مـــغـــــالـــطـــة الـــعـــصـــر ...

 


مــغـالـطـة الــعـصــر .. !!

الحمد لله و بعد ُ :

فإنّ من أكبر المغالطات التي يتداولها النّاس اليوم ، و يريد إشاعتها بينهم الأنظمة العربية البائسة هو

تـعـمـيـم تــجــارب الـتـغـيـيـر الـفـاشلــة
على كـل الـبـيـئـات و في كــل الأزمـــنـــة !


و قد توّلى كبر هذه المغالطة فريقان ، الأنظمة العربية ، حاملة لواء الظلم و الاستبداد و نهب الثروات و انتهاك الحقوق و الخروج على قانون السماء و الأرض و علماء السوء قادة الهزيمة النفسية ، فأصبحوا يتذرّعون بعد إفتائهم بعدم جواز الخروج على السلطة مطلقا !! بما حدث في الجزائر - مثلا - ، و يُخوّفون الناس بما آل إليه الوضع عندنا ( آلاف الموتى و المتشردين و المفقودين ، تضييق على الدعوة ، بقاء النظام ، تشويه صورة الإسلام ) و يشيعون بينهم أنّ هذا هو المصير الذي ينتظركم إن فكّرتم في التغيير لحظة !

و هذه أكبر مغالطة للشعوب العربية

إنّه يتحتّم علينا أن نفهم جيدّا أن مشاريع التغيير ليست معادلة رياضية 1 + 1 = 2

قد ينجح مشروع في بيئة و يفشل في أخرى

قد يفشل مشروع في زمن و ينجح في زمن آخر

مثلا ، قد ينجح حزب إسلامي في الانتخابات في دولة ( حماس ، تركيا ) ، و يفشل في دولة أخرى ( مصر ، سوريا )

فالقائل بأن هذا المشروع فاشل على طول الخط ، و يمثّل بحزب الإخوان في مصر و الأردن مغالط ، مزوّر للحقائق ، ليس لديه أدنى وعي بفقه الواقع و مشاريع التغيير

كان الكثير من العلماء و الدعاة يتشفّون في الإسلاميين الذين انتهجوا بعض المشاريع و فشلوا فيها ، كالحال عندنا

أنظر لهم الآن بعد نجاح الثورة التونسية ، و قبلها نجاح الحسم العسكري لحماس في غزّة

ماذا يقولون ؟؟؟

أم أنّ الخروج على الحاكم إذا نجح يجوز ، و إذا فشل لا يجوز !!!!

و لنضرب المثال بما حدث في الجزائر

في التسعينات ، كان تزوير الأحداث و التعتيم على الأخبار و نسجها على وفق ما يشتهيه النظام أمرا ميسورا ، فالنظام هو الوحيد الذي يملك أجهزة الإعلام ، المسؤول عن إيصال المعلومة إلى الداخل و الخارج

أمّا الآن ، فالوضع متغير بشكل جذري

الآن ، كل من على الكرة الأرضية بإمكانه رؤية الحقيقة كما هي بالصوت و الصورة و على المباشر ، و بسرعة فائقة ، و أصبح تبادل المعلومة و تواصل الأخبار أمرا من السهولة بمكان ،

الآن عصر الأقمار الصناعية و البلوتوث والانترنيت و الفيس بوك و الويكيليكس و الجزيرة

بربّكم ، أنّى للأنظمة الآن تزوير أو إخفاء الحقيقة ؟؟

الكل مكشوف

أما رأيتم كيف كان الجيش المصري يتعامل مع الشعب ؟

تظنّون بأنه لو كان بإمكانهم استئصال شأفتهم عن بكرة أبيهم في عزلة و خفية ، أكانوا ينتظرون دقيقة واحدة ؟

يجب أن نفهم جيّدا متطلبات العصر و تغيّرات الواقع حتّى نستفيد منها جيّدا للوصول إلى مطالبنا و حقوقنا

و أن لا نسلّم فكرنا و عقلنا إلى الإعلام الرسمي المزيف ، أو إلى من صنع وعيَهُ هذا الإعلام سواء كان إماما في مسجد أو صحفيا في جريدة أو أستاذا في جامعة أو مفكرا أو مثقفا

و أخيرا يجب أن تعي الشعوب أن أسرع و أفضل و أقصر طريق الآن إلى تغيير النظام و إسقاطه هي هذه الثورات الشعبية في الشوارع

يستشهد فيها بضع عشرات في بضعة أيّام ، ليعيش بعدهم الملايين في عزّ و كرامة و حريّة و أمان

خيرٌ لهم من أن يعيشوا كالأنعام يموتوا بالملايين موتا بطيئا جراء الجوع و الفقر و الأمراض النفسية و الأزمات القلبية

فامضوا على بركة الله ، مع رياح التغيير التي هبّت ، فإنها بسم الله مجراها و مرساها ، حتّى يُهدّم ما كانوا يشيّدون

فموت الفتى في عزّةٍ خيرٌ له *** من أن يعيش أسيرَ طرفٍ أكحلِ

و

خيرٌ من حياةِ الذلّ موتٌ *** و بعض العار لا يمحوه ماحٍ

و الله المستعان ، و هو القاهر فوق عباده ، يذلّ من يشاء و يعزّ من يشاء

هو حسبنا و نعم الوكيل


الكاتب: أبو علي المدني
التاريخ: 29/01/2011