لحقوقُ والحرياتُ .. وصياغةُ الدستورِ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقوقُ والحرياتُ .. وصياغةُ الدستورِ



يتكلمُ الناسُ كثيرًا على الحقوقِ والحريات، حقوقِ الإنسان، حقوقِ المرأة، حقّ التعبير، حقّ النقد، حقّ التظاهرِ، حقّ الاعتصام، حرية الإعلامِ، إلخ ...

لا شكّ أنّ فيما يُطرح ويُطالبُ به الناسُ - سواء على مُستوى الأفرادِ أو المؤسَّسات، وسواء أكان للمرأَة أم لغيْرها - منه ما هو حق فعلا، تجاهلَه الناس وضيّعوه، تجبُ الدعوة إليه والدفاعُ عنه، واتخاذُ كلّ السبلِ الكفيلةِ بردّه إلى أهلِه، فإنّ استلابَه غصبٌ وتعدٍّ وفسادٌ، والله تعالى لا يحبُّ الفساد..

ومنه ما يُسمى حقًّا، وتتبنَّاه منظماتٌ وحقوقيونَ، وهو في واقعِ الأمرِ ليسَ كذلك، فلا هو حقٌّ، ولا هو مشروعٌ أصلا، لتَعارُضِه معَ مبادئِ الإسلامِ الواضحةِ، وثوابِتِه الصريحةِ القاطعةِ، بل لا يقرّه أيّ قانونٍ وضعيّ سوي.

هناك منظماتٌ مشبوهة في العالم تُقحم بعض الهيئاتِ الدولية أحيانًا - مثل الأممِ المتحدة، أو غيرها من المنظماتِ التابعة لها - بأن تتبنّى مبادئَ بها كثير من المخالفات الأخلاقية والدينية، لفرضها على أهل الأرض، وتسميها حقوقا!!

وتجد - للأسف - من الهيئات الحقوقية في بلاد المسلمين، من يتبنى مثل هذه الحقوق المزعومة، ثم يتولى الإعلامُ المهمة، ويسوّقُ ما يُعرض منها على العامة، دون تمحيصٍ، ولا تأسيسٍ، وكأنه أمرٌ مقدّس، لا يجوزُ المساسُ به..

ومسوّدة العنفِ ضدّ المرأةِ، المعروضةُ على الأممِ المتحدِة الأيامَ الماضيةَ، خيرُ شاهدٍ على هذه الحقوقٍ المزعومةِ، وهي تأتي تتميما لاتفاقية (سيداو)، أي: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز بين المرأة والرجل، القائم على الجنس، وتَعُدّ هذه الاتفاقية كلّ تقييد أو تفريقٍ بين الرجلِ والمرأة، على أنهما رجل أو امرأة، هو من التمييزِ المحْظور، وهذه بداية الخلاف بين الاتفاقية والداعين إليها، وبين القرآن، فالله تعالى يقولُ: (وليسَ الذّكَرُ كَالأُنثَى)،

وهم يقولون: الرجل والمرأة سواء في كل شيء!

وقد انضم إلى اتفاقية (سيداو) حتى نهاية 2009م، 186 دولة، ومنها كثيرٌ من الدول الإسلامية والعربية، وبعضُها وافق مع التحفظِ على بعض ما جاءَ فيها، والغريبُ أن أمريكا - زعيمة العالم الحر كما تسمي نفسها، ولا أحد يتهمها بالعنف ضد المرأة - امتنعت عن التوقيع على الاتفاقية، واعتبرتها – كما جاء على لسان بعض أعضاء مجلس الشيوخ - تدخلا في الأمور الشخصية للناس، التي لا يجوز المساس بها، ولا أن تحكمها اتفاقيات دولية، كما اعتبرتها تدميرا للأسرة والروابط الاجتماعية، وكان الأجدر بهذا الموقف من الاتفاقية هو الدول الإسلامية، لا امريكا، ففي انتسابهم إلى الإسلام الذي يدينون به ما يُبررُ لهم رفضها.

لذا تجدنا اليوم - خصوصًا وأننا مُقبلون على صياغةِ الدستور، الذي سيكون من أولوياتِه الكلامُ على الحقوقِ - تجدُنا في أمسّ الحاجة إلى تحريرِ المُصطلحات، وتحديدِ الألفاظِ والمدلولاتِ، ثمّ وزنِها قبلَ الحُكم عليها - بالرد أو القَبول - بالميزان الحقّ، والحكم العدل، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حُكم اللهِ الذي أنزلَ الكتاب، وأنزلَ معه الميزانَ، ليقومَ الناسُ بالقسط، فالوقوفُ على المصطلحات، وقَبولُ المقبولِ منها، وردُّ المردود، والتوافقُ عليه، وقَبوله بما يوافقُ ثوابتَ الدين ومصلحة الوطن، هوَ صمامُ الأمانِ لسلامةِ الدستورِ، وهو الذي يُقصرُ علَى الإخوةِ الخبراءِ المعنيين بصياغة الدستورِ الطريقَ، وينيرُ السبيلَ، فلا يقعُ مَع مراعاته نزاعٌ في غيرِ موضِعِ النزاعِ، فإنّ أكثرَ اللبْسِ وتباينِ وجهاتِ النظرِ والاختلافِ، يأتي عادةً من عدم تحديدِ الألفاظ، وتحريرِ المصطلحاتِ.



وللكلامِ بقية مع لقاء آخر في تعريف الحق ....



الصادق بن عبدالرحمن الغرياني.

الأحد 12 جمادى الأول 1434 هـ.

الموافق 24 مارس 2013 م .


الكاتب: ابوطلال من ليبيا
التاريخ: 26/03/2013