ما مات الشهيد، بل ماتت أمة لا تقدر شهداءها: رحمك الله يا أسامة

 

ما مات الشهيد، بل ماتت أمة لا تقدر شهداءها
رحمك الله يا أسامة

قال الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضلٍ وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) ، وقال تعالى: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) .
ولا جرم أن في خبر استشهاد رجال الأمة عرضاً للقلوب على معاني الإيمان بالله تعالى؛ فمن كان مؤمناً بالله تعالى آمن بقيمة الجهاد في سبيل الله، ومن أحب الله بالغيب أحب لقاء الله تعالى فأحب الشهادة في سبيله لأنها أجمل مواكب اللقاء مع الله تعالى، ثم رام أن يتدرج في مسيرة الجهاد والاستشهاد فتلفت ليسترشد بالسائرين ممن معه وممن سبقه وممن يلحق به، فهؤلاء هم مواكب الجهاد والاستشهاد، وهؤلاء هم مشاعل النور على طريق السالكين، وهؤلاء هم المؤنسون لوحشة الطريق حين يرمي الناس أهل الجهاد عن قوسٍ واحدة، حتى إذا عادى الناس أهل الجهاد، وكشر أعداء الله عن بغضهم للمتقربين إلى بارئهم بالأنفس والأموال، انعقد في القلب بغض أعداء الجهاد، لأنهم أعداء الله، فإذا تم ذلك ازدادت محبتنا للمجاهدين، وتاقت أنفسنا إلى التحليق في مدارج الاستشهاديين، وكلما ارتقينا درجةً في معارج هؤلاء الصفوة من الرجال، كلما تحاقرت في أنظارنا حثالات البشر الإبليسيين الواقعين في أعراض المجاهدين والشهداء، وكلما تشكل قلب المسلم على معقدي الحب والبغض في الله، كلما اشتدت جذوة الإيمان في قلبه بفضل الله أولاً ثم بفضل هؤلاء الثلة من المجاهدين والشهداء، فيا لعظيم فضلكم على الناس، ويا لعظيم تفريط الناس فيكم، ويا لعظيم شرفكم بين الناس، ويا لعظم جرم الوقوع فيكم، فأنتم يا سادتي الشهداء تتحملون في الحياة وقع القنا والحراب وعمل البنادق والقاذفات في أبدانكم، وتتحملون بعد مقتلكم وقوع التافهين في أعراضكم، فطوبى لكم، والخزي والندامة لأعدائكم، أما نحن فنقولها بكل فخر واستشراف لمراتب فضلكم: إنا نحبكم في الله...
نعم، نحن نحبك يا أسامة، كما أحببنا كثيرين من قبلك، لأنك ومن سار قبلك ومن سيسير من بعدك قد أرخصتم دماءكم كي تعلو راية التوحيد فوق كل باطل، ومزقتم أجسادكم كي يتحطم كل صنم، وبذلتم أموالكم كي تستحيل أموال الباطل حسرة وندامة على أهلها...
ونحبك يا أسامة، كما أحببنا كثيرين من قبلك، لأنك بذلت كما بذلوا كل ما يغيظ أعداء الله وينكل بهم، ولأنك انتصرت لكل من أوذي في الله أو حاولت، في حين كان ولاة الأمور يحرسون ثغور الباطل، ويقيمون على سدانة البيت الأبيض وسقاية المخمورين فيه...
وبعد يا أسامة، فإنهم يقولون إنك مت، وما قرأوا قول الله تعالى: (ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون) ، فتباً لقومٍ عصوا الله فيك حياً، وتباً لقومٍ عصوا الله تعالى فيك شهيداً بإذن الله، وطوبى لقومٍ أحبوك في الله حياً، وطوبى لقومٍ أحبوك في الله شهيداً، ولا نامت أعين الجبناء...
أما أنت يا أمة الإسلام، فعارٌ عليك أن تحتفلي مع المخمورين بنشوة النصر الموهومة، وعارٌ عليك أن تصطفي ببلاهة لتصفقي في أعراس الكفر والطاغوت، وتولي ظهرك لعرس الشهادة ومواكب الشهداء، وأما أنتم أيها الناطقون بزعمكم باسم الإسلام فعارٌ عليكم أن تتكبروا عما يمليه الحق في ابنٍ بارٍ من أبناء الإسلام، مجاهدٌ قد أفرح العدو مقتله على رعبٍ ووجل، وأفرحكم مقتله على خسةٍ وغباء، ولتعلمي أمة الإسلام أن معيار الصدق في محبة دين التوحيد محبة كل ما ينصر التوحيد، وأن معيار النفاق في دين التوحيد محبة كل ما يفت في عضد القائمين به وعليه، وإن شعارنا في محبتنا لأسامة ولكل أسامة وُلد مع نبأ استشهاده: قوموا فقاتلوا على ما قاتل عليه أسامة، ولتُقتلوا على ما قُتل عليه أسامة، ولتعلموا أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الثناء على أهل الجهاد والاستشهاد، وتأمل كيف كان من آخر عهده صلى الله عليه وسلم بالدنيا أن وقف وقفة التقدير والعرفان لطليعة الشهداء من أهل أُحد الذين قامت على جماجمهم قلعة الإسلام المنيفة، فعن عقبة بن عامر الجهني قال: آخر ما خطب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهداء أحد، ثم رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"إني لكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وأنا أنظر إلى حوضي الآن في مقامي هذا، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أريت أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض فأخاف عليكم أن تنافسوا فيها"، فيا أمة الإسلام، لا يكن حظك من الشهداء النكران والانشغال بلعاعة الدنيا، بل العرفان والمحبة والسير على ما ساروا عليه، وإنا لهذا أحببنا أسامة، ولهذا سنبقى نحب أسامة، ولهذا سيخرج منا ألف ألف أسامة...

وكتب/
وسيم فتح الله


الكاتب: د.وسيم فتح الله
التاريخ: 03/05/2011