يــــريدون التغيـــر ولكـــن.....؟

 

بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
إن القلب ليحزن حين يرى أخوة في الله يسلكون طريق غير الطريق الصحيح أو يسلكون طريقا فيه نسبة من تحقيق الهدف لكن ليس هو الطريق القويم الذي يأتي بالنتيجة الصحيحة التي ليس لها آثار جانبية على الهدف المطلوب, وان مما لا شك فيه ان أهل الحق في هذا الزمان من العلماء والدعاة والمفكرين والمسلمين أجمعين يريدون أن يجعلوا كلمة الحق فوق هذا الباطل ,لكن كيف الطريق إلى ذلك , هل هو بإنشاء حزب من أشخاص معينين بدون تأصيلهم واعدادهم لتحمل الطريق ووعره وبدون انشاء القاعدة الصلبة القوية التي تواجه هذا الباطل مثلا,أو القيام بعمل مسلح بدون تخطيط محكم أو لكي تتحقق نتيجة معينة لا بد فيها من اظهار القوة ؟ هل هذا هو الطريق؟
إنني والله لأحزن من بعض الأخوان حين يدعوا شخص لأفكار معينه في التغيير ويهدرون أوقاتهم بشيء قد جربه قبلهم أناس ووصلوا إلى نتيجة أن هذا ليس الطريق الصحيح , ولكي تدرك ما أريد قوله وما هو الطريق الصحيح الذي أريد أن يسلكه هؤلاء سأنقل لك كلام من كتاب واقعنا المعاصر لمحمد قطب
كان يعمل رسول الله  ثلاثة عشر عاماً كاملة في مكة، وبعدها سنوات في المدينة. كان يعمل، ولم يكن يقول في نفسه وهو في مكة: إلى متى نظل نربى >ون أن "نعمل"؟ فقد كان يعلم يقيناً – بما علمه ربه – أن هذا هو "العمل" الأساسي الذي يسبق كل عمل. هذه هي "العقيدة". هذه هي "لا إله إلا الله" في حقيقتها الاعتقادية. ليست مجرد إقرار ذهني بأن الله تعالى واحد. فما أيسر أن يعتقد الذهن ذلك – وإن كان قد صعب على العرب في جاهليتهم – ولكن تبقى "شوائب" نفسية وشعورية كثيرة عالقة بهذا الاعتقاد الذهني، ولا تظهر إلا في السلوك العملي، في حالي الشدة والرخاء سواء، وإن كانت الشدة هي المجهر الأقوى الذي تبرز تحته كل شوائب الاعتقاد.
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ...} [سورة العنكبوت 29/10]
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [سورة العنكبوت 29/2-3]
لمثل هذا كان رسول الله  يلقى أصحابه في دار الأرقم: يربيهم ويعلمهم. يعلمهم العقيدة الصحيحة، ويربيهم عليها. فليست العقيدة مفهوماً ذهنياً تستوعبه الأذهان ثم يستقر فيها هناك! إنها على هذا النحو لا تصنع شيئاً في عالم الواقع، ولا تغير شيئاً في عالم الواقع. كالفلسفة في الأبراج العاجية. لا تغير شيئاً في واقع الناس! إنما هي "عقيدة". ترسخ وترسخ وترسخ، حتى تصبح يقيناً قلبياً تنطلق على هداه مشاعر القلب، ويجرى بمقتضاه السلوك العملي للإنسان.
وبهذه الصورة تعمل "العقيدة" في عالم الواقع.. تغير.. تهدم وتبنى.. تهدم الباطل وتبنى مكانه الحق.
وحين كان رسول الله  يربى أصحابه على العقيدة الصحيحة، كان ينشئ – بقدر الله – ذلك اليقين القلبي الذي ينبثق منه السلوك العملي، وكان – بهذا – ينشئ – بقدر الله – تلك النفوس العجيبة التي صنعت ما شاء الله لها أن تصنع من عجائب التاريخ.
بالقرآن.. بتوجيهاته الدائمة  .. بقيام الليل.. بالقدوة العملية في شخصه الكريم  .. برعايته لهم في المحنة.. بالحب الفياض من قلبه العظيم لهم.
بكل تلك الوسائل مجتمعة، تأصلت "العقيدة" في قلوب ذلك الجيل المتفرد، فكانت تلك "الطاقة" الهائلة التي صنعت الأعاجيب.
وفي غربة الإسلام الثانية نحتاج إلى مثل ما احتاج إليه الأمر في الغربة الأولى، إن لم يكن على ذات المستوى السامق، فعلى أقرب مستوى إليه يطيقه البشر في جولتهم الثانية لإزالة غربة الإسلام.
كم من الزمن يستغرق هذا الأمر؟ لا أدرى! ولكنى أعلم يقيناً أنه مطلوب. وأن "القاعدة" المطلوبة لابد أن تقوم على مثل هذا "الاعتقاد" في لا إله إلا الله، الذي يملأ القلب باليقين، ويتمثل – من ثم – في سلوك عملي.
  

يقول سبحانه وتعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات 49/10]
والأخوة من أجمل "المعاني" التي يمكن أن يتحدث عنها الإنسان! شفيفة لطيفة كالنور! ندية محببة إلى القلوب. ولكن ما "الأخوة" التي وردت الإشارة إليها في كتاب الله؟
يستطيع اثنان من البشر وهما يسيران في الطريق الواسع – في الأمن والسلامة – أن يتآخيا! أن يسيرا معاً وقد لف كل منهما ذراعه حول أخيه من الحب.
ولكن انظر إليهما وقد ضاق الطريق، فلا يتسع إلا لواحد منهما يسير وراء الآخر. فمن أقدّم؟ أقدم نفسي أم أقدم أخي وأتبعه؟
أم انظر إلى الطريق قد ضاق أكثر. فلم يعد يتسع إلا لواحد فقط دون الآخر!
إنها فرصة واحدة.. إما لى وإما لأخي.. فمن أقدّم؟ أقول: هذه فرصتي، وليبحث هو لنفسه عن فرصة؟ أم أقول لأخي: خذ هذه الفرصة أنت، وأنا أبحث لنفسي؟!
هذا هو "المحك".
إن الأخوة في الأمن والسلامة لا تكلف شيئاً! ولا تتعارض مع رغائب النفس. بل هي ذاتها رغبة من تلك الرغائب يسعى الإنسان لتحقيقها مقابل الراحة النفسية التي يجدها في تحققها.
أما في الشدة – أو في الطمع – فهنا تختبر الأخوة الاختبار الحق، الذي يتميز فيه الإيثار والحب للآخرين، ومن الأثرة وحب الذات، التي قد تخفي على صاحبها نفسه في السلام والأمن، فيظن نفسه "أخاً" محققاً لكل مستلزمات الأخوة!
كم جلسة.. كم درساً.. كم موعظة.. كم توجيهاً.. يحتاج إليها الإنسان الفرد، وتحتاج إليها الجماعة، وتحتاج إليها "القاعدة" ليرسخ في حسهم جميعاً هذا "المعنى" فلا يعود حقيقة ذهنية يستوعبها الذهن ثم ينتهي بها المقام هناك. إنما تتحول إلى وجدان قلبى، يتعمق في القلب حتى يصدر عنه سلوك عملي كذلك الذي ورد ذكره في كتاب الله:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)} [سورة الحشر 59/9]
إنه لمثل هذا كان يعمل رسول الله  وهو يربى أصحابه رضوان الله عليهم، ثلاثة عشر عاماً في مكة، وسنوات في المدينة بعد ذلك.
لم يكن يقول في نفسه وهو في مكة: إلى متى نظل نربى تلك المشاعر دون أن "نعمل"! لأنه كان يعلم يقيناً – بما علمه ربه – أن هذا من العمل الأساسي المطلوب لإنشاء القاعدة المؤمنة التي وُجِّه  لإنشائها. وأن هذه الأخوة – فوق أنها ضرورية لإقامة القاعدة المؤمنة التي هي نواة "الأمة المسلمة" – فهي جزء من "التحقيق السلوكي" للا إله إلا الله. فليست لا إله إلا الله وجداناً قلبياً عميقاً فحسب، بل هي التزام بما أنزل الله. ومن ثم فكل ما جاء من عند الله فالالتزام به هو من مقتضيات لا إله إلا الله. وقد أحب الله هذه الأخوة وامتدحها، وأوجبها على المؤمنين به، وأنزل فيها آيات كثيرة لعل من أبرزها:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [سورة الحجرات 49/11-12]
بالقرآن.. بالمصاحبة.. بالمعايشة.. بالتوجيه المستمر.. بالقدوة في شخصه الكريم  .. بالحب الذي يفيض من قلبه الكبير إليهم.. بالاهتمام بكل فرد منهم كأنه هو الأثير عنده.. بالممارسة العملية للمشاعر الإيمانية داخل "الجماعة".
بهذه الوسائل مجتمعة ربى رسول الله  هذه الجماعة المتآخية، التي صنعت بتآخيها الأعاجيب، وأقام ذلك البنيان المتين المترابط، الذي يشد بعضه بعضاً فيقويه.
وفي غربة الإسلام الثانية، نحتاج إلى مثل ما احتاج إليه الأمر في الغربة الأولى. إن لم يكن على ذات المستوى السامق، فعلى أقرب المستويات إليه. ذلك أن الضغوط الجاهلية تفتت كل ترابط، ما لم يكن ثيق الرباط إلى الحد الذي يتحمل كل الضغوط، ويبقى وثيقاً رغم كل الضغوط.
كم يستغرق هذا الأمر؟ لا أدرى! ولكنى أعلم يقيناً أنه مطلوب. وأن "القاعدة" التي يقع عليها عبء مواجهة الجاهلية بكل كيدها، ينبغي أن تحقق في سلوكها العملي هذا الخلق من أخلاقيات لا إله إلا الله، لتصبح جديرة برعاية الله. ولكي تستطيع أن تمضى في الطريق متآخية متساندة مترابطة وهي تتعرض للأهوال. انتهى


الكاتب: ابو هاجــــر
التاريخ: 28/05/2011