وصايا الأمير الوصية الرابعة عشر..الاعتصام بالكتاب والسنة..الجزء الرابع..أهل الحق يستدلون ثم يؤصلون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد .

يسر إخوانكم في المكتب الإعلامي لجماعة أنصار السنة أن يقدموا لكم الوصية الربعة عشر من سلسلة وصايا الأمير بعنوان :

((أهل الحق يستدلون ثم يؤصلون))


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، المبتدعة والمشركين .

أما بعــد .

فأعلم أخي المجاهد، هداك الله ورعاك، أن من أصول أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة، جعلني الله وإياكم منها، كما أسلفنا في الوصية السابقة ألاعتصام بالكتاب والسنة ، فهما حبل الله المتين، وسبيل النجاة من عذابه المهين، وسبب الألفة بين المؤمنين، وهو المراد بقوله سبحانه :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103.

وبقوله تعالى :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام:153.

إن من قواعد أهل الحق أهل السنة والجماعة أنهم يستدلون بالأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يؤصلون ويحكمون على الأمور، يقدمون الدليل الشرعي على غيره من الآراء والأقيسة وغيرها، فهم أسعد الناس بالكتاب والسنة، فتراهم يجمعون النصوص من كتاب الله وصحيح السنة في المسألة الواحدة ، فتكون هي أصولهم التي يقولون بها، فهم بذلك يؤصلون ما أصله الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، يقول جل وعلى : ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) الفرقان:33.

بخلاف أهل الأهواء والبدع ، الذين يؤصلون أصولهم ويحكمون على الأشياء من عند أنفسهم ، ثم يبحثون بعد ذلك في نصوص الكتاب والسنة، فيقبلون منها ما يوافق ما اختاروه، وما خالفهم ردوه أو أولوه، فهم بذلك يتبعون أهواءهم بغير علم، ويريدون من الدين ما يوافق أهواءهم ، يقول الله تبارك وتعالى :(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) المؤمنون:71 .

أهل السنة والجماعة أسعد الناس في باب الأسماء والصفات، فهم أهدى سبيلا وأقوم قيلا ، أخذوا أصولهم في هذا الباب العظيم من كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فيفردونه سبحانه بصفات الجلال والكمال التي وصف بها نفسه في كتابه أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يضربوا له سبحانه الأمثال أو يشبهونه بأحدٍ من خلقه، ولا يلحدون في أسماء ربنا وصفاته، بل يؤمنون بها على وجه الحقيقة لا المجاز من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل قال تعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى: 11.

ولا يقولون بقول أهل التشبيه، ولا بقول أهل التحريف والتعطيل باسم التأويل على ما هو مفصل في كتب السلف الصالح - رضي الله عنهم -.

فيثبتون لله صفاته الخبرية والفعلية ، وينزهونه من كل نقص، أو عيب، أو شائبة، فلله المثل الأعلى .

(وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم:27.

أما أهل الأهواء والبدع ، فيؤصلون في باب الأسماء والصفات على غير هدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد وضعوا ابتداءا قواعد وأصول استمدوها من آراء الفلاسفة وأهل المنطق ، وأولوا ما يعارضها من آيات الصفات في القرآن، وردوا الأحاديث الصحيحة التي تلقاها سلف الأمة بالقبول والتسليم، بحجة أنها أحاديث آحاد تفيد الظن لا اليقين ، واليقين عندهم ما وافق آراءهم الفاسدة وأقيستهم الردية ، فإمامهم في هذا الباب افلاطون وفرفريوس .

(أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) البقرة :61 .

ويصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :(... وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ فقال أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا , سحقا) رواه مسلم، وفي رواية:(فأقول: سحقا ، سحقا لمن بدل بعدي) رواه الإمام مالك في الموطأ .

الفرط: قال أهل اللغة الفرط والفارط هو السابق ــ ترسله العرب ــ الذي يتقدم الواردين يستكشف الطريق وليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستقاء فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيئ له .

فتراهم حُرمُوا من حوضه صلى الله عليه وسلم، كما حَرَموا أنفُسَهُم من سنته هديه، حيث لم يَردُوا شريعته مورد العطشان، واستغنوا عنها بأصول وقواعد أهل الكلام من الفلاسفة والمناطقة، فكان جزاؤهم من جنس العمل .

فهل يكفي أن يكون العبد مسلماً حتى يدخل الجنة، وينجو من عذاب الله عز وجل أم لابد أن يكون على معتقد صحيح وعلى فهم صحيح للكتاب والسنة وهو معتقد الصحابة ، وفهم الصحابة رضي الله عنهم .

وطائفة أخرى ممن تأثر بفكر الخوارج، الذين يقولون: صاحب الكبيرة كافر، ويستدلون على مذهبهم المنحرف بآيات من القرآن يؤولونها على غير ما أوله سلف الأمة ، مثل قوله تعالى :(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) الجـن: 23 .

وتكذبهم الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة ، يقول الله تعالى :(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) النساء: 116 .

ومن الأحاديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان)، قال أبو سعيد : فمن شك فليقرأ :(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) النساء: 40، رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وصححه الألباني.

فيردون النصوص أو يحرفونها بدعوى التأويل، والتي تبين أن الله يغفر الذنوب جميعا إذا تاب العبد منها، وحتى من غير توبة، فمن مات على ذنب دون الشرك الأكبر من المسلمين القائمين بأركان الإسلام ولم يتلبسوا بناقض من نواقضه الظاهرة المجمع عليها بين المسلمين، فهو في مشيئة الله إن شاء غفر له بفضله ورحمته، وإن شاء عذبه بعدله وحكمته، ولا يخلد في النار .

فنرجو للمحسن من المسلمين الجنة، ونخاف على المذنب منهم من النار، ولكن لا نقطع لأحد من المسلمين بالجنَّةِ، إلا من قطع له الشرع الحنيف بالجنة، كالعشرة المبشرين وغيرهم، ممن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة، ونخاف على من أذنب من المسلمين الذين ماتوا على التوحيد ولكن لا نقطع بأنهم من أهل النار .

ويقابل طائفة الخوارج، المرجئة، الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، فهم يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان ، ويحصرون الكفر بالاستحلال القلبي، فمهما صدر من مسلم من أقوال وأفعال كفرية ، فلا يكَفَّرُ، ما لم يستحلها بقلبه، وأهل السنة يقولون ، إن الكفر لا يكون باعتقاد القلب خاصة، بل يكون بالقول والفعل والترك والاعتقاد والشك، والأدلة على ذلك مبسوطة في كتب عقائد السلف، وليس هنا مجال لذكرها .

من ذلك ترى أخي المسلم ، إن أهل السنة والجماعة أسعد الناس بهذه القاعدة والتي من مظاهرها كثرة استدلالهم بالآيات والأحاديث النبوية وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وتابع التابعين، ومن تبعهم ممن سار على دربهم واقتفى أثرهم من الأئمة الأعلام ، منارات الهدى، ومصابيح الدجى، فهم يدورون حيث يدور الدليل من الكتاب والسنة، ولا يأخذون دينهم من أحد غير معصوم ، مهما كانت منزلته في الإسلام ، فواجب العلماء بيان مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، من أدلتها الشرعية، لا معارضتها .

هذا ما نتعبد الله به، ونرتضيه لديننا، وهو المنهج السلفي المنضبط، من غير تقديس للعلماء مهما كانت منزلتهم ، ولا جفاء بهم ، فكلُّ يؤخذ منه ويرد، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا


روابط تحميل نسخة pdf

http://sharebee.com/9c79156f


http://www.fileflyer.com/view/cina3AR


http://www.zshare.net/download/74871857fe26d255
/


كتبه الفقير إلى رضا ربه وعفوه

عبــد الوهّـــاب بن محـمد السلــطان

أمير جماعة أنصار السنة (الهيئة الشرعية)

27 ربيع الثاني 1431 هـ

12 نيسان 2010 م
www.ansar11.org


الكاتب: علي العنزي
التاريخ: 11/05/2010