تكفل الله لي بالشام

 

" تَكَفَّلَ اللهُ لي بالشَّام "

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.


لم ولن نفقد الأمل بالشام .. فمهما طال ظلام الليل في الشام .. فإن فلق الفجر الساطع قادم لا محالة .. ومهما علت ظلمة السحاب الداكن سماء الشام .. فإنها ستنجلي وتأفل ولو بعد حين .. وتنكشف أرض الشام لنور الشمس الساطع .. ونحن على موعدٍ بذلك، بإذن الله.

مر على أرض الشام غزاة كثر؛ مر التتار بجهلهم وتخلفهم وهمجيتهم .. ثم تبعهم الصليبيون بحقدهم وإجرامهم وأطماعهم .. فاندحر الغزاة .. وانقلبوا إلى جحورهم خاسئين خاسرين .. وبقي الشام بأهله ودينه عزيزاً كريماً.

وهاهي الشام في هذه الأيام ترزح أسيرة ـ منذ عقود ـ تحت وطأة حكم زنادقة العصر من القرامطة العملاء؛ النصيريين .. البعثيين .. العلمانيين .. الإباحيين .. المجرمين .. الحاقدين فأفسدوا في البلاد، وأذلوا العباد { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .. وإنهم ـ بإذن الله ـ سيندحرون صاغرين .. ويزولون عن أرض الشام كما اندحر وزال من قبلهم من الغزاة المجرمين .. وسيعود للشام عزها ومجدها .. وسؤددها .. ودورها الريادي في قيادة الأمم والشعوب .. كما كانت دهراً من الزمان.

هذا وعد صادق لا نشك بميقاته .. ولن نُخلَفَه بإذن الله .. ولو بعد حين.

فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" عليكم بالشام .. فإن الله -عز وجل- قد تكفَّل لي بالشام وأهله ". أي تكفَّل اللهُ لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بنصرة دينه ودعوته .. والذود عن بيضة الإسلام وحرماته .. بالشام وأهل الشام .. ومن تكفَّل الله به ـ فهو محفوظ ـ فلا ضيعة ولا خوف عليه.

قال ربيعة: سمعتُ أبا إدريس يُحدث بهذا الحديث، يقول: ومن تكفل اللهُ به فلا ضيعة عليه.

وعن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- ، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! "، قالوا يا رسول الله وبمَ ذلك؟ قال:" تلك ملائكةُ الله باسطوا أجنحتها على الشام ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" إني رأيتُ عمودَ الكتاب انتُزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" إذا فسد أهلُ الشام فلا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ".

قلت: هذا الفساد النسبي الذي أصاب أهل الشام بسبب سياسات طواغيت الكفر والردة الحاكمين في الشام .. قد انعكس سلباً على خيرية الأمة وعطائها في العالم .. كما هو ملاحظ .. فالحديث أفاد أن عزَّ الشام هو عز للأمة .. وأن ذل الشام وفسادها .. هو ذل وفساد للأمة .. فعز الأمة وذلها .. وخيرها صعوداً وهبوطاً .. زيادة ونقصاناً .. مرتبط بعز الشام وذلها، وخيرها.

لذا كانت الشام ـ ولا تزال ـ هدف الغزاة المستعمرين .. ومحط اهتمامهم وأنظارهم .. ومؤامراتهم .. لعلمهم بأهمية هذه المنطقة الحساسة .. وخطورتها عليهم .. فسلطوا عليها حكاماً من بني جلدتنا أشد منهم كفراً وحقداً وإجراماً، وفساداً .. وزرعوا في قلب الشام ـ في فلسطين ـ عصابات بني صهيون .. ليسهل عليهم التدخل بشؤون الشام ساعة ما يشاءون بحجة الدفاع عن تلك العصابات الصهيونية، وعن دولتهم!

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا، لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله؛ وهم بالشام ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ".

وفي رواية:" لا يزال أهل الغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة "؛ وأهل الغرب هم أهل الشام.

قال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام.

أفادت الأحاديث أموراً:

منها: أن هذه الطائفة المنصورة الظاهرة؛ الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم من الناس، هي موجودة في الشام أو أن الشام لا تخلو منها.

ومنها: دوام وجود هذه الطائفة المنصورة على ممر الأزمان، وإلى يوم القيامة، فلا تخلو حقبة من وجودها، بما في ذلك زماننا الذي نعيشه .. أي أن هذه الطائفة المنصورة موجودة الآن في الشام عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها!

ومنها: أن هذه الطائفة محفوظة منصورة بالله، بها تكفل الله لنبيه نصرة الدين وحفظه.

ومنها: أن من سمات هذه الطائفة المنصورة أنها تجاهد في سبيل الله .. وأنها تصدع بالحق، ولا تخشى في الله لومة لائم.

وعن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله اكتب لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك. قال -صلى الله عليه وسلم- :" عليك بالشام، عليك بالشام، عليك بالشام!"، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- كراهيته للشام، قال:" هل تدرون ما يقول الله -عز وجل- ؟ يقول: أنتِ صفوتي من بلادي أُدخل فيك خيرتي من عبادي .. ورأيت ليلة أُسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام، أُمرنا أن نضعه بالشام ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" عليك بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده ".

وعن عبد الله بن عمر، قال: قال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً:" إني رأيت الملائكة في المنام أخذوا عمود الكتاب، فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتن فإن الإيمان بالشام ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" سيكون هجرة بعد هجرة؛ فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ". ومهاجر إبراهيم -عليه السلام- هي فلسطين، وفلسطين من الشام[ ].

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" ستخرج نارٌ في آخر الزمان من حضرموت تحشر الناس "، قلنا فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال:" عليكم بالشام ".

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" فسطاط المسلمين ـ أي مدينتهم ـ يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يُقال لها: دمشق؛ من خير مدائن الشام ".

وفي رواية عنه، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:" يوم الملحمة الكبرى، فسطاط المسلمين بأرض يُقال لها: الغوطة، فيها مدينة يُقال لها: دمشق؛ خير منازل المسلمين يومئذٍ ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرسْاً، وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدين ".

وقال -صلى الله عليه وسلم- :" عقر دار المؤمنين بالشام ". أي مركزهم الذي يأوون إليه ـ عند الشدائد والمحن والفتن ـ هو بالشام!

من هذه الأحاديث وغيرها عُدت الشام أرض رباط إلى يوم القيامة، والمقيم فيها ـ إن صلحت نيته ـ له أجر المرابط في سبيل الله[2].

هذه هي الشام فأين أنتم يا أهل الشام .. انفضوا غبار الخوف والذل عنكم .. هبوا في وجوه الطواغيت الحاكمين الظالمين الجبناء هبة رجل واحد ..!

لكم ـ يا أهل الشام ـ دور نهضوي حضاري ريادي .. تنتظره الأمة منكم .. ومنذ زمن ليس بالقليل .. لا بد من أن تنهضوا إليه .. وتأخذوه بقوة!

هاهو نبيكم ـ يا أهل الشام ـ يزكيكم .. ويستنهضكم .. ويحرضكم على القتال والجهاد .. والصدع بالحق .. ويعقد الآمال عليكم .. فصدقوه بالفعال قبل الأقوال .. وأنتم أهل لذلك إن شاء الله.

قدركم ـ يا أهل الشام ـ بأن تكونوا الحماة لهذا الدين .. والمادة التي يُنصر بها الدين وتُعلى كلمته .. والجند الذي يحفظ الله بهم الملة والأمة .. وأن تكونوا المأوى والمنجاة من الفتن .. ولا بد من أن تتقبلوا هذا القَدَر ـ وتكاليفه ـ بنفس راضية مؤمنة طائعة .. وأجركم على الله.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ }التوبة:38.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




--------------------------------------------------------------------------------

[1] المراد بالشام الشام الكبرى؛ وهي تضم سورية، والأردن، وفلسطين، ولبنان، وتبوك ـ من أرض الجزيرة ـ وما تلاها من جهة الأردن .. كل هذه المنطقة تُسمى الشام؛ لكن عقر الشام ومركزها دمشق وما حولها، كما أفادت بذلك الأحاديث.
والحديث فيه بشرى خير لأهل فلسطين الصامدين المرابطين الملتزمين بمهاجر إبراهيم -عليه السلام- .. رغم كل المضايقات والسياسات التعسفية الإجرامية التي يمارسها الصهاينة اليهود من أجل تهجيرهم وإخراجهم من ديارهم؛ ديار ومهاجر إبراهيم -عليه السلام- !

[2] جميع الأحاديث الآنفة الذكر صحيحة أو حسنة الإسناد ولله الحمد، وهي مخرجة في كتاب " فضائل الشام ودمشق للربعي "، تحقيق الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.


5/2/1426 هـ.
15/3/2005 م.
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "

www.abubaseer.bizland.com



الكاتب: ام البراء
التاريخ: 19/04/2007