه لئلا تحصل الخلوة ، و لدفع الريبة و التهمة عن نفسه .
أما اقتصار النبي عليه الصلاة و السلام على ذكر الرجل و الرجلين فلأجل صلاحية أولئك القوم ، لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر .
قال القاضي عياض : " فأما في الأزمنة الفاسدة فلا يجب أن يخلو بالمرأة لا واحد و لا أكثر للحقوق المظنة بهم ، إلا أن يكون الجماعة الكثيرة أو يكون فيها قوم صالحون و من يعرف أنه لا يتواطأ على ريبة فتزول المظنة بحضوره " . (36) و بنحوه قال النووي و القرطبي .



حديث جابر" لا تلجوا على المغيبات ، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم " قلنا : و منك ؟ قال " و مني ، و لكن الله أعانني عليه فأسلم "
فيه زيادة لفظ : فإن الشيطان يجري ... الخ ، و هو جزء من حديث صفية ، و معناه كما ذكر ابن العربي :
1- إن الشيطان يتضاءل حتى يصير من المقدار و اللطافة بحيث يتولج في العروق و يسري في الباطن سريان الدم .
2- و قيل تسري آثاره و وساوسه
3- و أما سريانه بذاته فيبين في القسم الجوازي إذا سلطه الله و مكنه . (37)

و لفظ عقبة ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إياكم و الدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ! أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت "
فيه وعيد و تحذير من الدخول على النساء من غير محرم . و معنى قوله " الحمو الموت " :

- قال النووي : " أن الخوف منه أكثر من غيره ، و الشر يتوقع منه ، و الفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة و الخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي . (38)
- و قال القرطبي : " أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح و المفسدة " ثم قال " أي لقاءه يفضي إلى الموت " (39)

سـابعـا : فـوائــد الحديث

حسن الظن بالمسلمين ، و التماس العذر لهم ، و المبادرة بإيضاح ذلك كما فعل الصديق رضي الله عنه .

امتثال الصحابة لأوامر الرسول عليه الصلاة و السلام .

فضل العلماء و أهل الصلاح و المروءة و أنهم محل ثقة .

بيان شفقة النبي صلى الله عليه و سلم على أمته و رحمته بها ، ببيان ما يبعد عنهم الإثم .

إنزال الناس منازلهم بتبرئتهم و ذكر فضائلهم و مآثرهم .

البعد قدر الإمكان عن مواطن الشبهة ، و هذا يحفظ للمرء دينه و عرضه .

التعوذ من وسوسة الشيطان بمداومة الأذكار الشرعية .









ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح مسلم ، كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية و الدخول عليها ، حديث رقم (2173) جزء2صفحة 1038
تحقيق أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي . الناشر : دار طيبة . ط1
(2) انظر : تدريب الراوي (1/98-101) تحقيق الفاريابي . الناشر : دار طيبة - الرياض . طـ5
(3) فتح المغيث (1/41) تحقيق صلاح عويضة . الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت .
(4) تقريب التهذيب ، اعتنى به حسان عبد المنان . الناشر : بيت الأفكار الدولية
(5) الإصابة في تمييز الصحابة (ص/812،813) اعتنى به حسان عبد المنان . الناشر : بيت الأفكار الدولية
(6) رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/393) تحقيق : عبد الله الليثي . الناشر : دار المعرفة – بيروت . ط1
(7) معجم البلدان لياقوت الحموي (5/132) تحقيق : فريد الجندي . الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت . ط1
(8) المعجم الوسيط (1/231) تحقيق : جماعة من الباحثين . الناشر : المكتب الإسلامي – استانبول . ط2
(9) تهذيب التهذيب لابن حجر (4/256) اعتناء : إبراهيم الزيبق و عادل مرشد . الناشر : مؤسسة الرسالة . ط1
(10) المسند / مسند الشاميين / حديث عمرو بن العاص حديث رقم [17913] [17977] [17958] [17919] الناشر : بيت الأفكار الدولية
(11) سنن الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في النهي عن الدخول على النساء إلا بإذن الأزواج(ص/446)حديث رقم[2779] الناشر:الأفكار الدولية
(12) المعجم الأوسط ، باب الألف ، من اسمه أحمد (1/380) حديث رقم [1391] تحقيق : محمد الشافعي . الناشر : دار الفكر – عمان . ط1
(13) المسند / مسند المكثرين / مسند جابر حديث رقم [14375] و [15352]
(14) سنن الترمذي ، كتاب الرضاع ، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات (ص/208) حديث رقم [1172]
(15) مسند الدارمي (ص/398) كتاب الرقاق / باب الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . حديث رقم [2816] . الناشر : دار ابن حزم . ط1
(16) الصحيح/ كتاب النكاح/ باب لا يخلون رجل بامرأة(ص/452)تحقيق جماعة من الباحثين ، بإشراف صالح آل الشيخ. الناشر : دار السلام - الرياض
(17) الصحيح / كتاب السلام ، باب تحريم الخلوة بالأجنبية و الدخول عليها [ص/1064] حديث رقم [5674] الناشر : دار السلام – الرياض
(18) المسند / مسند الشاميين (5/900) حديث رقم [17480] تحقيق جماعة من الباحثين . الناشر : دار عالم الكتب – بيروت . ط1
(19) الصحيح / كتاب الجهاد و السير / باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة ... (ص/241)
(20) الصحيح/كتاب الحج/باب سفر المرأة مع محرم إلى حج و غيره[3272]
(21) النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير (ص/918) اعتنى به : رائد بن أبي علفة . الناشر : بيت الأفكار الدولية
(22) معجم تهذيب اللغة للأزهري (3/2616) تحقيق : د.رياض زكي . الناشر : دار المعرفة – بيروت . ط1
(23) لسان اللسان تهذيب لسان العرب لابن منظور (2/718) تم تهذيبه بعناية المكتب الثقافي لتحقيق الكتب .. الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ط1
(24) لسان اللسان تهذيب لسان العرب لابن منظور (2/759) تم تهذيبه بعناية المكتب الثقافي لتحقيق الكتب .. الناشر : دار الكتب العلمية –
(25) المفصح المفهم و الموضح الملهم لمعاني صحيح مسلم (ص/62) تحقيق : وليد حسين . الناشر : دار الفاروق الحديثة
(26) فتح المنعم لموسى شاهين(8/501،502) الناشر : دار الشروق . بتصرف
(27) الإكمال للقاضي عياض (7/62) تحقيق : يحيى إسماعيل . الناشر : دار الوفاء
(28) المفهم للقرطبي (5/502) تحقيق و تعليق : مجموعة من الباحثين . الناشر : دار ابن كثير و دار الكلم الطيب
(29) تكملة فتح الملهم (4/238) الناشر : دار القلم . ط1
(30) فتح المنعم لموسى شاهين(8/501،502) الناشر : دار الشروق
(31) المفهم (5/502) تحقيق و تعليق : مجموعة من الباحثين . الناشر : دار ابن كثير و دار الكلم الطيب
(32) فتح المنعم (8/504) الناشر : دار الشروق
(33) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (ص/1633) اعتنى به : حسان عبد المنان . الناشر : بيت الأفكار الدولية
(34) المفهم (5/502،503) تحقيق و تعليق : مجموعة من الباحثين . الناشر : دار ابن كثير و دار الكلم الطيب
(35) فتح المنعم (8/505) الناشر : دار الشروق
(36) إكمال المعلم (7/62) تحقيق : يحيى إسماعيل . الناشر : دار الوفاء
(37) عارضة الأحوذي (5/97) تحقيق : جمال مرعشلي . الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت
(38) شرح النووي على مسلم (7/410) تحقيق : جماعة من الباحثين . الناشر : دار الحديث – القاهرة . ط1
(39) المفهم (5/501) تحقيق و تعليق : مجموعة من الباحثين . الناشر : دار ابن كثير و دار الكلم الطيب


الكاتب: أم الليوث الكويتية
التاريخ: 23/03/2010