المشروع الصفويّ الفارسيّ عارٍ في لبنان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد عِناقه المشروعَ (الصهيوني الأميركي) وتكامله معه :
المشروع الصفويّ الفارسيّ عارٍ في لبنان

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

[هذه المادّة، وكل ما أكتب باسمي من مواد، لا علاقة له بأي جهةٍ أو جماعةٍ أو حركةٍ أو مؤسّسة، إنما يعبّر عن رأيي أو فكري أو معتقدي.. فحسب، الذي أبذل حياتي، للدفاع عنه وعن أصالته وحُرّيته واستقلاله]
* * *
منذ أن سيطر الحرس الثوريّ الإيرانيّ على مقاليد الأمور في إيران عام 1979م.. أطلق الخميني شعاره لتصدير الثورة الشيعية إلى أنحاء العالم العربيّ والإسلاميّ: (إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى خارج إيران)!.. (خطاب الخميني في الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة الخمينية، بتاريخ 11/2/1980م). وقد تركّزت الخطط الإيرانية منذ ذلك الوقت، على تحقيق هذا الهدف: (تصدير الثورة الشيعية الخمينية)، فحاولت الدولة الإيرانية الشيعية الوليدة اجتياح العراق، لكنها اصطدمت بمقاومةٍ شرسةٍ قوية، أحبطت كل المخططات الفارسية الشيعية الشعوبية لاجتياح الدول العربية والإسلامية، ومزّق العراقيون شعار الخميني، بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً من أرواحهم ودمائهم وثرواتهم ومستقبل أبنائهم وتطوّر وطنهم، مثلما دفعوا البلاء والشرّ القادمَيْن من بلاد فارس، عن كل أوطان العرب والمسلمين.. إلى أن احتلّت أميركةُ العراقَ في ربيع عام 2003م، بتواطؤٍ إيرانيٍ كامل، لتحين ساعة نفث الأحقاد التاريخية والهمجية: أميركة تنتقم من العراق الذي تحدّى جبروتها وطغيانها، ولم يقبل أن يكون رقماً في حاسب البيت الأبيض.. وإيران تنتقم منه لإلحاقه أكبر هزيمةٍ بها في العصر الحديث، وتهشيمه الرأس الفارسيّ الصفويّ بالقبضة العراقية المتينة!..


في حقيقة الأمر، بعد أن هُزِمَ الفرس الصفويون واقتنعوا بأنّ تصدير ثورتهم بالقوّة أمر غير ممكن، أعادوا النظر في استراتيجيّتهم، من غير أن يتخلّوا عن هدفهم: تصدير الثورة، فكانت –في الوقت نفسه- على الجانب الغربيّ من الهلال الخصيب، مؤامرة نشطة، تجري فصولها بوحيٍ من شعار الخميني لتصدير ثورته، أبطالها: النظام السوريّ الطائفيّ، وحركة أملٍ الشيعية، والسفارة الإيرانية في دمشق، والوليد الجديد من رحم حركة أمل: حزب الله الشيعيّ، الذي قدّم قادته (المصنَّعون فارسياً إيرانياً) بيعتهم للخميني، معاهدين على الطاعة والإخلاص لـ (الوليّ الفقيه): الخميني، والالتزام بأوامره ونواهيه، وذلك عن طريق السفير الإيرانيّ في دمشق آنذاك (علي أكبر محتشمي بور)!.. ومنذ ذلك الحين، فتح النظام السوريّ بقيادة الطائفيّ (حافظ أسد) أبواب سورية لرعاع الثورة الشيعية الإيرانية، كما أشرف على بناء حزب الخميني الجديد في لبنان، وتسليحه وتقويته، وتواطأت الأطراف الثلاثة على تصفية المقاومة اللبنانية السنيّة للكيان الصهيونيّ، لاسيما المقاومة الفلسطينية، وترافق ذلك مع إبرازٍ تدريجيٍّ لِحُرّاس الكيان الصهيونيّ الجدد، الذين أطلقوا عليهم اسم: المقاومة الإسلامية اللبنانية، وهي التشكيل الذي استقبل أبناؤه وجماهيرهم الجيشَ الصهيونيّ بالأزهار والأوراد، أثناء اجتياحه لبنان عام 1982م.. لتبدأ بعدها فصول المخطّط الطائفيّ الرهيب في منطقتنا، لتفتيتها والاستيلاء عليها والسيطرة على أوطانها ومقدّراتها، بمختلف السبل الميكيافيلية الخبيثة، وبكل وسائل الخداع واستخدام الأقنعة، التي كان أشدّها صراخاً: شعارات المقاومة والصمود والتصدّي والممانعة وأكذوبة الوقوف بوجه الغرب وأميركة والكيان الصهيونيّ!.. إلى أن تبلور المشروع الطائفيّ الشيعيّ الفارسيّ، بمزاياه الجغرافية والديموغرافية والعقدية والدينية والاستراتيجية، وبدأت تتعمّق معالمه وضوحاً، وذلك مع تنصيب الطائفيّ (بشار أسد) ديكتاتوراً وراثياً على سورية!.. ثم مع احتلال أفغانستان والعراق.. وحين وجد أركان هذا المشروع الطائفيّ الفارسيّ المشبوه أنفسهم يملكون بعض أوراق القوّة، التي اكتسبوها من تواطؤهم مع أميركة ومشروعها المشبوه في المنطقة.. بدأوا بتسريع تنفيذ مخطّطهم الخبيث القديم الجديد: تصدير الثورة الخمينية، واللعب بالأوراق التي امتلكوها على حساب العراق وأفغانستان والشعبَيْن السوريّ واللبنانيّ، فكانت الحرب المفتَعَلَة مع العدوّ الصهيونيّ في صيف عام 2006م، التي تمّ فيها تدمير لبنان، واستقدام قوات اليونيفيل لحماية الكيان الصهيونيّ، وتسديد ضرباتٍ موجعةٍ للاقتصاد اللبنانيّ، والتنكيل بالآلاف من أبنائه بين قتيلٍ وجريحٍ ومُهَجَّر، وكان أسوأ ما في تلك الحرب المفتَعَلَة، هو تصريح زعيم حزب خامنئي اللبنانيّ: (لو كنا نعلم أنّ خطف الجنديَّيْن الإسرائيليَّيْن سيؤدي إلى هذه الحرب المدمِّرة.. لما قمنا بعملية الخطف هذه)!.. وذلك بعد أن أعلن عن نصره الإلهيّ، الذي لم يدرك الراسخون في العلم قصدَه في ذلك الوقت، لأن قلةً من العرب والمسلمين فحسب، كانوا يُدركون أنّ هذا الزعيم الصفويّ، كان يعني تماماً ما يقول، فقد انتصر مشروعه الفارسيّ الصفويّ، وحقّق أصحابُ هذا المشروع المشبوه كلَّ ما هدفوا لتحقيقه من إشعال تلك الحرب على لبنان: كسب إيران لنقاطٍ إضافيةٍ أمام منافسيها الأميركيين على المنطقة، وحماية النظام السوريّ القاتل من السيف المسلط على رأسه: المحكمة الدولية، وتعبئة الشعوب العربية والإسلامية وتجييش عاطفتها لصالح الفرس الشيعة وحلفائهم، تحت الشعار الخادع الكاذب: مقاومة العدوّ الصهيونيّ!..


* * *

الركيزتان الرئيستان للمشروع الفارسيّ الصفويّ


لِفَهْم ما جرى ويجري في لبنان الآن، نذكِّر بما قلناه في مناسباتٍ سابقة، بأنّ المشروع الفارسيّ الصفويّ الشعوبيّ، يرتكز إلى ركيزتَيْن أساسيّتَيْن، تماثلان إلى حدٍ بعيدٍ ما يرتكز عليه المشروع الصهيو-أميركي ضد الأمَّتَيْن العربية والإسلامية (راجع بحثنا المنشور أثناء اندلاع حرب تموز 2006م، بعنوان: عناق المشروعَيْن المشبوهَيْن):


1- الركيزة الأولى: غَرْسُ بذور الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كالذي يجري بوضوحٍ في العراق وسورية ولبنان، عن طريق استهداف أهل السنّة، وزيادة النفوذ الشيعيّ في مناطقهم، بواسطة بناء الحوزات والحسينيات والجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية والمؤسّسات الطبية والصحية واستغلال فقر الفقراء.. وبواسطة تغيير التركيبة السكانية، بتشجيع الهجرة الشيعية إلى تلك المناطق، وبتهجير أهل تلك المناطق منها.. وما يرافق ذلك من حملات التشييع النشطة في المجتمع السنيّ، لاسيما في سورية، تلك الحملات المدعومة بكل الوسائل المادية والسياسية والأمنية، وبالتغطية الكاملة من قِبَل النظام الطائفيّ السوريّ.


2- الركيزة الثانية: الدفع باتجاه تفتيت الكيانات السياسية العربية والإسلامية القائمة أو إضعافها، بقصد الهيمنة عليها، إما بشكلٍ مباشر، أو عن طريق الوكلاء الطائفيين الذين يُزرَعون في مجتمعاتنا، بعد إمدادهم بكل أسباب القوّة المالية والتسليحية والأمنية والاقتصادية والبشرية والإعلامية والشعاراتية، مقابل تقديم الولاء الكامل لوكيل الإمام الغائب المنتَظَر أو (الوليّ الفقيه) القابع في طهران، وهو علي خامنئي حالياً والخميني سابقاً، وتنفيذ أوامره بدقةٍ والتزامٍ كاملَيْن، بناءً على عقيدةٍ دينيةٍ صفوية، تستند إلى عقيدة: الإمام الشيعيّ الغائب، المنتَظَر خروجه من سردابه الذي دخله طفلاً منذ مئات السنين، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الإيرانيّ (أحمدي نجاد) مؤخراً: (إنّ الإمام المهدي يُدير العالَم، وإننا نرى يده المدبِّرة في شئون كل البلاد، وقد حان الوقت لننهض بواجباتنا العالمية، فإيران ستكون محور قيادة العالَم)!.. (خطاب نجاد في 7/5/2008م).. وكان نجاد قد قال بعد انتخابه رئيساً لإيران في عام 2005م: (إنّ المؤمنين بالتعاليم الإلهية، يفعلون ما بوسعهم للتعجيل بعودة المهديّ المنتَظَر)!.. (الشرق الأوسط، نجاد يعوّل على المهدي المنتظر، 8/5/2008م).. وهم يعتقدون أنّ الإمام الثاني عشر الغائب المنتَظَر، سيظهر ليقتل غير الشيعة، كما يعتقدون أنّ توسّعهم وتمدّدهم وامتلاكهم القوّة والنفوذ، سيعجّل في ظهور إمامهم الغائب هذا!..


لقد أعلن زعيم حزب خامنئي اللبنانيّ أكثر من مرةٍ على الملأ.. أعلن ولاءه للوليّ الفقيه الفارسيّ الإيرانيّ (خامنئي)، وجدّد بيعته له، واعتبر نفسه الوكيل الشرعيّ له في لبنان، وهذا في الحقيقة هو الإسفين الرئيسيّ الذي زرعه أصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ، لانتزاع ولاء الحزب وأنصاره من ولاءٍ للوطن اللبنانيّ ومصالحه الوطنية، إلى ولاءٍ مُطلَقٍ لطهران وقمّ، ولمصالح إيران ومشروعها التوسّعيّ الطائفيّ، وقد انكشفت هذه الحقيقة بوضوح، بأنها الناظم الرئيس لكل سياسات الحزب وتوجّهاته وتحرّكاته ومحطّطاته وممارساته على الأرض اللبنانية.. فكل ذلك كان وما يزال يتم، بهدف تنفيذ مخطّطاتٍ خارجيةٍ طائفيةٍ إيرانيةٍ مشبوهة، مؤسَّسَةٍ على عقيدةٍ دينيةٍ معشّشةٍ في رؤوس القائمين على تنفيذ المشروع المشبوه، على طريق ابتلاع لبنان، واستخدامه ورقةً في المساومات الدولية والإقليمية على اقتسام النفوذ مع أميركة والكيان الصهيونيّ!.. وقد قام الحزب الطائفيّ المشبوه بعد تدمير لبنان وإضعافه بِحَربه المفتَعَلة في تموز 2006م.. قام بخطوتَيْن رئيسيّتَيْن حتى الآن، سَيراً في طريق تنفيذ الركيزة الثانية المذكورة آنفاً، من الركيزتَيْن اللتين يقوم عليهما المشروع الفارسيّ الصفويّ، وذلك بعد الانتهاء من تنفيذ ما ورد في الركيزة الأولى:


1- الخطوة الأولى: تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، بعد الانسحاب من الحكومة لصالح النظام السوريّ لتعطيل المحكمة الدولية، ثم قام بتحويل قوى الحزب من جنوبيّ لبنان إلى العاصمة، وبتنفيذ الاعتصام المدنيّ في بيروت وما حولها، ثم افتعال بعض الصدامات والاستفزازات مع الشعب اللبنانيّ.. وكل ذلك كان مترافقاً مع نهجٍ خطابيٍ وإعلاميٍ مكثّف، يزعم أن الحزب ملتزم بالثوابت اللبنانية، وبحرمة الدم اللبنانيّ، وبأنّ سلاح الحزب وُجِدَ لمقاومة العدوّ الصهيونيّ وأميركة فحسب، وليس للسيطرة على لبنان، وتقتيل شعبه.


2- الخطوة الثانية: هي التي نعيشها ونشهد فصولها حالياً، التي بدأت في السابع من شهر أيار الحاليّ 2008م، التي انقضّ فيها الحزب الطائفيّ بسلاحه الإيرانيّ على بيروت الغربية تحديداً، أي على أهل السنة فيها.. فانقضّ بذلك على كل ما كان يزعمه زعيمه وتدّعيه قياداته، من ثوابت تحريم الدم اللبنانيّ، وثوابت كونه حزباً مقاوِماً للعدوّ، وهو الغطاء الذي لعب في ظله هذا الحزب الطائفيّ، للاحتفاظ بسلاحه، ليكون أقوى قوّةٍ في لبنان، تُمَكِّنه من المضيّ بقفزةٍ نوعيةٍ عسكريةٍ كبيرة، في طريق السيطرة على الوطن اللبنانيّ، تنفيذاً لمشروعه الفارسيّ الصفويّ، الهادف إلى إلحاق لبنان بإيران، لتكتمل سلسلة المشروع المشبوه: من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق.. وهي المرحلة الأولى، للانقضاض بعدها على الدول العربية والإسلامية، التي زرعوا فيها (أحزاب الله)، انتظاراً لانقضاضاتٍ تالية، وتنفيذاً لنهجهم في التفتيت والخلخلة والإضعاف.
صِبغة المواجهة الحالية


لعلّ سؤالاً ساذجاً يسأله بعض المحسوبين على النخبة المثقّفة من العرب والمسلمين: هل المواجهة الدائرة حالياً هي مواجهة طائفية شيعية-سنيّة؟!.. للإجابة على هذا السؤال، وعلى الرغم من علمنا بأنّ رجل الشارع العاديّ الأميّ، صار في هذا العصر الرديء أعمق فهماً لما يجري حوله، من بعض المحسوبين على نخبة المثقّفين والزعامات والقيادات الإسلامية والقومية، وحركاتها التي لا تغيب عنها الشمس.. نقول بوضوحٍ تامٍ وثقةٍ لا تتزعزع:


1- إنّ الانقضاض على بيروت الغربية السنيّة بقوّة السلاح المذخور لمقاومة العدوّ كما يزعمون، يُثبِت زيفَ كل المزاعم التي يُردّدها أصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ، ويكذّبهم جهاراً نهاراً، عن حكايات مقاومة العدوّ وأساطيرها التي لم تعد تُقنِع أحداً، سوى بعض (الرومانسيين) من القيادات الإسلامية والقومية الفاشلة، وبعض رعاعها، من المُغرَمين بأحلام اليقظة والتنظير الفارغ، بخرافات هزيمة العدوّ على أيدي (حُمَاته) الفرس الصفويين، من أصحاب المشروع الهدّام.


2- وإنّ انضمام قوّات حركة أملٍ الشيعية -ميدانياً- إلى قوّات حزب خامنئي اللبناني في ساحات بيروت الغربية السنيّة، بعد سنواتٍ من التدليس والتمويه والتعطيل والنفاق والتخريب السياسيّ، وبعد تظاهر زعيم الحركة الشيعيّ الطائفيّ (نبيه برّي) بالحياد.. إنّ ذلك دليل واضح على أنّ الحرب التي يشنّها هؤلاء هي حرب طائفية شيعية، فالمُنقَضّون المهاجِمون هم من الشيعة، والضحايا والمهاجَمون هم من السنّة تحديداً.. وإنّ امتداد المواجهات من بيروت الغربية السنية إلى الجبل ومناطق الدروز، كان متأخراً أولاً، وكان لغاياتٍ تكتيكيةٍ بهدف إحكام سيطرة الطائفيين الشيعة على بيروت السنيّة والإطباق عليها.


3- كما أنّ تحرّك العلويين في الشمال لمهاجمة أهل السنة هناك، يُضفي مزيداً من وضوح الرؤية، دالاً على الطبيعة الطائفية للحرب المفروضة على أهل السنّة.. فما الذي جمع كل هؤلاء الطائفيين، لشنّ حربٍ حاقدةٍ بتوقيتٍ واحدٍ على أهل السنة؟!.. ولماذا كان المستهدَفون في كل ساحات العدوان هم أهل السنّة دون غيرهم؟!..


4- واستهداف وسائل الإعلام السنيّة دون غيرها، حَرقاً وتَدميراً وتَخريباً، وتمزيق صور الرئيس الحريري رحمه الله، مع تعليق صور بشار أسد مكانها.. يزيد من درجة الوضوح، على طائفية هؤلاء المعتدين الطائفيين.


5- ومحاصرة بعض مساجد أهل السنّة وقصف مسجد (ذو النورين)، وضرب الحصار على دار الإفتاء السنيّة.. وإطلاق الصيحات الطائفية خلال هذه العمليات العدوانية: يا حسين.. يا مهدي.. يجعل من الصعب أن يقتنع الإنسان مهما كان ساذجاً.. بأنّ الحرب التي يشنّها هؤلاء ليست حرباً طائفيةً عدوانيةً شيعية.
الهدف التكتيكيّ من الحرب


ما الهدف من كل هذا التحرّك، وهذه الحرب التي فجّرها الطائفيون؟!..


من الواضح تماماً، أنّ هذه الحرب الإجرامية العدوانية، التي قَتَلَ فيها حزب خامنئي اللبناني وحلفاؤه الطائفيون.. قتلوا من أهل السنّة نساءً ورجالاً وأطفالاً، ما لم يقتلوه من الصهاينة خلال نفس المدة في حرب تموز 2006م (184 قتيلاً صهيونياً خلال 33 يوماً من الحرب).. من الواضح أنّ هذه الحرب الطائفية العدوانية، كان قد تم الإعداد لها مسبقاً، لقطع مرحلةٍ إضافيةٍ نوعيةٍ لصالح المشروع الطائفيّ المشبوه، وإنّ مزاعم الطائفيين بأنّ سببها هو قرارا الحكومة بشأن الضابط المتواطئ (شقير) وشبكة الاتصالات التجسّسية على لبنان لصالح إيران.. هي كمزاعم الكيان الصهيونيّ، الذي اعتبر عملية خطف الجنديين الصهيونيين من قِبل (أبطال) الحرب الطائفية الحالية، اعتبر ذلك هو السبب لشنّ حربه الإجرامية على لبنان في صيف عام 2006م.. والضحية في كلتي الحربين، هو لبنان وشعبه.. فهل نلحظ هذا العناق والتكامل بالأدوار، بين العدوّ الصهيونيّ ومشروعه المشبوه، وأصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ؟!..


لاشك أنّ الهدف لم يتغيّر، وهو يتمثّل في استخدام لبنان ورقةً في مساومات إيران مع الغرب وأميركة والكيان الصهيونيّ، على النفوذ في العراق والمنطقة، وعلى امتلاك السلاح النوويّ، وعلى المحكمة الدولية لحليفها الاستراتيجيّ: النظام السوريّ الطائفيّ.


إننا إزاء سعي أصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ لتحقيق أهدافهم من عدوانهم الحاليّ، نتوقّف عند الأمور التالية:


1- نستحضر مشاهد جرائمهم الشنيعة التي يرتكبونها منذ سنوات، بواسطة ميليشياتهم العراقية الشيعية وحرسهم الثوريّ الفارسيّ، ضد أهل السنّة في العراق، علماً بأنه لم يعد خافياً، أنّ حزب خامنئي اللبناني هو شريك طائفيّ كامل في كل الأعمال العدوانية التي مارستها إيران الخميني وعملاؤها وميليشياتها الطائفية الشيعية بحق العراق، منذ اندلاع حرب الثماني سنوات حتى الآن، تدريباً وعدواناً وحشداً وتسليحاً.. فما يجري في بيروت الغربية حالياً، مطابق لما جرى ويجري في العراق بحق أهل السنّة العراقيين، من جرائم وانتهاكات، بحماية قوات (الشيطان الأكبر) الأميركية!..


2- ونشهد الحقد الدفين على أهل السنّة، الذي ينضح من هؤلاء الطائفيين المعتدين، الذي يُعبّرون عنه بتدمير المساجد، والانتقام من دور الأيتام ودار الإفتاء، وبإذلال بعض شبّان بيروت الغربية الذين يأسرونهم (!).. إننا نستحضر خلال ما شاهدناه من صورٍ ميدانية.. مشاهد سجن (أبو غريب) و (غوانتانامو) والحسينيات الشيعية التي تحوّلت إلى معتقلاتٍ ومذابح ومسالخ لأهل السنّة في العراق.. وهذا في الحقيقة، ليس إلا ترجمةً لتعاليم الوليّ الفقيه وأوامره، فهم يعتبرون أهل السنّة عدوّهم الأول، بناءً على تعاليم عقديةٍ أشبه بتعاليم التلمود، وإنّ عقيدة (تصدير الثورة) نابعة من العقيدة الشيعية الإمامية، التي تعتبر أهل السنّة (نواصب كفّاراً، ينبغي قتالهم وقتلهم أو تغيير دينهم إلى الشيعة الإمامية)!.. وذلك كما يروي (الكليني) في (الكافي ج1 ص233) عن (الرضا): (ليس على ملّة الإسلام غيرُنا وغيرُ شيعتنا)!.. وكما يعتبر (السيستاني) الفارسيّ أهلَ السنّة ضالّين، ويُحرِّم زواج المرأة الشيعية من الرجل السنيّ!..


3- ونلمس كيف ينتهزون أي فرصةٍ للانتقام من أهل السنّة، بعيداً عما يعلنونه من ذرائع وأهداف، إذ ما علاقة قرار الحكومة اللبنانية الخاص بشبكة الاتصالات.. ما علاقة ذلك بقتل مُشَيِّعي جنازةٍ لشخصٍ قتله أيضاً أولئك الطائفيون؟!.. أو بقصف مسجد (عثمان بن عفّان)؟!.. أو بقتل امرأةٍ بيروتيةٍ وابنها؟!.. أو بحرق دارٍ للأيتام؟!.. أو بسبّ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في شوارع بيروت الغربية؟!.. ثم ما علاقة ذلك كله بمقاومة العدوّ الصهيونيّ؟!..


4- كما نلحظ ردّ الفعل الدوليّ والأميركيّ الباهت البارد، على هذه الحرب العدوانية الصفوية، الذي لم يتجاوز الكلام الفارغ وإطلاق التصريحات الهوائية، مع أنّ المدينة التي احتُلَّت هي العاصمة بيروت، في إقليمٍ بالغ الأهمية عالمياً، ومع أنه في ظاهر الأمر، يوجد عداء شديد بين حزب خامنئي اللبناني وأميركة.. أميركة التي جيّشت الجيوش لاحتلال العراق تحت ذرائع كاذبة.. أميركة التي تستنفر بعض قوّاتها فوراً لقصف المقاومين في الصومال، بمناسبةٍ ومن غير مناسبة، وتقصف مصنع أدويةٍ في السودان بذريعة أنه يهدّد مصالحها وأمنها القوميّ.. فهل الصومال وأدغالها أشد أهميةً من لبنان؟!.. وهل مصنع أدويةٍ أشد أهميةً من بيروت وسراي الحكومة اللبنانية، التي يزعم الزاعمون الطائفيون، أنها حكومة عميلة لأميركة نفسها، التي تتحلّى هذه الأيام، بدرجةٍ مثاليةٍ من (برودة الأعصاب) و(ضبط النفس)، وبروحٍ رياضيةٍ عالية، شأنها شأن الكيان الصهيونيّ، الذي يزعمون أنّ الذين احتلّوا بيروت هم مقاوموه وألدّ أعدائه؟!.. فما جوهر الحقيقة إذن؟!..


5- ولعلّ تصريح (أحمدي نجاد) الاستعراضي يوم الثلاثاء في 13/5/2008م، بأنّ (إيران هي الدولة الوحيدة التي لا تتدخّل في الشئون اللبنانية)!.. وتصريح (بشار أسد) بأنّ (الحرب الدائرة في لبنان شأنٌ داخليّ، وإنّ سورية لا تتدخّل في الشئون الداخلية اللبنانية)!.. وتصريح رئيس الكيان الصهيونيّ (شمعون بيريز) بأنّ (الأطراف المتنازعة في لبنان عليها أن تضبط النفس وتتجنّب الحرب الأهلية)!.. لعلّ ذلك النفاق عالي المستوى كله، هو خير دليلٍ على تورّط الأطراف الثلاثة متعاضدةً، في الحرب التي يشنّها الصفويّون ضد أهل السنّة في لبنان!..
تساؤلات مكمِّلة للمشهد التآمريّ الفارسيّ الصفويّ


لتكميل وصف المشهد المضحك المبكي، الذي يرسمه بعض المتفيهقين الذين أغلقوا عقولهم، واكتفوا بالاستماع للشعارات المدوّية المزيّفة، التي يبرع في إخراجها وإطلاقها أحفاد ابن العلقميّ.. هؤلاء المنتمون إلى ما يسمى بالنخبة المثقّفة من بعض التيارات السياسية القومية والإسلامية، يجدون أنه أسهل شيءٍ على المرء أن يُجَمِّدَ عقله الذي أنعم الله عزّ وجلّ به عليه، كي لا يتعب في محاكمة ما يجري محاكمةً عقليةً سويّةً توصله إلى الحقيقة، واقتصروا على محاكمة الموقف الحالي والمواقف التي سبقته، من خلال الشعارات المرفوعة، مع أنّ أي مواطنٍ عربيٍ أو مسلمٍ في طول العالَم وعَرضه، بات يعرف حقيقة أصحاب شعارات: الوحدة والحرية والاشتراكية، وأصحاب الشعار الاستهلاكيّ: أمة عربية واحدة، ذات رسالةٍ خالدة، وأصحاب شعارات المقاومة والممانعة والأخوّة الإسلامية والعربية، وما إلى ذلك من أساطير تُسفَح على إيقاعها كرامةُ الإنسان العربيّ والمسلم، بنفس الطريقة التي يُسفَح فيها دمهما وعِرضهما وتُزهَق فيها روحهما، بأبشع صورةٍ ممعنةٍ في الحقد واللؤم والجريمة، في العراق وسورية وإيران ولبنان، على أيدي أبناء التقية، التي يعتبرونها شرطاً، لاكتمال إيمانهم بدينهم الباطنيّ:


1- هل سأل المغشوشون من بعض قيادات الحركات الإسلامية والأحزاب القومية وبعض شخصياتها، الذين صدعوا رؤوسنا هذه الأيام، بتنظيراتهم وتحليلاتهم السياسية الساذجة، التي تُبَرِّر كلَّ الممارسات الإجرامية لميليشيا حزب خامنئي اللبنانيّ، وتدافع عن أربابه الإيرانيين والنظام السوريّ، تلك التحليلات البعيدة عن الواقع والمسؤولية ومعايير العقيدة والنخوة والمروءة والحميّة، على الرغم من انكشاف كل الحقائق.. هل سألوا أنفسهم، لماذا يزور الرئيس الإيرانيّ (نجاد).. يزور بغدادَ المحتلّة علناً، بحماية الجيش الأميركيّ، مع أنّ الرئيس الأميركي (بوش) نفسه، يزورها سرّاً؟!.. ومع أنّ شعارات العداء بين الطرفين لا تُبقي ولا تَذَر؟!..


2- وهل سألوا أنفسهم، لماذا تُدمَّر بيروت ويُعتَدَى على أهل السنّة في لبنان، بنفس الوقت الذي يقوم فيه النظام السوريّ (الممانِع)، الحليف الاستراتيجيّ للمعتدين على بيروت، بمفاوضة العدوّ الصهيونيّ عن طريق الوسيط التركيّ؟!..


3- وهل سألوا أنفسهم، كيف تكون قيادات الشيعة العراقية وأحزابها وجماعاتها وحكومتها، التابعة للوليّ الفقيه، عميلةً لأميركة والكيان الصهيونيّ في العراق.. ويكون حليفهم حزب خامنئي اللبنانيّ، التابع لنفس الوليّ الفقيه، مقاوِماً لأميركة والكيان الصهيونيّ في لبنان؟!..


4- وهل سألوا أنفسهم، كيف يمكن تفسير مواقف دولة قطر، الحليف غير المعلَن لأركان الحلف الاستراتيجيّ (الإيرانيّ-السوريّ-حزب خامنئي اللبنانيّ)؟!.. إذ أصبحت الحالة القَطَرية، خيرَ مُعَبِّرٍ عن عناق المشروعَيْن المشبوهَيْن: الأميركيّ الصهيونيّ، والفارسيّ الصفويّ!.. وصار اللعب القَطَريّ على المكشوف من غير أقنعة: افتتاح لمكاتب صهيونيةٍ في الدوحة واستقبال رسميّ قَطَريّ لوزيرة خارجية الكيان الصهيونيّ والوفود الصهيونية، وفي نفس الوقت مباركة لمزاعم المقاومة والممانعة في سورية ولبنان!.. انطلاق طائرات التسليح للجيش الصهيونيّ من قاعدة (السيلية) القَطَرية أثناء حرب تموز العدوانية، وفي نفس الوقت تقديم تهاني الزعيم القَطَريّ بنفسه في بيروت، بـ (انتصار) المقاومة المزعومة!.. تقوية العلاقات مع إيران وشدّ أزرها في تنفيذ مخطّطاتها، وفي نفس الوقت تحالف استراتيجيّ مع أميركة وقوّاتها ودعم قواعدها العسكرية!.. الزعم بمؤازرة أهل السنة في المنطقة، وفي نفس الوقت تسخير الإعلام القَطَريّ لتزوير الحقائق، لصالح الميليشيات الطائفية الشيعية في لبنان والعراق!.. ولابد هنا من التنويه إلى الأدوار الانتهازية اللئيمة التي تلعبها قناة الجزيرة الفضائية، لصالح إيران والنظام السوريّ وحزب خامنئي اللبنانيّ وحركة أمل، ولا بد من ذكر الدور بالغ السوء، الذي يلعبه عميل طهران ورئيس مكتب قناة الجزيرة الفضائية في لبنان، في التعمية على جرائم ميليشيا خامنئي اللبنانية، وتزوير الحقائق ضد أهل السنّة في لبنان والمنطقة العربية كلها، وتسويق المشروع الصفويّ الفارسيّ في المنطقة، وتجميل الصورة البشعة لأصحابه!..


4- وهل كلّفوا أنفسهم، بالبحث عن الطبيعة الأخلاقية الإسلامية، في ممارسات إيران وعملائها بحق بلاد العرب والمسلمين؟!.. فهل تحوّلت البلاد العربية والإسلامية إلى مَطيةٍ لمساومة أميركة على النفوذ والمصالح، مهما قُتِلَ من أبنائنا، ومهما دُمِّرَ من أوطاننا، ومهما نُهِبَ من ثرواتنا؟!.. إيران التي تحتلّ الجزر الإماراتية الثلاث، وتؤجّج نيران الفتنة في اليمن، وتستبيح العراق ولبنان، وتتمدّد في سورية بكل الأشكال، وتزرع عوامل الفرقة في دول الخليج العربيّ ودول شماليّ إفريقية.. هل هي دولة إسلامية كما تزعم وتزعمون يا بعض النُخَب الثقافية والدينية والحركية والقومية؟!..


التعامل مع المستجدّات والحقائق، وآفاق المستقبل


بعد فهم الوضع على حقيقته، بِرَدِّه إلى أصوله ودوافع مثيريه، يمكننا أن نؤكّد على ما يلي:


1- انكشاف عوار الفئة التي تزعم أنها فئة مقاوِمة، وقد ثبت لكل ذي قلب، بالصوت والصورة والسلوك، بأنها ليست إلا (ميليشيا) مسلّحة، لها أهداف محدّدة مرسومة من قِبَلِ مؤسّسة (ولاية الفقيه) الفارسية الصفوية، وهي نفس الميليشيا التوأم لميليشيات القتل والإجرام في العراق، التي ترعاها أميركة وإيران معاً، ويشجّعها العدوّ الصهيونيّ، ويدعمها النظام الطائفيّ السوريّ.. ميليشيا تتقنّع بقناع المقاومة، هذا القناع الذي سقط نهائياً مؤخّراً، مع سقوط أصحابه في طائفيّتهم وحقدهم الدفين على الشعب اللبنانيّ، وبخاصةٍ على أهل السنّة، فقاموا بتوجيه السلاح في أول فرصةٍ إلى الذين احتضنوهم، شأنهم شأن الغدّارين من أجدادهم، الذين غدروا ببغداد ودمشق والقاهرة وغيرها، على مرّ التاريخ.


2- اجتياح بيروت الغربية السنيّة لا يمكن أن نعتبره حرباً، فالحرب العسكرية تكون بين طرفَيْن متنازعَيْن مُسَلَّحَيْن، لكن هذا الاجتياح هو احتلال طائفي من طرفٍ واحد، قام بالغدر وارتكاب الموبقات بحق الطرف الآخر، تنفيذاً لأوامر الوليّ الفقيه المصدَّرَة من خارج حدود الوطن اللبنانيّ.


3- على ذلك، صار من الواضح أنّ أهل السنّة في لبنان، عليهم أن يعملوا للاجتماع على كلمة رجلٍ واحد، وأن يمتلكوا أسباب القوّة الحقيقية بكل أنواعها البشرية والمالية والتقنية والتسليحية، مستفيدين من عمقهم الاستراتيجيّ الحقيقيّ، وهو هذا البحر الهائل من مئات ملايين أهل السنّة حولهم، وأن تكون الأولوية في ذلك لستة عشر مليوناً من أهل السنّة السوريين الأقرب إليهم، الذين يعانون مثلهم من طغيان الحكم الأسديّ الطائفيّ، وبخاصةٍ بعد انكشاف الدور السلبيّ المريب، الذي قام به الجيش اللبنانيّ، وعجزه عن حماية أهل بيروت ومؤسّساتهم المدنية، من شراذم الحقد الطائفيّ الصفويّ، بغضّ النظر عن طبيعة هذا العجز، إن كان حقيقياً أم متعمّداً.


4- وعلى ميليشيا خامنئي اللبنانيّ وحزبه الطائفيّ الغادر، أن يعلم جيداً، بأنّ ما فعله وارتكبه مؤخّراً بحق أهل السنّة من أبناء وطنه، سيجعلهم يسعون جاهدين لامتلاك كل أسباب القوّة، وسيجعلهم يتحرّكون على أساس أنهم جزء بسيط من كُلٍ هادرٍ في جميع أنحاء العالم العربيّ والإسلاميّ.. وهذا يُفضي إلى نتيجةٍ جوهريةٍ واحدة، هي أنّ طائفيّي الوليّ الفقيه، وأصحاب المشروع الطائفيّ الفارسيّ الصفويّ، ليسوا إلا أقليةً ضمن أكثريةٍ كاثرة، والعقل والمنطق والحكمة تفرض على الأقلية دائماً، لضمان استمرارها ووجودها، أن تكونَ على الصراط المستقيم، لأنها مهما امتلكت من سلاحٍ ومال، ومهما نسجت من علاقاتٍ مشبوهةٍ مع العدوّ.. فستجد مَن يضعها في حجمها الطبيعيّ، من أبناء الأكثرية الكاثرة، والتاريخ لن يرحم المارقين الغادرين، ويكفي أن يعتبروا بالحقيقة التاريخية التي تفيد، بأنّ بيروت احتلّها خلال ربع قرنٍ تقريباً: الصهاينة، والنظام السوريّ، وحركة أملٍ الطائفية الشيعية.. وكل هؤلاء خرجوا منها صاغرين، فيما بقيت بيروت عامرةً بأهلها الحقيقيين، راسخةً في أعماق التاريخ والجغرافية.. ومن نافلة القول هنا، أن نردّ اتهامات الطائفيين إلى نحورهم، فلهم نقول: هناك فرق كبير بين مَن يمارس الطائفية، وبين مَن يقاومها!.. نحن نقاوم طائفيّتكم التي تمارسونها، ونقف بوجه مشروعكم الطائفيّ الذي تسعون لتنفيذه خدمةً لكل عدوٍ لهذه الأمة!..


5- وعلى أهل السنّة العرب والمسلمين، أن يستشعروا الخطر المحدق بهم وبأوطانهم، من المشروعَيْن المشبوهَيْن المتواطئَيْن المتعاضدَيْن علينا: الصهيونيّ الأميركيّ والفارسيّ الصفويّ، ليقوموا بإطلاق مشروعهم الخاص، الوسطيّ الذي يملأ الدنيا عدلاً ورخاءً وتسامحاً، من غير ضعفٍ أو وهن، وليعملوا على ردّ العدوان الفارسيّ بنفس الطريقة التي تعمل فيها إيران على خلخلة مجتمعاتنا وزعزعة استقرارنا، لتفهم إيران جيداً، أنّ عرب الأحواز يحتاجون إلى دعمنا، وأنّ حوالي عشرين مليوناً من أهل السنّة الإيرانيين ينتظرون منا دعماً يحرّرهم ويخلّصهم من الاضطهاد الطائفيّ الرهيب الذي يتعرّضون له.


6- على الذين ما يزالون يُصِرّون على مغالطاتهم، مقتنعين بأنها تجعل منهم حياديّين بين الأطراف، على هؤلاء أن يكفّوا عن سلوكهم، فدعواتهم لوقف (التراشق) بالسلاح بين كل الأطراف، ولسحب المسلَّحين من شوارع بيروت (من كل الأطراف)، واستمرارهم في تضليل الشعوب العربية والإسلامية التي تثق بهم.. هي دعوات باطلة قلباً وقالباً، ومُجانِبَة للحقيقة الجارية على الأرض، وإمعان في ظلم المظلومين، وإعانة للظالم على ظلمه، وتفريط بالأمانة، وتلبيس للحق بالباطل، وإسهام في تسويق مشروعٍ هدّامٍ غريبٍ عن عقيدة الأمة وأخلاقها ووسطيّتها، لأنّ ما يجري هو عدوان سافر مسلَّح من طرفٍ واحدٍ باغٍ فقط!.. فليعلم هؤلاء المغالطون، بأنّ التاريخ لا يرحم، لأنّ الخطأ التاريخيّ الذي يقترفه زعيم أو قائد أو ذو شأن، ليس كخطأ تلميذٍ في مسألةٍ حسابية، فالخطأ التاريخيّ يترتّب عليه مستقبل شعوبٍ وأمم.. وليعلم هؤلاء، بأنهم سيرجعون إلى مليك السماوات والأرض، الذي سيحاسبهم على أي تفريطٍ بحمل الأمانة على وجهها المشرق الأصيل، من غير تسويفٍ أو محاباةٍ أو تضليل:


(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).. (البقرة:281).
الأربعاء في 14 من أيار 2008م.


* * *


الكاتب: نجوى
التاريخ: 16/05/2008